سورة القلم / الآية رقم 23 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

سَنَسِمُهُ عَلَى الخُرْطُومِ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا اليَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ العَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ

القلمالقلمالقلمالقلمالقلمالقلمالقلمالقلمالقلمالقلمالقلمالقلمالقلمالقلمالقلم




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جلّ جلاله: {إِنَّا بلوناهم}؛ أهل مكة، أي: امتحنّاهم بالقحط والجوع، حتى أكلوا الجِيفَ الرِّممَ، بدعاء النبي صلى الله عليه سلم حيث قال: «اللهم اشدُدْ وطأتَك على مُضَرَ، واجعلها عليهم سِنينَ كسِني يوسفَ» {كما بلونا أصحابَ الجنةِ}، وهم قوم من أهل الصلاة، قيل: كانوا مؤمنين، أهل كتاب، بعد رفع عيسى عليه السلام وكانوا ب ضرْوان على فراسخ من صنعاء اليمن. قال ابن جزي: كانوا من بني إسرائيل. اهـ. والجنة، قال ابن عباس: هو بستان، يقال له: الضّروان، دون صنعاء بفرسخين، يطؤه أهل الطريق، كان غَرَسه رجل من أهل الصلاح، فورثه ثلاثة بنين، فإذا أصرموه كان للمساكين كل ما تعدّاه المنجل والقِطاف، فإذا طرح من فوق النخل إلى البساط، فكل شيء سقط عن البساط؛ فهو للمساكين، فكان أبوهم يتصدّق منها على المساكين، فكان يعيش من ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين، وفي رواية: كان يأخذ قوت سنة، ويتصدّق بالباقي، وكان ينادي على الفقراء وقت الصرام، فلما مات أبوهم؛ قالوا: لقد قلَّ المال، وكثر العيال، فتحالفوا بينهم ليغدوا غدوة قبل خروج الناس، ويصرمونه، ولا يشعر المساكين، وهو قوله تعالى: {إِذْ أقسَموا}؛ حلفوا {لَيَصْرِمُنَّهَا مصبحين}؛ ليقطفنّها داخلين في الصباح، قبل انتشار الفقراء، {ولا يستثنون}؛ لا يقولون إن شاء الله، وسمي استثناء، وإن كان شرطاً صورةً؛ لأنه يؤدي مؤدّى الاستثناء؛ لأنّ قولك: لأخرجنّ إن شاء الله، و: لا أخرج إلاّ أن يشاء الله، واحدٌ، أو: لا يستثنون؛ حصة المساكين، كما كان يفعل أبوهم.
{فطاف عليها} أي: على الجنة {طائف من ربك} أي: نزل عليها بلاء من جهته تعالى، قيل: أنزل الله عليها ناراً فأحرقتها، وقيل: طاف بها جبريل، لأنه الموكل بالخسف، فاقتلعها، وطاف بها حول البيت، ثم وضعها بالطائف، وليس بمكة وما قرب منها بستان غيرها، وهي مدينة الطائف. انظر اللباب. {وهم نائمون} أي: في حال نومهم، أو: غافلون عما جرت به المقادير، {فأصبحتْ} أي: فصارت الجنة {كالصَّرِيم}؛ كالبستان الذي صرمت ثماره، بحيث لم يبقَ فيها شيء، وقيل: كالليل المُظلم، احترقت فاسودّت، أو: كالصبح، أي: صارت أرضاً بيضاء بلا شجر. وفي القاموس: الصريم: الأرض المحصود زرعها، والصبح والليل. اهـ.
{فَتَنَادَوا} أي: نادى بعضُهم بعضاً {مصبحين}؛ داخلين في الصباح: {أَنِ اغْدوا} أي: اخرجوا غدوه {على حَرْثِكم}؛ بستانكم وضيعتكم، وتعدية الغدو ب على لتضمنه معنى الإقبال والاستيلاء، {إِن كنتم صارمين}؛ قاصدين الصرم. {فانطلقوا وهم يتخافتون}؛ يتساررون فيما بينهم بطريق المخافتة، لئلا يسمع المساكين {أن لا يدخلنَّها} أي: الجنة، و{أن} مفسرة، أي: قائلين في تلك المخافتة: لايدخلنها {اليومَ عليكم مسكين}، والنهي عن دخول المساكين نهي عن التمكين على وجه المبالغة، أي: لا تُمكنوهم من الدخول.
{وغَدَوا على حَرْدٍ}؛ على جِدٍّ في المنع {قادرين} عند أنفسهم على المنع، كذا عن نفطوية، من قولهم: حردت الإبل إذا قلَّت ألبانها فمنعتها، وحاردت السنة إذا كانت شهباء، من قلة مطرها، أو: الحرد: القصد والسرعة، يقال: حَرَدَ حَرْده، أي: قصد قصده، قال الشاعر:
أقْبَلَ سَيْلٌ جاء من أَمْرِ الله *** يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنةِ المُغِلَّهْ
أي: يقْصد قصدها، أي: وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة قادرين على صِرامها عند أنفسهم، وقيل: معنى الحرد: الغضب، يقال: حَرِدَ الرجل حَرْداً: غضب، أي: غدوا على غضبٍ على المسكين قادرين على المنع، أو على صِرامها في زعمهم، وقيل: الحرد: اسم للجنة، أي: غدوا على تلك الجنة قادرين على صِرامها عند أنفسهم.
{فلما رَأَوها} أي: جنتهم محترقة {قالوا إِنَّا لضالون} أي: ضللنا جنتنا، وما هي بها، لِما رأوا من هلاكها، فلما تأمّلوا وعرفوا أنها هي، قالوا: {بل نحن محرومون}؛ حُرمنا خيرها بجنايتنا على أنفسنا، {قال أوسطُهم} أي: أعدلُهم وخيرُهم رأياً، أو: أكبرهم سنًّا: {ألم أقل لكم لولا تُسبِّحون}؟ تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نياتكم، وقد كان قال لهم حين عزموا على ذلك: اذكروا الله، وتوبوا إليه من هذه الجريمة الخبيثة من فوركم، وسارِعوا إلى حَسْم شرها قبل حلول النقمة، فَعَصوه. وقيل: المراد بالتسبيح: الاستثناء؛ لأنه تعظيم لله تعالى في الجملة؛ لأنَّ الاستثناء تفويض إليه، والتسبيح تنزيه، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم، والأول أنسب بقوله: {قالوا سبحان ربنا إِنَّا كنا ظالمين} فيما عزمنا عليه من المنع، أو: في عدم الاستثناء، فتكلّموا بعد نزول العذاب بما كان يدعوهم إلى التكلُّم به قبل نزوله.
{فأقبل بعضُهم على بعض يتلاومون} أي: يلوم بعضُهم بعضاً بما فعلوا من الهرب من المساكين، ويُحيل كلُّ واحد منهم اللائمة على الآخر، ثم اعترفوا جميعاً بأنهم تجاوزوا الحد بقوله: {قالوا يا ويلنا إِنَّا كنا ظالمين}؛ متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء حقهم، وتَرْكِ الاستثناء، {عسى ربُّنا أن يُبْدلنا خيراً منها} أي: يعطينا خيراً من جنتنا ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة، {إِنَّا إِلى ربنا راغبون}؛ طالبون منه الخير، راجون العفو منه. وعن مجاهد: ثابوا فأُبدلوا خيراً منها، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: بلغني أنهم أخلصوا، فأبدلهم الله جنة تُسمى الحيوان، فيها عنب يحمل البغل منه عنقوداً، وعن أبي خالد اليماني أنه رآها، ورأى كل عنقود منها كالرجُل الأسود القائم، وقد تقدّم أنهم مؤمنون، إمّا من بني إسرائيل أو غيرهم، فلا معنى لمَن توقف في قولهم: {إِنَّا إِلى ربنا راغبون} هل يكون إسلاماً أم لا؟ نعم، قد قيل: إنهم كانوا كفاراً، فيحتمل أن يكون قولهم هذا إسلاماً، أو يكون على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم شدة.
قال تعالى: {كذلك العذابُ} أي: مثل ذلك العذاب الذي ذكرناه في حق أصحاب الجنة هو عذاب الدنيا لمَن تخالف أمرنا، ولم يشكر نِعمنا، {ولَعذابُ الآخرة أكبرُ}؛ أعظم منه وأشد، {لو كانوا يعلمون} أنه أكبر لا حترزوا عما يؤديهم إليه.
قال الطيبي: قال الإمام أي الفخر: المقصود من القصة أنه تعالى قال: {أن كان ذا مال وبنين إِذا تُتلى عليه آياتنا قال...} الخ؛ أي: لأجل أن أعطاه الله المال والبنين كفر بالله إنما أعطاه ذلك للابتلاء، فإذا صرفه إلى الكفر دمّر الله عليه؛ لأنّ أصحاب الجنة لَمَّا أَتوا بهذا القدر اليسير من المعصية، دمَّر الله على جنتهم، فكيف حال مَن عاند الرسولَ، وأصرّ على الكفر والمعصية؟ أو: لأنَّ أصحاب الجنة خرجوا لينتفعوا بالجنة، ويمنعوا الفقراء منها، فقلب الله عليهم القضية، فكذا أهل ممكة، حَردُوا إلى بدر أرادوا الكيد بمحمد وأصحابه صلوات الله عليه فأخلف الله ظنّهم، فقُتلوا وأُسروا. اهـ.
الإشارة: مَن كان يفعل الإحسان، ويُوسع في العطاء، ثم قبض يده، فإنَّ الله يقبض فيضه عنه، كما قبض هو إحسانه عن عباده، فما دام يُوسّع فإنَّ الله يُوسّع عليه، فإذا قبض قبض الله عنه، {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} [الأنعام: 139]، وكذلك مَن خالف عادة أسلافه في العطاء وشدّ يده؛ فإنَّ الله يُخالف عنه ما كان يفعل مع أسلافه، من فَيْض الأرزاق الحسية أو المعنوية، فإن تاب ورجع إلى فعل ما كان عليه أسلافه؛ أعاد الله عليه إحسانه، كما فعل بأصحاب الجنة حين تابوا، وهذا صريح الآية، وتَصْدق أيضاً بمَن كان يُنفق من سعة علومه ومواهبه، ثم قبض ذلك من غير عذر، فإنَّ الله تعالى يقبض عنه زيادة المواهب، وربما يطوف على باطنه طائف من الله، فيُصبح خالياً من ثمار المواهب، حتى يتوب ويرجع إلى ما كان عليه، وبالله التوفيق.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال