سورة نوح / الآية رقم 25 / تفسير تفسير الشوكاني / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطاً لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَداًّ وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً

نوحنوحنوحنوحنوحنوحنوحنوحنوحنوحنوحنوحنوحنوحنوح




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


قوله: {قَالَ نُوحٌ رَّبّ إِنَّهُمْ عصونى} أي: استمرّوا على عصياني ولم يجيبوا دعوتي، شكاهم إلى الله عزّ وجلّ، وأخبره بأنهم عصوه ولم يتبعوه، وهو أعلم بذلك {واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً} أي: اتبع الأصاغر رؤساءهم؛ وأهل الثروة منهم الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلاّ ضلالاً في الدنيا وعقوبة في الآخرة. قرأ أهل المدينة، والشام، وعاصم، وولده بفتح الواو واللام. وقرأ الباقون بسكون اللام، وهي لغة في الولد، ويجوز أن يكون جمعاً، وقد تقدّم تحقيقه، ومعنى {واتبعوا}: أنهم استمرّوا على اتباعهم لا أنهم أحدثوا الاتباع {وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً} أي: مكراً كبيراً عظيماً، يقال: كبير وكبار، وكبار مثل عجيب وعجاب وعجاب، وجميل وجمال وجمال. قال المبرد: كباراً بالتشديد للمبالغة، ومثل {كباراً} قرّاء لكثير القراءة، وأنشد ابن السكيت:
بيضاء تصطاد القلوب وتستبي *** بالحسن قلب المسلم القرّاء
قرأ الجمهور: {كباراً} بالتشديد. وقرأ ابن محيصن، وحميد، ومجاهد بالتخفيف. قال أبو بكر: هو جمع كبير كأنه جعل مكراً مكان ذنوب أو أفاعيل، فلذلك وصفه بالجمع.
وقال عيسى بن عمر: هي لغة يمانية.
واختلف في مكرهم هذا ما هو؟ فقيل: هو تحريشهم سفلتهم على قتل نوح، وقيل: هو تغريرهم على الناس بما أوتوا من المال والولد حتى قال الضعفة: لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم.
وقال الكلبي: هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد.
وقال مقاتل: هو قول كبرائهم لأتباعهم لا تذرنّ إلهتكم وقيل: مكرهم كفرهم. {وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ} أي: لا تتركوا عبادة إلهتكم، وهي الأصنام والصور التي كانت لهم، ثم عبدتها العرب من بعدهم، وبهذا قال الجمهور. {وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} أي: لا تتركوا عبادة هذه. قال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح، فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة، فقال لهم إبليس: لو صوّرتم صورهم كان أنشط لكم وأسوق إلى العبادة، ففعلوا، ثم نشأ قوم من بعدهم، فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت، وسميت هذه الصور بهذه الأسماء، لأنهم صوّروها على صورة أولئك القوم.
وقال عروة بن الزبير وغيره: إن هذه كانت أسماء لأولاد آدم، وكان ودّ أكبرهم. قال الماوردي: فأما ودّ، فهو أوّل صنم معبود، سمي ودّاً لودّهم له، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل في قول ابن عباس، وعطاء، ومقاتل، وفيه يقول شاعرهم:
حياك ودّ فإنا لا يحل لنا *** لهو النساء وإن الدين قد غربا
وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر، وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجرف من سبأ في قول قتادة.
وقال المهدوي: لمراد ثم لغطفان؛ وأما يعوق فكان لهمدان في قول قتادة، وعكرمة، وعطاء.
وقال الثعلبي: كان لكهلان بن سبأ، ثم توارثوه حتى صار في همدان، وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني:
يريش الله في الدنيا ويبري *** ولا يبري يعوق ولا يريش
وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير في قول قتادة، ومقاتل. قرأ الجمهور: {ودّاً} بفتح الواو. وقرأ نافع بضمها. قال الليث: ودّ بضم الواو صنم لقريش، وبفتحها صنم كان لقوم نوح، وبه سمي عمرو بن ودّ. قال في الصحاح. والودّ بالفتح: الوتد في لغة أهل نجد كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال. وقرأ الجمهور: {ولا يغوث ويعقوق} بغير تنوين، فإن كانا عربيين، فالمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وإن كانا عجميين، فللعجمة والعلمية. وقرأ الأعمش: {ولا يغوثا ويعوقا} بالصرف. قال ابن عطية: وذلك وهم. ووجه تخصيص هذه الأصنام بالذكر مع دخولها تحت الإلهة؛ لأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها {وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً} أي: أضلّ كبراؤهم ورؤساؤهم كثيراً من الناس. وقيل: الضمير راجع إلى الأصنام: أي: ضلّ بسببها كثير من الناس كقول إبراهيم: {رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس} [إبراهيم: 36] وأجرى عليهم ضمير من يعقل لاعتقاد الكفار الذين يعبدونها أنها تعقل. {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً} معطوف على {رَّبّ إِنَّهُمْ عصونى} ووضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالظلم.
وقال أبو حيان: إنه معطوف على قد أضلوا، ومعنى: {إِلاَّ ضَلاَلاً} إلاّ عذاباً: كذا قال ابن بحر، واستدلّ على ذلك بقوله: {إِنَّ المجرمين فِى ضلال وَسُعُرٍ} [القمر: 47]. وقيل: إلاّ خسراناً. وقيل: إلاّ فتنة بالمال والولد. وقيل: الضياع. وقيل: ضلالاً في مكرهم.
{مّمَّا خطيئاتهم أُغْرِقُواْ} {ما} مزيدة للتأكيد، والمعنى: من خطيئاتهم، أي من أجلها وبسببها أغرقوا بالطوفان {فَأُدْخِلُواْ نَاراً} عقب ذلك، وهي نار الآخرة. وقيل: عذاب القبر. قرأ الجمهور: {خطيئاتهم} على جمع السلامة، وقرأ أبو عمرو: {خطاياهم} على جمع التكسير، وقرأ الجحدري، وعمرو بن عبيد، والأعمش، وأبو حيوة، وأشهب العقيلي: {خطيئتهم} على الإفراد، قال الضحاك عذبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في حالة واحدة كانوا يغرقون في جانب ويحترقون في جانب. قرأ الجمهور: {أغرقوا} من أغرق، وقرأ زيد بن عليّ: {غرقوا} بالتشديد. {فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مّن دُونِ الله أَنصَاراً} أي: لم يجدوا أحداً يمنعهم من عذاب الله ويدفعه عنهم.
{وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الارض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} معطوف على {قَالَ نُوحٌ رَّبّ إِنَّهُمْ عصونى} لما أيس نوح عليه السلام من إيمانهم وإقلاعهم عن الكفر دعا عليهم بالهلاك. قال قتادة: دعا عليهم بعد أن أوحي إليه: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} [هود: 36] فأجاب الله دعوته وأغرقهم.
وقال محمد بن كعب، ومقاتل، والربيع بن أنس، وابن زيد، وعطية: إنما قال هذا حين أخرج الله كلّ مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم، وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنة. وقيل: بأربعين. قال قتادة: لم يكن فيهم صبيّ وقت العذاب.
وقال الحسن، وأبو العالية: لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذاباً من الله لهم، وعدلاً فيهم، ولكن أهلك ذرّيتهم وأطفالهم بغير عذاب، ثم أهلكهم بالعذاب، ومعنى {دَيَّاراً}: من يسكن الديار، وأصله ديوار على فيعال، من دار يدور، فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى، مثل القيام أصله قيوام، وقال القتيبي: أصله من الدار أي: نازل بالدار. يقال: ما بالدار ديار أي: أحد. وقيل الديار: صاحب الديار، والمعنى: لا تدع أحداً منهم إلاّ أهلكته {إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ} أي: إن تتركهم على الأرض يضلوا عبادك عن طريق الحقّ {وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} أي: إلاّ فاجراً بترك طاعتك كفاراً لنعمتك أي: كثير الكفران لها، والمعنى: إلاّ من سيفجر ويكفر.
ثم لما دعا على الكافرين أتبعه بالدعاء لنفسه ووالديه والمؤمنين، فقال: {رَّبّ اغفر لِى ولوالدى} وكانا مؤمنين، وأبوه لامك بن متوشلخ، كما تقدّم، وأمه سمحاء بنت أنوش، وقيل: أراد آدم وحواء.
وقال سعيد بن جبير: أراد بوالديه أباه وجدّه. وقرأ سعيد بن جبير: {ولوالدي} بكسر الدال على الإِفراد. {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ} قال الضحاك، والكلبي: يعني مسجده، وقيل: منزله الذي هو ساكن فيه، وقيل: سفينته. وقيل: لمن دخل في دينه، وانتصاب {مُؤْمِناً} على الحال، أي: لمن دخل بيتي متصفاً بصفة الإيمان، فيخرج من دخله غير متصف بهذه الصفة كامرأته وولده الذي قال: {سَآوِى إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الماء} [هود: 43] ثم عمم الدعوة، فقال: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} أي: واغفر لكل متصف بالإيمان من الذكور والإناث. ثم عاد إلى الدعاء على الكافرين، فقال: {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً} أي: لا تزد المتصفين بالظلم إلاّ هلاكاً، وخسراناً ودماراً وقد شمل دعاؤه هذا كل ظالم إلى يوم القيامة، كما شمل دعاؤه للمؤمنين والمؤمنات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} قال: هذه الأصنام كانت تعبد في زمن نوح.
وأخرج البخاري، وابن المنذر، وابن مردويه عنه قال: صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب: أما ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه أنصاباً، وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال