سورة النساء / الآية رقم 58 / تفسير نيل المرام / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً

النساءالنساءالنساءالنساءالنساءالنساءالنساءالنساءالنساءالنساءالنساءالنساءالنساءالنساءالنساء




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


الآية السادسة عشرة:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58)}.
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها} هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع، لأن الظاهر أن الخطاب يشمل جميع الناس في جميع الأمانات. وقد روي عن علي وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب أنها خطاب لولاة المسلمين والأول أظهر، وورودها على سبب لا ينافي ما فيها من العموم، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول، بل قال الواحدي: أجمع المفسرون على ذلك.
ويدخل الولاة في هذا الخطاب دخولا أوليا فيجب عليهم تأدية ما لديهم من الأمانات ورد الظلامات وتحرّي العدل في أحكامهم. ويدخل غيرهم من الناس في الخطاب فيجب عليهم ردّ ما لديهم من الأمانات والتحري في الشهادات والأخبار.
وممن قال بعموم هذا الخطاب: البراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس وأبيّ بن كعب، واختاره جمهور المفسرين ومنهم ابن جرير، وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها: الأبرار منهم والفجار كما قال ابن المنذر.
والأمانات جمع أمانة وهي مصدر بمعنى المفعول.
{وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}: هو فصل الحكومة على ما في كتاب اللّه وسنة رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لا الحكم بالرأي المجرد، فإن ذلك ليس من الحق في شيء إلا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب اللّه ولا في سنة رسوله، فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم حكم اللّه سبحانه، وما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص.
وأما الحاكم الذي لا يدري بحكم اللّه ورسوله ولا بما هو أقرب إليهما فلا يدري ما هو العدل، لأنه لا يعقل الحجة إذا جاءته فضلا عن أن يحكم بها بين عباد اللّه، وقد أفاد الإمام الرباني محمد بن علي الشوكاني في مختصره حيث قال في كتاب القضاء: إنما يصح قضاء من كان مجتهدا متورعا عن أموال الناس عادلا في القضية حاكما بالسوية. انتهى.
وقال في شرحه: أما كونه إنما يصح قضاء من كان مجتهدا فلما في الكتاب العزيز من الأمر بالقضاء بالعدل والقسط وبما أراد اللّه. ولا يعرف ذلك إلا مجتهدا لأن المقلد إنما يعرف قول إمامه دون حجته، وهكذا لا يحكم بما أراه اللّه إلا من كان مجتهدا، لا من كان مقلدا فما أراه اللّه شيئا بل أراه إمامه ما يختاره لنفسه.
ومما يدل على اعتبار الاجتهاد حديث بريدة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم، فهو في النار...». أخرجه ابن ماجة وأبو داود والنسائي والترمذي والحاكم وصححه. وقد جمع ابن حجر طرقه في جزء مفرد.
ووجه الدلالة أنه لا يعرف الحق إلا من كان مجتهدا، وأما المقلد فهو يحكم بما قال إمامه ولا يدري أحق هو أم باطل، فهو القاضي الذي قضى للناس على جهل وهو أحد قاضيي النار.
ومن الأدلة على اشتراط الاجتهاد قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)}، و{الظَّالِمُونَ}، و{الْفاسِقُونَ}، ولا يحكم بما أنزل اللّه إلا من عرف التنزيل والتأويل.
ومما يدل على ذلك حديث معاذ لما بعثه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى اليمن فقال له: «بم تقضي»؟
قال: بكتاب للّه. قال: «فإن لم تجد»؟ قال: فبسنّة رسول اللّه. قال: «فإن لم تجد»؟ قال فبرأيي، وهو حديث مشهور. وقد بينت طرقه ومن خرجه في بحث مستقل.
ومعلوم أن المقلد لا يعرف كتابا ولا سنة ولا رأي له، بل لا يدري بأن الحكم موجود في الكتاب والسنة فيقضي به أو ليس بموجود فيجتهد برأيه.
فإذا ادعى المقلد أنه يحكم برأيه فهو يعلم أنه يكذب على نفسه لاعترافه بأنه لا يعرف كتابا ولا سنة، فإذا زعم أنه حكم برأيه فقد أقر على نفسه بأنه حكم بالطاغوت.
انتهى كلامه.
ويزيد ذلك قوة وشرحا ما قاله السيد العلامة بدر اللّه المنير محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير رضي اللّه عنه في سبل السلام شرح بلوغ المرام في شرح حديث عمرو بن العاص رضي اللّه عنه أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، فإذا حكم ثم أخطأ فله أجر». متفق عليه.
والحديث من أدلة القول بأن الحكم عند اللّه في كل قضية واحد، قد يصيبه من أعمل فكره وتتبع الأدلة ووفقه اللّه تعالى فيكون له أجران: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة.
والذي له أجر واحد من اجتهد فأخطأ فله أجر الاجتهاد..
واستدلوا بالحديث على أنه يشترط أن يكون الحاكم مجتهدا. قال الشارح- يعني القاضي المغربي صاحب البدر التمام شرح بلوغ المرام- وغيره وهو المتمكن من أخذ الأحكام من الأدلة الشرعية- قال: ولكنه لغير وجوده بل كاد يعدم بالكلية ومع تعذره، فمن شرطه أن يكون مقلدا مجتهدا في مذهب إمامه، ومن شرطه أن يحقق أصول إمامه وأدلته وينزل أحكامه عليها فيما لم يجده منصوصا عليه من مذهب إمامه. انتهى. قلت: ولا يخفى ما في هذا الكلام من البطلان وإن تطابق عليه الأعيان وقد بينا بطلان دعوى تعدد الاجتهاد في رسالتنا إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد بما لا يمكن دفعه. وما أرى هذه الدعوى التي تطابقت عليها الأنظار إلا من كفران نعمة اللّه عليهم فإنهم- أعني المدعين لهذه الدعوى والمقررين لها- مجتهدون يعرف حدهم من الأدلة ما يمكنه بها الاستنباط مما لم يكن قد عرفه عتاب بن أسيد قاضي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على مكة، ولا أبو موسى الأشعري قاضي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في اليمن، ولا معاذ بن جبل قاضيه فيهما وعامله عليها، ولا شريح قاضي عمر وعلي رضي اللّه عنهما على الكوفة.
ويدل لذلك قول الشارح: فمن شرطه- أي المقلد- أن يكون مجتهدا في مذهب إمامه وأن يحقق أصوله وأدلته فإن هذا هو الاجتهاد الذي حكم بكيدودة عدمه بالكلية وسماه متعذرا فهلا جعل هذا المقلد إمامه كتاب اللّه وسنة رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عوضا عن إمامه؟
وتتبع نصوص الكتاب والسنة عوضا عن تتبع نصوص إمامه؟ والعبارات كلها ألفاظ دالة على معان فهلا استبدل بألفاظ إمامه ومعانيها ألفاظ الشارع ومعانيها؟ ونزل الأحكام عليها إذا لم يجد نصا شرعيا عوضا عن تنزيلها على مذهب إمامه فيما لم يجده منصوصا؟
تاللّه لقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير من معرفة الكتاب والسنة إلى معرفة كلام الشيوخ والأصحاب وتفهم مرامهم، والتفتيش عن كلامهم.
ومن المعلوم يقينا أن كلام اللّه تعالى وكلام رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أقرب إلى الأفهام وأدنى إلى إصابة بلوغ المرام، فإنه أبلغ الكلام بالإجماع، وأعذبه في الأفواه والأسماع وأقربه إلى الفهم والانتفاع، ولا ينكر هذا إلا جلمود الطباع ومن لا حظ له في النفع والانتفاع، والأفهام التي فهم بها الصحابة والكلام الإلهي، والخطاب النبوي هي كأفهامنا، وأحلامهم كأحلامنا، إذ لو كانت الأفهام متفاوتة تفاوتا يسقط معه فهم العبارات الإلهية والأحاديث النبوية لما كنا مكلفين ولا مأمورين ولا منهيين لا اجتهادا ولا تقليدا.
أما الأول: فلاستحالته، وأما الثاني: فلأنا لا نقلد حتى نعلم أنه يجوز لنا التقليد، ولا نعلم ذلك إلا بعد فهم الدليل من الكتاب والسنة على جوازه لتصريحهم بأنه لا يجوز التقليد في جواز التقليد، فهذا الفهم الذي فهمنا به هذا الدليل نفهم به غيره من الأدلة من كثير وقليل.
على أنه قد شهد المصطفى صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأنه يأتي من بعده من هو أفقه ممن في عصره وأوعى لكلامه حيث قال: «فرب مبلّغ أفقه من سامع» وفي لفظ: «أوعى له من سامع».
والكلام قد وفيناه حقه في الرسالة المذكورة. انتهى كلام السبل. وقد بسطت القول في ذلك في رسالتي الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال