سورة الإنسان / الآية رقم 9 / تفسير تفسير ابن كثير / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ تَنزِيلاً فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً

الإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسانالإنسان




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)}
يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه به من السلاسل والأغلال والسعير، وهو اللهب والحريق في نار جهنم، كما قال: {إِذِ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: 71، 72].
ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده: {إِنَّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة، مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة.
قال الحسن: برد الكافور في طيب الزنجبيل؛ ولهذا قال: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} أي: هذا الذي مُزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويَرْوَوْنَ بها؛ ولهذا ضمن يشرَب يروى حتى عداه بالباء، ونصب {عَيْنًا} على التمييز.
قال بعضهم: هذا الشراب في طيبه كالكافور.
وقال بعضهم: هو من عين كافور.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون منصوبًا بـ {يَشْرَبُ} حكى هذه الأقوال الثلاثة ابنُ جرير.
وقوله: {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} أي: يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم.
والتفجير هو الإنباع، كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90]. وقال: {وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا} [الكهف: 33].
وقال مجاهد: {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} يقودونها حيث شاؤوا، وكذا قال عكرمة، وقتادة.
وقال الثوري: يصرفونها حيث شاؤوا.
وقوله: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} أي: يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر.
قال الإمام مالك، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن مالك، عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يَعصي الله فلا يَعصِه»، رواه البخاري من حديث مالك.
ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد، وهو اليوم الذي شره مستطير، أي: منتشر عام على الناس إلا من رَحِمَ الله.
قال ابن عباس: فاشيًا.
وقال قتادة: استطار- والله- شرّ ذلك اليوم حتى مَلأ السماوات والأرض.
قال ابن جرير: ومنه قولهم: استطار الصدع في الزجاجة واستطال. ومنه قول الأعشى:
فَبَانَتْ وَقَد أسْأرت في الفُؤا *** د صَدْعًا على نَأيها مُستَطيرًا
يعني: ممتدا فاشيا.
وقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} قيل: على حب الله تعالى. وجعلوا الضمير عائدًا إلى الله عز وجل لدلالة السياق عليه. والأظهر أن الضمير عائد على الطعام، أي: ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له، قاله مجاهد، ومقاتل، واختاره ابن جرير، كقوله تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177]، وكقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92].
وروى البيهقي، من طريق الأعمش، عن نافع قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنبا- أول ما جاء العنب- فأرسلت صفية- يعني امرأته- فاشترت عنقودًا بدرهم، فاتبع الرسولَ السائل، فلما دخل به قال السائل: السائل. فقال ابن عمر: أعطوه إياه. فأعطوه إياه. ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت عنقودًا فاتبع الرسولَ السائلُ، فلما دخل قال السائل: السائل. فقال ابن عمر: أعطوه إياه. فأعطوه إياه. فأرسلت صفية إلى السائل فقالت: والله إن عُدتَ لا تصيبُ منه خيرًا أبدًا. ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به.
وفي الصحيح: «أفضل الصدقة أن تَصَدّقَ وأنت صحيح، شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر» أي: في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه؛ ولهذا قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} أما المسكين واليتيم، فقد تقدم بيانهما وصفتهما. وأما الأسير: فقال سعيد بن جبير، والحسن، والضحاك: الأسير: من أهل القبلة.
وقال ابن عباس: كان أسراؤهم يومئذ مشركين. ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء، وهكذا قال سعيد بن جبير، وعطاء، والحس، وقتادة.
وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأرقاء في غير ما حديث، حتى إنه كان آخر ما أوصى أن جعل يقول: «الصلاةَ وما ملكت أيمانكم».
وقال عكرمة: هم العبيد- واختاره ابن جرير- لعموم الآية للمسلم والمشرك.
قال مجاهد: هو المحبوس، أي: يطعمون لهؤلاء الطعام وهم يشتهونه ويحبونه، قائلين بلسان الحال: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أي: رجاءَ ثواب الله ورضاه {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} أي: لا نطلب منكم مجازاة تكافئونا بها ولا أن تشكرونا عند الناس.
قال مجاهد وسعيد بن جبير: أما والله ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم الله به من قلوبهم، فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغب.
{إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} أي: إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه، في اليوم العبوس القمطرير.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس {عَبُوسًا} ضيقا، {قَمْطَرِيرًا} طويلا.
وقال عكرمة وغيره، عنه، في قوله: {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} أي: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عَرَق مثل القَطرَان.
وقال مجاهد: {عَبُوسًا} العابس الشفتين، {قَمْطَرِيرًا} قال: تقبيض الوَجه بالبُسُور.
وقال سعيد بن جبير، وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول، {قَمْطَرِيرًا} تقليص الجبين وما بين العينين، من الهول.
وقال ابن زيد: العبوس: الشر. والقمطرير: الشديد.
وأوضح العبارات وأجلاها وأحلاها، وأعلاها وأولاها- قولُ ابن عباس، رضي الله عنه.
قال ابن جرير: والقمطرير هو: الشديد؛ يقال: هو يوم قمطرير ويوم قُماطِر، ويوم عَصِيب وعَصَبْصَب، وقد اقمطرّ اليومُ يقمطرّ اقمطرارا، وذلك أشد الأيام وأطولها في البلاء والشدة، ومنه قول بعضهم:
بنَي عَمّنا هل تَذكُرونَ بَلاءنَا *** عَلَيكم إذَا ما كانَ يومُ قُمَاطرُ
قال الله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} وهذا من باب التجانس البليغ، {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} أي: آمنهم مما خافوا منه، {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً} أي: في وجوههم، {وَسُرُورًا} أي: في قلوبهم. قاله الحسن البصري، وقتادة، وأبو العالية، والربيع بن أنس. وهذه كقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: 38، 39]. وذلك أن القلب إذا سُرَّ استنار الوجه، قال كعب بن مالك في حديثه الطويل: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ، استنار وجهه حتى كأنه قطعة قَمَر وقالت عائشةُ: دخل عَلَيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تَبرُقُ أسَاريرُ وَجْهه. الحديث.
وقوله: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} أي: بسبب صبرهم أعطاهم ونَوّلهم وبوّأهم {جَنَّةً وَحَرِيرًا} أي: منزلا رحبا، وعيشا رَغَدًا ولباسًا حَسَنًا.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الدّارَاني قال: قرئ على أبي سليمان الداراني سورة: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ} فلما بلغ القارئ إلى قوله: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} قال بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا، ثم أنشد:
كَم قَتيل بشَهوةٍ وأسير *** أفّ مِنْ مُشتَهِي خِلاف الجَميل
شَهوَاتُ الإنْسان تورثه الذُّل *** وَتُلْقيه في البَلاء الطَّويل




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال