سورة النازعات / الآية رقم 2 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً وَكَأْساً دِهَاقاً لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفاًّ لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ المَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحَافِرَةِ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى

النبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنازعاتالنازعاتالنازعاتالنازعاتالنازعاتالنازعاتالنازعاتالنازعات




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (1) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (2) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (3) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (4) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)}
قوله تعالى: {وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً}: أقسم سبحانه بهذه الأشياء التي ذكرها، على أن القيامة حق. والنَّازِعاتِ: الملائكة التي تنزع أرواح الكفار، قاله علي رضي الله عنه، وكذا قال ابن مسعود وابن عباس ومسروق ومجاهد: هي الملائكة تنزع نفوس بين آدم. قال ابن مسعود: يريد أنفس الكفار ينزعها ملك الموت من أجسادهم، من تحت كل شعرة، ومن تحت الأظافير وأصول القدمين نزعا كالسفود ينزع من الصوف الرطب، يغرقها، أي يرجعها في أجسادهم، ثم ينزعها فهذا عمله بالكفار. وقاله ابن عباس.
وقال سعيد بن جبير: نزعت أرواحهم، ثم غرقت، ثم حرقت، ثم قذف بها في النار.
وقيل: يرى الكافر نفسه في وقت النزع كأنها تغرق.
وقال السدي: والنَّازِعاتِ هي النفوس حين تغرق في الصدور. مجاهد: هي الموت ينزع النفوس. الحسن وقتادة: هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق، أي تذهب، من قولهم: نزع إليه أي ذهب، أو من قولهم: نزعت الخيل أي جرت. غَرْقاً أي إنها تغرق وتغيب وتطلع من أفق إلى أفق آخر. وقاله أبو عبيدة وابن كيسان والأخفش.
وقيل: النازعات القسي تنزع بالسهام، قاله عطاء وعكرمة. وغَرْقاً بمعنى إغراقا، وإغراق النازع في القوس أن يبلغ غاية المد، حتى ينتهي إلى النصل. يقال: أغرق في القوس أي استوفى مدها، وذلك بأن تنتهي إلى العقب الذي عند النصل الملفوف عليه. والاستغراق الاستيعاب. ويقال لقشرة البيضة الداخلة: غرقئ.
وقيل: هم الغزاة الرماة. قلت: هو والذي قبله سواء، لأنه إذا أقسم بالقسي فالمراد النازعون بها تعظيما لها، وهو مثل قوله تعالى: {وَالْعادِياتِ ضَبْحاً} [العاديات: 1] والله أعلم. وأراد بالاغراق: المبالغة في النزع وهو سائر في جميع وجوه تأويلها.
وقيل: هي الوحش تنزع من الكلا وتنفر. حكاه يحيى ابن سلام. ومعنى غَرْقاً أي إبعادا في النزع. قوله تعالى: {وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً} قال ابن عباس: يعني الملائكة تنشط نفس المؤمن فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير: إذا حل عنه.
وحكى هذا القول الفراء ثم قال: والذي سمعت من العرب أن يقولوا أنشطت وكأنما أنشط من عقال. وربطها نشطها والرابط الناشط، وإذا ربطت الحبل في يد البعير فقد نشطته، فأنت ناشط، وإذا حللته فقد أنشطته وأنت منشط. وعن ابن عباس أيضا: هي أنفس المؤمنين عند الموت تنشط للخروج، وذلك أنه ما من مؤمن يحضره الموت إلا وتعرض عليه الجنة قبل أن يموت، فيرى فيها ما أعد الله له من أزواجه واهلة من الحور العين، فهم يدعونه إليها، فنفسه إليهم نشطه أن تخرج فتأتيهم. وعنه أيضا قال: يعني أنفس الكفار والمنافقين تنشط كما ينشط العقب، الذي يعقب به السهم. والعقب بالتحريك: العصب الذي تعمل منه الأوتار، الواحدة عقبة، تقول منه: عقب السهم والقدح والقوس عقبا: إذا لوى شيئا منه عليه. والنشط: الجذب بسرعة، ومنه الأنشوطة: عقدة يسهل انحلالها إذا جذبت مثل عقدة التكة.
وقال أبو زيد: نشطت الحبل أنشطه نشطا: عقدته بأنشوطة، وأنشطته أي حللته، وأنشطت الحبل أي مددته حتى ينحل.
وقال الفراء: أنشط العقال أي حل، ونشط: أي ربط الحبل في يديه.
وقال الليث: أنشطته بأنشوطة وأنشوطتين أي أوثقته، وأنشطت العقال: أي مددت أنشوطته فانحلت. قال: ويقال نشط بمعنى أنشط، لغتان بمعنى، وعليه يصح قول ابن عباس المذكور أولا. وعنه أيضا: الناشطات الملائكة لنشاطها، تذهب وتجيء بأمر الله حيثما كان. وعنه أيضا وعن علي رضي الله عنهما: هي الملائكة تنشط أرواح الكفار، ما بين الجلد والاظفار، حتى تخرجها من أجوافهم نشطا بالكرب والغم، كما تنشط الصوف من سفود الحديد، وهي من النشط بمعنى الجذب، يقال: نشطت الدلو أنشطها بالكسر، وأنشطها بالضم: أي نزعتها. قال الأصمعي: بئر أنشاط: أي قريبة القعر، تخرج الدلو منها بجذبة واحدة. وبئر نشوط، قال: وهي التي لا يخرج منها الدلو حتى تنشط كثيرا.
وقال مجاهد: هو الموت ينشط نفس الإنسان. السدي: هي النفوس حين تنشط من القدمين.
وقيل: النازعات: أيدي الغزاة أو أنفسهم، تنزع القسي بإغراق السهام، وهي التي تنشط الأوهاق. عكرمة وعطاء: هي الأوهاق تنشط السهام. وعن عطاء أيضا وقتادة والحسن والأخفش: هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق: أي تذهب. وكذا في الصحاح. وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً يمني النجوم من برج إلى برج، كالثور الناشط من بلد إلى بلد. والهموم تنشط بصاحبها، قال هميان بن قحافة:
أمست همومي تنشط المناشطا *** الشام بي طورا وطورا واسطا
أبو عبيدة وعطاء أيضا: الناشطات: هي الوحش حين تنشط من بلد إلى بلد، كما أن الهموم تنشط الإنسان من بلد إلى بلد، وأنشد قول هميان:
أمست همومي ***
البيت وقيل: وَالنَّازِعاتِ للكافرين وَالنَّاشِطاتِ للمؤمنين، فالملائكة يجذبون روح المؤمن برفق، والنزع جذب بشدة، والنشط جذب برفق.
وقيل: هما جميعا للكفار والآيتان بعدهما للمؤمنين عند فراق الدنيا.
قوله تعالى: {وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً} قال علي رضي الله عنه: هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين. الكلبي: هي الملائكة تقبض أرواح المؤمنين، كالذي يسبح في الماء، فأحيانا ينغمس وأحيانا يرتفع، يسلونها سلا رفيقا بسهولة، ثم يدعونها حتى تستريح.
وقال مجاهد وأبو صالح: هي الملائكة ينزلون من السماء مسرعين لأمر الله، كما يقال للفرس الجواد سابح: إذا أسرع في جريه. وعن مجاهد أيضا: الملائكة تسبح في نزولها وصعودها. وعنه أيضا: السابحات: الموت يسبح في أنفس بني آدم.
وقيل: هي الخيل الغزاة، قال عنترة:
والخيل تعلم حين تس ***- بح في حياض الموت سبحا
وقال امرؤ القيس:
مسح إذا ما السابحات على الونى *** أثرن غبارا بالكديد المركل
قتادة والحسن: هي النجوم تسبح في أفلاكها، وكذا الشمس والقمر، قال الله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. عطاء: هي السفن تسبح في الماء. ابن عباس: السابحات أرواح المؤمنين تسبح شوقا إلى لقاء الله ورحمته حين تخرج. قوله تعالى: {فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً} قال علي رضي الله عنه: هي الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء عليهم السلام. وقاله مسروق ومجاهد. وعن مجاهد أيضا وأبي روق: هي الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح.
وقيل: تسبق بني آدم إلى العمل الصالح فتكتبه. وعن مجاهد أيضا: الموت يسبق الإنسان. مقاتل: هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة. ابن مسعود: هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها وقد عاينت السرور، شوقا إلى لقاء الله تعالى ورحمته. ونحو عن الربيع، قال: هي النفوس تسبق بالخروج عند الموت.
وقال قتادة والحسن ومعمر: هي النجوم يسبق بعضها بعضا في السير. عطاء: هي الخيل التي تسبق إلى الجهاد.
وقيل: يحتمل أن تكون السابقات ما تسبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة أو نار، قاله الماوردي.
وقال الجرجاني: ذكر فَالسَّابِقاتِ بالفاء لأنها مشتقة من التي قبلها، أي واللائي يسبحن فيسبقن، تقول: قام فذهب، فهذا يوجب أن يكون القيام سببا للذهاب، ولو قلت: قام وذهب، لم يكن القيام سببا للذهاب. قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً} قال القشيري: أجمعوا على أن المراد الملائكة.
وقال الماوردي: فيه قولان: أحدهما الملائكة، قاله الجمهور. والقول الثاني هي الكواكب السبعة. حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل.
وفي تدبيرها الامر وجهان: أحدهما تدبير طلوعها وأفولها.
الثاني تدبيرها ما قضاه الله تعالى فيها من تقلب الأحوال.
وحكى هذا القول أيضا القشيري في تفسيره، وأن الله تعالى علق كثيرا من تدبير أم العالم بحركات النجوم، فأضيف التدبير إليها وإن كان من الله، كما يسمى الشيء باسم ما يجاوره. وعلى أن المراد بالمدبرات الملائكة، فتدبيرها نزولها بالحلال والحرام وتفصيله، قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما. وهو إلى الله جل ثناؤه، ولكن لما نزلت الملائكة به سميت بذلك، كما قال عز وجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193]. وكما قال تعالى: {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ} [البقرة: 97]. يعني جبريل نزله على قلب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله عز وجل هو الذي أنزله.
وروى عطاء عن ابن عباس: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً: الملائكة وكلت بتدبير أحوال الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك. قال عبد الرحمن بن ساباط: تدبير أمر الدنيا إلى أربعة، جبريل وميكائيل وملك الموت واسمه عزرائيل وإسرافيل، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس في البر والبحر، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم، وليس من الملائكة أقرب من إسرافيل، وبينه وبين العرش مسيرة خمسمائة عام.
وقيل: أي وكلوا بأمور عرفهم الله بها. ومن أول السورة إلى هنا قسم أقسم الله به، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لنا ذلك إلا به عز وجل. وجواب القسم مضمر، كأنه قال: والنازعات وكذا وكذا لتبعثن ولتحاسبن. أضمر لمعرفة السامعين بالمعنى، قاله الفراء. ويدل عليه قول تعالى: {أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً} الست ترى أنه كالجواب لقولهم: أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً نبعث؟ فاكتفى بقوله: {أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً} وقال قوم: وقع القسم على قوله: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى} [النازعات: 26] وهذا اختيار الترمذي ابن علي. أي فيما قصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى وفرعون لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى ولكن وقع القسم على ما في السورة مذكورا ظاهرا بارزا أحرى وأقمن من أن يؤتي بشيء ليس بمذكور فيما قال ابن الأنباري: وهذا قبيح، لان الكلام قد طال فيما بينهما.
وقيل: جواب القسم {هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى} لأن المعنى قد أتاك.
وقيل: الجواب {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} على تقدير ليوم ترجف، فحذف اللام.
وقيل: فيه تقديم وتأخير، وتقديره يوم ترجف الراجفة وتتبعها الرادفة والنازعات غرقا.
وقال السجستاني: يجوز أن يكون هذا من التقديم والتأخير، كأنه قال: {فإذا هم بالساهرة} والنازعات. ابن الأنباري: وهذا خطأ، لان الفاء لا يفتح بها الكلام، والأول الوجه.
وقيل: إنما وقع القسم على أن قلوب أهل النار تجف، وأبصارهم تخشع، فانتصاب يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ على هذا المعنى، ولكن لم يقع عليه. قال الزجاج: أي قلوب واجفة يوم ترجف، وقيل: انتصب بإضمار اذكر. وتَرْجُفُ أي تضطرب. والراجفة: أي المضطربة كذا قال عبد الرحمن بن زيد، قال: هي الأرض، والرادفة الساعة. مجاهد: الرَّاجِفَةُ الزلزلة {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} الصيحة. وعنه أيضا وابن عباس والحسن وقتادة: هما الصيحتان. أي النفختان. أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله تعالى، وأما الثانية فتحيي كل شيء بإذن الله تعالى. وجاء في الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {بينهما أربعون سنة} وقال مجاهد أيضا: الرادفة حين تنشق السماء وتحمل الأرض والجبال فتدك دكة واحدة، وذلك بعد الزلزلة.
وقيل: الراجفة تحرك الأرض، والرادفة زلزلة أخرى تفني الأرضين. فالله أعلم. وقد مضى في آخر النمل ما فيه كفاية في النفخ في الصور. واصل الرجفة الحركة، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ} وليست الرجفة هاهنا من الحركة فقط، بل من قولهم: رجف الرعد يرجف رجفا ورجيفا: أي أظهر الصوت والحركة، ومنه سميت الأراجيف، لاضطراب الأصوات بها، وإفاضة الناس فيها، قال:
أبا لاراجيف يا ابن اللوم توعدني *** وفي الأراجيف خلت اللؤم والخورا
وعن أبي بن كعب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا ذهب ربع الليل قام ثم قال: «يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه». {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ} أي خائفة وجلة، قاله ابن عباس وعليه عامة المفسرين.
وقال السدي: زائلة عن أماكنها. نظيره: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ} [غافر: 18].
وقال المؤرخ: قلقة مستوفزة، مرتكضة غير ساكنة.
وقال المبرد: مضطربة. والمعنى متقارب، والمراد قلوب الكفار، يقال وجف القلب يجف وجيفا إذا خفق، كما يقال: وجب يجب وجيبا، ومنه وجيف الفرس والناقة في العدو، والإيجاف حمل الدابة على السير السريع، قال:
بدلن بعد جرة صريفا *** وبعد طول النفس الوجيفا
وقُلُوبٌ رفع بالابتداء وواجِفَةٌ صفتها. وأَبْصارُها خاشِعَةٌ خبرها، مثل قوله: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221]. ومعنى خاشِعَةٌ منكسرة ذليلة من هول ما ترى. نظيره: {خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [القلم: 43]. والمعنى أبصار أصحابها، فحذف المضاف. {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ} أي يقول هؤلاء المكذبون المنكرون للبعث، إذا قيل لهم إنكم تبعثون، قالوا منكرين متعجبين: أنرد بعد موتنا إلى أول الامر، فنعود أحياء كما كنا قبل الموت؟ وهو كقولهم: أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً يقال: رجع فلان في حافرته، وعلى حافرته، أي رجع من حيث جاء، قاله قتادة. وأنشد ابن الاعرابي:
أحافرة على صلع وشيب *** معاذ الله من سفه وعار
يقول: أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي من الغزل والصبا بعد أن شبت وصلعت! ويقال: رجع على حافرته: أي الطريق الذي جاء منه. وقولهم في المثل: النقد عند الحافرة. قال يعقوب: أي عند أول كلمة. ويقال: التقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة. أي عند أول ما التقوا.
وقيل: الْحافِرَةِ العاجلة، أي أينا لمردودون إلى الدنيا فنصبر أحياء كما كنا؟ قال الشاعر:
آليت لا أنساكم فاعلموا *** حتى يرد الناس في الحافرة
وقيل: الْحافِرَةِ: الأرض التي تحفر فيها قبورهم، فهي بمعنى المحفورة، كقوله تعالى: {ماءٍ دافِقٍ وعِيشَةٍ راضِيَةٍ}. والمعنى أينا لمردودون في قبورنا أحياء. قاله مجاهد والخليل والفراء.
وقيل: سميت الأرض الحافرة، لأنها مستقر الحوافر، كما سميت القدم أرضا، لأنها على الأرض. والمعنى أإنا لراجعون بعد الموت إلى الأرض فنمشي على أقدامنا.
وقال ابن زيد: الحافرة: النار، وقرأ: {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ}.
وقال مقاتل وزيد بن أسلم: هي أسم من أسماء النار.
وقال ابن عباس: الحافرة في كلام العرب: الدنيا. وقرأ أبو حيوة: الحفرة بغير ألف، مقصور من الحافر.
وقيل: الحفرة: الأرض المنتنة بأجساد موتاها، من قولهم: حفرت أسنانه، إذا ركبها الوسخ من ظاهرها وباطنها. يقال: في أسنانه حفر، وقد حفرت تحفر حفرا، مثل كسر يكسر كسرا إذا فسدت أصولها. وبنو أسد يقولون: في أسنانه حفر بالتحريك. وقد حفرت مثال تعب تعبا، وهي أردا اللغتين قاله في الصحاح. {أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً} أي بالية متفتتة. يقال: نخر العظم بالكسر: أي بلي وتفتت، يقال: عظام نخرة. وكذا قرأ الجمهور من أهل المدينة ومكة والشام والبصرة، وأختاره أبو عبيد، لان الآثار التي تذكر فيها العظام، نظرنا فيها فرأينا نخرة لا ناخرة. وقرأ أبو عمرو وابنه عبد الله وابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وحمزة والكسائي وأبو بكر ناخرة بألف، وأختاره الفراء والطبري وأبو معاذ النحوي، لو فاق رءوس الآي.
وفي الصحاح: والناخر من العظام التي تدخل الريح فيه ثم تخرج منه ولها نخير. ويقال: ما بها ناخر، أي ما بها أحد. حكاه يعقوب عن الباهلي.
وقال أبو عمرو بن العلاء: الناخرة التي لم تنخر بعد، أي لم تبل ولا بد أن تنخر.
وقيل: الناخر المجوفة.
وقيل: هما لغتان بمعنى، كذلك تقول العرب: نخر الشيء فهو نخر وناخر، كقولهم: طمع فهو طمع وطامع، وحذر وحاذر، وبخل وباخل، رفره وفارة، قال الشاعر:
يظل بها الشيخ الذي كان بادنا *** يدب على عوج له نخرات
عوج: يعني قوائم.
وفي بعض التفسير: ناخرة بالألف: بالية، ونخرة: تنخر فيها الريح أي تمر فيها، على عكس الأول، قال:
من بعد ما صرت عظاما ناخرة ***
وقال بعضهم: الناخرة: التي أكلت أطرافها وبقيت أوساطها. والنخرة: التي فسدت كلها. قال مجاهد: نخرة أي مرفوتة، كما قال تعالى: {عِظاماً وَرُفاتاً} ونخرة الريح بالضم: شدة هبوبها. والنخرة أيضا والنخرة مثال الهمزة: مقدم أنف الفرس والحمار والخنزير، يقال: هشم نخرته: أي أنفه. {قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ} أي رجعة خائبة، كاذبة باطلة، أي ليست كائبة، قاله الحسن وغيره. الربيع بن أنس: خاسِرَةٌ على من كذب بها.
وقيل: أي هي كرة خسران. والمعنى أهلها خاسرون، كما يقال: تجارة رابحة أي يربح صاحبها. ولا شيء أخسر من كرة تقتضي المصير إلى النار.
وقال قتادة ومحمد بن كعب: أي لئن رجعنا أحياء بعد الموت لنحشرن بالنار، وإنما قالوا هذا لأنهم أو عدوا بالنار. والكر: الرجوع، يقال: كره، وكر بنفسه، يتعدى ولا يتعدى. والكرة: المرة، والجمع الكرات. {فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ} ذكر جل ثناؤه سهولة البعث عليه فقال: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: نفخة واحدة فَإِذا هُمْ أي الخلائق أجمعون بِالسَّاهِرَةِ أي على وجه الأرض، بعد ما كانوا في بطنها. قال الفراء: سميت بهذا الاسم، لان فيها نوم الحيوان وسهرهم. والعرب تسمى الفلاة ووجه الأرض ساهرة، بمعنى ذات سهو، لأنه يسهر فيها خوفا منها، فوصفها بصفة ما فيها، واستدل ابن عباس والمفسرون بقول أمية ابن أبي الصلت:
وفيها لحم ساهرة وبحر *** وما فاهوا به لهم مقيم
وقال آخر يوم ذي قار لفرسه:
أقدم محاج إنها الأساورة *** ولا يهولنك رجل نادره
فإنما قصرك ترب الساهرة *** ثم تعود بعدها في الحافرة
من بعد ما صرت عظاما ناخرة ***
وفي الصحاح. ويقال: الساهور: ظل الساهرة، وهي وجه الأرض. ومنه قوله تعالى: {فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ}، قال أبو كبير الهذلي:
يرتدن ساهرة كان جميمها *** وعميمها أسداف ليل مظلم
ويقال: الساهور: كالغلاف للقمر يدخل فيه إذا كسف، وأنشدوا قول أمية بن أبي الصلت:
قمر وساهور يسل ويغمد ***
وأنشدوا لآخر في وصف امرأة:
كأنها عرق سام عند ضاربه *** أو شقة خرجت من جوف ساهور
يريد شقة القمر.
وقيل: الساهرة: هي الأرض البيضاء.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: أرض من فضة لم يعص الله جل ثناؤه عليها قط خلقها حينئذ.
وقيل: أرض جددها الله يوم القيامة.
وقيل: الساهرة أسم الأرض السابعة يأتي بها الله تعالى فيحاسب عليها الخلائق، وذلك حين تبدل الأرض غير الأرض.
وقال الثوري: الساهرة: أرض الشام. وهب بن منبه: جبل بيت المقدس. عثمان بن أبي العاتكة: إنه اسم مكان من الأرض بعينه، بالشام، وهو الصقع الذي بين جبل أريحاء وجبل حسان يمده الله كيف يشاء. قتادة: هي جهنم أي فإذا هؤلاء الكفار في جهنم. وإنما قيل لها ساهرة، لأنهم لا ينامون عليها حينئذ.
وقيل: الساهرة: بمعنى الصحراء على شفير جهنم، أي يوقفون بأرض القيامة، فيدوم السهر حينئذ. ويقال: الساهرة: الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك، لان السراب يجري فيها من قولهم عين ساهرة: جارية الماء، وفي ضدها: نائمة، قال الأشعث بن قيس:
وساهرة يضحى السراب مجللا *** لاقطارها قد جئتها متلثما
أو لان سالكها لا ينام خوف الهلكة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال