سورة البروج / الآية رقم 4 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ وَالْيَوْمِ المَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ ذُو العَرْشِ المَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ

البروجالبروجالبروجالبروجالبروجالبروجالبروجالبروجالبروجالبروجالبروجالبروجالبروجالبروجالطارق




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جلّ جلاله: {والسماءِ ذات البروج} الأثني عشر، وهي الحَمَل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت. شُبهت بالقصور لأنها تنزلها السيارة، وتكون فيها الثوابت ومنازل القمر، أو: عُظْم الكواكب، سُميت بروجاً لظهورها، من: التبرُّج، أي الظهور، أو: أبواب السماء، فإنَّ النوازل تخرج منها، {واليومِ الموعودِ} أي: يوم القيامة.
{وشاهدٍ ومشهودٍ} أي: وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه، والمراد بالشاهد: مَن يشهد فيه من الخلائق كلهم، وبالمشهود فيه: ما في ذلك اليوم من عجائبه وأهواله، إذا أُريد بالشهود: الحضور، وإذا أريد الشهادة، فيُقَدّر المعمول، أي: مشهود عليه أو مشهود به. وقد اضطربت الأقوال في الشاهد والمشهود، فقيل: الشاهد: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود: سائر الأمم؛ لأنه يشهدون عليهم كما تقدّم وقيل: الشاهد: عيسى عليه السلام، والمشهود: أمته، لقوله: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: 117]، وقيل: الشاهد: جميع الأنبياء، والمشهود: أممهم، وقيل: الشاهد: الملائكة الحفظة، والمشهود: الناس، لأنهم يشهدون عليهم يوم القيامة. وقيل: الشاهد: الجوارح، والمشهود عليهم: أصحابها وقيل: الشاهد: الله والملائكة وأولو العلم، والمشهود به: الوحدانية، لقوله تعالى: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة} [آل عمران: 18] الخ. وقيل: الشاهد: جميع المخلوقات، والمشهود به: وجود خالقها وإثبات صفاته من الحياة والقدرة... وغير ذلك.
وقيل: الشاهد: النجم، للحديث: «لا صلاة بعد العصر حتى يطلع الشاهد» أي: النجم والمشهود: الليل، لأن النجم يشهد بانقضاء النهار ودخول الليل. وقيل: الشاهد: الحجر الأسود، والمشهود: الناس يحجون، لأنه يشهد عليهم يوم القيامة لمَن قَبّله أو لمسه. وقيل: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، لأنَّ يوم الجمعة يشهده بالأعمال، ويوم عرفة يشهده الناس، وهذا مروي عنه صلى الله عليه وسلم. وقيل: الشاهد: يوم عرفة، والمشهود: يوم النحر. قاله عليّ رضي الله عنه، انظر ابن جزي. وقيل: الشاهد: الأيام والليالي، والمشهود: بنو آدم، للحديث: «ما من يوم إلاَّ وينادي: أنا يوم جديد، وعلى ما يُفعل به شهيد، فاغتنمني» وكذلك تقول الليلة، وأنشدوا:
مضى أمْسُك الماضي شهيداً معدّلاً *** وخُلّفتَ في يوم عليك شهيدُ
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة *** فَثَنهْ بإحسانٍ وأنت حميدُ
ولا تُرْج فعْل الخير يوماً إلى غدٍ *** لعل غداً يأتي وأنت فقيدُ
فيومُك إن أتعبتَه نفعه غدا *** عليك وماضي العَيْش ليس يعودُ
وجواب القسم إمّا محذوف يدلّ عليه: {قُتل...} إلخ، كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء أنّ كفار قريش ملعونون كما لُعن {أصحابُ الأخدود} أو: هو قتل بعينه على حذف اللام، لطول الكلام، أي: لقد قُتل أصحاب الأخدود، والمراد: تثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإيمان، وتصبيرهم على أذى الكفرة، وتذكيرهم بما جرى على مَن تقدمهم من التعذيب، وصبرهم على ذلك، حتى يأنسوا ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم، ويعلموا أنَّ هؤلاء الكفرة بمنزلة أولئك، ملعونون مثلهم.
والأخدود: الخد في الأرض، أي: الشق.
رُوي في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان لبعض الملوك ساحر، فلمّا كبر، قال للملك: قد كبرتُ فابعث إليّ غلاماً أعلّمه السحر، فضمّ إليه غلاماً ليعلّمه، وكان في طريق الغلام راهبٌ، فسمع منه وأعجبه، وكان يحتبس عنده، فيضربه الساحرُ، فقال له الراهبُ: إذا خشيت الساحرَ، فقل له: حبسني أهلي، وإذا خشيتَ أهلك، فقل: حبسني الساحرُ، فرأى في طريقه ذات يوم دابة قد حبست الناس، وقيل: كانت أسداً، وقيل: ثُعباناً، فأخذ حجراً، وقال: اللهم إن كان الراهب أحبّ إليك من الساحر فاقتلها، فقتلها، وكان الغلام تعلَّم من الساحر اسم الله الأعظم، فكان الغلام يُبرىء الأكمه والأبرص، ويشفي من الأدواء، فعمي جليس الملكُ فأبراه، وأبصره الملكُ، فقال: مَن ردَّ عليك بصرك؟ فقال: ربي، فغضب، فعذّبه، فدلّ على الغلام، فعذّبه، فدلّ على الراهب، فلم يرجع عن دينه، فقدّ بالمنشار، وأبى الغلامُ، فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته فدعا، فرجف بالقوم، فطاحوا، ونجا، فذهب به إلى قُرْقُورة وهي السفينة فلجَجوا به ليغرقوه، فدعا، فانكفأتْ بهم السفينةُ، فغرقوا، ونجا، فقال للملك: لستَ بقاتلي حتى تجمع الناسَ في صعيد، وتصلبني على جذع، وتأخذ سهماً من كنانتي، وتقول: بسم الله ربّ الغلام، ثم ترميني به، فرماه فوقع في صدغه، فوضع يده عليه ومات. فقال الناس: آمنا بربّ الغلام، فقيل للملك: نزل بك ما كنت تحذر، فخدّ أخدوداً، فملأها ناراً، فمَن لم يرجع عن دينه طرحه فيها، حتى جاءت امرأة معها صبيٌّ، فتقاعست، فقال الصبيّ: يا أماه! اصبري، فإنك على الحق، فاقتحمت بصبيها. وقيل لها: قعي ولا تنافقي، ما هي إلاّ غميضة» والحديث في صحيح مسلم.
واسم الغلام: عبد الله بن الثامر، واسم الراهب: فيميون، واسم الملك: ذو نواس. وقد ذكر القصة الكلاعي بتمامها. وقيل: تعددت قضية الأخدود، فكانت واحدة بنجران باليمن، والأخرى بالشام، والأخرى بفارس، فنزل القرآن في الذي بنجران. انظر التثعلبي. قال سعيد بن المسيب: كنا عند عمر، إذ ورد عليه أنهم وجدوا ذلك الغلام حين حفروا خربة، وأُصْبعه على صُدْغِه كما قتل، فكلما مدت يده رجعت مكانها، فكتب عمر: أن واروه حيث وجدتموه. اهـ.
وقوله تعالى: {النارِ}؛ بدل اشتمال من {الأخدود} فحذف الضمير، اي: فيه، وقيل: قاعدة الضمير أغلبية، و{ذات الوقود} وصَفٌ لها بغاية العظم، وارتفاع اللهب، وكثرة ما يوجبه من الحطب وأبدان الناس، {إِذ هم عليها قعودٌ}؛ ظرف لقُتل، أي: لُعنوا حين حرّقوا المؤمنين بالنار، قاعدين عليها في مكان مشرف عليها من جنبات الأخدود، {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين} من الإحراق {شُهودٌ} يشهد بعضهم لبعض عند الملك أنَّ أحداً منهم لم يُقَصِّر فيما أمر به، وفوّض إليه من التعذيب، أو:: إنهم {شهود} يشهدون بما فعلوا بالمؤمنين يوم القيامة، يوم تشهد عليهم ألسنتُهم، وقيل: {على} بمعنى مع أي: وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين من العذاب حضور، ولا يَرقّون لهم، لغاية قسوة قلوبهم.
وهذا هو الذي يستدعيه النظم الكريم، وتنطق به الروايات المشهورة.
وقد رُوي أنَّ الجبابرة لمّا ألقوا بالمؤمنين في النار، وهم قعود عليها، علقت بهم النار، فاحترقوا، ونجّا اللهُ المؤمنين سالمين، وإلى هذا القول ذهب الربيعُ بن أنس والواحدين وعلى ذلك حملا قوله تعالى: {ولهم عذاب الحريق}.
{وما نَقَمُوا منهم} أي: وما عابوا منهم وأنكروا عليهم، يقال: نقم بالفتح والكسر: عاب، أي: عابوا منهم {إِلاَّ أن يؤمنوا بالله} وهذا كقول الشاعر:
ولا عَيْبَ فيهم غير أنَّ سيوفهم *** بهن فُلولٌ من قِرَاع الكتائبِ
وكقوله تعالى: {الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله} [الحج: 40] وعبّر بلفظ المضارع، ولم يقل: إلاَّ أن آمنوا، مع أنَّ القصة قد وقعت، لإفادة أنَّ التعذيب إنما كان دوامهم على الإيمان، ولو كفروا بالرجوع عن الإيمان في المستقبل لم يعذبوهم. وقوله تعالى: {العزيزِ الحميدِ}، ذكر الأوصاف الذي يستحقّ بها أن يؤمن به، وهو كونه عزيزاً غالباً قادراً، يُخشى عقابه، حميداً منعماً، يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه، ليقرر أنَّ وصف الإيمان الذي عابوا منهم وصف عظيمٌ، له جلالة، وأنَّ مَن رام صاحبه بالانتقام والعيب كان مبطلاً مبالغاً في الغي، يستحق أن ينتقم منه بعذاب لا يُقادر قدره.
{الذي له ملك السمواتِ والأرض} فكل مَن فيها يحق عليه عبادته والخضوع له، {واللهُ على كل شيءٍ شهيدٌ} وعيد لهم شديد، يعني: أنه تعالى عَلِمَ بما فعلوا وسيجازيهم عليه.
{إِنَّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} أي: محقوهم في دينهم ليرجعوا عنه، والمراد بهم: إمّا أصحاب الأخدود خاصة، وبالمفتونين: المطروحين في الأخدود، وإمّا الذين بَلوْهم في ذلك بالإذاية والتعذيب على الإطلاق، وهم داخلون في جملتهم دخولاً أولياً. قال ابن عطية: الأشبه أنَّ المراد بهؤلاء قريش، حيث طانوا يُعَذَّبون مَن أسلم، ويقويه بعض التقوية: قوله تعالى: {ثم لم يتوبوا} لأنه رُوي: أنّ أصحاب الأخدود ماتوا على كفرهم، وأمّا قريش فكان منهم مَن تاب بعد نزول الآية. اهـ. مختصراً. {فلهم عذابُ جهنَّمَ} في الآخرة لكفرهم، {ولهم عذابُ الحريق} في الدنيا لِما تقدّم أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم، أو: عذاب الحريق: نار أخرى عظيمة تحرقهم في الآخرة، لسبب فتنتهم للمؤمنين. والجملة: خبر {إن} ودخلت الفاء لتضمين المبتدأ معنى الشرط، ولا ضَرَرَ في نسخة ب {إنَّ} وإن خالف في ذلك الأخفش.
الإشارة: والسماء ذات البروج، أي: سماء الحقائق، صاحبة المنازل التي تنزل فيها السالك في ترقِّبه إليها، مَن أرض الشرائع، كمقام التوبة، ثم الصبر، ثم الورع، والزهد، ثم التكُّل، ثم الرضا والتسليم، ثم المراقبة، ثم المشاهدة، واليوم الموعود يوم الفتح الأكبر، وهو وقت الخروج من شهود الكون إلى شهود المكوِّن، وشاهد هو الذي يشهد ذات الحق عياناً، ومشهود، هو عظمة الذات العلية وأسرارها وأنوارها. وقال الورتجبي: الشاهد هو والمشهود هو، يرى نفسه بنفسه، أي: لا يراه أحد بالحقيقة سواه، وأيضاً: الشاهد هو، إذا تجلّى بتجلِّي الجمال والحس، والمشهود قلوب العارفين شاهَدَها بنعت الكشف، وأيضاً: اشاهد هو قلوب المحبين، والمشهود لقاؤه، وهو شاهدهم وهو مشهودهم، هو شاهد العارف والعارف شاهده. اهـ. قُتل أصحابُ الأخدود، وهم الصادُّون عن طريق الحق أينما كانوا وكيف كانوا، المعذِّبون لأهل التوجه، وما نقموا منهم إلاّ طلب كمال الإيمان، وتحقيق الإيقان. إنّ الذي فتنوا أهل التوجه ثم لم يتوبوا فلهم عذاب البُعد ولهم عذاب الاحتراق بالحرص والتعب والخوف والجزع.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال