سورة البلد / الآية رقم 2 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا البَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ فَلاَ اقْتَحَمَ العَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ

الفجرالفجرالفجرالبلدالبلدالبلدالبلدالبلدالبلدالبلدالبلدالبلدالبلدالبلدالشمس




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)}
أجمع المفسرون على أن ذلك البلد هي مكة، واعلم أن فضل مكة معروف، فإن الله تعالى جعلها حرماً آمناً، فقال في المسجد الذي فيها {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً} [آل عمران: 97] وجعل ذلك المسجد قبلة لأهل المشرق والمغرب، فقال: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وشرف مقام إبراهيم بقوله: {واتخذوا مِن مَّقَامِ إبراهيم مُصَلًّى} [البقرة: 125] وأمر الناس بحج ذلك البيت فقال: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} [آل عمران: 97] وقال في البيت: {وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لّلنَّاسِ وَأَمْناً} [البقرة: 125] وقال: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً} [الحج: 26] وقال: {وعلى كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ} [الحج: 27] وحرم فيه الصيد، وجعل البيت المعمور بإزائه، ودحيت الدنيا من تحته، فهذه الفضائل وأكثر منها لما اجتمعت في مكة لا جرم أقسم الله تعالى بها، فأما قوله: {وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد} فالمراد منه أمور أحدها: وأنت مقيم بهذا البلد نازل فيه حال به، كأنه تعالى عظم مكة من جهة أنه عليه الصلاة والسلام مقيم بها.
وثانيها: الحل بمعنى الحلال، أي أن الكفار يحترمون هذا البلد ولا ينتهكون فيه المحرمات، ثم إنهم مع ذلك ومع إكرام الله تعالى إياك بالنبوة يستحلون إيذاءك ولو تمكنوا منك لقتلوك، فأنت حل لهم في اعتقادهم لا يرون لك من الحرمة ما يرونه لغيرك، عن شرحبيل: يحرمون أن يقتلوا بها صيداً أو يعضوا بها شجرة ويستحلون إخراجك وقتلك، وفيه تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة، وتعجيب له من حالهم في عدوانهم له.
وثالثها: قال قتادة: {وَأَنتَ حِلٌّ} أي لست بآثم، وحلال لك أن تقتل بمكة من شئت، وذلك أن الله تعالى فتح عليه مكة وأحلها له، وما فتحت على أحد قبله، فأحل ما شاء وحرم ما شاء وفعل ما شاء، فقتل عبد الله بن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة وغيرهما، وحرم دار أبي سفيان، ثم قال: إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، ولم تحل إلا ساعة من نهار، فلا يعضد شجرها، ولا يختلي خلالها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لبيوتنا وقبورنا، فقال إلا الإذخر.
فإن قيل: هذه السورة مكية، وقوله: {وَأَنتَ حِلٌّ} إخبار عن الحال، والواقعة التي ذكرتم إنما حدثت في آخر مدة هجرته إلى المدينة، فكيف الجمع بين الأمرين؟ قلنا: قد يكون اللفظ للحال والمعنى مستقبلاً، كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيّتٌ} [الزمر: 30] وكما إذا قلت لمن تعده الإكرام والحباء: أنت مكرم محبو، وهذا من الله أحسن، لأن المستقبل عنده كالحاضر بسبب أنه لا يمنعه عن وعده مانع.
ورابعها: {وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد} أي وأنت غير مرتكب في هذا البلد ما يحرم عليك ارتكابه تعظيماً منك لهذا البيت، لا كالمشركين الذين يرتكبون فيه الكفر بالله، وتكذيب الرسل.
وخامسها: أنه تعالى لما أقسم بهذا البلد دل ذلك على غاية فضل هذا البلد، ثم قال: {وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد} أي وأنت من حل هذه البلدة المعظمة المكرمة، وأهل هذا البلد يعرفون أصلك ونسبك وطهارتك وبراءتك طول عمرك من الأفعال القبيحة، وهذا هو المراد بقوله تعالى: {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الاميين رَسُولاً مّنْهُمْ} [الجمعة: 2] وقال: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128] وقوله: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ} [يونس: 16] فيكون الغرض شرح منصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونه من هذا البلد.
أما قوله: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} فاعلم أن هذا معطوف على قوله: {لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد} وقوله: {وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد} معترض بين المعطوف والمعطوف عليه، وللمفسرين فيه وجوه:
أحدها: الولد آدم وما ولد ذريته، أقسم بهم إذ هم من أعجب خلق الله على وجه الأرض، لما فيهم من البيان والنطق والتدبير واستخراج العلوم وفيهم الأنبياء والدعاة إلى الله تعالى والأنصار لدينه، وكل ما في الأرض مخلوق لهم وأمر الملائكة بالسجود لآدم وعلمه الأسماء كلها، وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ} [الإسراء: 70] فيكون القسم بجميع الآدميين صالحهم وطالحهم، لما ذكرنا من ظهور العجائب في هذه البنية والتركيب، وقيل: هو قسم بآدم والصالحين من أولاده، بناء على أن الطالحين كأنهم ليسوا من أولاده وكأنهم بهائم. كما قال: {إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان: 44]، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18].
وثانيها: أن الولد إبراهيم وإسماعيل وما ولد محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه أقسم بمكة وإبراهيم بانيها وإسماعيل ومحمد عليهما السلام سكانها، وفائدة التنكير الإبهام المستقل بالمدح والتعجب، وإنما قال: {وَمَا وَلَدَ} ولم يقل ومن ولد، للفائدة الموجودة في قوله: {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران: 36] أي بأي شيء وضعت يعني موضوعاً عجيب الشأن.
وثالثها: الولد إبراهيم وما ولد جميع ولد إبراهيم بحيث يحتمل العرب والعجم. فإن جملة ولد إبراهيم هم سكان البقاع الفاضلة من أرض الشام ومصر، وبيت المقدس وأرض العرب ومنهم الروم لأنهم ولد عيصو بن إسحاق، ومنهم من خص ذلك بولد إبراهيم من العرب ومنهم من خص ذلك بالعرب المسلمين، وإنما قلنا: إن هذا القسم واقع بولد إبراهيم المؤمنين لأنه قد شرع في التشهد أن يقال: كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وهم المؤمنين.
ورابعها: روي عن ابن عباس أنه قال: الولد الذي يلد، وما ولد الذي لا يلد، فما هاهنا يكون للنفي، وعلى هذا لابد عن إضمار الموصول أي ووالد، والذي ما ولد، وذلك لا يجوز عند البصريين.
وخامسها: يعني كل والد ومولود، وهذا مناسب، لأن حرمة الخلق كلهم داخل في هذا الكلام.
وأما قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى: في الكبد وجوه:
أحدها: قال صاحب الكشاف: إن الكبد أصله من قولك كبد الرجل كبداً فهو كبد إذا وجعت كبده وانتفخت، فاتسع فيه حتى استعمل في كل تعب ومشقة، ومنه اشتقت المكابدة وأصله كبده إذا أصاب كبده، وقال آخرون: الكبد شدة الأمر ومنه تكبد اللبن إذا غلظ واشتد، ومنه الكبد لأنه دم يغلظ ويشتد، والفرق بين القولين أن الأول جعل اسم الكبد موضوعاً للكبد، ثم اشتقت منه الشدة. وفي الثاني جعل اللفظ موضوعاً للشدة والغلظ، ثم اشتق منه اسم العضو الوجه الثاني: أن الكبد هو الاستواء والاستقامة الوجه الثالث: أن الكبد شدة الخلق والقوة، إذا عرفت هذا فنقول أما على الوجه الأول فيحتمل أن يكون المراد شدائد الدنيا فقط، وأن يكون المراد شدائد التكاليف فقط، وأن يكون المراد شدائد الآخرة فقط، وأن يكون المراد كل ذلك.
أما الأول: فقوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} أي خلقناه أطواراً كلها شدة ومشقة، تارة في بطن الأم، ثم زمان الإرضاع، ثم إذا بلغ ففي الكد في تحصيل المعاش، ثم بعد ذلك الموت.
وأما الثاني: وهو الكبد في الدين، فقال الحسن: يكابد الشكر على السراء، والصبر على الضراء، ويكابد المحن في أداء العبادات.
وأما الثالث: وهو الآخرة، فالموت ومساءلة الملك وظلمة القبر، ثم البعث والعرض على الله إلى أن يستقر به القرار إما في الجنة وإما في النار.
وأما الرابع: وهو يكون اللفظ محمولاً على الكل فهو الحق، وعندي فيه وجه آخر، وهو أنه ليس في هذه الدنيا لذة البتة، بل ذاك يظن أنه لذة فهو خلاص عن الألم، فإن ما يتخيل من اللذة عند الأكل فهو خلاص عند ألم الجوع، وما يتخيل من اللذات عند اللبس فهو خلاص عن ألم الحر والبرد، فليس للإنسان، إلا ألم أو خلاص عن ألم وانتقال إلى آخر، فهذا معنى قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} ويظهر منه أنه لابد للإنسان من البعث والقيامة، لأن الحكيم الذي دبر خلقة الإنسان إن كان مطلوبه منه أن يتألم، فهذا لا يليق بالرحمة، وإن كان مطلوبه أن لا يتألم ولا يلتذ، ففي تركه على العدم كفاية في هذا المطلوب، وإن كان مطلوبه أن يلتذ، فقد بينا أنه ليس في هذه الحياة لذة، وأنه خلق الإنسان في هذه الدنيا في كبد ومشقة ومحنة، فإذا لابد بعد هذه الدار من دار أخرى، لتكون تلك الدار دار السعادات واللذات والكرمات.
وأما على الوجه الثاني: وهو أن يفسر الكبد بالاستواء، فقال ابن عباس: في كبد، أي قائماً منتصباً، والحيوانات الأخر تمشي منكسة، فهذا امتنان عليه بهذه الخلقة.
وأما على الوجه الثالث: وهو أن يفسر الكبد بشدة الخلقة، فقد قال الكلبي: نزلت هذه الآية في رجل من بني جمح يكنى أبا الأشد، وكان يجعل تحت قدميه الأديم العكاظي، فيجتذبونه من تحت قدميه فيتمزق الأديم ولم تزل قدماه، واعلم أن اللائق بالآية هو الوجه الأول.
المسألة الثانية: حرف في واللام متقاربان، تقول: إنما أنت للعناء والنصب، وإنما أنت في العناء والنصب، وفيه وجه آخر وهو أن قوله: {فِى كَبَدٍ} يدل على أن الكبد قد أحاط به إحاطة الظرف بالمظروف، وفيه إشارة إلى ما ذكرنا أنه ليس في الدنيا إلا الكد والمحنة.
المسألة الثالثة: منهم من قال: المراد بالإنسان إنسان معين، وهو الذي وصفناه بالقوة، والأكثرون على أنه عام يدخل فيه كل أحد وإن كنا لا نمنع من أن يكون ورد عند فعل فعله ذلك الرجل.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال