سورة المائدة / الآية رقم 66 / تفسير تفسير الشوكاني / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ

المائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


قوله: {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} اليد عند العرب تطلق على الجارحة، ومنه قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً} [ص: 44] وعلى النعمة، يقولون كم يد لي عند فلان؛ وعلى القدرة. ومنه قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله} [آل عمران: 73] أو على التأييد، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع القاضي حين يقضي» وتطلق على معان أخر. وهذه الآية هي على طريق التمثيل كقوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ} [الإسراء: 29] والعرب تطلق غلّ اليد على البخل، وبسطها على الجود مجازاً، ولا يريدون الجارحة كما يصفون البخيل بأنه جعد الأنامل ومقبوض الكفّ، ومنه قول الشاعر:
كانت خراسان أرضاً إذ يزيد بها *** وكل باب من الخيرات مفتوح
فاستبدلت بعده جعداً أنامله *** كأنما وجهه بالخل منضوح
فمراد اليهود هنا عليهم لعائنٍ الله أن الله بخيل، فأجاب سبحانه عليهم بقوله: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} دعاء عليهم بالبخل، فيكون الجواب عليهم مطابقاً لما أرادوه بقوله: {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} ويجوز أن يراد غلّ أيديهم حقيقة بالأسر في الدنيا أو بالعذاب في الآخر، ويقوّي المعنى الأوّل: أن البخل قد لزم اليهود لزوم الظلّ للشمس، فلا ترى يهودياً، وإن كان ماله في غاية الكثرة، إلا وهو من أبخل خلق الله، وأيضاً المجاز أوفق بالمقام لمطابقته لما قبله. قوله: {وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} معطوف على ما قبله والباء سببية أي أبعدوا من رحمة الله بسبب قولهم: {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} ثم رد سبحانه بقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} أي بل هو في غاية ما يكون من الجود، وذكر اليدين مع كونهم لم يذكروا إلا اليد الواحدة مبالغة في الردّ عليهم بإثبات ما يدل على غاية السخاء، فإن نسبة الجود إلى اليدين أبلغ من نسبته إلى اليد الواحدة، وهذه الجملة الإضرابية معطوفة على جملة مقدّرة يقتضيها المقام أي كلا ليس الأمر كذلك: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وقيل المراد بقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} نعمة الدنيا الظاهرة ونعمتها الباطنة. وقيل: نعمة المطر والنبات. وقيل: الثواب والعقاب.
وحكى الأخفش عن ابن مسعود أنه قرأ: {بل يداه بسيطتان} أي منطلقتان كيف يشاء. قوله: {يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} جملة مستأنفة مؤكدة لكمال جوده سبحانه أي إنفاقه على ما تقتضيه مشيئته، فإن شاء وسع، وإن شاء قتر، فهو الباسط القابض؛ فإن قبض كان ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة، لا لشيء آخر، فإن خزائن ملكه لا تفنى وموادّ جوده لا تتناهى.
قوله: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مّنْهُم} إلخ، اللام هي لام القسم: أي ليزيدن كثيراً من اليهود والنصارى ما أنزل إليك من القرآن المشتمل على هذه الأحكام الحسنة {طغيانا وَكُفْراً} أي طغياناً إلى طغيانهم، وكفراً إلى كفرهم.
قوله: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ} أي بين اليهود {العداوة والبغضاء} أو بين اليهود والنصارى. قوله: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله} أي كلما جمعوا للحرب جمعاً وأعدوا له عدّة شتت الله جمعهم، وذهب بريحهم، فلم يظفروا بطائل ولا عادوا بفائدة، بل لا يحصلون من ذلك إلا على الغلب لهم، وهكذا لا يزالون يهيجون الحروب ويجمعون عليها، ثم يبطل الله ذلك، والآية مشتملة على استعارة بليغة، وأسلوب بديع {وَيَسْعَوْنَ فِى الأرض فَسَاداً} أي يجتهدون في فعل ما فيه فساد، ومن أعظمه ما يريدونه من إبطال الإسلام وكيد أهله؛ وقيل المراد بالنار هنا الغضب أي كلما أثاروا في أنفسهم غضباً أطفأه الله بما جعله من الرعب في صدورهم، والذلة والمسكنة المضروبتين عليهم. قوله: {والله لاَ يُحِبُّ المفسدين} إن كانت اللام للجنس، فهم داخلون في ذلك دخولاً أوّلياً، وإن كانت للعهد فوضع الظاهر موضع المضمر لبيان شدّة فسادهم، وكونهم لا ينفكون عنه.
قوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب ءامَنُواْ واتقوا} أي لو أن المتمسكين بالكتاب، وهم اليهود والنصارى، على أن التعريف للجنس {ءامَنُواْ} الإيمان الذي طلبه الله منهم، ومن أهمه الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كما أمروا بذلك في كتب الله المنزلة عليهم {واتقوا} المعاصي التي من أعظمها ما هم عليه من الشرك بالله، والجحود لما جاء به رسول الله {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سيئاتهم} التي اقترفوها، وإن كانت كثيرة متنوّعة. وقيل المعنى: لوسعنا عليهم في أرزاقهم، {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل} أي أقاموا ما فيهما من الأحكام التي من جملتها الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: {وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رَّبّهِمْ} من سائر كتب الله التي من جملتها القرآن، فإنها كلها وإن نزلت على غيرهم، فهي في حكم المنزلة عليهم لكونهم متعبدين بما فيها {لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} ذكر فوق وتحت للمبالغة في تيسر أسباب الرزق لهم وكثرتها، وتعدد أنواعها. قوله: {مّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: هل جميعهم متصفون بالأوصاف السابقة، أو البعض منهم دون البعض، والمقتصدون منهم هم: المؤمنون كعبد الله بن سلام، ومن تبعه، وطائفة من النصارى {وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ} وهم المصرّون على الكفر المتمرّدون عن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بما جاء به.
وقد أخرج ابن إسحاق، والطبراني في الكبير، وابن مردويه، عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس: إن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل الله: {وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} الآية.
وأخرج أبو الشيخ عنه أنها نزلت في فنحاص اليهودي.
وأخرج مثله ابن جرير عن عكرمة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} أي بخيلة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طغيانا وَكُفْراً} قال: حملهم حسد محمد والعرب على أن تركوا القرآن، وكفروا بمحمد ودينه، وهم يجدونه مكتوباً عندهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ} قال: حرب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السديّ في الآية: كلما أجمعوا أمرهم على شيء فرّقه الله، وأطفأ حدهم ونارهم، وقذف في قلوبهم الرعب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب ءامَنُواْ واتقوا} قال: آمنوا بما أنزل على محمد، واتقوا ما حرّم الله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل} قال: العمل بهما، وأما {ما أنزل إليهم} فمحمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزل عليه، وأما {لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ} فأرسلت عليهم مطراً، وأما {مِن تَحْتِ أَرْجُلُهُمْ} يقول: أنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم، {مّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} وهم مسلمة أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ} يعني لأرسل عليهم السماء مدراراً {وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} قال: تخرج الأرض من بركتها.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن الربيع بن أنس قال: الأمة المقتصدة: الذين لا هم فسقوا في الدين ولا هم غلوا. قال: والغلوّ الرغبة، والفسق التقصير عنه.
وأخرج أبو الشيخ، عن السديّ {أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} يقول: مؤمنة.
وأخرج ابن مردويه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر، حدّثنا أحمد بن يونس الضبي، حدثنا عاصم بن عليّ، حدّثنا أبو معشر عن يعقوب بن زيد بن طلحة، عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثاً، قال: ثم حدّثهم النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «تفرقت أمة موسى على اثنتين وسبعين ملة، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار؛ وتفرّقت أمة عيسى على اثنتين وسبعين ملة، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار، تعلوا أمتي على الفريقين جميعاً ملة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون منها في النار»، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «الجماعات الجماعات» قال يعقوب بن زيد: كان عليّ بن أبي طالب إذا حدّث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا فيه قرآناً، قال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب ءامَنُواْ واتقوا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سيئاتهم} إلى قوله: {مّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ} وتلا أيضاً: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] يعني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكره لهذا الحديث ما لفظه: وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين، مرويّ من طرق عديدة قد ذكرناها في موضع آخر انتهى. قلت: أما زيادة كونها في النار إلا واحدة، فقد ضعفها جماعة من المحدثين، بل قال ابن حزم إنها: موضوعة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال