سورة المائدة / الآية رقم 89 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

المائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)}.
التفسير:
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هو أن ما قبلها كان بيانا لحدود اللّه، وأن في هذه الحدود سعة تسمح للإنسان أن يتحرك فيها كيف شاء، غير مضيّق عليه في شىء، مادام قائما على تقوى اللّه.. هنالك يجد المؤمن دينا سمحا، وشريعة ميسّرة، تفتح له أبواب العمل في كل مجال، وتملأ يديه من كل خير.
وهنا في هذه الآية باب من أبواب اليسر والسماحة في دين اللّه، الذي يؤمن به المؤمنون.
فما أكثر ما يجرى ذكر اللّه على ألسنة المؤمنين، وما أكثر ما يستحضرونه في كل أمر يعرض لهم، ثم ما أكثر ما يزكّون هذه الأمور بالقسم عليها باسم اللّه، دون أن يكون ذلك بقصد الحلف لإجازتها، وعقد اليمين بها.
فهناك فرق بين القسم، والحلف.. إذ القسم لتعظيم الشيء وتزكيته، ورفع قدره، وقد أقسم اللّه سبحانه ببعض مخلوقاته.. من شمس، وقمر، ونجم، وليل، وضحى.
أما الحلف فهو إقرار يشهد به الإنسان على نفسه، أو غيره. وقد جعل اللّه كفيلا عليه، بالحلف به.. ومن هنا كان لزاما عليه- ديانة- أن يحترم هذه الكفالة، ويقوم على الوفاء بما التزم به، وإلا أثم، بجرأته على اللّه، والاستخفاف بكفالته له، واللّه تعالى يقول: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ} [91: النحل].
وكان من رحمة اللّه بعباده، ورفقه بهم، وإسباغ نعمه عليهم، في تعاملهم مع اسمه الكريم- ما حملته هذه الآية الكريمة من لطف، ورحمة، وحكمة:
فأولا: قد عفا اللّه سبحانه عن الأيمان التي لا يقصد بها الحلف، والتي تجرى على الألسنة خارجة عن هذا القصد.. {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ} وتسمية هذه الأيمان لغوا، لأنّها لا تحلّ حراما، ولا تحرّم حلالا، ولا تجلب خيرا، ولا تدفع ضرّا..
والأيمان جمع يمين، وقد سمّى اليمين يمينا، لأنه مشتق من اليمن والبركة، إذ كان الذي يقسم به- عادة- اسم كريم عزيز، عند من أقسم به، وثانيا: الأيمان التي يراد بها الحلف، وينعقد بها أمر من الأمور، بين الإنسان ونفسه، أو بينه وبين غيره- هذه الأيمان كما قلنا- هى أيمان وثّقت عهدا، وجعلت اللّه- سبحانه- شاهدا على هذا العهد وكفيلا له.. فإذا حنث الحالف بيمين اللّه هنا، فإنه يكون قد اقترف ذنبا عظيما في حق اللّه سبحانه وتعالى، وفى حقّ الناس، بما استباح من حقوقهم، بنقض العهد معهم.
أما حقّ اللّه المتعلق بالحانث في يمينه، فقد جعل فيه للحانث ما يكفّر به ذنبه، ويغسل به حوبته، وهو أن يطعم عشرة مساكين، من أوسط ما يطعم هو وأهله، أي مما يغلب أن يكون طعامهم، في حياتهم، في غير أيام السّعة أو الضيق.. فإن لم يكن طعام، فكسوة عشرة مساكين، مقدرة هذه الكسوة بحال الحانث في يمينه.. فإن لم يكن طعام أو كسوة، فتحرير رقبة، أي عتق رقبة من الرّق.. فإن كان الحانث معسرا، لا يستطيع أن يطعم أو يكسو أو يعتق، فصيام ثلاثة أيام.
وقد اختلف في تتابع هذه الأيام، وفى إفرادها، فرأى بعضهم الأخذ بما أطلقه القرآن، حيث لم يقيد الصوم بالتتابع، ولا حجة عنده في قراءة من قرأ {ثلاثة أيام متتابعات}.
لأن الإطلاق هنا والتقييد في قوله تعالى: {فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ} يقوّى الأخذ بمنطوق الآية، وعدم التعويل على هذه القراءة التي لم تتأكد بالتواتر.. على حين يرى البعض الأخذ بالقراءة {ثلاثة أيام متتابعات} حيث وجدت مثبتة في مصحف السيدة عائشة رضى اللّه عنها، فيوجب التتابع في الصوم.
ويقوّى هذا الرأى عندنا: أن صيام ثلاثة الأيام هذه في تتابعها، هى التي تعدل إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، مع أن إطعام مسكين واحد، يجزى عن إفطار أي يوم من أيام رمضان لمن لا يقدر على الصوم، كما يقول اللّه تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ} فتتابع أيام الصوم هو الذي يجعل صيام الأيام الثلاثة على هذا الوجه، موازنا لإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم.
والتكفير عن الحنث في اليمين يجزى بأيّ من هذه الكفارات الثلاث:
إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة.. فمن كفّر بأى منها أجزأه ذلك، دون نظر إلى ترتيب فيها، حيث كان الحكم بالتخيير بينها بحرف العطف أو.
ولا يصار إلى الصيام إلا عند فقد القدرة على الوفاء بالإطعام، أو الكسوة، أو تحرير الرقبة.
وقد اختلف في صفة الرقبة التي تحرّر هنا، وهل يلزم أن تكون مؤمنة، أم أن تحرير أي رقبة أعتقها الحانث يجزىء في التكفير عن اليمين؟
يرى بعض الفقهاء أن يكون العتق لرقبة مؤمنة، وكونها لم توصف هنا بأنها مؤمنة، ولم يجعل الإيمان شرطا لعتقها- إحالة على ما وصفت به في قوله تعالى: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [92: النساء].
ونرى- كما يرى بعض الفقهاء- الوقوف عند منطوق الآية، والأخذ بالحكم على إطلاقه، دون قيد للرقبة بأنها مؤمنة أو غير مؤمنة.
ففى فكّ الرقبة وعتقها إحياء لنفس ميتة، أيّا كانت تلك النفس، مؤمنة أو كافرة.. وإحياء النفس- أي نفس- شيء عظيم، لا يحتاج إلى وصف آخر يرفعه ويعلى من قدره.
وكيف واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}؟ (32: المائدة).
وأما قيد الرقبة بوصف الإيمان في دية القتل الخطأ، فهو لموافقة النفس المؤمنة التي قتلت خطأ.. {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ..} [92: النساء].. وذلك مما يوجبه القصاص.. النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسنّ بالسنّ.. وقياسا على هذا يكون من دبة المؤمن في القتل الخطأ إحياء نفس مؤمنة.. أما هنا فهو إحياء لنفس أيّا كانت هذه النفس، ففى إحيائها كفارة لأى ذنب وإن عظم، إنه إحياء للإنسانية كلها.. ومع هذا، فإن المسلم حين ينظر في أي الرقاب يعتق، فإنه يتجه أول ما يتجه إلى الرقبة المؤمنة، امتثالا لقول اللّه تعالى: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ولا شك أن الرقبة المؤمنة أحب إلى مالكها من الرقبة غير المؤمنة.. وقد روى مسلم أن أبا ذر رضى اللّه عنه، سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم: أي الرقاب أفضل؟فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: «أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا».
والرقبة المؤمنة أنفس عند المسلم وأكثر ثمنا.
وفى قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ} إشارة إلى اليمين بلفظ المفرد، لأن هذه الكفارة هى كفّارة عن اليمين الواحد.. فإذا حنث الإنسان في أكثر من يمين كان لكل يمين كفارته، على هذا النحو.. وهذا هو السرّ في إفراد الضمير.. وكان النظم يقضى بأن يجىء هكذا: فكفارتها إذ كان الحديث عن الأيمان.
وقوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ} إشارة إلى أن هذه الكفارة هى دواء الداء، جلبه الإنسان إلى نفسه، وكان أحرى به أن يتجنب هذا الداء، وأن يظل سليما معافى.. إذ أن الوقاية دائما خير من العلاج.. أما إذا كان الحلف على منكر، فإن الحنث فيه واجب، ولا كفارة فيه، كمن حلف أن يشرب خمرا.. مثلا، فعليه أن يحنث في يمينه، ولا كفّارة عليه.
أما من حلف على غير منكر، ثم بان له أن الحنث في اليمين يترتب عليه إلحاق ضرر به أو بغيره، فإن الحنث خير له من البرّ بيمينه، ولكن عليه كفارة الحنث.. كمن حلف على ألا يسافر إلى جهة ما، ثم بدا له أن في السفر خيرا يعود عليه منه، وكمن حلف ألا يتعامل في تجارة مع فلان.. ثم ظهر له أن هذا يعود عليه أو عليهما بالخسارة والضرر- فالحنث هنا خير من البرّ باليمين، وفى ذلك يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه».
أما حقوق الناس فيما ترتب على الحنث باليمين، فلن تشفع لها هذه الكفارة، ولن تدفع عن الحانث ما نجم عن هذا الحنث من ضرر وقع على الغير بسببه.
فذلك له حسابه عند اللّه، وله العقاب الراصد له.
وقوله تعالى: {كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} إشارة إلى ما تحمل آيات اللّه إلى عباده، من رحمة، ولطف، إذ تقيلهم من عثراتهم، وتقيمهم على طريقه القويم.. وهذا من شأنه أن يستقبله العباد بالحمد والشكر للّه رب العالمين.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال