سورة المائدة / الآية رقم 108 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كَنتُمْ تَعْمَلُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ المَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناًّ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ

المائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108)}.
التفسير:
هذه الآيات الثلاث تعرض لأمر كان يقع كثيرا في حياة المسلمين وهم على سفر، لغزو أو تجارة، وبمنقطع عن أهليهم وذوى قرابتهم.. فيمرض أحدهم، ويجد ريح الموت دانية منه، وبين يديه مال أو متاع، يريد أن يصل إلى ولده وأهله.
تلك هى المشكلة التي عرضت لها هذه الآيات، وجاءت لتضع العلاج السليم لها، حتى تصل الحقوق إلى أهلها، وحتى يموت الميت وهو مطمئن إلى أنه لن يعتدى على ماله، وهو لا يملك أن يدفع هذا الاعتداء، وقد أصبح في عالم الموتى! والملاحظ في هذه الآيات أنها جاءت على نظم خاص، وأسلوب يكاد يكون فريدا في القرآن الكريم.
فقد كثر فيها الخروج على مألوف النظم القرآنى، خروجا متعمّدا.
فهناك تقديم وتأخير.. بحيث تبدو الجمل، وكأنما يدفع بعضها بعضا، ليزيله عن موضعه قسرا.
وهناك جمل اعتراضية، تكاد تعزل المبتدأ عن خبره، والفعل عن فاعله.. بحيث لا يهتدى إلى الجمع بينهما إلا بعد نظر دقيق، وبحث شامل.
وهناك ضمائر يتجاذبها أكثر من عائد يريدها أن تعود إليه، وتلتقى به.
ثم هناك هذا العسر الشديد في التقاط الكلمات، وشدّها إلى اللسان، وجمعها عليه.
هذا وذاك كلّه، مما يجعلنا نقف بين يدى هذه الآيات، ونملأ العين والقلب من بعض ما يفيض من أضوائها، لعلّنا نمسك بشىء من الحكمة في قيام بنائها على هذه الصورة الفريدة في النظم القرآنى! ونقرأ الآيات مرة ومرة، فإذا هى كعهدنا بها تتأبّى على اللسان، وتكاد تمسك به..
ثم نعود فنقرؤها قرآنا مرتلا، ونجيئها مستصحبين قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، فإذا هى كلمات متناغمة، يأنس بعضها إلى بعض، ويتجاوب بعضها مع بعض، وإذا هى على اللسان ليّنة المسّ، عذبة المذاق، وإذا هى على الأذن لحن موسيقى، علوىّ النغم، يهزّ القلب، ويمسك بمجامعه! وننظر في وجه الآيات مرة أخرى، فإذا هى مسفرة مشرقة، تتلألأ بأضواء الحكمة والموعظة الحسنة، وإذا بنا منها بين يدى دعوة قاهرة، وسلطان غالب، يلزمنا أن نقف عند حدوده، ويمسكنا أن نفلت من بين يديه، إذا نحن حاولنا ذلك، واستجبنا لداعى أنفسنا للإفلات منه.
ونسأل: ما حكمة هذا التدبير في النظم الذي جاءت عليه تلك الآيات؟
ولم هذا الخروج الذي جاء عن عمد، على غير المألوف من النظم القرآنى؟
والجواب:
أولا: أن هذه الآيات تضبط حالا من أحوال الناس، تقع على صورة غير مألوفة لما تجرى عليه حياتهم، في الغالب الأعمّ منها.
فالناس أكثر ما يموتون، يموتون وهم بين أهليهم، وذوى قرابتهم.
حيث يجد من يحضره الموت منهم، الوجوه التي ألفها، وعاش معها، وأودعها سرّه وما ملكت يمينه.. فلا يجد- والحال هذه- من الوحشة للموت، أو الفزع منه، والخوف الكارب من الضياع له، ولماله ومتاعه الذي بين يديه، ما يجده ذلك الذي يموت غريبا، في طريق سفر، أو دار غربة.
ومن هنا جاءت كلمات الآية متزاحمة، متراكبة، أشبه بتلك الحال القلقة المضطربة، المستولية على هذا الغريب الذي يحضره الموت، وفى صدره كثير من الأسرار، يريد أن يفضى بها إلى أهله، ويكشف مستورها لهم.
هذه واحدة! وثانيا: الذين حضروا هذا الميت الغريب، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة من الحياة، قد شهدوا منه هذا الاضطراب المستولى عليه، وتلك الوحشة التي تمسك لسانه، وتردّ الأسرار التي تضطرب في صدره.. ثم إذ هم يطلّون عليه بنظرات حزينة، مواسية، يرى أنهم أهل لأن يفضى لهم ببعض ما عنده.. إذ كان ما لا بد أن يكون.
وهنا شدّ وجذب، وأخذ وعطاء، وخواطر متناثرة، وكلمات حذرة قلقة، ملفّفّة في دخان من الريبة والشك، وأسرار تمشى على استحياء، يعرّف بعضها ويعرض عن يعض.
ومن هنا أمسك النظم القرآنى بهذه المشاعر المختلطة المضطربة، وعرضها في هذه الصورة، التي تكاد تكون وعاء حاملا لتلك المشاعر، بحيث ترى وتحسّ.
وتلك أخرى.
وثالثا: هذا المتاع الذي بين يدى هذا الإنسان المحتضر.. إنه متعلق بأكثر من جهة.. فهناك صاحب هذا المتاع الذي يريده أن يبلغ أهله، وهو في شك من أن يصل إليهم سالما.. وهناك الشاهدان اللذان أشهدهما المحتضر على وصيّته، ووضع في أيديهما كل ما في يده.. إنهما يحملان أمانة ليس وراءها من يطالبهم بها، إلا ما معهما من إيمان وتقوى.. وما أكثر وساوس النفس في تلك الحال، وما أكثر نداءها الصارخ لاغتيال هذا المال الذي غاب عنه صاحبه.. إن لم يكن كله، فالخيار الكريم منه.
وهناك ورثة صاحب هذا المال، ومن أوصى لهم بشىء منه.. إنهم مهما حرص الشاهدان على أداء الأمانة كاملة فيما اؤتمنا عليه، ومهما تحرّيا الصدق في قولهما، وفيما أدى إليهما هذا الميت من اعترافات وأسرار وأموال- فلن يقع هذا كله من أهل الميت موقع اليقين والطمأنينة.
من أجل هذا أيضا كان تنازع الكلمات القرآنية فيما بينها، حتى لكأنها هذه الجهات المتنازعة المتخاصمة، في مسارب نفوسها، وفى مجرى خواطرها، حتى وإن لم يتخذ هذا النزاع وذلك التخاصم صورة عملية في واقع الحياة..!
وقد آن لنا- بعد هذا- أن ننظر في معنى هذه الآيات، على هذا الوجه الذي فهمناها عليه، ونظرنا إليها منه.
فقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ.} هو تشريع للمؤمنين، فيما يواجهون به موقفا كهذا الموقف، وهو موت أحدهم، وهو يضرب في الأرض، بعيدا عن أهله، وذوى قرابته.
ففى تلك الحال ينبغى أن يتخيّر المحتضر شاهدين، يتوسم فيها الأمانة والاستقامة، ثم يدعوهما إليه، ويفضى إليهما بما يريد أن يوصى به أهله فيما خلّفه وراءه من شون تتصل بماله وأهله، وماله، وما عليه.. ثم يسلّم إليهما ما يريد أن يحملاه إلى أهله، من ماله ومتاعه.
فقوله تعالى: {شَهادَةُ بَيْنِكُمْ} مبتدأ، خبره {اثنان}.
والجملة الخبرية هنا مراد بها الأمر والإلزام.. والتقدير، إذا حضر أحدكم الموت فشهادة قائمة بينكم لهذا المحتضر، يشهدها اثنان ذوا عدل منكم.. أي من المؤمنين.
{أو آخران من غيركم} أي غير المؤمنين، عند الضرورة.
وقوله تعالى: {فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} إشارة إلى أن هذا الموت الذي يقع في الغرية هو شيء أكثر من الموت، لما يبعث من حسرة مضاعفة.. في المحتضر الذي لم يشهده أهله، وفى أهله الذين لم يحضروا موته، ولم يؤدّوا ما يجب للميت على الحىّ.. ومن هنا جاء التعبير عن الموت بالمصيبة، الذي هو في واقعه شيء طبيعى، في غير تلك الحال التي وقع فيها.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}.
فإذا أدّى الشاهدان ما حمّلهما الميت إلى أهله، من قول، ومن مال ومتاع، ورضى أهله بما أدّى إليهما الشاهدان، فقد انتهى الأمر عند هذا الحدّ، ولا متعلّق لأحد عند هذين الشاهدين.
أما إذا وقع في نفس الورثة وأولياء الميت شيء من الريبة والشك، فيما جاءهم به الشاهدان من عند صاحبهم، ثم ارتقى هذا الشك والارتياب إلى التهمة، ثم النزاع والخصام، فإن للقضية وجها آخر.. بل وجهين آخرين:
والوجه الأول، هو أن يدعى الشاهدان إلى الحلف على ما أشهدهما عليه الميت، وما حملهما من مال ومتاع.
وحلف الشاهدين مشروط بشرط، وهو أن يدعيا بعد الصلاة مباشرة، وهما خارجان من بين يدى اللّه، قبل أن يتلبّسا بشىء من أمور الدنيا، وذلك ليكون لهذا الموقف أثره في إقامة شهادتهما على الحق والعدل، أو على ما هو أقرب إلى الحق والعدل.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ}.
فحبسهما من بعد الصلاة، هو إمساكهما قبل أن يتّصلا بالحياة العامة، ويباشرا شئونا مختلفة فيها.. حتى يكونا أقرب إلى الخير، وأبعد من الضلال.
وقد اختلف في الصلاة التي يحبسان بعدها، أهي صلاة العصر، أو صلاة الظهر؟.
والرأى، أنها أي صلاة، حيث أطلق القرآن ذلك، ولم يقيده.
وقوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} هو جملة اعتراضية، أريد بها بيان الحال الدّاعية إلى حلف الشاهدين، وهى الشك والريبة في شهادتهما.
وقوله تعالى: {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ} هو بيان لنصّ الحلفة التي يحلف بها الشاهدان.. وفيها من التوكيد والتحذير والتخويف، ما يجعل لهذه الحلفة أثرا واقعا في نفس الشاهدين..
والضمير في قوله تعالى {به} يعود إلى هذا القسم الذي يقسمان به، وأنهما لا يحنثان في هذا القسم، ولا يبيعانه بهذا الثمن وإن كثر، لأنه حطام من حطام الدنيا، لا يساوى شيئا إزاء جلال اللّه وعظمته، وقد أقسما به، وأشهداه على ما يقولان.
هذا، وقد أثار بعض الفقهاء والمفسرين اعتراضا على حلف الشاهدين.
وأنهما حين ردّ ورثة الميت شهادتهما، أصبحا متهمين بالنسبة لهم، على حين أصبح أهل الميت أصحاب دعوى عليهما.. وإذ لم يكن لأهل الميت بينة على دعواهم، كان على المدعى عليهما الحلف، عملا بالمبدأ الشرعي: «البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر».
فهما على هذا الرأى متهمان، وليسا شاهدين.
فإذا وجد أهل الميت مقنعا بعد حلف الشاهدين، انتهى الأمر، وإلا سارت القضية إلى الوجه الآخر من وجهيها.
وفى هذا الوجه يندب أهل الميت اثنين منهما، فيشهدان بما يعلمان من أمر الميت، مما لم يشهد به الشاهدان من قبل.
على أنه لا يصار إلى هذا الموقف إلا بعد أن يثبت بالبيّنة القاطعة، والبرهان الواضح، أن الشاهدين لم يقولا الحق، ولم يؤدّيا الأمانة.. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.
والمعنى: فإن ظهر، أو تبين أن الشاهدين قد اقترفا إثما بسبب تلك الشهادة التي أدّياها على غير وجهها، فليقم آخران مقامهما بتلك الشهادة، من أهل الميت الدين فرض عليهم الشاهدان السابقان، واللذان كانا أولى منهم بالحكم في شئون قريبهم الميت، لأنهما شاهدان، رأيا، وسمعا، على حين أن أهله غائبون عنه، لم يروا ولم يسمعوا.
وفى قوله تعالى: {فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ} تحريض للشاهدين على أن يؤدّيا الشهادة على وجهها، وأنهما بما احتملا من أمانة الشهادة، أصبحا بهذه المنزلة من الميت، وأنهما أقرب من قرابته وأولى منهم بكلمة الفصل في شئونه، ولكنهما إذا خانا الأمانة، ولم يؤديا الشهادة على وجهها، زحزحا عن هذا الموقف، وانتقلا من منصّة الحكم، إلى موقف الاتهام.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى {ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ}.
أي في هذا التدبير الحكيم بإقامة شاهدين من أولياء الميت مقام هذين الشاهدين، عند العثور على خيانتهما- في هذا ما يدعوهما إلى الحرص على أداء الشهادة، أقرب ما تكون إلى الحق، إن لم يكن ذلك عن ديانة وإيمان، كان عن خوف من الفضيحة والاتهام والخزي أمام الناس.
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ} هو دعوة للشاهدين، ولأولياء الميت، ثم لكل مؤمن، بتقوى اللّه، والامتثال لأمره ونهيه، فمن خرج عن شريعة اللّه، فهو في ضلال دائم، لا يهتدى إلى خير أبدا.. {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ} [35: الرعد].




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال