سورة الأنعام / الآية رقم 54 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهُوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنَ المُهْتَدِينَ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ

الأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعام




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في قوله: {وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بئاياتنا} فقال بعضهم هو على إطلاقه في كل من هذه صفته.
وقال آخرون: بل نزل في أهل الصفة الذين سأل المشركون الرسول عليه السلام طردهم وإبعادهم، فأكرمهم الله بهذا الإكرام. وذلك لأنه تعالى نهى الرسول عليه السلام أولاً عن طردهم، ثم أمره بأن يكرمهم بهذا النوع من الإكرام.
قال عكرمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام ويقول: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأه بالسلام وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عمر لما اعتذر من مقالته واستغفر الله منها.
وقال للرسول عليه السلام، ما أردت بذلك إلا الخير نزلت هذه الآية.
وقال بعضهم: بل نزلت في قوم أقدموا على ذنوب، ثم جاؤه صلى الله عليه وسلم مظهرين للندامة والأسف، فنزلت هذه الآية فيهم والأقرب من هذه الأقاويل أن تحمل هذه الآية على عمومها، فكل من آمن بالله دخل تحت هذا التشريف.
ولي هاهنا إشكال، وهو: أن الناس اتفقوا على أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن يقال في كل واحدة من آيات السورة أن سبب نزولها هو الأمر الفلاني بعينه؟
المسألة الثانية: قوله: {وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بئاياتنا} مشتمل على أسرار عالية، وذلك لأن ما سوى الله تعالى فهو آيات وجود الله تعالى، وآيات صفات جلاله وإكرامه وكبريائه، وآيات وحدانيته، وما سوى الله فلا نهاية له، وما لا نهاية له فلا سبيل للعقل في الوقوف عليه على التفصيل التام، إلا أن الممكن هو أن يطلع على بعض الآيات ويتوسل بمعرفتها إلى معرفة الله تعالى ثم يؤمن بالبقية على سبيل الإجمال ثم إنه يكون مدة حياته كالسائح في تلك القفار، وكالسابح في تلك البحار. ولما كان لا نهاية لها فكذلك لا نهاية لترقي العبد في معارج تلك الآيات، وهذا مشرع جملي لا نهاية لتفاصيله. ثم إن العبد إذا صار موصوفاً بهذه الصفة فعند هذا أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم {سلام عَلَيْكُمُ} فيكون هذا التسليم بشارة لحصول السلامة. وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} بشارة لحصول الرحمة عقيب تلك السلامة.
أما السلامة فالنجاة من بحر عالم الظلمات ومركز الجسمانيات ومعدن الآفات والمخالفات وموضع التغييرات والتبديلات، وأما الكرامات فبالوصول إلى الباقيات الصالحات والمجردات المقدسات، والوصول إلى فسحة عالم الأنوار والترقي إلى معارج سرادقات الجلال.
المسألة الثالثة: ذكر الزجاج عن المبرد. أن السلامة في اللغة أربعة أشياء، فمنها سلمت سلاماً وهو معنى الدعاء، ومنها أنه اسم من أسماء الله تعالى، ومنها الإسلام، ومنها اسم للشجر العظيم، أحسبه سمي بذلك لسلامته من الآفات، وهو أيضاً اسم للحجارة الصلبة، وذلك أيضاً لسلامتها من الرخاوة. ثم قال الزجاج: قوله: {سلام عَلَيْكُمُ} السلام هاهنا يحتمل تأويلين: أحدهما: أن يكون مصدر سلمت تسليماً وسلاماً مثل السراح من التسريح، ومعنى سلمت عليه سلاماً، دعوت له بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه. فالسلام بمعنى التسليم، والثاني: أن يكون السلام جمع السلامة، فمعنى قولك السلام عليكم، السلامة عليكم.
وقال أبو بكر بن الأنباري: قال قوم السلام هو الله تعالى فمعنى السلام عليكم يعني الله عليكم أي على حفظكم وهذا بعيد في هذه الآية لتنكير السلام في قوله: {فَقُلْ سلام عَلَيْكُمْ} ولو كان معرفاً لصح هذا الوجه.
وأقول كتبت فصولاً مشبعة كاملة في قولنا سلام عليكم وكتبتها في سورة التوبة، وهي أجنبية عن هذا الموضع فإذا نقلته إلى هذا الموضع كمل البحث والله أعلم.
أما قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله كتب كذا على فلان يفيد الإيجاب. وكلمة على أيضاً تفيد الإيجاب ومجموعهما مبالغة في الإيجاب. فهذا يقتضي كونه سبحانه راحماً لعباده رحيماً بهم على سبيل الوجوب واختلف العقلاء في سبب ذلك الوجوب فقال أصحابنا: له سبحانه أن يتصرف في عبيده كيف شاء وأراد، إلا أنه أوجب الرحمة على نفسه على سبيل الفضل والكرم. وقالت المعتزلة: إن كونه عالماً بقبح القبائح وعالماً بكونه غنياً عنها، يمنعه من الإقدام على القبائح ولو فعله كان ظلماً، والظلم قبيح، والقبيح منه محال. وهذه المسألة من المسائل الجلية في علم الأصول.


المسألة الثانية: دلت هذه الآية على أنه لا يمتنع تسمية ذات الله تعالى بالنفس وأيضاً قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] يدل عليه، والنفس هاهنا بمعنى الذات والحقيقة، وأما بمعنى الجسم والدم فالله سبحانه وتعالى مقدس عنه. لأنه لو كان جسماً لكان مركباً والمركب ممكن وأيضاً أنه أحد، والأحد لا يكون مركباً، وما لا يكون مركباً لا يكون جسماً وأيضاً أنه غني كما قال: {والله الغنى} والغني لا يكون مركباً وما لا يكون مركباً لا يكون جسماً وأيضاً الأجسام متماثلة في تمام الماهية، فلو كان جسماً لحصل له مثل، وذلك باطل لقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء} [الشورى: 11] فأما الدلائل العقلية فكثيرة ظاهرة باهرة قوية جلية والحمد لله عليه.
المسألة الثالثة: قالت المعتزلة قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} ينافي أن يقال: إنه تعالى يخلق الكفر في الكافر، ثم يعذبه عليه أبد الآباد، وينافي أن يقال: إنه يمنعه عن الإيمان، ثم يأمره حال ذلك المنع بالإيمان، ثم يعذبه على ترك ذلك الإيمان. وجواب أصحابنا: أنه ضار نافع محيي مميت، فهو تعالى فعل تلك الرحمة البالغة وفعل هذا القهر البالغ ولا منافاة بين الأمرين.
المسألة الرابعة: من الناس من قال: إنه تعالى لما أمر الرسول بأن يقول لهم: {سلام عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} كان هذا من قول الله تعالى ومن كلامه، فهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى قال لهم في الدنيا: {سلام عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} وتحقيق هذا الكلام أنه تعالى وعد أقواماً بأنه يقول لهم بعد الموت {سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} [يس: 58] ثم إن أقواماً أفنوا أعمارهم في العبودية حتى صاروا في حياتهم الدنيوية كأنهم انتقلوا إلى عالم القيامة، لا جرم صار التسليم الموعود به بعد الموت في حق هؤلاء حال كونهم في الدنيا، ومنهم من قال: لا، بل هذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام. وقوله: وعلى التقديرين فهو درجة عالية.
ثم قال تعالى: {أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن هذا لا يتناول التوبة من الكفر، لأن هذا الكلام خطاب مع الذين وصفهم بقوله: {وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بئاياتنا} فثبت أن المراد منه توبة المسلم عن المعصية، والمراد من قوله: {بِجَهَالَةٍ} ليس هو الخطأ والغلط، لأن ذلك لا حاجة به إلى التوبة، بل المراد منه، أن تقدم على المعصية بسبب الشهوة، فكان المراد منه بيان أن المسلم إذا أقدم على الذنب مع العلم بكونه ذنباً ثم تاب منه توبة حقيقية فإن الله تعالى يقبل توبته.
المسألة الثانية: قرأ نافع {أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ} بفتح الألف {فَأَنَّهُ غَفُورٌ} بكسر الألف، وقرأ عاصم وابن عامر بالفتح فيهما، والباقون بالكسر فيهما.
أما فتح الأولى فعلى التفسير للرحمة، كأنه قيل: كتب ربكم على نفسه أنه من عمل منكم.
وأما فتح الثانية فعلى أن يجعله بدلاً من الأولى كقوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وعظاما أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} [المؤمنون: 85] وقوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} [الحج: 4] وقوله: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [التوبة: 63] قال أبو علي الفارسي: من فتح الأولى فقد جعلها بدلاً من الرحمة، وأما التي بعد الفاء فعلى أنه أضمر له خبراً تقديره، فله أنه غفور رحيم، أي فله غفرانه، أو أضمر مبتدأ يكون أن خبره كأنه قيل: فأمره أنه غفور رحيم.
وأما من كسرهما جميعاً فلأنه لما قال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} فقد تم هذا الكلام، ثم ابتدأ وقال: {أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فدخلت الفاء جواباً للجزاء، وكسرت إن لأنها دخلت على مبتدأ وخبر كأنك قلت فهو غفور رحيم. إلا أن الكلام بأن أوكد هذا قول الزجاج.
وقرأ نافع الأولى بالفتح والثانية بالكسر، لأنه أبدل الأولى من الرحمة، واستأنف ما بعد الفاء. والله أعلم.
المسألة الثالثة: قوله: {مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ} قال الحسن: كل من عمل معصية فهو جاهل، ثم اختلفوا فقيل: إنه جاهل بمقدار ما فاته من الثواب وما استحقه من العقاب، وقيل: إنه وإن علم أن عاقبة ذلك الفعل مذمومة، إلا أنه آثر اللذة العاجلة على الخير الكثير الآجل، ومن آثر القليل على الكثير قيل في العرف إنه جاهل.
وحاصل الكلام أنه وإن لم يكن جاهلاً إلا أنه لما فعل ما يليق بالجهال أطلق عليه لفظ الجاهل، وقيل نزلت هذه الآية في عمر حين أشار بإجابة الكفرة إلى ما اقترحوه، ولم يعلم بأنها مفسدة ونظير هذه الآية قوله: {إِنَّمَا التوبة عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السوء بجهالة} [النساء: 17].
المسألة الرابعة: قوله تعالى: {ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ} فقوله: {تَابَ} إشارة إلى الندم على الماضي وقوله: {وَأَصْلَحَ} إشارة إلى كونه آتياً بالأعمال الصالحة في الزمان المستقبل. ثم قال: {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فهو غفور بسبب إزالة العقاب، رحيم بسبب إيصال الثواب الذي هو النهاية في الرحمة. والله أعلم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال