سورة الأنعام / الآية رقم 122 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوَهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ

الأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعامالأنعام




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أن المشركين يجادلون المؤمنين في دين الله ذكر مثلاً يدل على حال المؤمن المهتدي، وعلى حال الكافر الضال، فبين أن المؤمن المهتدي بمنزلة من كان ميتاً، فجعل حياً بعد ذلك وأعطى نوراً يهتدى به في مصالحه، وأن الكافر بمنزلة من هو في ظلمات منغمس فيها لا خلاص له منها، فيكون متحيراً على الدوام.
ثم قال تعالى: {كَذَلِكَ زُيّنَ للكافرين مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وعند هذا عادت مسألة الجبر والقدر فقال أصحابنا: ذلك المزين هو الله تعالى، ودليله ما سبق ذكره من أن الفعل يتوقف على حصول الداعي وحصوله لابد وأن يكون بخلق الله تعالى، والداعي عبارة عن علم أو اعتقاد أو ظن باشتمال ذلك الفعل على نفع زائد وصلاح راجح، فهذا الداعي لا معنى له إلا هذا التزيين، فإذا كان موجد هذا الداعي هو الله تعالى كان المزين لا محالة هو الله تعالى، وقالت المعتزلة: ذلك المزين هو الشيطان، وحكوا عن الحسن أنه قال: زينه لهم والله الشيطان.
واعلم أن هذا في غاية الضعف لوجوه:
الأول: الدليل القاطع الذي ذكرناه.
والثاني: أن هذا المثل مذكور ليميز الله حال المسلم من الكافر فيدخل فيه الشيطان فإن كان إقدام ذلك الشيطان على ذلك الكفر لشيطان آخر، لزم الذهاب إلى مزين آخر غير النهاية وإلا فلابد من مزين آخر سوى الشيطان.
الثالث: أنه تعالى صرح بأن ذلك المزين ليس إلا هو فيما قبل هذه الآية وما بعدها، أما قبلها فقوله: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: 108] وأما بعد هذه الآية فقوله: {وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابر مُجْرِمِيهَا} [الأنعام: 123].
المسألة الثانية: قوله: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فأحييناه} قرأ نافع {مَيْتًا} مشدداً، والباقون مخففاً قال أهل اللغة: الميت مخففاً تخفيف ميت، ومعناهما واحد ثقل أو خفف.
المسألة الثالثة: قال أهل المعاني: قد وصف الكفار بأنهم أموات في قوله: {أموات غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 21] وأيضاً في قوله: {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً} [ياس: 70] وفي قوله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} [النمل: 80] وفي قوله: {وَمَا يَسْتَوِى الأعمى والبصير... وَمَا يَسْتَوِى الأحياء وَلاَ الأموات} [فاطر: 19 و22] فلما جعل الكفر موتاً والكافر ميتاً، جعل الهدى حياة والمهتدي حياً، وإنما جعل الكفر موتاً لأنه جهل، والجهل يوجب الحيرة والوقفة، فهو كالموت الذي يوجب السكون، وأيضاً الميت لا يهتدي إلى شيء، والجاهل كذلك، والهدى علم وبصر، والعلم والبصر سبب لحصول الرشد والفوز بالنجاة، وقوله: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي الناس} عطف على قوله: {فأحييناه} فوجب أن يكون هذا النور مغايراً لتلك الحياة والذي يخطر بالبال والعلم عند الله تعالى أن الأرواح البشرية لها أربع مراتب في المعرفة. فأولها: كونها مستعدة لقبول هذه المعارف وذلك الاستعداد الأصلي يختلف في الأرواح، فربما كانت الروح موصوفة باستعداد كامل قوي شريف، وربما كان ذلك الاستعداد قليلاً ضعيفاً، ويكون صاحبه بليداً ناقصاً.
والمرتبة الثانية: أن يحصل لها العلوم الكلية الأولية، وهي المسماة بالعقل.
والمرتبة الثالثة: أن يحاول ذلك الإنسان تركيب تلك البديهيات: ويتوصل بتركيبها إلى تعرف المجهولات الكسبية، إلا أن تلك المعارف ربما لا تكون حاضرة بالفعل، ولكنها تكون بحيث متى شاء صاحبها استرجاعها واستحضارها، يقدر عليه.
والمرتبة الرابعة: أن تكون تلك المعارف القدسية والجلايا الروحانية حاضرة بالفعل، ويكون جوهر ذلك الروح مشرقاً بتلك المعارف مستضيئاً بها مستكملاً بظهورها فيه.
إذا عرفت هذا فنقول:
المرتبة الأولى: وهي حصول الاستعداد فقط، هي المسماة بالموت.
والمرتبة الثانية: وهي أن تحصل العلوم البديهية الكلية فيه فهي المشار إليها بقوله: {فأحييناه}.
والمرتبة الثالثة: وهي تركيب البديهيات حتى يتوصل بتركيباتها إلى تعرف المجهولات النظرية، فهي المراد من قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا}.
والمرتبة الرابعة: وهي قوله: {يَمْشِي بِهِ فِي الناس} إشارة إلى كونه مستحضراً لتلك الجلايا القدسية ناظراً إليها، وعند هذا تتم درجات سعادات النفس الإنسانية، ويمكن أن يقال أيضاً الحياة عبارة عن الاستعداد القائم بجوهر الروح، والنور عبارة عن إيصال نور الوحي والتنزيل به. فإنه لابد في الإبصار من أمرين: من سلامة الحاسة، ومن طلوع الشمس، فكذلك البصيرة لابد فيها من أمرين: من سلامة حاسة العقل، ومن طلوع نور الوحي والتنزيل، فلهذا السبب قال المفسرون: المراد بهذا النور، القرآن.
ومنهم من قال: هو نور الدين، ومنهم من قال: هو نور الحكمة، والأقوال بأسرها متقاربة، والتحقيق ما ذكرناه.
وأما مثل الكافر {فَهُوَ كَمَنْ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا} وفي قوله: {لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا} دقيقة عقلية، وهي أن الشيء إذا دام حصوله مع الشيء صار كالأمر الذاتي والصفة اللازمة له. فإذا دام كون الكافر في ظلمات الجهل والأخلاق الذميمة صارت تلك الظلمات كالصفة الذاتية اللازمة له يعسر إزالتها عنه، نعوذ بالله من هذه الحالة. وأيضاً الواقف في الظلمات يبقى متحيراً لا يهتدي إلى وجه صلاحه فيستولي عليه الخوف والفزع، والعجز والوقوف.
المسألة الرابعة: اختلفوا في أن هذين المثلين المذكورين هل هما مخصوصان بإنسانين معينين أو عامان في كل مؤمن وكافر. فيه قولان: الأول: أنه خاص بإنسانين على التعيين، ثم فيه وجوه:
الأول: قال ابن عباس: إن أبا جهل رمى النبي صلى الله عليه وسلم بفرث وحمزة يومئذ لم يؤمن، فأخبر حمزة بذلك عند قدومه من صيد له والقوس بيده، فعمد إلى أبي جهل وتوخاه بالقوس، وجعل يضرب رأسه، فقال له أبو جهل: أما ترى ما جاء به؟ سفه عقولنا، وسب آلهتنا، فقال حمزة: أنتم أسفه الناس، تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فنزلت هذه الآية.
والرواية الثانية: قال مقاتل: نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل وذلك أنه قال: زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف، حتى إذا صرنا كفرسى رهان، قالوا منا نبي يوحى إليه. والله لا نؤمن به، إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت هذه الآية.
والرواية الثالثة: قال عكرمة والكلبي: نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل.
والرواية الرابعة: قال الضحاك: نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل.
والقول الثاني: إن هذه الآية عامة في حق جميع المؤمنين والكافرين، وهذا هو الحق، لأن المعنى إذا كان حاصلاً في الكل، كان التخصيص محض التحكم، وأيضاً قد ذكرنا أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة، فالقول بأن سبب نزول هذه الآية المعينة، كذا وكذا مشكل، إلا إذا قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن مراد الله تعالى من هذه الآية العامة، فلان بعينه».
المسألة الخامسة: هذه الآية من أقوى الدلائل أيضاً على أن الكفر والإيمان من الله تعالى، لأن قوله: {فأحييناه} وقوله: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي الناس} قد بينا أنه كناية عن المعرفة والهدى، وذلك يدل على أن كل هذه الأمور إنما تحصل من الله تعالى وبإذنه، والدلائل العقلية ساعدت على صحته، وهو دليل الداعي على ما لخصناه، وأيضاً أن عاقلاً لا يختار الجهل والكفر لنفسه، فمن المحال أن يختار الإنسان جعل نفسه جاهلاً كافراً، فلما قصد تحصيل الإيمان والمعرفة، ولم يحصل ذلك، وإنما حصل ضده وهو الكفر والجهل، علمنا أن ذلك حصل بإيجاد غيره.
فإن قالوا إنما اختاره لاعتقاده في ذلك الجهل أنه علم.
قلنا: فحاصل هذا الكلام أنه إنما اختار هذا الجهل لسابقة جهل آخر، فإن كان الكلام في ذلك الجهل السابق كما في المسبوق لزم الذهاب إلى غير النهاية، وإلا فوجب الانتهاء إلى جهل يحصل فيه لإيجاده وتكوينه، وهو المطلوب.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال