فصل: الذكر والدعاء في رمضان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آداب الصيام وأحكامه **


 الفصل السادس‏:‏ القرآن والذكر في رمضان

 القرآن في رمضان

معلوم أن رمضان شهر له خصوصية بالقرآن‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏185‏]‏‏.‏

فقد أنزل الله القرآن في هذا الشهر، وفي ليلة منه هي ليلة القدر، لذا كان لهذا الشهر مزية بهذا القرآن‏.‏

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن في رمضان على جبريل عليه السلام، فكان يدارسه القرآن‏.‏

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن‏.‏

فكونه يخص ليالي رمضان بمدارسته، دليل على أهمية قراءة القرآن في رمضان‏.‏

ومعلوم أن الكثير من الناس يغفلون عن قراءة القرآن في غير رمضان، فنجدهم طوال السنة لا يكاد أحدهم يختم القرآن إلا ختمة واحدة، أو ختمتين، أو ربما نصف ختمة في أحد عشر شهراً، فإذا جاء رمضان أقبل عليه وأتم تلاوته‏.‏

ونحن نقول‏:‏ إنه على أجر، وله خير كبير، ولكن ينبغي ألا يهجر القرآن طوال وقته؛ لأن الله تعالى ذمّ الذين يجهرونه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏17‏]‏‏.‏

* ومن هجران القرآن ألا يكون الإنسان مهتماً به طوال العام إلا قليلاً‏.‏

* ومن هجرانه كذلك أنه إذا قرأه لم يتدبره، ولم يتعقله‏.‏

* ومن هجرانه أن القارئ يقرأه لكنه لا يطبقه، ولا يعمل بتعاليمه‏.‏

وأما الذين يقرؤون القرآن طوال عامهم، فهم أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته‏.‏

ويجب على المسلم أن يكون مهتماً بالقرآن، ويكون من الذين يتلونه حق تلاوته، ومن الذين يحللون حلاله ويحرمون حرامه، ويعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويقفون عند عجائبه، ويعتبرون بأمثاله، ويعتبرون بقصصه وما فيه، ويطبقون تعاليمه؛ لأن القرآن أنزل لأجل أن يعمل به ويطبق، وإن كانت تلاوته تعتبر عملاً وفيها أجر‏.‏

وفضائل التلاوة كثيرة ومشهورة، ولولم يكن منها إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من قرا حرفاً من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف‏.‏ فجعل في قراءة آلم ثلاثين حسنة‏.‏

وفضائل التلاوة كثيرة لا تخفى على مسلم، وفي ليالي رمضان وأيامه تشتد الهمة له‏.‏ كان بعض القراء الذين أدركناهم يقرؤون في كل ليلة ثلاثة أجزاء من القرآن على وجه الاجتماع؛ يجتمعون في بيت، أو مسجد، أو أي مكان، فيقرؤونه في كل عشرة أيام مرة‏.‏ وبعضهم يقرأ القرآن ويختمه وحده‏.‏

وقد أدركت من يختم القرآن كل يوم مرة أو يختم كل يومين مرة‏!‏ فقد يسره الله وسهله عليهم، وأشربت به قلوبهم، وصدق الله القائل‏:‏ ‏{‏ولقد يسَّرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكر‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏17‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏فإنما يسَّرناه بلسانك لعلهم يتذكرون‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏58‏]‏‏.‏

فمن أحب أن يكون من أهل الذكر فعليه أن يكون من الذين يتلون كتاب الله حق تلاوته، ويقرأه في المسجد، ويقرأه في بيته، ويقرأه في مقر عمله، لا يغفل عن القرآن، ولا يخص شهر رمضان بذلك فقط‏.‏

فإذا قرأت القرآن فاجتهد فيه؛ كأن تختمه مثلاً كل خمسة أيام، أو في كل ثلاثة أيام، والأفضل للإنسان أن يجعل له حزباً يومياً يقرأه بعد العشاء أو بعد الفجر أو بعد العصر، وهكذا‏.‏ لابد أن تبقى معك آثار هذا القرآن بقية السنة ويحبب إليك كلام الله، فتجد له لذة، وحلاوة، وطلاوة، وهنا لن تمل من استماعه، كما لن تمل من تلاوته‏.‏

هذه سمات وصفات المؤمن الذي يجب أن يكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله تعالى وخاصته‏.‏

أما قراءة القرآن في الصلاة، فقد ذكرنا أن السلف كانوا يقرؤون في الليل فرادى ومجتمعين قراءة كثيرة‏.‏ فقد ذكروا أن الإمام الشافعي -رحمه الله- كان يختم في الليل ختمة، وفي النهار ختمة، في غير الصلاة؛ لأنه يقرأ في الصلاة زيادة على ذلك‏.‏

وقد يستكثر بعض الناس ذلك ويستبعدونه، وأقول‏:‏ إن هذا ليس ببعيد، فقد أدركت أناساً يقرؤون من أول النهار إلى أذان صلاة الجمعة أربعين جزءاً في مجلس واحد‏.‏ يقرأ، ثم يعود فيقرأ، يختم القرآن ثم يعود فيختم ثلث القرآن، فليس من المستبعد أن يختم الشافعي في النهار ختمة، وفي الليل ختمة‏.‏

ولا يستغرب ذلك أيضاً على الذين سهل القرآن في قلوبهم، وعلى ألسنتهم، فلا يستبعده إلا من لم يعرف قدر القرآن، أو لم يذق حلاوته في قلبه‏.‏

وعلى الإنسان إذا قرأ القرآن أن يتدبَّره ويعقله؛ لأن الله تعالى أمر بذلك في آيات كثيرة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أفلا يتدبَّرون القرآن ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏82‏]‏‏.‏

فنحن مأمورون أن ننظر في هذا القرآن ونتدبره، والكفار كذلك مأمورون بذلك حتى يعترفوا أنه من عند الله، وأنه لوكان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، ولاضطربت أوامره ونواهيه، فلما كان محكماً متقناً، لم يقع فيه أي مخالفة، ولا أي اضطرابات كان ذلك آية عظيمة، ومعجزة باهرة‏.‏

فهذا هو القصد من هذه الآية، ولكن لا ينافي ذلك بأننا مأمورون أن نتدبر كل ما قرأنا كما أُمرنا‏.‏

 الذكر والدعاء في رمضان

يجب على المسلم أن يتعلم، وأن يعمل بما تيسر له من الأذكار والأدعية، فالأذكار يضاعف أجرها في هذا الشهر، ويكون الأمل في قبولها أقرب، ويجب على المسلم أن يستصحبها في بقية السنة، ليكون من الذاكرين الله تعالى، وممن يدعون الله تعالى ويرجون ثوابه ورضوانه ورحمته‏.‏

وذكر الله بعد الصلوات مشروع، وكذلك عند النوم، وعند الصباح والمساء، وكذلك في سائر الأوقات‏.‏ وأفضل الذكر التهليل والتسبيح، والتحميد، والاستغفار، والحوقلة، وما أشبه ذلك، ويندب مع ذلك أن يُؤتى بها وقد فَهِمَ معناها حتى يكون لها تأثير، فيتعلم المسلم معاني هذه الكلمات التي هي من الباقيات الصالحات، وقد ورد في الحديث تفسير قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والباقيات الصالحات‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏46‏]‏‏.‏ أنها‏:‏ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏

وورد في حديث آخر‏:‏ ‏(‏أفضل الكلام بعد القرآن أربع، وهن من القرآن‏:‏ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر‏)‏‏.‏ أي أفضل الكلام الذي يؤتى به ذكراً‏.‏

فلتتعلم -أخي المسلم- معنى التهليل، ومعنى الاستغفار، ومعنى الحوقلة، ومعنى التسبيح، والتكبير، والحمد لله، وما أشبه ذلك، تعلم معناها حتى إذا أتيت بها، أتيت بها وأنت موقن بمضمونها، طالب لمستفادها‏.‏

وشهر رمضان موسم من مواسم الأعمال، ولا شك أن المواسم مظنة إجابة الدعاء، فإذا دعوت الله تعالى بالمغفرة، وبالرحمة، وبسؤال الجنة، وبالنجاة من النار، وبالعصمة من الخطأ، وبتكفير الذنوب،وبرفع الدرجات، وما أشبه ذلك ودعوت دعاءً عاماً بنصر الإسلام، وتمكين المسلمين، وإذلال الشرك والمشركين، وما أشبه ذلك، رُجي بذلك أن تستجاب هذه الدعوة من مسلم مخلص، ناصح في قوله وعمله‏.‏

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء وبسؤال الجنة، وبالنجاة من النار؛ وذلك لأنها هي المآل‏.‏

 الاستغفار في رمضان

يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏17-18‏]‏‏.‏

وقد تتعجب‏:‏ من أي شيء يستغفرون‏؟‏

أيستغفرون من قيام الليل‏؟‏‏!‏ هل قيام الليل ذنب‏؟‏

أيستغفرون من صلاة التهجد‏؟‏ هل التهجد ذنب‏؟‏

نقول‏:‏ إنهم عمروا لياليهم بالصلاة، وشعروا بأنهم مقصِّرون فختموها بالاستغفار، كأنهم يقضون ليلهم كله في ذنوب‏.‏ فهذا حال الخائفين؛ إنهم يستغفرون الله لتقصيرهم‏.‏

ويقول بعضهم‏:‏

أستغفر الله من صيامي طول زماني ومن صلاتي

صوم يرى كله خروق وصلاة أيما صــــلاة

فيستغفر أحدهم من الأعمال الصالحة، حيث إنها لابد فيها من خلل، ولذلك يندب ختم الأعمال كلها بالاستغفار، بل بالأخص في مثل هذه الليالي‏.‏

وقد جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمان‏:‏ ‏(‏فأكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم‏:‏ فلا إله إلا الله، والاستغفار‏)‏‏.‏ وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما‏:‏ فتسألون الله الجنة، وتستعيذون من النار رواه ابن خزيمة كما سبق‏.‏

فهذا ونحوه دليل على أنك متى وفقت لعمل فغاية أمنيتك العفو، وتختم عملك بالاستغفار‏.‏ إذا قمت الليل كاملاً، فاستغفر بالأسحار، كما مدح الله المؤمنين بقوله‏:‏ ‏{‏وبالأسحار هم يستغفرون‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏18‏]‏‏.‏ فإذا وُفِّقت لقيام مثل هذه الليالي، فاطلب العفو، أي‏:‏ اطلب من ربك أن يعفوعنك، فإنه تعالى عفويحب العفو‏.‏

والعفُومن أسماء الله تعالى، ومن صفاته، وهو الصفح والتجاوز عن الخطايا وعن المخطئين‏.‏

في ختام الشهر‏:‏

وعلينا أن نختم أعمالنا كلها بالتوبة والاستغفار، سواء في قيام هذه الليالي أو غيرها من سائر الأعمال، بل نختم عملنا كله بما يدل على تعظيم الله تعالى، وذكره والثناء عليه‏.‏

وقد أمر الله عباده بأن يختموا شهرهم بالتكبير في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏18‏]‏‏.‏

ولكن، ما مناسبة ختم رمضان بالتكبير بعد إكمال العدة‏؟‏

أقول‏:‏ إن الإنسان إذا كبّر الله استحضر عظمته وجلاله، وكبرياءه، وقداسته، فاحتقر نفسه واحتقر أعماله مهما عمل، ولم يذكر شيئاً من أعماله ولم يفتخر بها‏.‏ وبمثل ذلك يكون محلاً للعفوولقبول الحسنات، فإذا عرفت بأن ربك أهل لأن يعبد، وأهل للثناء والمجد، وأهل لأن يحمد، وأنك لوعبدت الله تعالى بكل ما تستطيعه لما أديت أقل القليل من حقه عليك، كما يقول بعضهم‏:‏

سبحان من لوسجدنا بالعيون له **على حمى الشوك والمحمى من الإبر

لم نبلغ العشر من معاشر مِنّــته **ولا العشير ولا عشراً من العشر

فنحن إذا أنهينا صيامنا وقيامنا‏.‏ نعرف أن ربنا هو الكبير الأكبر، وأنه أهل لأن يكبّر، ويعظّم، وأنه أهل للعبادة، ولذلك يُروى أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة وقابلوا ربهم‏.‏ اعترفوا بالتقصير، وقالوا‏:‏ سبحانك ما عبدناك حق عبادتك‏.‏

أي مهما كانت عبادتك فإنك ستحتقرها، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يقولن أحدكم إني صمت رمضان كله، وقمته كله، قال الراوي‏:‏ فلا أدري، أكره التزكية، أو قال‏:‏ لا بد من نومه أو رقده‏؟‏ أو تقصيره‏.‏

وكلا الأمرين، حق فإن الإنسان منهي أن يزكي نفسه قال تعالى ‏{‏فلا تزكوا أنفسكم هو أعلمُ بمن اتقى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏32‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الذين يُزكُّون أنفسهم بل الله يزكِّي من يشاء‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏49‏]‏‏.‏

فتزكية النفس‏:‏ مدحُها، ورفع مقام الإنسان لنفسه والإعجاب، وقد يكون الإعجاب سبباً لإحباط العمل‏!‏ فعليك أن تحتقر نفسك، فإذا نظرت إلى الناس، واحتقرت أعمالهم فارجع إلى نفسك واحتقرها، ولُمْهَا حق اللوم، وحقِّر عملك حتى يحملك ذلك على الاستكثار، ولا تعجب بأي عمل فعلته فلا تقل‏:‏

أنا الذي صليت‏!‏

أنا الذي قمت‏!‏

أنا الذي تهجدت‏!‏

أنا الذي قرأت ‏.‏‏.‏ إلخ، فيكون إعجابك سبباً لرد أعمالك‏!‏

فهذا ونحوه من الإرشادات التي ينبغي على المسلمين أن يعملوا بها، وأن يهتدوا إليها، ويحرصوا على استغلالها في مثل هذه الليالي المباركة‏.‏

 الفصل السابع‏:‏ زكاة الفطروما يتعلق بها من أحكام

 معنى زكاة الفطر وسبب تسميتها بذلك

هي الصدقة التي تخرج في آخر رمضان، وفي ليلة عيد الفطر وصباح عيد الفطر، وسميت بزكاة الفطر لأنها شرعت عند إتمام الشهر، وفي الزمن الذي يفطر فيه الصائمون من رمضان، فهي زكاة الإفطار، أو صدقة عيد الفطر الذي بعد إكمال رمضان‏.‏

 تاريخ تشريع زكاة الفطر

الظاهر أنها شرعت وقت فرضية رمضان، أي في السنة الثانية من الهجرة، وذلك لأنها تضاف إلى رمضان وإلى الإفطار منه، فهي تابعة له، ولم يذكر أنهم صاموا الشهر ولم يخرجوا زكاة الفطر‏.‏

 حكم زكاة الفطر

لا شك أنها واجبة، ففي الصحيحين عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏)‏‏.‏ والفرض في الظاهر هو الإيجاب والإلزام، فدل على أنها من الفرائض‏.‏

ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك، لكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرضية، على قاعدتهم في التفريق بين الفرض والواجب، وقد ثبت أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قد أفلح من تزكى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏14‏]‏‏.‏ نزلت في زكاة الفطر كما روى ذلك ابن خزيمة‏.‏

 الحكمة من تشريع زكاة الفطر

روى ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغووالرفث، وطعمة للمساكين‏)‏‏.‏ رواه أبوداود وابن ماجه والدار قطني والحاكم وصححه‏.‏ وذلك أن الصائم في الغالب لا يخلومن الخوض واللهو ولغوالكلام، وما لا فائدة فيه من القول والرفث الذي هو الساقط من الكلام، مما يتعلق بالعورات ونحوذلك، فتكون هذه الصدقة تطهيراً للصائم مما وقع فيه من هذه الألفاظ المحرمة أو المكروهة، التي تنقص ثواب الأعمال وتخرق الصيام‏.‏

ثم هي أيضاً طعمة للمساكين، وهم الفقراء المعوزون، ليشاركوا بقية الناس فرحتهم بالعيد، ولهذا ورد في بعض الأحاديث‏:‏ أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم‏.‏ يعني أطعموهم وسدُّوا حاجتهم، حتى يستغنوا عن الطواف والتكفف في يوم العيد، الذي هو يوم فرح وسرور‏.‏

ثم إن إخراجها عن الأطفال وغير المكلفين والذين لم يصوموا لعذر من مرض أو سفر داخل في الحديث، وتكون طهرة لأولياء غير المكلفين، وطهرة لمن أفطر لعذر، على أنه سوف يصوم إذا زال عذره، فتكون طهرة مقدمة قبل حصول الصوم أو قبل إتمامه‏.‏

 أصناف زكاة الفطر

في حديث أبي سعيد المتفق عليه قال‏:‏ ‏(‏كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ صاعاً من طعام، أوصاعاً من تمر، أوصاعاً من شعير، أوصاعاً من زبيب، أوصاعاً من أقط، فلم نزل كذلك حتى قدم علينا معاوية المدينة، فقال‏:‏ إني لأرى مدّين من سمراء الشام يعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك‏)‏ قال أبوسعيد‏:‏ فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه‏.‏

وللنسائي عنه قال‏:‏ ‏(‏فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط‏)‏‏.‏

وللدار قطني عنه قال‏:‏ ‏(‏ما أخرجنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعاً من دقيق، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من سلت، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط‏)‏‏.‏ وغير ذلك من الروايات‏.‏

وقد ذهب الأكثرون إلى أنها لا تخرج إلا من الأصناف الخمسة المذكورة، وهي‏:‏ الطعام، أي‏:‏ البر كما ورد مفسراً في بعض الروايات، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط؛ لأنها الأقوات المعتادة لغالب الناس، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية جواز إخراجها من غالب قوت البلد، ومنه الأرز والذرة والدخن إذا غلب أكلها في إحدى الجهات، وهو الأقرب إن شاء الله تعالى‏.‏

 مقدار زكاة الفطر‏:‏

ذكر في حديث أبي سعيد أنها صاع من أحد الأصناف المذكورة، وقد اختلف في مقدارها من البر، فرأى معاوية الاكتفاء بنصف صاع منه، لكونه أفضل من الشعير، وأن الفقراء قد لا يأكلون الشعير أحياناً؛ بل يطعمونه الدواب والبهائم، وكذا التمر؛ سيما الرديء منه، فنصف الصاع من البر يعدل الصاع من الشعير في القيمة، ثم هو أنفع من الشعير للفقراء، وقد عمل بذلك كثير من الصحابة، ذكرهم الحافظ في شرح البخاري وغيره‏.‏

وورد في ذلك حديث حسنه الترمذي، عن عمروبن شعيب عن أبيه عن جده، ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً في فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، حر أو عبد صغير أو كبير، مدان من قمح أو سواه، صاع من طعام‏)‏‏.‏

ولكن حديث أبي سعيد أصح منه، وفيه صاع من طعام، وقد فسّره الخطابي بالبر وهو الأولى، وقد اختار أبوسعيد البقاء على ما كان عليه وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إخراج الصاع كاملاً دون موافقة معاوية على رأيه‏.‏

ثم إن الصاع معروف، وهو أربعة أمداد، والمد من البر ملء الكفين المتوسطين مجموعتين، وقدر الصاع بأنه خمسة أرطال وثلث بالعراقي، والصاع معروف في هذه البلاد، وهو مع العلاوة يقارب ثلاث كيلو، وبدون علاوة نحوكيلوين ونصف، والاحتياط إكمال الثلاثة‏.‏

 إخراج قيمة زكاة الفطر نقداً

ورد في السنة إخراجها من الأطعمة التي ذكرت في الأحاديث، أو من غالب قوت البلد، ليحصل بها الاقتيات والاستغناء عن التكفف والتسول يوم العيد، ويكفى الفقراء عن الشراء والحمل بإيصالها إلى منازلهم غالباً‏.‏

وقد ذهب الحنفية إلى جواز إخراج القيمة، وهو إخراجها نقداً من الدراهم أو الدنانير، وزعموا أنه أرفق بالفقير، حتى يتمكن من شراء ما يناسبه من الطعام أو غيره، وهو خلاف النصوص الواردة والأحاديث المتكاثرة، فإن القيمة موجودة في العهد النبوي، ولم يأمر بالإخراج منها؛ ولأن في إخراجها طعاماً إشهار لها وإعلان للعمل بها، بخلاف القيمة فإنها تكون خفية، يعطيها المزكي بخفية، وقد يأخذها من لا يستحقها‏.‏

 على من تجب زكاة الفطر

تجب على المسلم الحر العاقل إذا فضل بشيء عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته، فيخرج عن نفسه وعن كل من يمونه ممن تجب عليه نفقته، فإن عجز عن الجميع، بدأ بنفسه، فامرأته، ثم برقيقه، ثم بولده، ثم بأمه، ثم أبيه، ثم الأقرب فالأقرب من عصبته، ففي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين قال‏:‏ ‏(‏فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان‏.‏‏.‏ على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين‏)‏‏.‏ وفي حديث ثعلبة بن أبي صُعَيرْ مرفوعاً‏:‏ ‏(‏صاع من بر، أو قمح، على كل إثنين، صغير أو كبير، حر أو عبد، ذكر أو أنثى، غني أو فقير، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى‏)‏ رواه أبوداود وأحمد وغيرهما‏.‏ ووقع في بعض طرق حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏على كل صغير وكبير، حر وعبد، ممن تمونون‏)‏ رواه الدار قطني‏.‏

ولا تلزمه فطرة زوجته إذا نشزت، ولا عبده المكاتب؛ لأنها لا تلزمه نفقتهما، ومن تبرع بنفقة إنسان شهر رمضان لم تجب عليه فطرته التي هي تابعة لوجوب النفقة‏.‏

واستحبها بعض الصحابة عن الجنين في بطن أمه من غير وجوب، ومن وجبت فطرته على غيره فأخرج عن نفسه كالزوجة والابن والأم أجزأت عنه، لأنه المخاطب بها، وإنما تحملها عنه وليه تبعاً للنفقة أو للحاجة‏.‏

 جهة إخراج زكاة الفطر

مصرف الفطرة كمصرف الزكاة، فأهلها هم أهل الزكاة المذكورون في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏6‏]‏‏.‏ وحيث إن وصف الفقر والمسكنة هو الغالب، فإن المقدم فيها هم الفقراء والمساكين، الذين تعوزهم النفقة ويحتاجون إلى تحصيل القوت الضروري لهم ولعوائلهم، ولهذا ورد في الحديث‏:‏ أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم‏.‏

ثم عليه أن لا يحابي بها، وأن يقدم من علمه أشد حاجة، فإن كان أقاربه من أهلها فهم أولى من الأباعد مع الاستواء في الحاجة؛ ولأنه ورد في الحديث‏:‏ صدقتك على الفقير صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان‏:‏ صدقة وصلة‏.‏ ولا يجوز لمن تلزمه مؤنته كزكاة المال‏.‏

 نقل زكاة الفطر من بلد الشخص إلى بلد آخر

لا يجوز ذلك إلا إذا لم يوجد في البلد فقراء، وقد ذكر العلماء أنها تتبع البدن، فيخرجها في البلد الذي تدركه ليلة العيد وهو فيه، ولوكان سكنه وأهله في غيره، كمن يصوم آخر الشهر بمكة، فإنه يخرجها هناك، وأهله يخرجون عن أنفسهم في موضعهم الذي يوجدون فيه ليلة الفطر، فإن لم يوجد في بلده فقراء من أهلها، وعرف فقراء في بلد آخر جاز نقلها إلى أقرب بلدة يعرف فيها من هم من أهل الاستحقاق، وقيل‏:‏ يجوز إلى أبعد منها إذا كانوا اشد حاجة أو لهم رحم وقرابة‏.‏