فصل: تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ...} الآيَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أحكام القرآن ***


تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآيَة

قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏ فَكَانَ ظَاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ عَلَى جَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ مِمَّنْ قَدْ دُخِلَ بِهِنَّ، وَمِمَّنْ لَمْ يُدْخَلْ بِهِنَّ، قَدْ فُرِضَ لَهُنَّ صَدَاقٌ، وَمِمَّنْ لَمْ يُفْرَضْ لَهُنَّ صَدَاقٌ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرَوَوْا مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ‏.‏

1896- كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَمُوسَى بْنُ أَيُّوبَ الْغَافِقِيُّ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ ‏"‏‏.‏

1897- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ ‏"‏‏.‏

1898- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ‏"‏ ‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ ‏"‏‏.‏

1899- حَدَّثَنَا يُوسُفُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ حَتَّى الْمُخْتَلِعَةِ ‏"‏ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، فَقَالُوا‏:‏ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلا الَّتِي تُطَلَّقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ، فَلَهَا نِصْفُ ذَلِكَ الصَّدَاقِ، وَلا مُتْعَةَ لَهَا وَرَوَوْا مَا ذَهَبُوا إِلْيَهِ مِنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالنَّخَعِيِّ‏.‏

1900- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلا الَّتِي تُطَلَّقُ وَقَدْ فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ، فَحَسْبُهَا نِصْفُ صَدَاقِ مَا فُرِضَ لَهَا ‏"‏‏.‏

1901- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلا أَنْ تُطَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يُدْخَلَ بِهَا، وَقَدْ فُرِضَ لَهَا، فَلا مُتْعَةَ لَهَا إِلا نِصْفُ الصَّدَاقِ ‏"‏‏.‏

1902- حَدَّثَنَا يُوسُفُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ إِلا الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا، فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ ‏"‏‏.‏

1903- حَدَّثَنَا يُوسُفُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ‏:‏ حدثنا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، مِثْلَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ‏.‏

1904- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ شُرَيْحٍ، ‏"‏ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا‏:‏ إِنَّ لَهَا فِي النِّصْفِ مَتَاعًا ‏"‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْمَفْرُوضِ لَهَا صَدَاقٌ، أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ مِمَّنْ لَهُ الْمَتَاعُ بِالآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ، وَهِيَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، قَوْلُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِلَى قَوْلِهِ جَمِيلا‏}‏ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ سَعِيدٍ عَلَى أَزْوَاجِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ قَالَ‏:‏ ثُمَّ نَسَخَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمَ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِمَّنْ قَدْ فَرَضَ لَهَا صَدَاقَهُ بِالآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏‏.‏

1905- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ‏:‏ كَانَ لِلْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ الْمَتَاعُ، فَنَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ، فَصَارَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَلا مَتَاعَ لَهَا ‏"‏ فَصَارَ مَذْهَبُهُ فِي تَأْوِيلِ الآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا كَمَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ فِي وُجُوبِ الْمَتَع لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إِلا الَّتِي طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سُمِّيَ لَهَا صَدَاقٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي الْفَصْلِ الأَوَّلِ، وَهِيَ‏:‏

1906- مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عن بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ مِنَ النِّسَاءِ شَيْءٌ إِلا وَلَهَا مُتْعَةٌ، إِلا الْمُلاعِنَةَ، وَالْمُخْتَلِعَةَ، وَالَّتِي تُطَلَّقُ وَلَمْ تُمَسَّ وَقَدْ فُرِضَ لَهَا، فَحَسْبُهَا فَرِيضَتُهَا ‏"‏ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ إِلَى إِخْرَاجِ هَؤُلاءِ الْمَذْكُورَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أْهَلِ الْمُتْعَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي الْفَصْلِ الأَوَّلِ، وَهِيَ أَنَّهُ كَانَ لا يَرَى لِلْمُخْتَلِعَةِ مُتْعَةً عَلَى زَوْجِهَا الْمُخَالِعُ لَهَا‏.‏

1907- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ الْمُخْتَلِعَةُ لَيْسَ لَهَا مُتْعَةٌ، كَيْفَ تُمَتِّعُهَا وَأَنْتَ تَأْخُذُ مَالَهَا‏؟‏ ‏"‏ فَعَادَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِهَذَا وَبِمَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ وَالْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ الْمَفْرُوضَ لَهَا الصَّدَاقُ، لا مُتْعَةَ لَهُمَا، وَلِمَنْ سِوَاهُمَا مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ الْمُتْعَةُ‏.‏

1908- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَا نَعْلَمُ لِلْمُخْتَلِعَةِ مُتْعَةً ‏"‏‏.‏

1909- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْحَارِثِ، يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ بُكَيْرًا، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَلا يَرَوْنَ لِلْمُخْتَلِعَةِ مُتْعَةً ‏"‏ وَهَذَا الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ فِي الْمُتْعَةِ، لَمْ يُرْوَ فِيهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ لِمَنْ ذَكَرُوهُ لَهُ مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ وُجُوبًا يُحْكَمُ بِهِ لَهُنَّ عَلَى الْمُطَلِّقِينَ، وَلا أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِهِ لَهُنَّ اخْتِيَارًا، لا حَتْمًا عَلَى الْمُطَلِّقِينَ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَذْكُورًا بِعَقِبِهِ التُّقَى وَالإِحْسَانُ، عَلَى أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ كَانُوا مُتَّقِينَ، مُحْسِنِينَ، مُتَبَرِّعِينَ بِهَا، لا يَجِبُ عَلَيْهِمْ كَوُجُوبِ الأَصْدِقَةِ فَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ فِيهِ‏.‏

1910- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ‏:‏ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى شُرَيْحٍ تُخَاصِمُ رَجُلا فِي الْمُتْعَةِ، وَكَانَ طَلَّقَهَا، فَقَرَأَ شُرَيْحٌ‏:‏ ‏{‏مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏ فَقَالَ لَهُ‏:‏ مَتِّعْهَا ‏"‏، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا‏.‏

1911- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، وَيُونُسُ، وَهِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّ امْرَأَةً خَاصَمَتْ زَوْجَهَا إِلَى شُرَيْحٍ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ ‏"‏ لا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، لا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ ‏"‏، وَلَمْ يُجْبِرْهُ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُؤَكِّدُ أَمْرَ الْمُتْعَةِ عَلَى الْمُطَلِّقِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ ابْنَةِ قَيْسٍ فِي حَدِيثِ اللَّيْثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ قَيْسٍ‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ وَلا سُكْنَى، وَلَكِنْ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ‏"‏ فَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ وَلا سُكْنَى، وَلَكِنْ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ‏"‏، دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْمَتَاعِ لَهَا، وَأَنَّهُ بِضِدِّ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ السَّاقِطَيْنِ عَنْهُ قِيلَ لَهُ‏:‏ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْكُمْ لَهَا بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُ لَهَا بِطَرِيقِ الْفُتْيَا، لأَنَّ فِيهِ أَنَّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ لَهَا‏:‏ ‏"‏ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ نَفَقَةٍ، وَلا مِنْ سُكْنَى، وَهَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلِيهِ ‏"‏ وَكَانَ الَّذِي كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فُتْيَا جَوَابًا لِسُؤَالِهَا وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فَكَانُوا يَجْعَلُونَ لِلْمُطَلَّقَاتِ جَمِيعًا الْمُتْعَةَ اخْتِيَارًا، لا وُجُوبًا يَحْكُمُونَ بِهِ غَيْرَ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَمْ يُسَمَّ لَهَا صَدَاقٌ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُوجِبُونَ لَهَا الْمُتْعَةَ، وَيَحْكُمُونَ بِهَا لَهَا عَلَى مُطَلِّقِهَا وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللهُ فَحَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْمَرْأَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا، أَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمُتْعَةِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لا يُقْضَى بِهَا، إِنَّما قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏}‏، فَذَلِكَ مِمَّا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَمِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ، فَأَمَّا أَنْ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ فَلا ‏"‏ قَالَ‏:‏ وَقَالَ لِي مَالِكٌ ‏"‏ فِي الْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُلاعِنَةِ وَالْمُبَارِئَةِ‏:‏ لَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَتَاعٌ ‏"‏

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَذَكَرَ لَنَا الْمُزَنِيُّ، قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْمُتْعَةُ لِلْمُطَلَّقَاتِ، وَالْمُتْعَةُ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ طَلَّقَ، وَلِكُلِّ زَوْجَةٍ، إِذَا كَانَ الْفِرَاقُ مِنْ قِبَلِهِ، أَوْ يُتِمَّ بِهِ مِثْلُ أَنْ يُطَلِّقَ، أَوْ يُخَالِعَ، أَوْ يُمَلِّكَ، وَإِذَا كَانَ الْفِرَاقُ مِنْ قِبَلِهَا فَلا مُتْعَةَ لَهَا وَلا مَهْرَ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُطَلَّقَةٍ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَتْ أَمَةً فَبَاعَهَا سَيِّدُهَا مِنْ زَوْجِهَا فَهُوَ أَفْسَدَ النِّكَاحَ بِابْتِيَاعِهِ إِيَّاهَا وَأَمَّا الْمُلاعِنَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ وَمِنْهَا، وَلأَنَّهُ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، فَهِيَ كَالْمُطَلَّقَةِ وَأَمَّا امْرَأَةُ الْعِنِّينِ فَلَوْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ، فَلَهَا عِنْدِيَ الْمُتْعَةُ، وَاللهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُزَنِيُّ‏:‏ هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ، وَقِيَاسُ قَوْلِهِ‏:‏ أَنْ لا مُتْعَةَ لَهَا، لأَنَّ الْفِرَاقَ مِنْ قِبَلِهَا دُونَهُ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْمُتْعَةِ هَذَا الاخْتِلافَ، وَلَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ قَطُّ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهَا قَوْلا، إِلا مَا قَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَمْ نَجِدْهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهَا، وَإِلْزَامِ الزَّوْجِ إِيَّاهَا فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَأْمُرُونَهُ بِهَا فِيهَا، وَلَمْ يَكُنْ إِيجَابُهَا عَلَى الزَّوْجِ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، وَلَمْ نَجِدْهَا وَاجِبَةً فِي كِتَابِ اللهِ، وَلا سُنَّةٍ، وَلا إِجْمَاعًا، وَلَمْ نَجِدْ لَهَا مَثَلا نَعْطِفُهَا عَلَيْهِ وَنَرُدُّهَا إِلَيْهِ، وَلَمْ نَرُدَّهَا إِلَى الأَصْدِقَةِ إِذْ كَانَتِ الأَصْدِقَةُ أَضْدَادًا لَهَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الرَّجُلَ إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ عَلَى صَدَاقٍ مُسَمَّى، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ ذَلِكَ الصَّدَاقِ وَرَأَيْنَاهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَاقُ كُلُّهُ، وَكَانَتِ الْفُرْقَةُ بِالْمَوْتِ أَوْكَدَ حَالا فِي إِيجَابِ الأَصْدِقَةِ لِلزَّوْجَاتِ، وَرَأَيْنَا أَهْلَ الأَقْوَالِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا فِي الْمَنْعِ يَقُولُونَ‏:‏ إِذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَالْمُتْعَةُ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِهَا فِي مَالِهِ فَكَانَتِ الْمُتْعَةُ تَسْقُطُ بِإِجْمَاعِهِمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الصَّدَاقُ بِإِجْمَاعِهِمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّها ضِدُّ الصَّدَاقِ، لا مِثْلُ وَلَمَّا كَانَتْ كَذَلِكَ كَانَ الأَوْلَى بِنَا أَلا نَجْعَلَ شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ وَاجِبًا مَحْكُومًا بِهِ عَلَيْهِ حَتَّى نَعْلَمَ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنْ لا مُتْعَةَ وَاجِبَةً عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ طَلاقٍ قَبْلَهُ دُخُولٌ، أَوْ لا دُخُولَ قَبْلَهُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِيمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الأَقْرَاءِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الآيَةِ مَا هِيَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ‏:‏ هِيَ الأَطْهَارُ الَّتِي تَكُونُ مِنَ الْحَيْضِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عُمَرَ عَلَى اخْتِلافٍ رُوِيَ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَعَنْ عَائِشَةَ مِمَّا لا نَعْلَمُ عَنْهَا فِي ذَلِكَ اخْتِلافًا‏.‏

1912- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا طُلِّقَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ‏"‏‏.‏

1913- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ قَضَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْمُطَلَّقَةِ إِذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ‏"‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ‏.‏

1914- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، ‏"‏ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ حَفْصَةَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ‏"‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ، فَقَالَتْ‏:‏ صَدَقَ عُرْوَةُ، قَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ النَّاسُ، وَقَالُوا‏:‏ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏ثَلاثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏ فَقَالَتْ لَهُمْ عَائِشَةُ‏:‏ ‏"‏ أَتَدْرُونَ مَا الأَقْرَاءُ‏؟‏ إِنَّمَا الأَقْرَاءُ الأَطْهَارُ ‏"‏‏.‏

1915- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ، وَبَرِئَ مِنْهَا، وَلا تَرِثُهُ، وَلا يَرِثُهَا ‏"‏ هَكَذَا حَدَّثَنَا يُونُسُ فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ، وَأَمَّا مَا حَدَّثَنَا فِي مُوَطَّإِ ابْنِ وَهْبٍ‏:‏

1916- فَحَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَرِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ نَافِعًا، أَخْبَرَهُمْ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، ثُمَّ ذَكَرَهُ مِثْلَهُ سَوَاءً‏.‏

1917- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى زَيْدٍ يَسْأَلُهُ، وَكَتَبَ‏:‏ ‏"‏ أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ ‏"‏ قَالَ نَافِعٌ‏:‏ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُهُ‏.‏

1918- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، أَخْبَرَهُ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ‏:‏ مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إِلا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا، يُرِيدُ الَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ يَعْنِي‏:‏ ‏"‏ الأَقْرَاءُ‏:‏ الأَطْهَارُ ‏"‏ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ الأَقْرَاءُ‏:‏ الْحِيَضُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي مُوسَى، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ‏.‏

1919- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، ‏"‏ أَنَّ رَجُلا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ، فَلَمَّا حَاضَتِ الثَّالِثَةَ وَدَخَلَتِ الْمُغْتَسَلَ أَتَاهَا زَوْجُهَا، فَقَالَ‏:‏ قَدِ ارْتَجَعْتُكِ، قَدِ ارْتَجَعْتُكِ، ثَلاثًا، فَارْتَفَعَا إِلَى عُمَرَ، فَأَجْمَعَ عُمَرُ، وَعَبْدُ اللهِ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلاةُ، فَرَدَّهَا عُمَرُ عَلَيْهِ ‏"‏‏.‏

1920- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ زَوْجُهَا أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ‏"‏‏.‏

1921- حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، مِثْلَهُ‏.‏

1922- حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، بِمِثْلِ مَعْنَاهُ‏.‏

1923- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَهْبِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَذَكَرَ لَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَرَأَتْ أَوَّلَ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِ حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ، فَلا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا ‏"‏ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ، فَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ، وَمُعَاذًا، وَأَبَا الدَّرْدَاءِ كَانُوا يَجْعَلُونَ لَهُ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ‏.‏

1924- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ إِذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، وَعَلَى الْحُرَّةِ ثَلاثُ حِيَضٍ، وَعِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ ‏"‏، فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ قَالَ فِي هَذَا خِلافُ مَا رُوِّينَا عَنْهُ فِي الْفَصْلِ الأَوَّلِ‏.‏

1925- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ الطَّلاقُ إِلَى الرَّجُلِ، وَالْعِدَّةُ إِلَى الْمَرْأَةِ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ أَمَةً ثَلاثُ تَطْلِيقَاتٍ، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الأَمَةِ حَيْضَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَامْرَأَتُهُ حُرَّةً طَلَّقَ طَلاقَ الْعَبْدِ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَاعْتَدَّتِ الْحُرَّةُ ثَلاثَ حِيَضٍ ‏"‏، فَهَذَا خِلافُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ زَيْدٍ فِي الْفَصْلِ الأَوَّلِ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الأَقْرَاءِ الْمُرَادَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا، وَكَانَتِ الأَقْرَاءُ اسْمًا جَامِعًا فِي اللُّغَةِ تَقَعُ عَلَى الْحَيْضِ دُونَ الطُّهْرِ، وَتَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ دُونَ الْحَيْضِ، وَتَقَعُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، فَيُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلاثَةِ‏:‏ قُرْءٌ كَمَا حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ حَسَّانٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ النَّحْوِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُسَمِّي الْحَيْضَ قُرْءًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الطُّهْرَ قُرْءًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْمَعُهُمَا جَمِيعًا فَيُسَمِّي الْحَيْضَ مَعَ الطُّهْرِ قُرْءًا فَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَسْمِيَتِهِمُ الْحَيْضَ قُرْءًا فَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ بِلُغَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

1926- كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، ‏"‏ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَسْتَحَاضُ فَلا يَنْقَطِعُ عَنِّي الدَّمُ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلَ، وَتَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلاةٍ، ثُمَّ تُصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ قَطْرًا ‏"‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَدْ أَنْكَرَ سُفْيَانُ عَلَى يَحْيَى بْنِ آدَمَ احْتِجَاجَهُ عَلَيْهِ بِهِ، وَقَالَ لَهُ حِينَ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِهِ‏:‏ قَدْ جِئْتَنِي بِأَحَادِيثَ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ قِيلَ لَهُ‏:‏ هَذَا كَلامٌ مَا نَدْرِي مَا مَعْنَاهُ غَيْرَ أَنَّ حَبِيبًا حُجَّةٌ، إِمَامٌ فِي الْعِلْمِ، قَدْ رَوَى عَمَّنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْ عُرْوَةَ، قَدْ رَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا دَفَعَهُ عن ذَلِكَ، وَلا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِهِ، غَيْرَ مَا ذُكِرَ عَنْ سُفْيَانَ فِيمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَقِفْ عَلَى وَجْهِهِ، وَلا عَلَى السَّبَبِ الَّذِي أَنْكَرَهُ عَلَى يَحْيَى مِنْ أَجْلِهِ ثُمَّ قَدْ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ كَما‏:‏

1927- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْخُصْيَبُ بْنُ نَاصِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، وَتَغْتَسِلُ غُسْلا وَاحِدًا، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ ‏"‏‏.‏

1928- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ‏.‏

1929- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ أَبِي حُبَيْشٍ حَدَّثَتْهُ، أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ الدَّمَ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ يَطْرَأُ، إِذَا أَتَاكِ قُرْءٌ فَصَلِّي، وَإِذَا مَرَّ الْقُرْءُ فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مِنَ الْقُرْءِ إِلَى الْقُرْءِ ‏"‏‏.‏

1930- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ الرَّبِيعِ، عَنْ شُعَيْبٍ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَجَدْنَا غَيْرَ عُرْوَةَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَائِشَةَ عَلَى مِثْلِ مَا رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْهَا‏.‏

1931- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَةَ جَحْشٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ حَتَّى لا تَطْهُرَ، فَذَكَرَتْ شَأْنَهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنَّهَا رَكْضَةٌ مِنَ الرَّحِمِ، لِتَنْظُرْ قَدْرَ قُرْئِهَا الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُ لَهُ فَلْتَتْرُكْ، ثُمَّ لِتَنْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ عَنْد كُلِّ صَلاةٍ وَتُصَلِّي ‏"‏ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَا فِي حَدِيثِ حَبِيبٍ عَنْ عُرْوَةَ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلا نَعْلَمُ وَجْهًا يَجِبُ أَنْ يُنْكَرَ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ مِمَّنْ يَقُولُ‏:‏ الأَقْرَاءُ الأَطْهَارُ، بِمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ، فَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ لَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ حَائِضًا‏:‏ ‏"‏ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، فَتِلْكُ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ‏"‏، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ‏:‏ فَفِي ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ الطُّهْرُ، إِذْ كَانَ الطُّهْرُ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُوقَعَ الطَّلاقُ لِلسُّنَّةِ فِيهِ، لا الْحَيْضُ الَّذِي يَتَّصِلُ عِنْدَ إِيقَاعِ الطَّلاقِ لِلسُّنَّةِ فِيهِ قِيلَ لَهُ‏:‏ الْعِدَّةُ اسْمٌ جَامِعٌ يَقَعُ عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ، فَمِنْ ذَلِكَ الْعِدَّةُ الَّتِي تُطَلَّقُ لَهَا النِّسَاءُ، هِيَ الأَطْهَارُ، وَمن ذَلِكَ الْعِدَّةُ الَّتِي يَعْتَدِدْنَ بِهَا مِنْ وَفَاةِ أَزْوَاجِهِنَّ عَنْهُنَّ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ إِذَا لَمْ يَكُنَّ حَوَامِلَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْعِدَّةُ الَّتِي يَعْتَدِدْنَ بِهَا إِذْ كُنَّ حَوَامِلَ فِي طَلاقِ الأَزْوَاجِ، وَفِي مَوْتِهِنَّ جَمِيعًا، وَمِنْ ذَلِكَ الْعِدَّةُ الَّتِي يَعْتَدِدْنَ بِهَا مِنَ الطَّلاقِ إِنْ لَمْ يَكُنَّ حَوَامِلَ، وَهِيَ الأَقْرَاءُ الَّتِي اخْتَلَفْنَا فِيهَا فَكُلُّ هَذَا يُسَمَّى عِدَّةً، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا غَيْرُ مَا سِوَاهُ مِنْهَا وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الأَجْنَاسُ الْمُخْتَلِفَةُ يَقَعُ عَلَيْهَا هَذَا الاسْمُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الاسْمُ أَيْضًا يَقَعُ عَلَى الطَّلاقِ لِلْعِدَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَا سِوَاهُ مِنَ الْعِدَدِ، وَهَذَا عُمَرُ الَّذِي خَاطَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الَّذِي احْتَجَجْتَ بِهِ قَدْ قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ الأَقْرَاءَ الْحِيَضُ ‏"‏، وَمَذْهَبُكَ أَنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِهِ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْلَى مِمَّنْ خَالَفَهُ فِي الأَقْرَاءِ فَإِنْ قُلْتَ‏:‏ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، وَوَقَفَ عَلَى مَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ فِي الأَقْرَاءِ أَنَّها الأَطْهَارُ‏؟‏ قِيلَ لَكَ‏:‏ قَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلافُ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِمُوَافَقَةِ مَا كَانَ عُمَرُ عَلَيْهِ وَلَمَّا وَجَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَّلَ جَعَلَ الأَقْرَاءَ مُضَمَّنَةً بِالْعَدَدِ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏ثَلاثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏، وَكَانَ مِنْ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّها الأَطْهَارُ‏:‏ أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ قَدْ مَضَى أَكْثَرُهُ، أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ قُرْءًا مَعَ قُرْءَيْنِ كَامِلَيْنِ سِوَاهُ، فَعَادَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ إِلَى قُرْءَيْنِ وَبَعْضِ ثَالِثٍ وَهَذَا بِغَيْرِ مَا نَصَّهُ الْكِتَابُ لأَنَّهُ قَدْ نَصَّ جَلَّ وَعَزَّ عَدَدًا، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى شَوَّالٍ وَذِي الْقَعْدَةِ وَبَعْضِ ذِي الْحَجَّةِ، وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ‏}‏، فَجَعَلَ ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَخَوَيْنِ فَصَاعِدًا، كَانَ كَذَلِكَ هَذَا أَيْضًا فِي الأَقْرَاءِ قِيلَ لَهُ‏:‏ لا يُشْبِهُ هَذَا الأَقْرَاءَ، لأَنَّهُ مَا جَاءَ بِغَيْرِ عَدَدٍ كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏أَشْهُرٌ‏}‏، وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إِخْوَةٌ‏}‏، جَازَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَى اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَإِنْ كَانَ دُونَ الثَّلاثَةِ وَأَمَّا مَا وُكِّدَ بِالْعَدَدِ فَقِيلَ فِيهِ‏:‏ ثَلاثَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَصَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏، فَلَمْ يَجُزْ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ‏}‏، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ‏}‏، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا سَمَّاهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعَدِدِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، وَصِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، لا يُجْزِئُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ التَّقْصِيرُ عَنِ الْعَدِدِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَكَذَلِكَ‏:‏ ‏{‏ثَلاثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏، لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ ثَلاثَةٍ مِنَ الأَقْرَاءِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنَّ فِي الآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الطُّهْرُ، وَذَلِكَ الطُّهْرُ مُذَكَّرٌ، وَالْهَاءُ فِي جَمْعِهِ ثَابِتَةٌ كَمَا تَقُولُ‏:‏ ثَلاثَةُ أَطْهَارٍ، وَثَلاثَةُ رِجَالٍ، وَثَلاثَةُ أَثْوَابٍ وَالْحَيْضَةُ مُؤَنَّثَةٌ، وَتَسْقُطُ الْهَاءُ مِنْ جَمْعِهَا كَمَا يُقَالُ‏:‏ ثَلاثُ نِسْوَةٍ، وَكَمَا يُقَالُ‏:‏ ثَلاثُ حِيَضٍ وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏ثَلاثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏، فَكَانَ إِدْخَالُهُ الْهَاءَ فِي الثَّلاثَةِ دَلِيلا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مُذَكَّرًا وَهُوَ الطُّهْرُ قِيلَ لَهُ‏:‏ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْتَ، لأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُسَمَّى بِاسْمَيْنِ أَحَدُهِمَا مُذَكَّرٌ، وَالآخَرُ مُؤَنَّثٌ، فَإِذَا جُمِعَ بِاللَّفْظِ الَّذِي هُوَ مُذَكَّرٌ مِنْهُمَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ حُكْمُ التَّذْكِيرِ، فَأُثْبِتَتِ الْهَاءُ فِيهِ، وَإِذَا جُمِعَ بِاللَّفْظِ الَّذِي هُوَ مُؤَنَّثٌ مِنْهُمَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ حُكْمُ التَّأْنِيثِ، فَأُسْقِطَ الْهَاءُ مِنْهُ، مِنْ ذَلِكَ ‏"‏ الدَّارُ ‏"‏ تُسَمَّى دَارًا وَتُسَمَّى مَنْزِلا، فَإِذَا جُمِعَتْ بِلَفْظِ الدَّارِ قِيلَ‏:‏ ثَلاثُ آدُرٍ، وَإِذَا جُمِعَ بِلَفْظِ الْمَنْزِلِ قِيلَ‏:‏ ثَلاثَةُ مَنَازِلَ وَمِنْ ذَلِكَ الرُّمْحُ، يُقَالُ لَهُ‏:‏ رُمْحٌ، وَيُقَالُ لَهُ‏:‏ قَنَاةٌ، ثُمَّ يُجْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلِ مَا يُجْمَعُ بِهِ مِثْلُ لَفْظِهِ وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ وَالْمَلْحَفَةُ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، يُجْمَعُ بِالثَّوْبِ عَلَى التَّذْكِيرِ، وَبِالْمَلْحَفَةِ عَلَى التَّأْنِيثِ وَكَذَلِكَ الْقُرْءُ وَالْحَيْضُ، هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، إِنْ جُمِعَ بِلَفْظِ الْقُرْءِ جُمِعَ عَلَى التَّذْكِيرِ، وَإِنْ جُمِعَ بِلَفْظَةِ الْحَيْضَةِ جُمِعَ عَلَى التَّأْنِيثِ فَأَمَّا وَجْهُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّا رَأَيْنَا الأَمَةَ الَّتِي يُجْعَلُ عَلَيْهَا نِصْفُ مَا عَلَى الْحُرَّةِ، قَدْ جُعِلَتْ عِدَّتُهَا حَيْضَتَيْنِ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَيْضَةَ لا تَتَبَعَّضُ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ تَتَبَعَّضَ لَقِيلَ‏:‏ حَيْضَةٌ وَنِصْفُ حَيْضَةٍ، كَمَا قِيلَ فِي الشَّهْرِ‏:‏ شَهْرٌ وَنِصْفُ شَهْرٍ لَمَّا أَمْكَنَ التَّبْعِيضُ فِي ذَلِكَ، وَكَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيما‏:‏

1932- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْخُصْيَبُ بْنُ نَاصِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أُوَيْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِدَّةِ الأَمَةِ، ‏"‏ لَوْ قَدَرْتُ عَلَى أَنْ أَجْعَلَهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْتُ ‏"‏ وَهَذَا مِنْ عُمَرَ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَاهُ، وَمُتَابَعَتِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالُوا جَمِيعًا‏:‏ إِنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَةٌ وَنِصْفٌ، وَحَتَّى قَالَ بِذَلِكَ التَّابِعُونَ بَعْدَهُمْ، وَتَابِعُو التَّابِعِينَ حَتَّى أَفْضَى الأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْمُخْتَلِفِينَ فِي الأَقْرَاءِ اللائِي ذَكَرْنَا، فَإِذَا كَانَ عَلَى الأَمَةِ مِنَ الْعِدَّةِ مِمَّا هُوَ نِصْفُ مَا عَلَى الْحُرَّةِ مِنْهَا مِنَ الْحِيَضِ، لا مِنَ الأَطْهَارِ، كَانَ الَّذِي عَلَى الْحُرَّةِ مِنْهَا أَيْضًا مِنَ الْحِيَضِ، لا مِنَ الأَطْهَارِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا حَدِيثَانِ يُثْبِتَانِ هَذَا الْمَعْنَى فِي الإِمَاءِ‏.‏

1933- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ تُطَلَّقُ الأَمَةُ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ حَيْضَتَيْنِ ‏"‏‏.‏

1934- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ‏.‏

تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآيَة

قَالَ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي فِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ هُوَ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْلِفُونَ عَلَى تَرْكِ قُرْبِ نِسَائِهِمُ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ كَما‏:‏

1935- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ أَبُو قُدَامَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَامِرٌ الأَحْوَلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ كَانَ إِيلاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَوَقَّتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الإِيلاءَ، فَمَنْ كَانَ إِيلاؤُهُ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلاءٍ ‏"‏‏.‏

1936- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَزْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَامِرٌ الأَحْوَلُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ كَانَ إِيلاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَقَّتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ كَانَ إِيلاؤُهُ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلاءٍ ‏"‏ فَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآيَةُ هُوَ هَذَا، وَأَنَّهُ الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ قُرْبِ الْمَرْأَةِ الْوَاجِبِ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا بِحَقِّ النِّكَاحِ الْقَائِمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لَهُ مُدَّةً يُبْقِي عَلَيْهِ فِيهَا النِّكَاحَ كَمَا كَانَ، وَأَنَّ الإِيلاءَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ لَمْ يُزَلْ بِهِ النِّكَاحُ ثُمَّ وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ بَعْدَ ذَلِكَ مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏، أَنَّهُ عَلَى الْجِمَاعِ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَيْهَا صَارَ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْحَانِثِ، وَزَالَتْ بِذَلِكَ يَمِينُهُ عَنْهَا، غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَاهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي تَرْكِهِ الْجِمَاعَ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مُذْ يَوْمِ آلَى مِنْهَا، فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ‏:‏ يُؤْخَذُ بِالْفَيْءِ إِلَيْهَا وَهُوَ الْجِمَاعُ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ مُؤَدِّيًا إِلَيْهَا حَقَّهَا، وَحَانِثًا فِي يَمِينِهِ عَلَى قُرْبِهَا، أَوْ يُطَلِّقُهَا طَلاقًا يُزِيلُ نِكَاحَهَا حَتَّى تَنْقَطِعَ عَنْ حُقُوقِهَا الَّتِي عَضَلَهَا عَنْهَا، وَمَنَعَهَا مِنْهَا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ رُوِيَ مَا قَالُوا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

1937- كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلْيَمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ‏:‏ أَدْرَكْتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏ الْمُولِي يُوقَفُ ‏"‏‏.‏

1938- وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مَرْوَانَ، يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ إِنْ كُنْتُ لَمُوقِفَ الْمُولِي بَعْدَ الأَرْبَعَةِ، فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ ‏"‏‏.‏

1939- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ يُوقَفُ الْمُولِي ‏"‏‏.‏

1940- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، ‏"‏ أَنَّهُ كَانَ يُوقِفُ صَاحِبَ الإِيلاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ شَاءَ فَاءَ، وَإِنْ شَاءَ عَزَمَ، أَوْ قَالَ‏:‏ طَلَّقَ ‏"‏‏.‏

1941- حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ سَلَمَةَ الْكِنْدِيُّ، ‏"‏ أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيًّا أَوْقَفَ عِنْدَ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ، فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ ‏"‏‏.‏

1942- حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ‏:‏ شَهِدْتُ عَلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ ‏"‏‏.‏

1943- حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَهُ فَاخْتَلَفَ هُشَيْمٌ وَخَالِدٌ فِي الرَّجُلِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ هُشَيْمٌ أَنَّهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَذَكَرَ خَالِدٌ أَنَّهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ‏.‏

1944- حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ أَيُّمَا رَجُلٍ آلَى مِنَ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا مَضَتِ الأَرْبَعَةُ الأَشْهُرُ أُوقِفَ حَتَّى يُطَلِّقَ، أَوْ يَفِيءَ، وَلا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلاقٌ إِذَا مَضَتِ الأَرْبَعَةُ الأَشْهُرُ حَتَّى يُوقَفَ ‏"‏‏.‏

1945- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْخُصْيَبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ يُوقُفَ عِنْدَ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ، فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، وَإِمَّا أَنْ يُرَاجِعَ ‏"‏ وَطَائِفَةٌ تَقُولُ‏:‏ مُضِيُّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ بَعْدَ الْحَلِفِ عَزْمٌ مِنَ الزَّوْجِ لِوُقُوعِ الطَّلاقِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَى جِمَاعِهَا، إِذَا كَانَ فِي الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ وَاصِلا إِلَى جَمَاعِهَا فَتَرَكَ ذَلِكَ إِلَى مُضِيِّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ رُوِيَ مَا قَالُوا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَما‏:‏

1946- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْخُصَيْبُ بْنُ نَاصِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولانِ‏:‏ ‏"‏ إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ فَلَمْ يَفِئْ حَتَّى يمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَ ‏"‏ فَهَذَا زَيْدٌ قَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْهُ، وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِ سُلَيْمَانَ وَدُونَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْفُتْيَا عَنْهُ‏.‏

1947- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ مَاتَ ذُو قَرَابَةٍ لِي، وَتَرَكَ ابْنًا لَهُ، فَأَرْضَعَتْهُ امْرَأَتِي، فَحَلَفْتُ أَلا أَقْرَبَهَا حَتَّى تَفْطِمَ الصَّبِيَّ، فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قِيلَ لِي‏:‏ قَدْ بَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ، فَسَأَلْتُ عَلِيًّا، فَقَالَ لِي‏:‏ ‏"‏ إِنْ كُنْتَ حَلَفْتَ عَلَى تَضِرَةٍ فَقَدْ بَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ وَإِلا فَهِيَ امْرَأَتُكَ ‏"‏ فَهَذَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مُضِيَّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ يُوقِعُ الطَّلاقَ إِذَا كَانَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي الأَرْبَعَةِ حَتَّى مَضَتْ، فَهَذَا خِلافُ مَا رُوِّينَا عَنْهُ فِي الأَوَّلِ‏.‏

1948- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا مَضَتِ الأَرْبَعَةُ الأَشْهُرُ فِي تَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ وَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا ‏"‏‏.‏

1949- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولانِ‏:‏ ‏"‏ إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ فَلَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى يمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَ ‏"‏‏.‏

1950- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ‏"‏ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا ‏"‏ قِيلَ لِسَعِيدٍ‏:‏ وَسَمِعْتَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ رَوَى عَنْهُ سَعِيدٌ فِي هَذَا مَا يُوَافِقُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُمَا، وَهُوَ خِلافُ مَا رَوَى عَنْهُ نَافِعٌ مِمَّا يُوَافِقُ الْقَوْلَ الأَوَّلَ وَابْنُ عُمَرَ كَانَ مِمَّنْ تَدُورُ عَلَيْهِ الْفُتْيَا بِالْمَدِينَةِ، فَمَا نَدْرِي هَلْ كَانَ مِنَ الأَرْبَعَةَ الْعَشَرَ الَّذِينَ حَكَى عَنْهُمْ سُلَيْمَانُ مَا حَكَيْنَاهُ أَمْ لا‏؟‏ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ فَقَدْ صَارَ مُخْتَلَفًا عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَزِيدُ، إِنْ كَانَ فَقَدْ صَارَ مُخْتَلَفًا عَنْهُ وَمَا نَدْرِي بَعْدَ هَذَا مَنِ الأَرْبَعَةَ عَشَرَ الَّذِينَ حَكَى عَنْهُمْ سُلَيْمَانُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ وَقَفْنَا عَلَى مُجَالَسَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَرِوَايَتِهِ عَنْهُمْ، وَأَخْذِهِ الْفُتْيَا مِنْهُمْ، إِلا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ لَمْ يَلْقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَكَى ذَلِكَ عَنْهُمْ بَلاغًا، وَلَمْ يَحْكِهِ سَمَاعًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَارَ حَدِيثُهُ هَذَا فِي حُكْمِ الْمُنْقَطِعِ، وَالْمُنْقَطِعُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ الأَوَّلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ‏.‏

1951- وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مِقْسَمًا، يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ عَزْمُ الطَّلاقِ انْقِضَاءُ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ، وَالْفَيْءُ الْجِمَاعُ ‏"‏‏.‏

1952- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ فَلَمْ يَفِ حَتَّى مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنٌ ‏"‏ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَتَعَلَّقَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ بِمَا رَوَتْ مِمَّا يُوَافِقُ مَذْهَبَهَا عَمَّنْ ذُكِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ لِنَسْتَخْرِجَ مِنَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا وَقَالُوا‏:‏ هُمَا فِي ذَلِكَ قَوْلا يُوجِبُ الْقِيَاسُ صِحَّتَهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ الإِجْمَاعُ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَالَ‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ‏}‏، فَجَعَلَ التَّرَبُّصَ إِلَى مُدَّةٍ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ فَأْجَمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَّى أَنَّهُ إِنْ فَاءَ إِلْيَها فِي الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ قَبْلَ مُضِيِّهَا كَانَ فِي ذَلِكَ فَيْئًا قَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الآيَةِ، وَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَفِئْ إِلَيْهَا كَانَ فِي ذَلِكَ الاخْتِلافُ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَوَجَبَ النَّظَرُ الَّذِي وَصَفْنَا، فَوَجَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَكَرَ التَّرَبُّصَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ سِوَى مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ، من ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏، فَكَانَ ذَلِكَ التَّرَبُّصُ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَيْهِنَّ غَيْرَ مُجَاوِزٍ لِلأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ وَلِلْعَشْرِ الَّتِي جَعَلَهَا عَلَيْهِنَّ، إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الشُّهُورِ، وَكُنَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ خَارِجَاتٍ مِنَ التَّرَبُّصِ الَّذِي كُنَّ فِيهِ فِي الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏، وَكَانَ ذَلِكَ التَّرَبُّصُ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَيْهِنَّ فِي الثَّلاثَةِ الْقُرُوءِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، لا فِيمَا بَعْدَهَا مِنَ الأَقْرَاءِ ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى آيَةِ الإِيلاءِ، فَوَجَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَكَرَ فِيهَا تَرَبُّصًا أَوْجَبَهُ عَلَى الزَّوْجَاتِ، وَحَصَرَهُ بِمُدَّةٍ ذَكَرَهَا، فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ‏}‏، فَكَانَ فِي الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ الَّتِي أَوْجَبَ التَّرَبُّصَ عَلَيْهِنَّ فِيهَا إِذَا مَضَتْ فَلا مَعْنَى لِلتَّرَبُّصِ، لأَنَّهُ كَانَ مَحْصُورًا بِمُدَّةٍ قَدْ مَضَتْ، فَلا مَعْنَى لَهُ بَعْدَهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى بَعْدَهَا ذَهَبَ مَعْنَى الإِيلاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ الْمُولِي بِالْفَيْءِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَيْهِ، إِنَّما يَكُونُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي حَبَسَ الْمَرْأَةَ عَلَيْهِ لَهَا، وَجَعَلَهَا مُتَرَبِّصَةً بِنَفْسِهَا عَلَيْهِ إِلَى انْقِضَائِهَا، لا فِيمَا بَعْدَهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ثَبَتَ وُقُوعُ الطَّلاقِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمُضُيِّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ، وَثَبَتَ أَنَّ مُضِيَّهَا هُوَ عَزْمُ الطَّلاقِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ فِيهَا يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ الَّذِي لَوْ فَعَلَهُ كَانَ قَدْ فَاءَ إِلَيْهَا، وَزَالَ عَنْ ظُلْمِهَا بِحَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ جِمَاعِهَا كَمَا قَالَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي حَكَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْهَا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفَةِ الأُولَى مُحْتَجًّا عَلَى الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ‏:‏ قَدْ رَأَيْنَاكُمْ تَقُولُونَ فِي الْمُلاعِنِ أَنَّ الْفُرْقَةَ لا تَقَعُ بِاللِّعَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يُحْدِثَ الْقَاضِي فُرْقَةً بَيْنَهُمَا فَيَزُولُ بِذَلِكَ النِّكَاحُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنَ الْقَاضِي فَالنِّكَاحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقُولُوا فِي الْمُولِي أنَّ الطَّلاقَ لا يَقَعُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بِإِيقَاعِ الطَّلاقِ عَلَيْهَا، وَبِفِرَاقِهِ لَهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الْمُطَالَبَةُ عِنْدَنَا إِنَّما يُرَادُ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ دُونَ زُفَرَ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْمُلاعِنِ مَا حَكَاهُ هَذَا الْقَائِلُ، وَكَانَ زُفَرُ يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَيَذْهَبُ إِلَى أَنَّ اللِّعَانَ إِذَا تَمَّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقِ الْحَاكِمُ كَمَا يَقُولُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَسَنَذْكُرُ اخْتِلافَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَاحْتِجَاجَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِقَامَةَ الْحُجَّةِ لِلصَّحِيحِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ فِيهَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللهُ وَأَمَّا الْجَوَّابُ لِلسَّائِلِ فِيمَا سَأَلَ عَنْهُ، وَفِيمَا عَارَضَ بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدًا فِيمَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّا رَأَيْنَا اللِّعَانَ لا يَكُونُ دُونَ الْحَاكِمِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الأَشْيَاءُ الَّتِي تُخْتَمُ بِهَا الْحَوَادِثُ، وَتُكَمَّلُ بِهَا أَحْكَامُهَا، أَنْ تُرَدَّ إِلَى حُكْمِ مَا ابْتُدِئَتْ بِهِ، فَتَكُونُ أَحْكَامُ أَوَاخِرِهَا كَأَحْكَامِ أَوَائِلِهَا لِيُوَافِقَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَكَمَا كَانَ ابْتِدَاءُ اللِّعَانِ مِنَ الْحَاكِمِ كَذَلِكَ تَفْيِئَتُهُ تَكُونُ مِنَ الْحَاكِمِ، أَوْ كَمَا كَانَ ابْتِدَاءُ الإِيلاءِ دُونَ الْحَاكِمِ كَانَ مَا يَفِيءُ مِنْهُ يَكُونُ دُونَ الْحَاكِمِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَشْيَاءِ سِوَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ قَدْ جَرَتْ عَلَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ، فَجُعِلَ حُكْمُ أَوَاخِرِهَا كَحُكْمِ أَوَائِلِهَا، مِنْ ذَلِكَ عُقُودُ النِّكَاحَاتِ قَدْ رَأْيَنَا تَكُونُ دُونَ الْحَاكِمِ، وَكَذَلِكَ الأَشْيَاءُ الَّتِي تُزِيلُهَا مِنَ الْفِرَقِ بِالطَّلاقِ يَكُونُ أَيْضًا دُونَ الْحَاكِمِ، فَهَذَا حُكْمُ مَا كَانَ أَوَّلُهُ دُونَ الْحَاكِمِ وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ أَوَّلُهُ إِلا بِالْحَاكِمِ فَتَأْجِيلُ الْعِنِّينَ الْحَوْلَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُؤَجِّلَهُ لامْرَأَتِهِ الَّتِي خَاصَمَتْهُ فِي عَجْزِهِ عَنْ جِمَاعِهَا الْوَاجِبِ لَهَا عَلَيْهِ بِحَقِّ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دُونَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا إِيجَابُ الْحَوْلِ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ الَّذِي يُوجِبُهُ مُضِيُّ الْحَوْلِ مِنْ تَخْيِيرِ الْمَرْأَةِ بَيْنَ الإِقَامَةِ مَعَ زَوْجِهَا الَّذِي خَاصَمَتْهُ فِي ذَلِكَ، وَبَيْنَ فِرَاقِهِ، لا يَكُونُ إِلا عِنْدَ الْحَاكِمِ حَتَّى يَكُونَ الْحَاكِمُ الَّذِي يُوجِبُ آخِرَ هَذَا الأَمْرِ الَّذِي أَوْجَبَ أَوَّلَهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا تَدُورُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَكَمَا كَانَ أَوَّلُهُ بِالْحَاكْمِ لا بِغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ يَكُونُ بِالْحَاكْمِ، وَمَا كَانَ أَوَّلُهُ بِغَيْرِ الْحَاكْمِ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ يَكُونُ بِغَيْرِ الْحَاكْمِ وَالْمُولِي فَقَدْ يَكُونُ إِيلاؤُهُ بِاتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا بِغَيْرِ الْحَاكْمِ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ، قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الْفَيْءِ وَالْعَزْمِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُولِي الْقَادِرِ عَلَى جِمَاعِ زَوْجَتِهِ الْمُولِي مِنْهَا، فَأَمَّا إِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ بِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، تَمْنَعُ مِنْ جِمَاعِهَا، أَوْ كَانَتْ بِهَا عِلَّةٌ لا يَصِلُ إِلَى جِمَاعِهَا كَالْمَرَضِ الْمُضْنِي لَهَا، أَوْ كَالرَّتَقِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا، أَوْ كَانَا جَمِيعًا لا عِلَّةَ بِهِمَا، وَلا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ مِنَ الْجِمَاعِ غَيْرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَسَافَةِ مَا لا يَلْتَقِيَانِ فِيهِ إِلَى مُضُيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُخْتَلِفُونَ فِي هَذَا، فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ‏:‏ الْفَيْءُ فِي هَذَا قَوْلُ الزَّوْجِ بِلِسَانِهِ‏:‏ قَدْ فِئْتُ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَاهُ لَوْ فَاءَ إِلَيْهَا بِالْجِمَاعِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ لا تَزُولُ عَنْهُ الْيَمِينُ الَّتِي حَلَفَ بِهَا كَمَا تَزُولُ لَوْ كَانَ جَامَعَهَا فِي الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ قَبْلَ مُضِيِّهَا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَحْكِ خِلافًا وَقَدْ قَالَ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَاهُمْ مِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مُضِيَّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ هِيَ عَزِيمَةٌ مِنَ الْمُولِي لِوُقُوعِ الطَّلاقِ عَلَى الَّتِي آلَى مِنْهَا وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ‏:‏ لا يَكُونُ بِمُضِيِّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ عَزِيمَةٌ مِنْهُ لِوُقُوعِ الطَّلاقِ عَلَيْهَا، وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِلِسَانِهِ‏:‏ قَدْ فِئْتُ إِلَيْهَا فَيْئًا، لأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُزِيلٍ لِلْيَمِينِ، فكَمَا لا يُزِيلُ الْيَمِينَ، فَكَذَلِكَ لا يُوجِبُ الْفَيْءَ، وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ يَذْهَبُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَيَقُولُونَ فِيهِ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَيُخَالِفُونَ أَبَا حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدًا فِيمَا حَكَيْنَاهُ وَقَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ أَنَّ مُضِيَّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ لَيْسَ بِعَزِيمَةٍ لِوُقُوعِ الطَّلاقِ، أَلا نَجْعَلَ الْفَيْءَ بِاللِّسَانِ فَيْئًا، لأَنَّهُ إِمَّا نَأْخُذُ الْمُولِي فِي الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ بِالْفَيْءِ وَنَجْعَلُ ذَلِكَ لَهُ أَجَلا، فَإِنْ فَعَلَ وَإِلا أَخَذَهُ بِهِ بَعْدَهَا أَوْ بِالطَّلاقِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ مُفَارِقًا لَهَا، إِذْ كَانَ تَرْكُهُ لَهَا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ عَضْلا مِنْهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ وَاصِلٍ إِلَى جِمَاعِهَا لَمْ يَكْنُ بِذَلِكَ عَاضِلا لَهَا، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يُؤْخَذَ بِالطَّلاقِ الَّذِي يُفَارِقُهَا، وَلا بِالْفَيْءِ إِلَيْهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لَهُ عَلَيْهَا، وَحَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ‏.‏

تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآيَة

‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏، إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي كَانَ فِي نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ ما‏:‏

1953- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ‏:‏ كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا‏:‏ خُوَيْلَةُ ابْنَةُ دَلِيجٍ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةُ تَغْسِلُ رَأْسَهُ، وَزَوْجُهَا قَدْ طَالَتْ صُحْبَتُهَا إِيَّاهُ، وَذَكَرَتْ أَنَّهَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ ‏"‏ قَالَتْ‏:‏ أَشْكُو إِلَى اللهِ، ‏{‏وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ‏}‏، ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا‏}‏، ‏"‏ أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً‏؟‏ قَالَ‏:‏ لا قَالَ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏، أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَوْ أَنِّي لَمْ آكُلْ فِي الْيَوْمِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ كَادَ أَنْ يُغْشَى بَصَرِي قَالَ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏}‏، أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لا، إِلا بِعَوْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعَانَهُ ‏"‏‏.‏

1954- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ خَوْلَةُ ابْنَةُ صَامِتٍ، كَانَ زَوْجُهَا مَرِيضًا فَدَعَاهَا فَلَمْ تُجِبْهُ، فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَأَتَيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ لا أَجِدُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ لا أَسْتَطِيعُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ بِاللهِ مَا عِنْدِي إِلا أَنْ تُعِينَنِي فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، فَقَالَ‏:‏ لا أَجِدُ بِالْمَدِينَةِ أَحَدًا أَحْوَجَ إِلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ كُلْهَا أَنْتَ وَأَهْلُكَ ‏"‏‏.‏

1955- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ خَوْلَةَ ابْنَةَ ثَعْلَبَةَ كَانَتْ تَحْتَ أَوْسِ بْنِ صَامِتٍ، فَتَظَاهَرَ مِنْهَا، وَكَانَ بِهِ لَمَمٌ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ إِنَّ أَوْسَ بْنَ صَامِتٍ ظَاهَرَ مِنْهَا، فَذَكَرَتْ أَنَّ بِهِ لَمَمًا، فَقَالَتْ‏:‏ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا جِئْتُكَ إِلا رَحْمَةً لَهُ، إِنَّ لَهُ فِيَّ مَنَافِعَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآنَ فِيهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً ‏"‏ قَالَتْ‏:‏ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدَهُ رَقَبَةٌ، وَلا يَمْلِكُهَا قَالَ‏:‏ ‏"‏ مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ‏"‏ قَالَتْ‏:‏ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوْ كَلَّفْتَهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مَا اسْتَطَاعَ، وَكَانَ الْحَرُّ قَالَ‏:‏ ‏"‏ مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ‏"‏ قَالَتْ‏:‏ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ ‏"‏ مُرِيهِ فَلْيَذْهَبْ إِلَى فُلانٍ فَقَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّ عِنْدَهُ شَطْرَ وَسْقٍ، فَلْيَأْخُذْهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ، ثُمَّ يَتَصَدَّقْ بِهِ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا ‏"‏‏.‏

1956- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ الطَّحَّانُ الْكُوفِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ خَوْلَةَ، ‏"‏ أَنَّ زَوْجَهَا ظَاهَرَ مِنْهَا، فَأَرَادَ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَأَبَتْ عَلَيْهِ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الظِّهَارِ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا ‏"‏ فَهَذَا الَّذِي رُوِيَ فِي أَمْرِ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ وَفِي تَظَاهُرِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيِ أَمْرِهِ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ الْبَيَاضِيَّ عِنْدَ تَظَاهُرِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ مَا‏:‏

1957- قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ الْمُسْتَمْلِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلانَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ‏"‏ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَجُلا فَعَلَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرٍ مِنْهَا، فَأَتَاهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّارَةٍ ‏"‏ وَهُوَ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ‏.‏

1958- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، قَالَ‏:‏ كُنْتُ امْرَءًا أَسْتَكْثِرُ مِنَ النِّسَاءِ، وَكُنْتُ قَدْ أُوتِيتُ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ، فَلَمَّا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تَظَاهَرْتُ مِنَ امْرَأَتِي مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مِنِّي شَيْءٌ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، فَتَتَابَعَ ذَلِكَ بِي حَتَّى أَدْرَكَنِي الصُّبْحُ، فَبَيْنَا هِيَ ذَاتَ لَيْلَةٍ تَخْدُمُنِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا فَرَغْتُ سُقِطَ فِي يَدِي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ نَادِيَ قَوْمِي، فَقُلْتُ‏:‏ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَدْ كُنْتُ تَظَاهَرْتُ مِنَ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ هَذَا الشَّهْرُ، وَقَدْ أَصَبْتُهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ انْطَلِقُوا مَعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَسْأَلَهُ قَالُوا‏:‏ لا، وَاللهِ لا نَنْطَلِقُ مَعَكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا شَيْءٌ يَلُومُنَا عَارُهُ، أَوْ يَنْزِلُ فِيكَ قُرْآنٌ مِمَّا نَكْرَهُ فَنُسَلِّمُكَ بِجَرِيرَتِكَ، فَانْطَلِقْ أَنْتَ حَتَّى تَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ‏:‏ أَيْ رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ تَظَاهَرْتُ مِنَ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ هَذَا الشَّهْرُ، وَقَدْ أَصَبْتُهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَقَالَ لِي‏:‏ ‏"‏ أَنْتَ بِذَلِكَ يَا سَلَمَةُ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ، أَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ‏:‏ ‏"‏ أَنْتَ بِذَلِكَ يَا سَلَمَةُ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ، أَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْظُرْ مَا حُكْمُ اللهِ عَلَيَّ وَرَسُولُهُ فَأَمْضِهِ، فَإِنِّي صَابِرٌ لَهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ تَجِدُ رَقَبَةً تَعْتِقُهَا‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ لا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَهَا، وَجَعَلَ يَمُرُّ يَدَهُ عَلَى صَفْحَةِ عُنُقِهِ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ أَتَقْدِرُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ أَدْخَلَ عَلَيَّ مَا أَدْخَلَ إِلا الصَّوْمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ فَتَقْدِرُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ لا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ بِتْنَا اللَّيْلَةَ وَحْشًا قَالَ‏:‏ ‏"‏ فَانْطَلِقْ إِلَى صَدَقَاتِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَهُمْ قَوْمُهُ، فَانْظُرْ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهْمُ مِنْ صَدَقَاتِهِمْ، فَخُذْهُ، فَأَطْعِمْ وَسْقًا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَاسْتَعِنْ بِسَائِرِهِ عَلَيْكَ وَعَلَى عِيَالِكَ ‏"‏ فَأَتَيْتُ قَوْمِي، فَقَالُوا‏:‏ مَا وَرَاءَكَ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ خَيْرٌ، وَجَدْتُ عِنْدَكْمُ الضِّيقَ، وَسُوءَ الرَّأْيِ، وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّعَةَ وَالْبَرَكَةَ، أَيْنَ صَاحِبُ صَدَقَاتِكُمْ‏؟‏ فَقَدْ أَمَرَ لِي بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَّلَمَ، فَأَخَذْتُهَا فَتَصَدَّقْتُ، وَأَكَلْتُ مَا بَقِيَ أَنَا وَأَهْلِي‏.‏

1959- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَدَنِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الزَّنْجِيُّ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلا تَظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ أَصْلَحَكَ اللهُ يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتُ بَيَاضَ مَا فِيهَا فِي الْقَمَرِ، فَرَغِبْتُ فَأَصَبْتُهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ فَاعْتَزِلْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللهُ ‏"‏ فَفِي هَذِهِ الآثَارِ ذِكْرُ السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيهِ، وَفِيهَا أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَمَةَ الْمُتَظَاهِرَ بَعْدَ نُزُولِهَا بِمِثْلِ الَّذِي كَانَ أَمَرَ بِهِ أَوْسَ بْنَ صَامِتٍ قَبْلَ نُزُولِهَا غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ نُزُولُهَا فِي تَظَاهُرِ سَلَمَةَ وَفِي إِصَابَتِهِ امْرَأَتَهُ الَّتِي كَانَ تَظَاهَرَ مِنْهَا، قَبْلَ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ‏.‏

1960- كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، ‏"‏ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ فِي رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ أَعْجَبَتْهُ فَوَقَعَ بِهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ ‏"‏ وَهَذَا عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، مُحَالٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَظَاهُرَ سَلَمَةَ مِنَ امْرَأَتِهِ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ، لا قَبْلَ ذَلِكَ، لأَنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ لَمْ يَكُنِ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِيهَا، وَإِنَّمَا كَانَ التَّحْرِيمُ فِيهَا لِلزَّوْجَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا كَتَحْرِيمِهَا بِالطَّلاقِ، وَلأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ طَلاقَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَطَلاقَ النَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الإِسْلامِ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ بِنَسْخِ ذَلِكَ، وَرَدِّ حُكْمِ الظِّهَارِ إِلَى مَا أُمِرَ بِهِ أَوْسٌ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ سَلَمَةُ مَعَ صُحْبَتِهِ لِرَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلم تَظَاهَرَ وَقْتًا مَعْلُومًا، وَالظِّهَارُ طَلاقٌ، إِذْ كَانَ الطَّلاقُ لا تَحْصُرُهُ الأَوْقَاتُ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَلا تَرَى أَنَّ رَجُلا لَوْ جَعَلَ امْرَأَتَهُ طَالِقًا الْيَوْمَ، إِنَّها تَكُونُ طَالِقًا فِيمَا بَعْدَ الْيَوْمِ وَسَلَمَةُ فَإِنَّمَا كَانَ ظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ شَهْرَ رَمَضَانَ فَتَكُونُ حَرَامًا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ خَاصَّةً، لا فِيمَا بَعْدَهُ، فَفِي قَصْدِهِ إِلَى ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ حِينَئِذٍ غَيْرَ الطَّلاقِ، وَلَمْ يَكُنِ الطَّلاقُ قَطُّ غَيْرَ الظِّهَارِ حَتَّى نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآيَةُ، فَثَبَتَ بِمَا وَصَفَهَا أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ قَبْلَ تَظَاهُرِ سَلَمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ هَذَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏، وَفِي ذَلِكَ الْعَوْدِ مَا هُوَ فَقَالَ قَوْمٌ، فِيمَا ذَكَرُوا، بِظَاهِرِ الآيَةِ، وَجَعَلُوا مَنْ قَالَ لامْرَأَتِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، غَيْرَ مُظَاهِرٍ مِنْهَا حَتَّى يَعُودَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ مَرَّةً أُخْرَى فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُتَظَاهِرًا، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الآيَةِ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِذَا قَالَ لَهَا‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، صَارَ بِذَلِكَ مُظَاهِرًا، وَحَرُمَتْ بِهِ عَلَيْهِ حُرْمَةَ الظِّهَارِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ جِمَاعُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالُوا‏:‏ قَوْلُهُ لَهَا‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، عَوْدٌ إِلَى مَا قَدْ قِيلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا قَدْ نَهَى الله عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ وَسَمَّاهُ‏:‏ ‏{‏مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا‏}‏، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏، عَلَى مَعْنَى‏:‏ ويَعُودُونَ لِمَا قَالُوا، لأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَجْعَلُ مَكَانَ الْوَاوِ‏:‏ ثُمَّ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ‏}‏، فِي مَعْنَى‏:‏ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ، وَجَعَلُوا نَفْسَ الْقَوْلِ عَوْدًا، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ‏}‏، فِي مَعْنَى‏:‏ حَتَّى صَارَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ كَمَا عَادَ، وَإِنَّمَا صَارَ كَمَا عَادَ إِلَيْهِ وَكَمَا قَالَ أَبُو رَبِيعَةَ الثَّقَفِيُّ فِي أَبْيَاتِهِ الَّتِي يَمْدَحُ بِهَا الْفَرْسَ لَمَّا غَلَبُوا عَلَى الْيَمَنِ، كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ تِلْكَ الْمَكَارِمُ لا قُعْبَانَ مِنْ لَبَنٍ شيبا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالا أَيْ‏:‏ فَصَارَا بَعْدُ أَبْوَالا، لا لأَنَّهُمَا كَانَا فِي الْبُدُوِّ أَبْوَالا فَصَارَا غَيْرَ أَبْوَالٍ ثُمَّ عَادَا بَعْدُ أَبْوَالا بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْعَوْدُ فِي أَنْ يَتَظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ يُجْمِعُ عَلَى إِمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا، فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ تَظَاهُرِهِ، وَلَمْ يُجْمِعْ عَلَى إِمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا، فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالِكٌ كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا قَالَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُظَاهِرِ بِالْقَوْلِ الَّذِي كَانَ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ مَعَ الْقَوْلِ الْعَزْمُ عَلَى الإِمْسَاكِ وَالإِصَابَةِ، وَأَنَّهُ إِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْعَزْمِ عَلَى الإِمْسَاكِ وَالإِصَابَةِ فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَتَى عَادَ عَادَ وُجُوبُ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ فِي حُكْمِ الثَّدْيِ فِي التَّظَاهُرِ، وَنُحِّيَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ إِذَا وَجَبَتْ بِالْوَجْهِ الَّذِي يُوجِبُهَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِهِ أَنَّهُ لا يُبْطِلُهَا عَنِ الْمُتَظَاهِرِ ثُبُوتُ الْمَرْأَةِ، لا زَوَالُ النِّكَاحِ، وَلا حُرْمَتُهَا عَلَى الْمُتَظَاهِرِ مِنْهَا بِأَيِّ مَعْنًى حَرُمَتْ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهِ الْحُرُمَاتِ، إِذْ كَانَ الَّذِي يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الإِمْسَاكِ وَالإِصَابَةِ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْمُتَظَاهِرِ وَهَذَا خِلافُ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ الَّذِي لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلافًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ الْمُتَظَاهَرُ مِنْهَا سَقَطَتِ الْكَفَّارَةُ عَنِ الْمُتَظَاهِرِ، وَكَذَلِكَ إِذَا طُلِّقَتْ عَلَيْهِ أَوْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِمَعْنًى غَيْرِ الطَّلاقِ، سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فِي تَظَاهُرِهِ منها لأن الكفارة عنده إنما تطلق له مسيسها الذي كان حراما عليه قبلها بالتظاهر الَّذِي كَانَ منْهُ قَبْلَها، وَلأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا‏}‏، أَيْ حَتَّى يَعُودَا بَعْدَ تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ إِلَى حُكْمِ حِلِّ الْمَمَاسَّةِ لَهُمَا الَّذِي كَانَا امْتَنَعَا مِنْهُ بِالتَّظَاهُرِ الَّذِي كَانَ طَرَأَ عَلَيْهِما‏:‏

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فَذَكَرَ لَنَا الْمُزَنِيُّ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ فَالَّذِي عَقَلْتُ مِمَّا سَمِعْتُ فِي‏:‏ ‏{‏يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏، أَنَّهُ إِذَا أَتَتْ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ مُدَّةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالظِّهَارِ، لَمْ يُحَرِّمْهَا بِالطَّلاقِ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ مُخَالَفَةً، فَأَحَلَّ مَا حَرَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لا أَعْلَمُ لَهُ مَعْنًى أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا، فَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ مَاتَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وَكَانَ هَذَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، عُقُوبَةً مُكَفِّرَةً لِقَوْلِ الزُّورِ وَلَوْ تَظَاهَرَ فَأَتْبَعَ الظِّهَارَ طَلاقًا تَحْرِيمًا عَلَيْهِ، ثُمَّ رَاجَعَهَا، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا سَاعَةَ نُكْحِهَا، لأَنَّ مُرَاجَعَتَهُ إِيَّاهَا أَكْثَرُ مِنْ حَبْسِهَا بَعْدَ الظِّهَارِ قَالَ الْمُزَنِيُّ‏:‏ هَذَا خِلافٌ لأَصْلِهِ، كُلُّ نِكَاحٍ جَدِيدٍ لا يَعْمَلُ فِيهِ طَلاقٌ وَلا ظِهَارٌ إِلا جَدِيدٌ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا قَالَهُ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ فِيهِ، فَلَمْ نَجِدْ فِي ذَلِكَ مَنْصُوصًا غَيْرَ ما‏:‏

1961- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالا‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ‏"‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏، فَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لامْرَأَتِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ ‏"‏ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تُرَادُ لِيَحِلَّ بِهَا الْجِمَاعُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لا كَفَّارَةَ بَعْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ، وَلا بَعْدَ عَدَمِ حَلِّ الْجِمَاعِ وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآثَارَ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ، وَوَصْفَ مَا كَانَ مِنْ زَوْجِ خَوْلَةَ، وَهُوَ أَوْسُ بْنُ صَامِتٍ، وَأَنَّهُ قَوْلُهُ لَهَا‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَحَرَّمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ حَتَّى يَفْعَلَ مَا أَمَرَه بِهِ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهَا قَوْلا مِثْلَهُ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ الْقَوْلِ عَائِدًا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الأُولَى الَّتِي حَكَيْنَا فِي هَذَا الْبَابِ فَبَطَلَ بِذَلِكَ مَا قَالُوا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ لِلْمُتَظَاهَرِ مِنْهَا لَمَّا ذَكَرَتْ لَهُ ظِهَارَ زَوْجِهَا مِنْهَا قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ الَّتِي فِيهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ‏:‏ ‏"‏ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ ‏"‏، لأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ حِينَئِذٍ لا حُكْمَ لَهُ تُحِلُّهُ الْكَفَّارَةُ، أَوْ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، إِنَّمَا كَانَ طَلاقَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مَا أَنْزَلَ، فَقَرَأَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَتَجِدُ كَذَا‏؟‏ أَتَسْتَطِيعُ كَذَا‏؟‏ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ‏:‏ أَتُطَلِّقُهَا فَتَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ عَنْكَ، كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، أَوْ‏:‏ أَتَحْبِسُهَا وَتَعْزِمُ عَلَى مُرَافِقِهَا، فَيَكُونُ بِذَلِكَ عَائِدًا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْكَ‏؟‏ فَفِي تَرْكِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِخِلافِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهُوَ لأَنْ يُحِلَّ بِهَا مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهَا كَمَا قَالَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ قَوْمٌ حُكْمَ ذَلِكَ كَحُكْمِ الْمُظَاهِرِ بِالأُمَّهَاتِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ فِي إِمْلائِهِ لَهُمْ وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا فِيمَا ذَكَرَهُ لَنَا الْمُزَنِيُّ عَنْهُ وَأَبَى ذَلِكَ قَوْمٌ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَلَمْ يَجْعَلُوا الظِّهَارَ إِلا بِالأُمَّهَاتِ خَاصَّةً دُونَ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الأَرْحَامِ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَوَجَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَكَرَ الطَّلاقَ فِي كِتَابِهِ فَسَمَّاهُ بِمَا سَمَّاهُ، ثُمَّ رَأَيْنَاهُمْ جَمِيعًا قَدْ أَلْحَقُوا بِذَلِكَ مَا فِيهِ مَعَانِي الطَّلاقِ مِثْلُ الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَائِنِ، وَالْحَرَامِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي يَحْكُمُونَ لَهَا بِحُكْمِ الطَّلاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِرِهَا طَلاقًا وَكَذَلِكَ الإِيلاءُ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لامْرَأَتِهِ‏:‏ وَاللهِ لا أَقْرَبُكِ، قَدْ أُلْحِقَ بِذَلِكَ أَمْثَالُهُ، مِثْلُ قَوْلِهِ‏:‏ إِنْ قَرُبْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ قَرُبْتُكِ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ، أَوْ‏:‏ إِنْ قَرُبْتُكِ فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الظِّهَارُ كَذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ بِالأُمَّهَاتِ وَبِمَنْ حُكْمُهُ حُكْمُ الأُمَّهَاتِ فِي الْحُرُمَاتِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْحُرُمَاتِ بِالرَّضَاعِ، وَأَهْلُ الْحُرُمَاتِ بِمَا سِوَاهُ وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ فِي إِمْلائِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُتَظَاهِرَ لا يَكُونُ بِمَنْ طَرَأَتْ حُرْمَتُهُ كَالرَّضَاعِ الطَّارِئِ، وَكَمَا سِوَاهُ مِنَ الأَشْيَاءِ الطَّارِئَةِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، لأَنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمَّا جَعَلَ عَلَى الْمُظَاهِرِ الْكَفَّارَةَ فِي جَعْلِهِ امْرَأَتَهُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ حَلالَهُ، كَظَهْرِ أُمِّهِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ حَرَامًا، كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا إِذَا جَعَلَهَا حَرَامًا كَحُرْمَةِ مَا قَدْ حَرَّمَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِالرَّضَاعِ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْمُتَظَاهِرِينَ، هَلْ تُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ الْمُؤْمِنَاتِ كَمَا تُجْزِئُ الْمُؤْمِنَاتُ‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لا تُجْزِئُ فِيهَا إِلا الْمُؤْمِنَاتُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ‏:‏ لأَنَّهُنَّ وَإِنْ لَمْ يُوصَفْنَ فِي آيَةِ الظِّهَارِ بِالإِيمَانِ فَقَدْ وَصَفَهُنَّ بِهِ فِي غَيْرِهَا مِنْ آيِ الْكَفَّارَاتِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الْخَطَإِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏، فَدَلَّ أَنَّ سَائِرَ الرِّقَابِ اللائِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ فِي الْكَفَّارَاتِ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ لا يُجْزِئُ فِيهَا إِلا الْمُؤْمِنَاتُ كَمَا ذَكَرَ عَزَّ وَجَلَّ الشُّهُودَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الْعُدُولِ وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُمْ فِي الآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهُمْ فِيهَا، إِذْ كَانَ قَدْ وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ فِي غَيْرِهَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الدَّيْنِ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ‏}‏، وَفِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ‏:‏ ‏{‏اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏، وَفِي آيَةِ الرَّجْعَةِ‏:‏ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، فَقَالُوا‏:‏ تُجْزِئُ فِي ذَلِكَ الْمُؤْمِنَاتُ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنَاتِ، إِذْ كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَطْلَقَهُنَّ فَلَمْ يَصِفْهُنَّ بِإِيمَانٍ وَلا بِغَيْرِهِ فِي الآيِ اللاتِي ذَكَرَهُنَّ فِيهَا، وَلا يُجْزِئُ فِيمَا وَصَفَهُ فِيهِنَّ بِالإِيمَانِ إِلا الْمُؤْمِنَاتُ، وَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الأُولَى أَنْ قَالُوا‏:‏ رَأَيْنَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْكَفَّارَاتِ مَا قَدْ وُصِفَ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُوصَفْ بِهِ سَائِرُ الْكَفَّارَاتِ، فَلَمْ يَكُنْ مَا وُصِفَتْ بِهِ كَفَّارَةٌ دَلِيلا عَلَى مَا وُصِفَتْ بِهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ فِيهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الْخَطَإِ، وَفِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ‏:‏ ‏{‏فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّتَابُعِ، لا يُجْزِئُ إِلا عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ فِي كَفَّارَةِ الأَذَى‏:‏ ‏{‏فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ‏}‏، وَكَانَ ذَلِكَ الصِّيَامُ يُجْزِئُ فِيهِ التَّتَابُعُ وَغَيْرُ التَّتَابُعِ، وَفِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ‏:‏ ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ‏}‏، حَتَّى ذَكَرَ الصِّيَامَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَكَانَ ذَلِكَ الصِّيَامُ يُجْزِئُ فِيهِ التَّتَابُعُ وَغَيْرُ التَّتَابُعِ وَقَوْلُهُ فِي التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ عِنْدَ عَدَمِ الْهَدْيِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ‏}‏، فَكَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ فِيهِ التَّتَابُعُ وَغَيْرُ التَّتَابُعِ فِي أَشْبَاهٍ، لِذَلِكَ فَلَمْ يَجْعَلْ مَا لَمْ يُوصَفْ بِالتَّتَابُعِ مِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ عَلَى التَّتَابُعِ، إِذْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَشْكَالِهِ قَدْ وَصَفَ بِهِ، بَلْ جَعَلَ الْمَوْصُوفَ بِالتَّتَابُعِ لا يُجْزِئُ إِلا مُتَتَابِعًا، وَالْمَسْكُوتَ عَنْ ذِكْرِ التَّتَابُعِ فِيهِ يُجْزِئُ مُتَتَابِعًا وَغَيْرَ مُتَتَابِعٍ، غَيْرَ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَاتِ الأَيْمَانِ، فَإِنَّ الَّذِي أَوْجَبُوا التَّتَابُعَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا أَوْجَبُوهُ فِيمَا ذَكَرُوا اتِّبَاعًا لِمَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏"‏ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ‏"‏ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ، وَمَا يُلْزِمُ أَهْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَالْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ، وَالْحُجَّةَ لَهُمْ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ فَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا فِي الصِّيَامِ كَمَا وَصَفْنَا، كَانَ كَذَلِكَ الْمَذْكُورُ بِالإِيمَانِ مِنَ الرِّقَابِ، لا يُجْزِئُ فِيهِ إِلا مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَالْمَسْكُوتُ مِنْ ذِكْرِهِ بِالإِيمَانِ مِنْهَا تُجْزِئُ فِيهِ الْمُؤْمِنَاتُ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنَاتِ، وَلا يَكُونُ الْوَصْفُ لأَحَدِ الأَمْرَيْنِ مِنَ الرِّقَابِ بِالإِيمَانِ وَصْفًا لِلآخَرِ، كَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الصِّيَامِ وَالرِّقَابِ اللائِي مِنَ الْكَفَّارَاتِ أَشْبَهَ بِالصِّيَامِ الَّذِي مِنَ الْكَفَّارَاتِ مِنْهَا بِالشَّهَادَاتِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي الرِّقَابِ الْمَسْكُوتِ عَنْ وَصْفِهَا بِالإِيمَانِ الْمُؤْمِنَاتُ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنَاتِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَهَذِهِ الرِّقَابُ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّها تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَاتِ غَيْرَ الظِّهَارِ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا، أَيُّ الرِّقَابِ هِيَ‏؟‏ فَقَالَ قَائِلُونَ‏:‏ هِيَ غَيْرُ الْمُسْتَهْلَكَاتِ مِنْهُنَّ بِالْعَمَى، أَوْ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ، أَوْ بِقَطْعِ الرِّجْلَيْنِ، أَوْ بِقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ النُّقْصَانِ الَّذِي يَكُونُ كَالْعَوَرِ، وَكَقَطْعِ إِحْدَى الْيَدَيْنِ، أَوْ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ، أَوْ قَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ جَانِبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ كَذَلِكَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ قَائِلُونَ‏:‏ لا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ إِلا مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْبَطْشِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا كَالأَعْوَرِ، وَكَمَا أَشْبَهَهُ فَأَمَّا الَّذِي يَنْقُصُ بَطْشُهُ بِذَهَابِ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ نُقْصَانًا بَيِّنًا فِي بَطْشِهِ، فَلا يُجْزِئُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ قَائِلُونَ‏:‏ لا يُجْزِئُ مِنَ الرِّقَابِ مَنْ كَانَتْ عَوْرَاءَ، وَلا مَنْ كَانَتْ قَطْعَاءَ، وَلا يُجْزِئُ مِنْهُنَّ إِلا مَنْ كَانَ سَلِيمًا مِنْ ذَلِكَ، وَمِمَّا أَشْبَهَهُ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيهِ، فَوَجَدْنَا النَّاقِصَ الأَنْمُلَةَ أَوِ الْمَعِيبَ عَيْبًا فِي يَدَيْهِ يُنْقِصُهُ ذَلِكَ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا، أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا مِنْهُ مِنَ الرِّقَابِ، يُجْزِئُ بِلا اخْتِلافٍ فِي ذَلِكَ عَلِمْنَاهُ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ يُجْزِئُ مِنَ الرِّقَابِ فِي ذَلِكَ مَنْ بِهِ نَقْصٌ مَا، ثُمَّ إِنْ كَانَ غَيْرَ لاحِقٍ بِأَحْوَالِ ذَوِي التَّمَامِ فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي ذَلِكَ بِالضَّحَايَا وَبِالْهَدَايَا، فَقَالَ‏:‏ قَدْ رَأَيْنَا الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا لا يُجْزِئُ فِيهَا الأَعْمَى، كَذَلِكَ الرِّقَابُ الْوَاجِبَاتُ، وَرَأَيْنَا الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا لا يُجْزِئُ فِيهَا الأَعْوَرُ، وَكَانَ مَا إِذَا ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ فِي ذَلِكَ، لا يَجُوزُ فِيهِ إِذَا ذَهَبَتْ إِحْدَاهُمَا، فَكَذَلِكَ الرِّقَابُ قِيلَ لَهُ‏:‏ قَدْ رَأَيْنَا أُمُورَ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا قَدْ وُكِّدَ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي أَكْثَرَ مِمَّا وُكِّدَ فِي أَمْثَالِهَا مِنَ الرِّقَابِ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الصَّغِيرَ مِنَ الرِّقَابِ يُجْزِئُ فِيمَا يُجْزِئُ فِيهِ الْكَبِيرُ، وَرَأَيْنَا السَّخْلَ مِنَ الْمَوَاشِي لا يُجْزِئُ فِيمَا يُجْزِئُ فِيهِ الْكَبِيرُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلافِ أَصْلَيْهِمَا، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ زِيدَ فِي تَوْكِيدِهِ عَلَى تَوْكِيدِ الآخَرِ، وَإِذَا تَبَايَنَ أَصْلاهُمَا فِي زِيَادَةِ تَوْكِيدِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ تَبَايَنَ فَرْعَاهُمَا، وَبَطَلَ أَنْ يُرَدَّ حُكْمُ فَرْعِ أَحَدِهِمَا إِلَى حُكْمِ فَرْعِ الآخَرِ وَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدَّ فِي الرِّقَابِ الْمُتَكَامَلِ مِنْهَا، ثَبَتَ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَلَى النَّقَائِصِ الَّتِي فِيهَا كَمَا تُجْزِئُ لَوْ كَانَتْ فِيهَا نَقَائِصُ حَتَّى يُجْمَعَ عَلَى خُرُوجِهَا مَنْ ذَلِكَ إِلَى النَّقَائِصِ الَّتِي يُجْمَعُ عَلَى أَنَّهَا لا تُجْزِئُ وَهِيَ بِهَا فَثَبَتَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فِي هَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏، فَذَلِكَ مِنَ الْمُحْكَمِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَفَّارَةَ مَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً يَعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِهِ فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ غَيْرَ وَاجِدٍ لِلرَّقَبَةِ، فَصَامَ بَعْضَهُ ثُمَّ وَجَدَهَا، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ‏:‏ إِذَا كَانَ الَّذِي صَامَ أَكْثَرَ الصَّوْمِ، وَالَّذِي بَقِيَ أَقَلَّهُ، مَضَى عَلَى صَوْمِهِ وَأَجْزَأَهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي صَامَ أَقَلَّهُ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ لَمْ يَحْتَسِبْ بِمَا مَضَى، وَلَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ لَهُ كَفَّارَةً، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَ الرَّقَبَةَ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ‏:‏ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّوْمِ، فَصَامَ شَيْئًا مِنْهُ قَلِيلا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ أَتَمَّ صَوْمَهُ، وَلا عِتْقَ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ دَخَلَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ‏:‏ إِذَا صَامَ وَهُوَ لا يَجِدُ الرَّقَبَةَ، ثُمَّ وَجَدَهَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّوْمِ شَيْءٌ، قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، زَالَ ذَلِكَ الْعُذْرُ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ الصَّوْمُ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ، وَكَانَ فِي مَعْنَى مَنْ كَانَ وَاجِدًا لِلرَّقَبَةِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّوْمِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا جَعَلَ الصَّوْمَ كَفَّارَةً لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الرِّقَابِ، فَإِذَا صَارَ مِنْ أَهْلِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ أَنْ يَصُومَ صَوْمًا لَمْ يَجْعَلْ لِوَجْدِ الرِّقَابِ كَفَّارَةً وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ ذَلِكَ الصَّوْمَ لا يُجْزِئُ الْوَاجِدَ مِنَ الرِّقَابِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ أَنْ يُجْزِئَهُ مَا صَامَ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلرَّقَبَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ إِلا الرَّقَبَةُ، وَلأَنَّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏ لا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ هُوَ الصَّوْمُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الرِّقَابِ فِي حَالِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، لا تَتَحَوَّلُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ صَارَ مِنْ أَهْلِ الرِّقَابِ أَوْ يَكُونَ حُكْمُ وُجُودِ الرِّقَابِ مُعْتَبَرًا فِيهِ إِلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ فَلَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ الصِّيَامُ إِذْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الرِّقَابِ، فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ مِنْ أَهْلِ الرِّقَابِ، أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَلا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ، دَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَكُنْ فَرْضُهُ عِنْدَ عَدَمِ الرَّقَبَةِ فَرْضًا لا يَتَحَوَّلُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِذَا وَجَدَهَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّوْمِ، وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلا أَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا يُجْزِئُهُ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِ عَدَمِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا صَارَ مِنْ أَهْلِ وُجُودِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ وَقَدْ وَجَدْنَا لِذَلِكَ نَظِيرًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ مِنْ فَرَائِضِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏، يَعْنِي مِنْ سِوَى الصِّنْفَيْنِ اللَّذَيْنِ جَعَلَ عِدَدَهُمَا الشُّهُورَ، وَكَانَتِ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ إِذَا طُلِّقَتْ فَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَهِيَ الشُّهُورُ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا الْحَيْضُ لَمْ تَعْتَدَّ بِمَا مَضَى مِنَ الشُّهُورِ، وَاعْتَدَّتْ بِالأَقْرَاءِ، وَكَانَتْ فِي حُكْمِ مَنْ طَلَّقَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الأَقْرَاءِ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ وُجُودِ الرِّقَابِ إِذَا طَرَأَ فِي الصَّوْمِ الْمَجْعُولِ بَدَلا مِنْهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِهِ لَوْ طَرَأَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهِ فَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مُضِيِّ قَلِيلِ الصَّوْمِ وَمُضِيِّ كَثِيرِهِ فَلا مَعْنَى لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏}‏، فَذَلِكَ مِنَ الْمُحْكَمِ فِي عَدَدِ الْمَسَاكِينَ، وَمِنَ الْمُتَشَابَهِ فِي مِقْدَارِ مَا يُطْعِمُونَ وَفِي الصَّنْفِ الَّذِينَ هُمْ مِنْهُ، فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ الْمُرَادُ بِهِ إِطْعَامُ كُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا وَاحِدًا مِنْ طَعَامِ بَلَدِ الْمُكَفِّرِ الَّذِي يُقْتَاتُ مِنْهُ حِنْطَةٌ أَوْ شَعِيرٌ أَوْ أُرْزٌ أَوْ سُلْتٌ أَوْ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ أَوْ أَقِطٌ هَكَذَا كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ فِي هَذَا فِيمَا ذَكَرَ لَنَا الْمُزَنِيُّ، وَهُوَ مَعْنَى عَامَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي تَقْدِيرِهِمُ الْمُدَّ وَقَائِلُونَ يَقُولُونَ‏:‏ لا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مِنَ الإِطْعَامِ إِلا مُدَّانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَهُمَا نِصْفُ صَاعٍ بِصَاعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ حِنْطَةً أَوْ دَقِيقًا أَوْ سُوَيْقًا مِنْهَا فَأَمَّا مِنَ الشِّعِيرِ، أَوْ مِنْ دَقِيقِهِ، أَوْ مِنْ سَوِيقِهِ، وَمِنَ التَّمْرِ فَصَاعٌ بِصَاعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، لا يُجْزِئُ عِنْدَهُمْ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ الأَجْنَاسِ غَيْرُ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْهُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كُتُبِنَا هَذِهِ فِي الْمَنَاسِكِ فِي فِدْيَةِ الأَذَى مِقْدَارَ مَا يُطْعَمُهُ كُلُّ مِسْكِينٍ، فَأَغْنَانَا ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا وَقَدِ احْتَجَّ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الأُولَى لِمَقَالَتِهِمْ فِي مِقْدَارِ إِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ بِحَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَوْلَةَ‏:‏ ‏"‏ مُرِيهِ فَلْيَذْهَبْ إِلَى فُلانٍ فَقَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّ عِنْدَهُ شَطْرَ وَسْقٍ، فَلْيَأْخُذْهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ، ثُمَّ يَتَصَدَّقْ بِهِ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا ‏"‏ وَبِحَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْبَابِ عَنْ خَوْلَةَ، ‏"‏ أَنَّ زَوْجَهَا ظَاهَرَ مِنْهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الظِّهَارِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا ‏"‏ وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قَدْ رُوِيَا هَكَذَا، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زَيْدٍ، ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَهُ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ‏:‏ تَاللهِ مَا عِنْدِي إِلا أَنْ تُعِينَنِي، فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا ‏"‏ وَالْمُعَاوَنَةُ عَلَى الشَّيْءِ إِنَّمَا هِيَ بِبَعْضِهِ لا بِكُلِّهِ فَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الآخَرِ، وَأَمَّا حَدِيثُ يُوسف بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ فَقَدْ رُوِيَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ رُوِيَ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ كَما‏:‏

1962- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَتْنِي خَوْلَةُ ابْنَةُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ابْنِ أَخِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَانَ زَوْجَهَا حِينَ ظَاهَرَ مِنْهَا بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَعَانَتْهُ هِيَ بِعَرَقٍ آخَرَ، وَذَلِكَ سِتُّونَ صَاعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ تَصَدَّقْ بِهِ، وَاتَّقِي اللهَ، وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ ‏"‏ فَهَكَذَا كَانَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ يَقُولُونَ‏:‏ مَا يُطْعَمُ فِيهِ مِنَ التَّمْرِ كُلُّ مِسْكِينٍ صَاعًا، يُطْعَمُ فِيهِ مِنَ الْحِنْطَةِ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ فَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، هُوَ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، لأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِيهِ‏:‏ ‏"‏ انْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ، فَمُرْهُ فَلْيَدْفَعْ إِلَيْكَ صَدَقَتَهُمْ، فَأَطْعِمْ وَسْقًا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَأَنْفِقْ سَائِرَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى عِيَالِكَ ‏"‏ وَقَدْ رَوَاهُ بُكَيْرُ بْنُ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ بِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى‏.‏

1963- كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ‏:‏ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ حَظًّا مِنَ الْجِمَاعِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ تَظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَاشْتَكَى عَيْنَيْهِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَتُهُ بِمُكْحُلَةٍ فِي الْقَمَرِ، فَأَعْجَبَهُ بَعْضُ مَا رَأَى مِنْهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ أَنْتَ بِذَلِكَ يَا سَلَمَةُ‏؟‏ ‏"‏ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ قَالَ‏:‏ ‏"‏ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً ‏"‏ قَالَ‏:‏ مَا أَمْلِكُ غَيْرَ رَقَبَتِي قَالَ‏:‏ ‏"‏ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ‏"‏ قَالَ‏:‏ مَا عَمَلٌ يَعْمَلُ النَّاسُ أَشَقُّ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ قَالَ‏:‏ ‏"‏ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ‏"‏ قَالَ‏:‏ مَا أَجِدُ شَيْئًا قَالَ‏:‏ فَأَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ من خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ تَصَدَّقْ بِهَذَا ‏"‏ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ، أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي وَمِنْ أَهْلِي‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُكَ ‏"‏ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءِ، عْنِ سُلَيْمَانَ، كَمَا ذَكَرْنَا، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا يَقُولُ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحَدِيثِ كَمَا رَوَاهُ بُكَيْرٌ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ دَلِيلا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعْطِهِ الَّذِي أَعْطَاهُ عَلَى أَنَّهُ جَمِيعُ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُ عَلَى الْمَعُونَةِ مِنْهُ إِيَّاهُ فِيمَا عَلَيْهِ وَلا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا زَوَالُ كَفَّارَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَى وُجُوبِهَا إِلا بِاتِّفَاقٍ عَلَى زَوَالِهَا، إِذْ كَانَ مِثْلُ هَذَا لا يُقَالُ اسْتِنْبَاطًا وَلا قِيَاسًا، وَكَانَ الْمُظَاهِرُ إِذَا أَطْعَمَ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْكَفَّارَةِ فِي قَوْلِهِمْ وَفِي قَوْلِ أَهْلِ الْمَقَالَةِ الآخَرِينَ، وَإِذَا أَطْعَمَ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الأُولَى لَمْ تَسْقُطِ الْكَفَّارَةُ عِنْهُ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَانَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ أَوْلَى بِنَا، إِذْ كَانَ فِيهِ سُقُوطُ الْوَاجِبِ بِلا اخْتِلافٍ وَعَلَى الْمُظَاهِرِ أَلا يَمَاسَّ أَهْلَهُ فِي كُلِّ مَعْنًى مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ الْمَعَانِي مِنَ الْكَفَّارَاتِ حَتَّى يَجِيءَ بِالْمَعْنَى الَّذِي عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَلِمَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ مِمَّنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لِلرَّقَبَةِ فَعَادَ فِي حُكْمِهِ إِلَى الإِطْعَامِ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ كَمَا اشْتَرَطَ فِيمَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا‏}‏، فِي الْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي الآيَةِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ يَجِبُ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثِ الظِّهَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ، أَنَّهُ لَمْ يُطْلِقِ الْمَمَاسَّةَ لِلْمُظَاهِرِينَ فِيهَا حَتَّى يَفْعَلا مَا أَمَرَهُمَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالآخَرُ أَنَّ الْفَرَائِضَ الَّتِي هِيَ أَبْدَالٌ مِنْ أَشْيَاءَ قَبْلَهَا إِذَا عُدِمَتْ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا عَادَ كَمَا كَانَ قَبْلَهَا، فَصَارَ ثَابِتًا، فَلَمْ يَحِلَّ الْجِمَاعُ حَتَّى يَفْعَلَ، كَمَا لا يَحِلُّ الْجِمَاعُ لِمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعِتْقِ أَوِ الصِّيَامِ حَتَّى يَفْعَلَهُ، أَلا تَرَى أَنَّ فَرْضَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ التَّطْهِيرَ بِالْمَاءِ، فَإِنْ عَدَمُوهُ وَجَبَ عَلَيْهِمُ التَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ، فَإِنْ عَدَمُوهُ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُ عَنْهُمْ، لا إِلَى فَرْضٍ سِوَاهُ، بَلْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ ‏"‏‏.‏

1964- كَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ لا يَقْبَلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَلاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَلا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ ‏"‏ فَنَفَى بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الصَّلاةُ مَقْبُولَةً إِلا بِطَهُورٍ يُتَطَهَّرُ بِهِ وَكَذَلِكَ مَا عُدِمَ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِمَّا بَعْضُهَا أَبْدَالٌ مِنْ بَعْضٍ إِذَا سَقَطَ الْبَدَلُ الْمُؤَخَّرُ مِنْهَا عَادَ وُجُوبُ الْبَدَلِ الَّذِي قَبْلَهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الظِّهَارِ، هَلْ يَلْحَقُ الإِمَاءَ اللائِي غَيْرُ زَوْجَاتٍ مِنْ مَوَالِيهِنَّ أَمْ لا‏؟‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ يَلْحَقُهُنَّ الظِّهَارُ مِنْ مَوَالِيهِنَّ كَمَا تَلْحَقُ الزَّوْجَاتُ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ لا يَلْحَقُهُنَّ ظِهَارٌ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَحْكِ اخْتِلافًا وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ يَذْهَبُ إِلَيْهِ كَمَا ذَكَرَ لَنَا الْمُزَنِيُّ عَنْهُ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَوَجَدْنَا الطَّلاقَ لا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَاتِ، وَوَجَدْنَا الإِيلاءَ كَذَلِكَ لا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَاتِ، وَكَانَ تَأْوِيلُ قَوْلِ اللهِ عز وجل عِنْدَهُمْ جَمِيعًا‏:‏ ‏{‏يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏، عَلَى النِّسَاءِ الزَّوْجَاتِ، لا عَلَى الْمَمْلُوكَاتِ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ‏}‏، الآيَةَ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجَاتِ، لا عَلَى مَنْ سِوَاهُنَّ، فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الظِّهَارُ كَذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ‏}‏، الآيَةَ عَلَى النِّسَاءِ الزَّوْجَاتِ، لا عَلَى مَنْ سِوَاهُنَّ فَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَقَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الآيَةِ أُمَّهَاتُ الإِمَاءِ الْمُوطَآتُ كَمَا دَخَلَ فِيهَا أُمَّهَاتُ الزَّوْجَاتِ الْمَنْكُوحَاتِ قِيلَ لَهُ‏:‏ وَقَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الآيَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَكَ أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ الْمُزَوَّجَاتُ نِكَاحًا فَاسِدًا الْمُوطَآتُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ دُخُولُ أُمَّهَاتِهِنَّ فِي ذَلِكَ مُوجِبًا التَّظَاهُرَ مِنْ بَنَاتِهِنَّ، أَلا تَرَى أَنَّ رَجُلا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا فَجَامَعَهَا عَلَى ذَلِكَ، أَنَّ أُمَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَوْ ظَاهَرَ مِنَ ابْنَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا فَلَمَّا ثَبَتَ فِي هَذِهِ الآيَةِ دُخُولُ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ الْمُجَامَعَاتِ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَلِمْ تَدْخُلْ بَنَاتُهُنَّ فِي آيَةِ الظِّهَارِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ أُمَّهَاتِ الإِمَاءِ الْمُجَامَعَاتِ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ غَيْرَ مُوجِبٍ دُخُولَ بَنَاتِهِنَّ فِي آيَةِ الظِّهَارِ، فَسَقَطَتْ بِذَلِكَ حُجَّةُ هَذَا الْمُحْتَجِّ الَّذِي احْتَجَّ بِهَا عَلَى مُخَالِفِيهِ وَلَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ طَلَبْنَا الْوَجْهَ فِي هَذَا الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَوَجَدْنَا الظِّهَارَ هُوَ طَلاقُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي كَانُوا يُطَلِّقُونَهُ نِسَاءَهُمْ أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَوْلَةَ لَمَّا سَأَلَتْهُ عنْ تَظَاهُرِ زَوْجِهَا‏:‏ ‏"‏ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ ‏"‏، وَإِلَى قَوْلِهَا‏:‏ ‏"‏ إِلَى اللهِ أَشْتَكِي ‏"‏، أَيْ لِمَكَانِ الْفُرْقَةِ الَّتِي حَدَثَتْ بَيْنَهُمَا بِتَظَاهُرِهِ، وَإِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَأَوْجَبَ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الآيَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا، فَصَارَ الظِّهَارُ فِي الإِسْلامِ خَلَفًا مِنَ الطَّلاقِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا كَانَ الطَّلاقُ لا حَظَّ لِلْمَمْلُوكَاتِ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ فِيهِ كَانَ كَذَلِكَ الظِّهَارُ، لا حَظَّ لِلْمَمْلُوكَاتِ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ فِيهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ إِنَّ الظِّهَارَ إِنَّمَا أَلْحَقْنَاهُ الْمَمْلُوكَاتِ لأَنَّهُ تَحْرِيمٌ قِيلَ لَهُ‏:‏ إِنَّ التَّحْرِيمَ الَّذِي يَلْحَقُ الإِمَاءَ، عِنْدَ مَنْ يُلْحِقُهُنَّ إِيَّاهُ بِقَوْلِ مَوَالِيهِنَّ‏:‏ أَتينَّ عَلَيَّ حَرَامٌ، إِنَّمَا هُوَ فِي التَّحْرِيمِ الْعَامِّ الَّذِي يَلْحَقُ الأَشْيَاءَ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ وَسَائِرِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ سِوَى ذَلِكَ، فَيُحَرِّمُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ هُوَ عَلَيْنَا حَرَامٌ وَيُوجِبُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةَ، إِنْ يَسْتَحِلَّ، عِنْدَ الَّذِينَ يُوجِبُونَ على الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لا يُوجِبُونَ كَفَّارَةً فِي ذَلِكَ، وَلا يَجْعَلُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مَعْنًى وَسَنَذْكُرُ هَذَا الْبَابِ، وَمَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ‏}‏، وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏، فِي كِتَابِ الأَيْمَانِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَلَمَّا كَانَ التَّحْرِيمُ الَّذِي يَلْحَقُ الإِمَاءَ غَيْرَ الزَّوْجَاتِ يَلْحَقُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ كَمَا يَلْحَقُ الزَّوْجَاتِ فِي قَوْلِ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَالَ‏:‏ ثَوْبِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَهَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ هَذَا الشَّرَابُ عَلَيَّ كَذَلِكَ، لا يُوجِبُ ذَلِكَ حُرْمَةً عَلَيْهِ، وَلا وُجُوبَ كَفَّارَةٍ فِي انْتِهَاكِهِ إِيَّاهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ إِنَّ الظِّهَارَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْجِنْسِ، وَإِنَهُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي خَاصٍّ مِنَ الأَشْيَاءِ، وَإِنَّهُ لا يَدْخُلُ فِي الْخَاصِّ إِلا مَا تَقُومُ الْحُجَّةُ تُوجِبُ دُخُولَهُ فِيهِ، وَلا حُجَّةَ نَعْلَمُهَا تُوجِبُ التَّظَاهُرَ مِنَ الإِمَاءِ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ فَلَمَّا انْتَفَى ذَلِكَ كَانَ الأَوْلَى بِنَا أَنْ يَكُونَ عَلَى أُصُولِهِنَّ، وَعَلَى حِلِّهِنَّ الَّذِي كُنَّ عَلَيْهِ قَبْلَ تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ مَوَالِيهِنَّ‏.‏