فصل: كِتَابُ الزَّكَاةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أحكام القرآن ***


كِتَابُ الزَّكَاةِ

تأويلُ الزَّكَوَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْقُرْآنِ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللهُ‏:‏ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏، وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا‏}‏، فِي آيٍ نَظَائِرَ لِذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ مِقْدَارَ تِلْكَ الزَّكَاةِ، وَلَا أَوْقَاتَ وُجُوبِهَا، وَلَا الْأَمْوَالَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا، وَكَانَ الْخِطَابُ بِهَا مُطْلَقًا عَامًّا عَلَى ظَاهِرِهِ ثُمَّ وَجَدْنَاهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ بَيَّنَ لَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ خَاصٌّ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَفِي خَاصٍّ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَفِي خَاصٍّ مِنَ النَّاسِ فَأَمَّا الْأَمْوَالُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا هَذِهِ الزَّكَاةُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا فِي كِتَابِهِ فَالذَّهَبُ، وَالْوَرِقُ وَمَا حُكْمُهُ حُكْمُهَا مِنَ أَمْوَالِ التِّجَارَاتِ، وَمِنَ الْمَوَاشِي السَّائِمَةِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَأَمَّا الْمِقْدَارُ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ مِنَ الْوَرِقِ وَمِمَّا حُكْمُهُ حُكْمُهُ، وَلَمْ يُوجِبْهَا فِي أَقَلَّ مِنْهُ فَخَمْسُ أَوَاقٍ‏.‏

512- حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْعَمْرِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ الْعَمْرِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى الْمَازِنِيَّ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ ‏"‏‏.‏

513- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمِازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ‏.‏

514- حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِقْدَارُ الْأُوقِيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ‏؟‏ وَوَجَدْنَا ذَلِكَ مُثْبَتًا فِي غَيْرِهِ‏.‏

515- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، قَالَ‏:‏ نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِي بَقِيعَ الْغَرْقَدِ قَالَ‏:‏ فَقَالَ لِي أَهْلِي‏:‏ اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْأَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ، وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ حَاجَتَهُمْ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ لَا أَجِدُ مَا أَعْطِيكَ ‏"‏، فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ مُغْضَبٌ، وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ لَعَمْرِي إِنَّكَ لَتُفَضِّلُ مَنْ شِئْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ إِنَّهُ لَيَغْضَبُ عَلَيَّ أَلَّا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ، مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَعِنْدَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا ‏"‏ فَقَالَ الْأَسْدِيُّ‏:‏ فَقُلْتُ‏:‏ لَلَقْحَةٌ لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ، قَالَ‏:‏ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، قَالَ‏:‏ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ، قَالَ‏:‏ فَقَدِمَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَعِيرٍ وَزَبِيبٍ، فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ حَتَّى أَغْنَانَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأُوقِيَّةَ كَانَ وَزْنُهَا أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مَعَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ تَنَازُعًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا الْوَقْتُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَهُوَ حُلُولُ الْحَوْلِ عَلَى ذَوِي الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَوَاتُ، هَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمِمَّا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْأَخْبَارِ وَأَمَّا الَّذِينَ تَجِبُ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ مِنَ النَّاسِ فَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارَ الْأَصِحَّاءَ الْعُقُولَ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ الْأَمْوَالَ الَّتِي تَجِبُ فِي مَقَادِيرِهَا مِنْ أَصْنَافِهَا الزَّكَوَاتُ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ عَلَيْهِمْ إِذَا أَخْرِجَتْ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ قَصَّرَتْ أَمْوَالُهُمْ عَنْ بُلُوغِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ قَدْ دَخَلَ فِي الْفَرْضِ فِي الزَّكَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ، فَقَالَ قَائِلُونَ‏:‏ الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي أَمْوَالِهِمْ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهَا لَوْ كَانُوا بَالِغِينَ، وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ‏.‏

516- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكِسَائِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ الْحَارِثِيُّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَارِثِيُّ، عَنْ أَبِي إِيَاسٍ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لَهُ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ عِنْدِي مَالًا لِيَتِيمٍ قَدْ كَادَتِ الصَّدَقَةُ أَنْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ، فَهَلْ قِبَلَكُمْ مَتْجَرٌ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ فَدَفَعَ إِلَيَّ عَشْرَةَ آلَافٍ، فَغِبْتُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ‏:‏ مَا فَعَلَ الْمَالُ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ قَدْ بَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ، قَالَ‏:‏ رُدَّ إِلَيْنَا رَأْسَ مَالِهِ، لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ ‏"‏‏.‏

517-، حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَدَّانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ‏:‏ قَالَ لِي عُمَرُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

518- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى‏:‏ أَنَّ عَلِيًّا زَكَّى أَمْوَالَ بَنِي أَبِي رَافِعٍ، قَالَ‏:‏ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِمْ فَوَجَدُوهَا تَنْقُصُ، فَقَالُوا‏:‏ إِنَّا وَجَدْنَاهَا تَنْقُصُ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ هَلْ تُرِيدُونَ أَنْ يَكُونَ عِنْدِي مَالٌ لَا أُزَكِّيهِ‏؟‏ ‏"‏‏.‏

519- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏"‏ أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ عِنْدَهُ مَالُ الْيَتِيمِ، فَرُبَّمَا أَنْفَقَ بَعْضَهُ، وَرُبَّمَا أَعْطَى بَعْضَهُ مُضَارَبَةً كُلُّ ذَلِكَ يُزَكِّيهِ ‏"‏‏.‏

520- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَلِي مَالَ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي كَعْبٍ، وَكَانَ يُؤَدِّي زَكَاةَ أَمْوَالِهِمَا، فَقُلْتُ‏:‏ يَا أَبَتَاهُ، أَتُؤَدِّي زَكَاةَ أَمْوَالِهِمَا وَأَنْتَ لَا تَتَّجِرُ لَهُمَا وَلَا تَبْتَغِي لَهُمَا‏؟‏ فَإِذَا أَخْرَجْتَ الزَّكَاةَ ذَهَبَتْ أَمْوَالُهُمَا، فَقَالَ‏:‏ وَاللهِ لَأُزَكِّيَنَّ أَمْوَالَهُمَا وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا، ثُمَّ ابْتَاعَ لَهُمَا دَارَ ابْنِ حَدِيدَةَ ‏"‏‏.‏

521- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِهَا فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ ‏"‏‏.‏

522- حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُؤَمِّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ كَانَتْ أَمْوَالُنَا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَكَانَتْ تُبْضِعُهَا فِي الْبَحْرِ وَكَانَتْ تُزَكِّيهَا ‏"‏‏.‏

523- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ الْجُهَنِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَشج، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ محس حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ كَانَتْ عَائِشَةُ تُزَكِّي أَمْوَالَنَا وَنَحْنُ صِغَارٌ ‏"‏‏.‏

525- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَلِي مَالَ يَتِيمٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ يُعْطِي زَكَاتَهُ ‏"‏، وَقَالَ قَائِلُونَ‏:‏ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَيْسَ أَهْلُهَا مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي تَلَوْنَا، وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

526- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَا تَجِبُ عَلَى يَتِيمٍ زَكَاةٌ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ ‏"‏

وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَوْلَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَعَبَّدَ الْخَلْقَ بِعِبَادَاتٍ فِي أَبْدَانِهِمْ وَفِي أَمْوَالِهِمْ، مِنْهَا‏:‏ الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْحَجُّ، وَالزَّكَاةُ، فَكَانَ مَا تَعَبَّدُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَعَبَّدُوا بِهَا فِي أَبْدَانِهِمْ، وَفِي أَمْوَالِهِمْ، وَقُرْبَةً لَهُمْ إِلَيْهِ، وَطَهَارَةً لَهُمْ، وَزَكَاةً وَرَأَيْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الصِّغَارَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا، وَالْمَجَانِينَ الْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ عَلَيْهِمْ، خَارِجُونَ مِمَّنْ خُوطِبَ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذِهِ الْعِبَادَاتِ فِي الْأَبْدَانِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، فَكَانَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا خَارِجِينَ مِمَّنْ خُوطِبَ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْعِبَادَاتِ فِي الْأَمْوَالِ مِنَ الزَّكَوَاتِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ إِنَّ الْعِبَادَاتِ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ فَهِيَ عِبَادَاتٌ عَلَى الْأَبْدَانِ، وَالصِّغَارُ لَا عِبَادَاتِ عَلَى أَبْدَانِهِمْ، فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ خُرُوجَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ وَأَمَّا الزَّكَوَاتُ فَعِبَادَاتٌ فِي الْأَمْوَالِ، وَالصِّغَارُ يُسَاوُونَ الْكِبَارَ فِي ذَلِكَ إِذْ كَانُوا جَمِيعًا فِي مِلْكِهِمْ ذَلِكَ سَوَاءً قِيلَ لَهُ‏:‏ إِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي مِلْكِهِمْ لِلْأَمْوَالِ سَوَاءً فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَالِكٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا عَلَى الْمُكَاتَبِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مِمَّنْ سِوَاهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَمْلِكُونَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَوْ كَانَتْ لِذَوِي الزَّكَوَاتِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رُدَّتْ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ إِلَى أَحْكَامِ مَالِكِهَا، وَرُوعِيَ مَا تُعُبِّدُوا بِهِ فِيهَا، فَأُدْخِلَ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ الَّذِينَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِمْ يُقَصِّرُ بِهِمْ قَضَاؤُهُ عَنْ مَقَادِيرِ الزَّكَوَاتِ مِمَّا أَيْدِيهِمْ إِلَيْهَا وَاصِلَةٌ، وَأُخْرِجَ مِنْهُ الذِّمِّيُّونَ، وَالْمُكَاتَبُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِمَّنْ سِوَاهُمْ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُرَاعَى فِي مَالِكِ الْمَالِ مَا يُرَاعَى فِيهِ مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فِي الْأَبْدَانِ مِنَ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ قَالَ‏:‏ قَدْ رَأَيْنَا الْمُكَاتَبَ مُتَعَبَّدًا بِالصَّلَاةِ فِي بَدَنِهِ وَغَيْرَ مُتَعَبَّدٍ بِالزَّكَاةِ فِي مَالِهِ قِيلَ لَهُ‏:‏ فَقَدْ وَكَّدَ هَذَا حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَى حُكْمِ الزَّكَاةِ، فَجَعَلَ الصَّلَاةَ وَاجِبَةً عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ فِي بَدَنِهِ أَحْرَى أَلَّا تَكُونَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي مَالِهِ فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَقَدْ رَأَيْنَاكُمْ تُوجِبُونَهُ عَلَى الْيَتِيمِ فِي أَرْضِهِ الْحُرَّةِ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ كَمَا تُوجِبُونَهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْبَالِغِ الصَّحِيحِ الْعَقْلِ قَيلَ لَهُ‏:‏ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ، أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ حُكْمَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَوَاتُ سِوَاهَا، وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَفِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالدَّيْنِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، أَنَّهُ يَجُوزُ مِلْكُ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِيَّاهَا وَيَزُولُ بِذَلِكَ عَنْهَا مَا كَانَ يَجِبُ فِيهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنَ الزَّكَوَاتِ، لَا إِلَى عِوَضٍ غَيْرِهِ يَكُونُ فِيهَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَرَأَيْنَا الْأَرَضِينَ الْعَشْرِيَّاتِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ بَاعَ أَرْضَهُ مِنْ ذِمِّيٍّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُشْرِ، فَأَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ فَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ‏:‏ لَا يَمْلِكُهَا الذِّمِّيُّ، وَلَا يَجُوزُ ابْتِيَاعُهَا، لِأَنَّ الْعُشْرَ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا فِيهَا غَيْرُ زَائِلٍ عَنْهَا، وَغَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى أَخْذِهِ مِنَ الذِّمِّيِّ الَّذِي ذِمَّتُهُ تَنْفِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ‏:‏ يَمْلِكُهَا الذِّمِّيُّ بِابْتِيَاعِهِ إِيَّاهَا، وَتَتَحَوَّلُ إِلَى أَنْ تَصِيرَ أَرْضَ خَرَاجٍ، فَتَكُونَ الْخَوَارِجُ فِيهَا عِوَضًا مِنَ الْعُشْرِ الَّذِي كَانَ فِيهَا، وَيُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ وَقَائِلٌ يَقُولُ‏:‏ يَمْلِكُهَا الذِّمِّيُّ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ مُضَاعَفًا وَمِمَّنْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو يُوسُفَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ أَمْلَاهُ عَلَيْهِمْ، وَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهُ بَلَغَهُ هَذَا القَوْلُ عَنِ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ‏:‏ وَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنْ يُوضَعَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِ الْخَرَاجِ وَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ‏:‏ يَمْلِكُهَا الذِّمِّيُّ وَيَنْفِي فِيهَا الْعُشْرَ حَقًا لِلْمُسْلِمِينَ مَنْ مَلَكَهَا مِنْ ذِمِّيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللهُ وَلَا نَعْلَمُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا غَيْرَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَنْهُمْ فِيهَا، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ‏:‏ إِنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُهَا وَيَخْلُو مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ فِيهَا كَمَا يَمْلِكُ سَائِرَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَوَاتُ سِوَاهَا، وَيَخْلُو مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ فِيهَا، وَيَبْطُلُ مَا كَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُ فِيهَا بِمِلْكِهِمْ إِيَّاهَا فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى مُخَالَفَةِ حُكْمِ الْوَاجِبِ فِي الْأَرَضِينَ الْعَشْرِيَّاتِ حُكْمَ الْوَاجِبِ فِي الْأَمْوَالِ سِوَاهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَرَضِينَ لَنْ يَخْلُوَ مِنْ وَاجِبٍ فِيهَا مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ، وَعَلَى أَنَّ مَا سِوَاهَا مِنَ الْأَمْوَالِ قَدْ يَخْلُو مِنْ وَاجِبٍ فِيهِ، فَالَّذِي يَخْلُو مِنَ الْوَاجِبَاتِ فِيهِ إِذَا مَلَكَهُ مَنْ لَا عِبَادَةَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي ذِمَّتِهِ بِذِمَّتِهِمْ يَخْلُو أَيْضًا مِنَ الْوَاجِبِ فِيهِ إِذَا مَلَكَهُ مَنْ قَدْ خَلَا مِنَ الْعِبَادَاتِ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ مَجَانِينِهِمُ الْمُطْبَقِ عَلَيْهِمْ لِصِغَرِهِمْ وَلِجُنُونِهِمْ، وَقَدْ وَكَدَّ ذَلِكَ مَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَذْكُورًا فِي الزَّكَوَاتِ فِي الْأَمْوَالِ وَمَذْكُورًا فِي الثِّمَارِ، فَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِيهِ فِي الزَّكَوَاتِ فِي الْأَمْوَالِ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا‏}‏، فَأَضَافَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الطَّهَارَةِ لَهُمْ وَإِلَى الزَّكَاةِ لِأَبْدَانِهِمْ، وَذَلِكَ مِمَّا يُعْقَلُ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ ذَوُوا الْعِبَادَاتِ، وَخَرَجَ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ لَا عِبَادَةَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي الزَّكَوَاتِ فِي الثِّمَارِ، فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، فَأَضَافَ ذَلِكَ إِلَى الْوَاجِبِ فِيهِ، لَا تُذْكَرُ فِيهِ طَهَارَةٌ، وَلَا زَكَاةٌ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْوَاجِبِ فِي الْأَمْوَالِ مِنَ التَّزْكِيَةِ لِأَهْلِهَا بِهَا، وَالتَّطْهِيرِ لَهُمْ بِهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُفَارَقَتِهَا زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ هَذَا الْمَذْهَبَ فِي سُقُوطِ الزَّكَوَاتِ عَنِ الصِّبْيَانِ وَعَنِ الْمَجَانِينِ الْمُطْبَقِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ مَلَكَ مِنَ الْوَرِقِ حُلِيًّا مِمَّا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ لَوْ كَانَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً فَقَالَ قَائِلُونَ‏:‏ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ‏.‏

526- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏"‏ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ ‏"‏‏.‏

527- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، كَانَتْ ‏"‏ تَلِي مَالَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا، لَهُنَّ الْحُلِيُّ فَلَا تُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ ‏"‏‏.‏

528- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَسَارٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحُلِيِّ أَفِيهِ زَكَاةٌ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَا فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ‏:‏ ‏"‏ وَإِنْ كَانَ أَلْفَ دِينَارٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَلْفُ دِينَارٍ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ ‏"‏‏.‏

529- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحُلِيِّ أَفِيهِ زَكَاةٌ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ‏:‏ وَإِنْ كَانَ أَلْفَ دِينَارٍ‏؟‏، فَقَالَ‏:‏ أَلْفُ دِينَارٍ كَثِيرٌ ‏"‏ وَقَالَ قَائِلُونَ‏:‏ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ كَمَا تَجِبُ فِيهِ لَوْ كَانَ عَيْنًا وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مَنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏

530- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الضَّرِيرُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ‏:‏ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ‏"‏ فَلْيَتَهَادَيَنَّ بَيْنَهُنَّ وَلْيُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ ‏"‏‏.‏

531- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَتْ لَهُ ‏"‏ إِنَّ لِي حُلِيًّا أَفَأُزَكِّيهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قَالَتْ‏:‏ فَأُعْطِيهِ ابْنَ أَخِي أَوِ ابْنَ أُخْتِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ ‏"‏ وَكَانَ حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، عِنْدَنَا فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ عَنْهُ وَذَلِكَ‏.‏

532- أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَوْ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَعْفَرٍ، يَشُكُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ‏:‏ إِذَا حَدَّثْتَنِي فَأَسْنِدْ، قَالَ ‏:‏ ‏"‏ إِذَا قُلْتُ‏:‏ قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ فَهُوَ الَّذِي حَدَّثَنِي وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدً الثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَوَصَلَهُ‏.‏

533- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْ عَنِ الْحُلِيِّ لَهَا، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ ‏"‏ قَالَتْ‏:‏ أَفَأَضَعُهَا فِي بَنِي أَخٍ لِي يَتَامَى فِي حِجْرِي‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ نَعَمْ ‏"‏ وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا، لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الزَّكَاةَ وَاجِبَةً نَقْرَ الْفِضَّةِ كَهِيَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيهَا إِذَا صِيغَتْ حُلِيًّا، هَلْ تَخْرُجُ عَنْ حُكْمِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ تَبْقَى عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ‏؟‏ فَرَأَيْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا إِذَا صِيغَتْ دَرَاهِمَ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تُصَاغَ دَرَاهِمَ، فَالْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ إِذَا صِيغَتْ حُلِيًّا، أَلَّا تَخْرُجَ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تُصَاغَ حُلِيًّا وَقَدْ رَأَيْنَا مَا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي مَصُوغِهِ، أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى النَّقْرِ مِنْهُ، مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيدُ، وَالنُّحَاسُ، لَا زَكَاةَ فِي مَصُوغِهِمَا، وَلَا فِي النَّقْرِ مِنْهُمَا وَفِي ثُبُوتِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي نَقْرِ الْفِضَّةِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ وُجُوبِهَا فِي مَصُوغِهِمَا حُلِيًّا وَدَرَاهِمَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ شَبَّهَ قَوْمٌ الْحُلِيَّ بِالْعَوَامِلِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، فَقَالُوا ‏:‏ لَا تَجِبُ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الزَّكَاةُ، فَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ فِي الْحُلِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ الزَّكَاةُ، وَكَانَ هَذَا عِنْدَنَا غَلَطًا مِنَ الشَّبَهِ بَيْنَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحُلِيَّ لَمْ يَنْتَقِلْ بِأَنْ صَارَ حُلِيًّا عَنْ حُكْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حُلِيًّا، بَلْ قَدْ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْهُمَا إِلَّا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا الْعَوَامِلُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فِي أَصْلِهَا كَمَا وَجَبَتْ فِي أَصْلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهِمَا بِمَعْنًى طَرَأَ عَلَيْهَا مِنْ إِسَامَةِ مَا إِلَيْهَا إِيَّاهَا، فَوَجَبَتِ الزَّكَاةُ مَا كَانَتْ سَائِمَةً لِعِلَّةِ الْإِسَامَةِ لَهَا، لَا لَهَا فِي نَفْسِهَا، فَإِذَا بَطَلَتِ الْعِلَّةُ الَّتِي وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا مِنْ أَجْلِهَا رَجَعَتْ إِلَى حُكْمِ أَصْلِهَا، وَبَطَلَتِ الزَّكَاةُ عَنْهَا هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُوجِبُ فِي الْعَوَامِلِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الزَّكَاةَ وممن قال بذلك‏:‏ أبو حنيفة، وسفيان الثوري، وزفر، وأبو يوسف، ومحمد، والشافعي وأما من يوجب في أصل العوامل من الإبل والبقر الزكاة وَهُمْ‏:‏ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، فَيُوجِبُونَ الزَّكَاةَ فِيهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْإِسَامَةِ عَنْهَا كَمَا كَانَتْ وَاجِبَةً فِيهَا قَبْلَ الْإِسَامَةِ وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ فِي الْحُلِيِّ الَّذِي يُعَارُ وَيُلْبَسُ أَنَّهُ يُزَكَّى مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُزَكَّى بَعْدَ ذَلِكَ، وَرَوَوْا قَوْلَهُمْ هَذَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏.‏

534- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا كَانَ الْحُلِيُّ يُعَارُ وَيُلْبَسُ زُكِّيَ مَرَّةً وَاحِدَةً ‏"‏

وَلَا نَدْرِي مَا وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَخْلُوا مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ يَخْرُجُ الْمَصُوغُ مِنْهَا عَنْ حُكْمِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهَا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فَتَكُونَ الزَّكَاةُ سَاقِطَةً عَنْهُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ فِيهِ لِحَوْلٍ وَاحِدٍ وَلَا لِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنَ الْأَحْوَالِ، أَوْ لَا يَكُونُ يُخْرِجُهُ لَهُ عَنْ حَجْمِهِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونَ بَعْدَهَا عَلَى حُكْمِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهَا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ لِكُلِّ حَوْلٍ يَأْتِي عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ مَلَكَ مِنَ الْوَرِقِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ‏:‏ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَفِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ مَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما‏:‏

535- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ صُبْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ، فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ ‏"‏‏.‏

536- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا كَانَ عِنْدَكَ مَالٌ اسْتَفَدْتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَإِنْ بَلَغَ مِائَتَيْنِ فَفِيهِ خَمْسَةٌ، وَإِنْ نَقَصَ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِالْحِسَابِ ‏"‏‏.‏

537- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هِشَامٌ، وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَابِرٍ الْحَذَّاءِ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏"‏ أَعَلَى الْعَبْدِ زَكَاةٌ، قَالَ‏:‏ مُسْلِمٌ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ قَالَ‏:‏ فَإِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادِ فَبِالْحِسَابِ ‏"‏‏.‏

538- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي جَابِرٌ الْحَذَّاءُ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عُمَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ‏:‏ لَيْسَ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَهٌ حَتَّى تَكُونَ الزِّيَادَةُ أُوقِيَّةً وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ‏.‏

539- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ جَعَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْخِتَانَةِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ إِذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُ مَالُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمٌ، وَجَعَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ‏"‏ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فَهُمَا اللَّذَانِ وَجَدْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ، لَا ثَالِثَ لَهُمَا وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْهُ لِنَعْطِفَهُ عَلَى مَا يُجْمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَشْكَالِهِ، فَوَجَدْنَا الْأَصْلَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَوَاشِي السَّائِمَةِ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، حَتَّى تَبْلُغَ عَدَدًا مَعْلُومًا، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ حَتَّى تَبْلُغَ عَدَدًا آخَرَ مَعْلُومًا، ثُمَّ كَذَلِكَ هِيَ أَبَدًا مَا تَنَاهَتْ فِيهَا زِيَادَةٌ تَرْجِعُ مِنْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ فِيمَا زَادَ فِيهِ بِحِسَابِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ فَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الْوَرِقُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ وَزْنًا مَعْلُومًا وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ غَيْرُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَيْنَاهُمَا، وَكَانَ فِي أَحَدِهِمَا سُقُوطُ الْمِقْدَارِ الْمَعْلُومِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ أَوَاقٍ، وَكَانَ فِي الْآخَرِ ثُبُوتُ الْمِقْدَارِ الْمَعْلُومِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا بثَبَتَ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيهَا وَهُوَ الْأُوقِيَّةُ الَّتِي وَزْنُهَا أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَدْ وَجَدْنَا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَلَّا صَدَقَةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَكَانَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ فَفِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ وَمَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ مِمَّا ذَكَرْنَا فَمَكِيلٌ، وَمَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْوَرِقِ الَّذِي وَصَفْنَا فَمَوْزُونٌ، وَمَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْمَوَاشِي الَّتِي ذَكَرْنَا فَمَعْدُودٌ، فَالْمَوْزُونُ بِالْمَكِيلِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْمَعْدُودِ وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِخُرُوجِهِ مِنْهَا، لَا بِحَوْلٍ يَأْتِي عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا أَدَّيْتَ عَنْهُ الزَّكَاةَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ زَكَاةٌ، وَخَرَجَ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَرَأَيْنَا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا بَعْدَ مِلْكِ الَّذِي مَلَكَهَا إِيَّاهَا، ثُمَّ لَا يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَدَاءِ عَلَيْهَا مِنْ حُكْمِ الزَّكَاةِ فِيهَا عِنْدَ كُلِّ حَوْلٍ يَأْتِي عَلَيْهَا عِنْدَهُ، وَكَانَتِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي هَذَا حُكْمُهَا بِالسَّوَاءِ، ثُمَّ الَّتِي هَذَا حُكْمُهَا أَشْبَهُ مِنْهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ مِمَّا حُكْمُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَحُجَّةٌ أُخْرَى‏:‏ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا يُوسُفَ قَدْ قَالَ فِيمَنْ أَخْرَجَتْ أَرْضُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ‏:‏ إِنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ مِمَّا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ ثَلَاثُونَ مِنَ الْبَقَرِ، أَوْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ سَالِمَةً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، إِنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ يُسْقِطُ عَنْهُ حُكْمَ الزَّكَاةِ فِيمَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَسَوَّى بَيْنَ حُكْمِ الْوَرِقِ وَبَيْنَ حُكْمِ الْمَوَاشِي فِي ذَلِكَ، وَخَالَفَ بَيْنَ حُكْمِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَبَيْنَ حُكْمِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ وَإِنَّ أَرْضًا لَوْ كَانَتْ لِصَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ، أَوْ لِمَجْنُونٍ مُطْبَقٍ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ، إِنَّ فِيمَا أُخْرِجَ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةَ كَهُوَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ بَالِغٍ صَحِيحٍ، وَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا فِي ذَهَبِهِمَا، وَلَا فِي وَرِقِهِمَا، وَلَا فِي سَوَائِمِهِمَا فَحُكْمُ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بِحُكْمِ الْمَوَاشِي، لَا بِحُكْمِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ وَإِنَّ أَرْضًا لَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ بَالِغٍ صَحِيحٍ، فَأَخْرَجَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا كَانَ مَأْخُوذًا فِي حَيَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ وَرِقٌ أَوْ ذَهَبٌ، أَوْ سَوَائِمُ فَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِيهَا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَحُكِمَ لِذَلِكَ أَيْضًا بِحُكْمِ الْمَوَاشِي، وَجَعَلَ حُكْمَهَا حُكْمَ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ فِي ذَلِكَ حُكْمًا وَاحِدًا، وَخَالَفَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ حُكْمِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فِي أَشْبَاهٍ لِهَذَا كَثِيرَةٍ، يُغْنِي مَا ذَكَرْنَا مِنْهَا عَنْ ذِكْرِ جَمِيعِهَا، وَيَجِبُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ اشْتِبَاهُ حُكْمِ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ بِالْمَوَاشِي، لَا بِحُكْمِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيمَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ حَتَّى يَكُونَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ، بَلْ كَانَ يَقُولُ‏:‏ مَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ غَيْرِ الْحَطَبِ وَالْقَصَبِ وَالْحَشِيشِ، فَفِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلا تَوْقِيتٍ فِيهِ أَوْلَى مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ بِالتَّوْقِيتِ وَقَدْ تَقَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ هَذَا مُجَاهِدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ، وَسَنَأْتِي بِذَلِكَ وَبِمَا رُوِيَ فِيهِ مِمَّا يُوَافِقُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ، وَمَا يُوجِبُهُ النَّظَرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فَكَانَ احْتِجَاجُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ هُوَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ مِمَّا ذَكَرْنَا غَيْرَ لَازِمٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَمْوَالِ الْعَيْنُ مِنَ الْوَرِقِ، وَالذَّهَبِ، وَفِي النَّقْرِ مِنْهَا فَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ دَيْنًا عَلَى مَلِئٍ، مُقِرٍّ بِهِ، فَهُوَ كَالْعَيْنِ مِنْهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، وَالزَّكَاةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ كَوُجُوبِهَا فِي الْعَيْنِ مِنْهَا، إِلا أَنَّ زَكَاتَهُ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ أَيْضًا عَلَى الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْهُ إِذَا قَبَضَهُ، وَإِنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ عَنِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ أَجْزَأَ ذَلِكَ عِنْهُ وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى جَاحِدٍ لَهُ، غَيْرِ مُقِرٍّ بِهِ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ سِنِينَ مُتَوَالِيَاتٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَقَائِلُونَ مِنْهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ لا زَكَاةَ فِيهِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلافًا بَيْنَهُمْ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ أَيْضًا، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُئِيِّ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِذَلِكَ وَرَوَوْا ذَلِكَ عنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏.‏

541- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ‏:‏ ‏"‏ كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلاةِ ظُلْمًا يَأْمُرُهُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ، وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ‏:‏ أَلا يُؤْخَذَ مِنْهُ إِلا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ كَانَ مَالا ضِمَارًا ‏"‏ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللهُ‏:‏ وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي هَذَا عِنْدَنَا أَلا يُؤْخَذَ إِلا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَالا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ سَاعَةَ مَلَكَهُ عَلَى مَا قَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ لا زَكَاةَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ، وَسَنَأْتِي بِذَلِكَ وَبِمَا رُوِيَ فِيهِ، وَبِأَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ‏:‏ إِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ كَمَا تَجِبُ فِي الدُّيُونِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْأَمْلِيَاءِ الْمُقِرِّينَ بِهَا حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ زُفَرَ وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ زُفَرَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنِ الْمَالِ الَّذِي غُصِبَهُ بِالْغَصْبِ الَّذِي كَانَ قَالَ‏:‏ وَلَمَّا كَانَ مِلْكُهُ عَلَى مَالِهِ، فَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ مَا عَلَى ذَوِي الأَمْوَالِ مِنَ الزَّكَوَاتِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِلآخَرِينَ فِي ذَلِكَ‏:‏ أَنَّا رَأَيْنَا ذَوِي الأَمْوَالِ إِذَا مُنِعُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي حِلِّ الصَّدَقَاتِ لَهُمْ كَمَنْ لا مَالَ لَهُ، وَكَانَ مَا يَأْخُذُونَ مِنَ الصَّدَقَاتِ فِي أَحْوَالِهِمْ تِلْكَ حَلالا لَهُمْ وَلَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ رَدُّ الصَّدَقَاتِ الَّتِي كَانُوا أَخَذُوهَا فِي حَالِهِمُ الَّذِي كَانُوا فِيهَا مَمْنُوعِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَجُعِلُوا بِعَوْدِ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ كَهُمْ لَوْ مَلَكُوا أَمْوَالا حِينَئِذٍ، فَكَانَ النَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُمْ، وَأَنْ يَكُونُوا فِي رُجُوعِ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ كَالْمُسْتَفْدِينَ لَهَا حِينَئِذٍ، وَلا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلا بِحُلُولِ حَوْلٍ عَلَيْهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لِزُفَرَ عَلَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الرَّجُلَ الَّذِي يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْ مَالِهِ بِمَسَافَةٍ تَكُونُ مِنْهُ وَبَيْنَهُ لا يُمْكِنُهُ مَعَهَا الْوُصُولُ إِلَى مَالِهِ حَتَّى يَحْتَاجَ كَحَاجَةِ مِنْ لا مَالَ لَهُ، أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ ابْنَ سَبِيلٍ، وَأَنَّهُ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَيَطِيبُ لَهُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهَا، وَأَنَّهُ إِنْ وَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَالِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رَدُّ مَا كَانَ أَخَذَهُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهَا الَّذِينَ كَانُوا تَصَدَّقُوا بِهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يُسْقِطُ عَنْهُ زَكَاةَ مَالِهِ الَّذِي كَانَ غَائِبًا عَنْهُ فَلَمَّا كَانَ حِلُّ الصَّدَقَةِ لَهُ لِغَيْبَةِ مَالِهِ عَنْهُ غَيْرَ مُسْقِطٍ عَنْهُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ، كَانَ كَذَلِكَ حِلُّ الصَّدَقَةِ لَهُ بِالْمَنْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي مَالِهِ غَيْرَ مُسْقِطٍ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ وَقَدْ رَأَيْنَا مَا عُذِرَ بِهِ الْعِبَادُ، فَأُسْقِطَتْ عَنْهُمُ الْفُرُوضُ بِالْفَقْرِ، وَبِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَبِمَنْعِ بَنِي آدَمَ إِيَّاهُمْ مِنْهُ سَوَاءً مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلا لَوْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مَسَافَةٌ طَوِيلَةٌ، لا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُ الصَّلاةِ، أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ التَّيَمُّمُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَاءُ بِحَضْرَتِهِ مَعَ مَنْ لا يَدْفَعُهُ إِلَيْهِ إِلا بِثَمَنٍ يَبْتَاعُهُ مِنْهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذَلِكَ الثَّمَنُ، أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ التَّيَمُّمُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى نَهْرٍ، وَعَلَيْهِ عَدُوٌّ يَمْنَعُهُ مِنَ الْمَاءِ، أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ فَكَانَتْ هَذِهِ وُجُوهً قَدْ أَبَاحَتْ لَهُ التَّيَمُّمَ، وَسَقَطَ عَنْهُ بِهَا فَرْضُ الْوُضُوءِ لِلصَّلاةِ، وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا سَوَاءً، وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ الْمَمْنُوعُ مِنْ مَالِهِ بِبُعْدِ الْمَسَافَةِ، وَبِالْمَانِعِ لَهُ مِنْهُ مِنَ الآدَمِيِّينَ سَوَاءً فِي إِبَاحَةِ الصَّدَقَةِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ إِنَّ الْمَسَافَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا هُوَ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِيهَا، فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِذَلِكَ فَرْضُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الزَّكَاةِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْغَصْبِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ بِإِدْخَالِهِ إِيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ قِيلَ لَهُ‏:‏ وَهَلْ بَيْنَ مَا أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ هَذَا، وَمَا دَخَلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ مِنْ فَرْقٍ‏؟‏ وَقَدْ رَأَيْنَا الرَّجُلَ يَعْجَزُ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلاةِ بِعِلَّةٍ نَزَلَتْ بِهِ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ كَكَسْرِهِ رِجْلَهُ، سَوَاءً فِي سُقُوطِ فَرْضِ الْقِيَامِ عَنْهُ، لأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالشَّيْئَيْنِ جَمِيعًا عَاجِزًا عَنِ الْقِيَامِ، فَوَجَبَ لَهُ بِذَلِكَ حُكْمُ الْعَاجِزِينَ عَنِ الْقِيَامِ فِي صَلَوَاتِهِمْ، وَلَمْ يُنْظَرْ إِلَى الَّذِي صَارَ بِهِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا الَّذِي قَدْ بَعُدَ عَنْهُ مَالُهُ بِفِعْلِهِ يَكُونُ فِيهِ كَمَنْ بَعُدَ عَنْهُ بِغَيْرِ فَعْلِهِ، وَيَكُونُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فِي حُكْمِ الْعَاجِزِ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَالِهِ، وَلا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إِلَى السَّبَبِ الَّذِي بِهِ صَارَ كَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّا قَدْ وَجَدْنَا عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَبِهِ‏:‏

541- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ الصَّدَقَةَ تَجِبُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَوْ شِئْتَ تَقَاضَيْتَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَالَّذِي عَلَى مَلِئٍ تَدَعُهُ حَيَاءً وَمُصَانَعَةً ‏"‏

فَهَذَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يُوجِبْ فِي الدَّيْنِ زَكَاةً إِلا فِيمَا يُقْدَرُ عَلَى تَقَاضِيهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ فِيمَا لا يُقْدَرُ عَلَى تَقَاضِيهِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَبِهِ فَهِمَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِيمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ إِمَامٍ مِنَ الأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا‏.‏

542- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ‏:‏ ‏"‏ أَيُّمَا دَيْنٍ كَانَ لَكَ عَلَى أَحَدٍ تَرْجُو قَضَاءَهُ فَعَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ كُلَّ عَامٍ ‏"‏ فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ أَيْضًا لَمْ يُوجِبِ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ إِلا إِذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى تَقَاضِي مَالِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ، فِيمَا لا يَقْدِرُ عَلَى تَقَاضِيهِ، خِلافَ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللهُ كَانَا يَقُولانِ فِي الْغَرِيمِ الْفَقِيرِ إِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَضَى غَرِيمُهُ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ فِي حَالِ فَقْرِهِ مُقِرًّا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى وَخَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، فَقَالَ‏:‏ لا يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِأُصُولِهِمْ وَأَشْبَهُ بِأَقْوَالِهِمْ مِنَ الْقَوْلِ الْآخَرِ، لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إِذَا كَانَ فَقِيرًا، فَالَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَالْمَمْنُوعِ بِالْجُحُودِ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِهِ الْوُصُولَ إِلَى مَالِهِ بِاعْتِبَارِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ بِجُحُودِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ إِيَّاهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي يَحُولُ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ وَهُوَ عَلَى الْمَطْلُوبِ، ثُمَّ يَقْضِيهِ الَّذِي هُوَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ جَاحِدًا لَهُ، وَلا فَقِيرًا فَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ يُزَكِّيهِ لِكُلِّ حَوْلٍ مَرَّ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَرْفَعُ مِنَ الْحَوْلِ الثَّانِي زَكَاةَ الْحَوْلِ الأَوَّلِ، ثُمَّ يُزَكِّي الثَّانِيَ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ حَوْلٍ حَتَّى يَرْجِعَ مَالُهُ إِلَى أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، فِيمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللهُ وَهُوَ قَوْلُنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يُزَكِّيهِ بِكَمَالِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الأَحْوَالِ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى الْمَالِ كُلِّهِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ زُفَرُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُئِيِّ، عَنْ زُفَرَ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَتَرَكَهُ سِنِينَ لا يُزَكِّيهِ، إِنَّهُ يُزَكِّي عَنْ أَوَّلِ سَنَةٍ جَمِيعَ الْمَالِ، وَعَنِ الثَّانِيَةِ جَمِيعَ الْمَالِ، إِلا مَا خَرَجَ لِلزَّكَاةِ فِي الْعَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى مِنَ الْمَالِ أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلا يَكُونُ عَلَيْهِ غيرَ ذَلِكَ وَكَانَ زُفَرُ، يَقُولُ‏:‏ يُزَكِّيهِ لِكُلِّ عَامٍ زَكَاةً كَامِلَةً، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ، وَلا يَمْنَعُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ عِنْدَهُ فِي الْحَوْلِ الأَوَّلِ وُجُوبَ زَكَاةِ جَمِيعِهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، وَفَرَّقَ زُفَرُ بَيْنَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ وَبَيْنَ وُجُوبِ الدَّيْنِ سِوَاهُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ، فَلَمْ يَجْعَلِ الزَّكَاةَ دَيْنًا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ، وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بَيْنَهُمَا سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ هِلالا، يَقُولُ‏:‏ سَأَلْتُ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، حَالَ عَلَيْهَا حَوْلانِ، فَقَالَ‏:‏ عَلَيْهِ زَكَاةُ حَوْلٍ وَاحِدٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا لِلْحَوْلِ الثَّانِي، قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ فَإِنَّ زُفَرَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهَا لِلْحَوْلَيْنِ جَمِيعًا، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا حُجَّتُكَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَمَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَرْبَعُ مِائَةِ دِرْهَمٍ‏؟‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي كُلِّ حَوْلٍ جَازَ أَنْ تَكْثُرَ الأَحْوَالُ حَتَّى تَكُونَ جُمْلَةُ زَكَاتِهَا تُجَاوِزُ مِقْدَارَ الْمَالِ الَّذِي مِنْ أَصْلِهِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ وَكَانَ الِّذِي احْتَجَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ مِنْ هَذَا عَلَى زُفَرَ غَيْرَ لازِمٍ لَهُ، لأَنَّهُ وَزُفَرَ جَمِيعًا لا يَخْتَلِفَانِ فِي حُقُوقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَفَّارَاتِ الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالدِّمَاءِ الْوَاجِبَاتِ بِأَنْسَاكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لأَنَّهُ لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَالدَّيْنِ الَّذِي مِنْ حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ الَّتِي مِنْ حُقُوقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي مِنْ حُقُوقِهِ أَشْبَهَ مِنْهَا بِالدُّيُونِ الَّتِي مِنْ حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ أَلا تَرَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لأَدَمِيٍّ أَنَّهُ لا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، وَأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَأَنَّهُ عِنْدَ زُفَرَ، وَأَبِي يُوسُفَ، تَسْقُطُ عَنْهُ الْحُقُوقُ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَوْتِهِ مِنَ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا مَعَهَا، وَكَانَ حُكْمُ الزَّكَاةِ بِالْكَفَّارَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَشْبَهَ مِنْهَا بِدُيُونِ الآدَمِيِّينَ، فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِهَا فِي الْحَيَاةِ أَشْبَهَ مِنْهَا بِدُيُونِ الآدَمِيِّينَ، وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَلا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ، لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ فِي الْحَيَاةِ، وَكُلُّ مَا لا يَسْقُطُ بَعْدَ الْمَوْتِ يُؤْخَذُ مِنَ الزَّكَاةِ، يَمْنَعُ فِي الْحَيَاةِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ هَذِهِ حُجَّةٌ تَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ أَلْزَمُ عَلَى أُصُولِهِمْ وَعَلَى أَصْلِهِ فَأَمَّا مَنْ يُخَالِفُهُمْ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ وَيَجْعَلُ الزَّكَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ دَيْنًا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ مِنَ التَّرِكَاتِ، فَإِنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ لا تَلْزَمُهُ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ لِحُلُولِ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَقَامَ عَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَحْوَالا كَثِيرَةً وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

543- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ الْعَمْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْضِيَهُ، فَإِذَا اقْتَضَاهُ زَكَّاهُ زَكَاةً وَاحِدَةً ‏"‏‏.‏

544- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ مَالُ يَتِيمٍ فَكَانَ يُسْلِفُهُ، لِئَلا يُخْرِجَ مِنْهُ الزَّكَاةَ ‏"‏ وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، فَهَذَانِ قَوْلانِ مُخْتَلِفَانِ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ فَيُحْتَمُلُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ عَاصِمٍ الْعَمْرِيِّ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي قَصَدَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ فِي سُقُوطِهِ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الزَّكَاةِ بِالسَّلَفِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ فِي مَالِهِ زَكَاةَ كُلِّ الأَحْوَالِ الَّتِي تَأْتِي عَلَيْهِ فِي حَالِ السَّلَفِ غَيْرَ زَكَاةِ حَوْلٍ وَاحِدٍ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيهِ، فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَإِذَا صَارَتْ دَيْنًا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ‏:‏ هِيَ عَلَى حُكْمِهَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَقَائِلٌ يَقُولُ‏:‏ قَدْ زَالَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَنْهَا، وَبَطَلَتِ الزَّكَاةُ عَنْهَا وَكَانَ أَوْلَى الْأَشْيَاءِ مَا فِي ذَلِكَ أَنْ نُقِرَّهَا عَلَى حُكْمِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ اخْتِلافِهِمْ فِيهَا حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ بِزَوَالِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْهَا مَعَ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الدَّيْنَ الَّذِي فِي الذِّمَمِ لَهُ حُكْمُهُ لَوْ كَانَ عَيْنًا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُوَرَّثُ كَمَا يُوَرَّثُ لَوْ كَانَ عَيْنًا، وَتَجُوزُ هِبَتُهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ كَمَا تَجُوزُ هِبَتُهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا، وَيُبَاعُ بِهِ مِنَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ كَمَا يُبَاعُ بِهِ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا وَتَلْحقهُ الْوَصَايَا مِمَّنْ هُوَ لَهُ كَمَا كَانَتْ تَلْحَقُهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فَكَانَ تَحَوُّلُهُ مِنَ الْعَيْنِ إِلَى الذِّمَّةِ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ حَدَثًا يُغَيِّرُ أَحْكَامَهُ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا وكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَلا يُقِرَّ أَحْكَامَهُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَكُونُ مَالُهُ دَيْنًا، فَيَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَقْبِضُ بَعْضَهُ‏؟‏ فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ لا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا قَبَضَ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَكَّى عَنْهَا بِرُبُعِ عُشْرِهَا، وَكُلَّمَا أَخَذَ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَكَّى عَنْهَا كَذَلِكَ أَيْضًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ كُلَّهُ، وَلا يُزَكِّي إِلا مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ يَقْبِضُهَا، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ‏:‏ لا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا قَبَضَهُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا أَخَذَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ زَكَّى عَنْهَا، ثُمَّ مَا قَبَضَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ زَكَّى عَنْهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ‏:‏ ثُمَّ رَجَعَ سُفْيَانُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ‏:‏ مَا أَخَذَ مِنْ شَيْءٍ زَكَّاهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي مِنْ قَوْلَيْ سُفْيَانَ هَذَيْنِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَ مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْقَوْلِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لأَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ لِمَ قُلْتَ فِيمَا قَبَضَ مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، إِنَّهُ لا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ جَعَلْتُ ذَلِكَ كَالزَّائِدِ عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ يَحُولُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مَعَهَا، وَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ يُصْنَعُ لَهُ إِلا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ، فَفِي الْبَاقِي مِنْهُ الزَّكَاةُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ وَجَبَ فِيهِ بِحُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ، قَالَ‏:‏ فَأَمْسَكَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَكَانَ سُكُوتُ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا عَنِ الاحْتِجَاجِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا، دَلِيلا عِنْدَنَا عَلَى قَبُولِهِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَلَى لُزُومِ الْحُجَّةِ إِيَّاهُ وَقَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ فَيَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَمْ يَقْبِضْ بَعْضَهُ، قَالَ‏:‏ لا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا عِنْدَنَا كَمَعْنَى قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ الأَوَّلِ مِنْ قَوْلَيْهِ اللَّذَيْنِ حَكَيْنَاهُمَا عَنْهُ وَقَدْ رُوِّينَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ حَدِيثُ جَابِرٍ الْحَذَّاءِ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَعَلَى الْعَبْدِ زَكَاةٌ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مُسْلِمٌ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ فَفِي هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا يُوجِبُ مِلْكَ الْعَبْدِ كَمَالِ الَّذِي يَكُونُ فِي يَدِهِ وَأَنَّهُ فِيمَا يُوجَبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنَ الزَّكَاةِ كَالْحَقِّ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلافُ ذَلِكَ‏.‏

545- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ فِي مَالِ الْعَبْدِ زَكَاةٌ ‏"‏ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏.‏

546- حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَكَانَ مَمْلُوكًا لِبَنِي هَاشِمٍ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ لِي مَالا أَفَأُزَكِّيهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لا ‏"‏‏.‏

547- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، قَالَ‏:‏ ذَهَبْتُ أَنَا وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ إِلَى زِيَادِ بْنِ النَّضْرِ، فَحَدَّثَنَا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّ أَبَاهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ إِنِّي رَجُلٌ مَمْلُوكٌ، فَهَلْ فِي مَالِي زَكَاةٌ‏؟‏ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ‏:‏ إِنَّمَا زَكَاتُكَ عَلَى سَيِّدِكَ، أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْكَ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعَ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ ‏"‏ وَكَانَ مَا رُوِّينَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الْعَبْدِ أَوْلَى مِمَّا رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي إِيجَابِهَا فِيهِ، لأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ لِمَوْلاهُ، فَحُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِهَا لِمَوْلاهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ فِي مَالِهِ، وَفِيمَا يَسْقُطُ عَنْهُ فِيهِ، إِلا أَنْ تَكُونَ فِي الْعَبْدِ عِلَّةٌ تَحُولُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ مِنَ الأَمْوَالِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَوُجِّهَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَمْنَعُ بِذَلِكَ مَوْلاهُ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ الَّذِي اكْتَسَبَ، فَلِذَلِكَ قَدْ زَالَ بِهِ عَنْهُ حُكْمُ مَوْلاهُ، وَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذْ مِلْكُهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ تَامٍّ فَيَكُونَ فِيهِ كَالأَحْرَارِ فِيمَا يَمْلِكُونَ أَلا تَرَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ عِتَاقُ مَا فِي يَدِهِ مِنَ الْعَبِيدِ، وَلا الصَّدَقَةُ، وَلا الْهِبَةُ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنَ الأَمْوَالِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ مِنَ الأَحْرَارِ فِي أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ أَفَهُوَ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ كَمَا يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لَيْسَ هُوَ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ فَإِنْ قَالَ‏:‏ وَمَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْمِلْكِ لِمَا فِي يَدِهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ لا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ‏"‏ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ ما‏:‏

548- قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَاللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ مَنْ بَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ ‏"‏‏.‏

549- وَمَا قَدْ حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ ‏"‏

إ قَالُوا‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا فَذَكَرُوا ما‏:‏

550- قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ ‏"‏ قَالُوا‏:‏ فَجَعَلَ الْعَبْدَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ذَا مَالٍ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ بَلْ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا قَدْ نَفَى مِلْكَ الْعَبْدِ لِلْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ، لأَنَّ فِيهِمَا، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، فَقَدْ جَعَلَ مَا أُضِيفَ إِلَى الْعَبْدِ فِيهِمَا لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، فَيَكُونَ لَهُ دُونَ الْعَبْدِ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ مَا أُضِيفَ إِلَى الْعَبْدِ فِيمَا لا حَقِيقَةَ مِلْكٍ فِيهِ لِلْعَبْدِ، وَأَنَّهُ كَالْبَابِ الْمُضَافِ إِلَى الدَّارِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ‏:‏ بَابُ الدَّارِ، وَكَالْحَبْلِ الْمُضَافِ إِلَى الدَّابَّةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ‏:‏ حَبْلُ الدَّابَّةِ، لا عَلَى أَنَّ الدَّارَ مَالِكَةٌ لِلْبَابِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا، وَلا عَلَى أَنَّ الدَّابَّةَ مَالِكَةٌ لِلْحَبْلِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا‏.‏

551- وَقَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَنْ بَاعَ نَخْلا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ‏"‏‏.‏

552- حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَنْ بَاعَ نَخْلا بَعْدَ أَنْ تُؤْبَرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ ‏"‏ فَلَمْ يَكُنْ مَا أَضَافَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّمَرِ إِلَى النَّخْلِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ ‏"‏ عَلَى أَنَّ النَّخْلَ لا تَمْلِكُ شَيْئًا، وَلَكِنْ عَلَى الإِضَافَةِ الَّتِي لا حَقِيقَةَ مِلْكٍ مَعَهَا وَقَدْ جَاءَ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ‏}‏ وَلَمَّا كَانَ الْمَوْلَى لَهُ أَخْذُ مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ لأَنَّهُ مَالِكُهُ دُونَ عَبْدِهِ، اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ إِيَّاهُ بِلا حَقٍّ كَانَ لِعَبْدِهِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ لِعَبْدِهِ فِيهِ حَقٌّ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ بِحَقِّهِ فِيهِ، وَلأَنَّهُ قَدْ يُبِينُ بِحُقُوقِهِ عَنْهُ أَلا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لأَنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ لِعَبْدِهِ قَدْ بَانَ بِهِ مِنْهُ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا بَانَ بِشَيْءٍ عَنْ مَوْلاهُ حَتَّى يَصِيرَ مَالِكًا لَهُ كَانَ فِي مِلْكِهِ إِيَّاهُ كَالْحُرِّ فِي مِلْكِهِ لِمِثْلِهِ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَوْلاهُ مِمَّا هُوَ لَهُ دُونَهُ، كَمَا يَمْنَعُ الأَحْرَارُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِمَّا يَمْلِكُونَ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ الَّذِي لا مِلْكَ لَهُ، يَسْتَفِيدُ مَالا يَكُونُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ يُزَكِّيهِ عِنْدَ مِلْكِهِ إِيَّاهُ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا‏:‏

553- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَسْتَفِيدُ الْمَالَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ يُزَكِّيهِ حِينَ يَسْتَفِيدُهُ ‏"‏‏.‏

554- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الرَّجُلِ يَسْتَفِيدُ الْمَالَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ يُزَكِّيهِ حِينَ يَسْتَفِيدُهُ ‏"‏ وقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ‏:‏ لا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مُنْذُ يَوْمِ يَقَعُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرُ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَنْ عُثْمَانَ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ‏.‏

555- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ قَاطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ عَلَيْهِ، هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ فَقَالَ الْقَاسِمُ‏:‏ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ‏"‏ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ‏"‏ قَالَ الْقَاسِمُ‏:‏ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا أَعْطَى النَّاسَ أُعْطِيَاتِهِمْ سَأَلَ الرَّجُلَ‏:‏ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ مَالِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لا، سَلَّمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا‏.‏

556- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ابْنَةِ قُدَامَةَ، عَنْ أَبِيهَا قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ كُنْتُ إِذَا جِئْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَقْبِضُ عَطَائِي سَأَلَنِي‏:‏ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ‏؟‏ فَإِنْ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِي زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْتُ‏:‏ لا، دَفَعَ إِلَيَّ عَطَائِي وَافِرًا ‏"‏‏.‏

557- حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا كَانَ عِنْدَكَ مَالٌ اسْتَفَدْتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ‏"‏‏.‏

558- حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ السَّلُوتِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ‏:‏ ‏"‏ مَنِ اسْتَفَادَ مَالا فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ‏"‏‏.‏

559- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي الرَّجُلِ يَسْتَفِيدُ الْمَالَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ يُزَكِّيهِ حِينَ يَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ‏"‏ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ وَكَانَتِ الزَّكَاةُ لا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ‏:‏ إِمَّا أَنْ تَكُونَ تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الْمَالِ فِي الْمَالِ لِمِلْكِهِ إِيَّاهُ خَاصَّةً، أَوْ لِمِلْكِهِ إِيَّاهُ، وَلِحُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا أُدِّيَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ خَارِجًا مِنْ مِلْكِ رَبِّهِ إِيَّاهُ، وَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ إِلا بَعْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ، ثَبَتَ بذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْمَالِ عَلَى مَالِكِهِ، وِتَمَلُّكِهِ إِيَّاهُ، وَبِحُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ جَمِيعًا، لا بِأَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ، وَكَانَ مُسْتَفِيدُ الْمَالِ غَيْرَ مُجْتَمِعٍ فِيهِ مِلْكُ الْمَالِ، وَحُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَالِكٌ لَهُ، اسْتَحَالَ بِذَلِكَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ مِلْكِهِ إِيَّاهُ، كَمَا قَالَ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا‏.‏

560- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَيْفٍ التُّجِيبِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّخْعِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ ابْنَةِ مُعَوَّدٍ، قَالَتْ‏:‏ ‏"‏ أَهْدَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعَ تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ، شَكَّ ابْنُ مَعْبَدٍ، فَأَثَابَنِي مِلْءَ كَفِّهِ ذَهَبًا، وَقَالَ‏:‏ تَحَلِّي بِهِ ‏"‏ وَفِي قَبُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا هَدِيَّتَهَا دَلِيلٌ عَلَى بُلُوغِهَا، وَفِيمَا أَحَطْنَا بِهِ عِلْمًا مِنْ مِقْدَارِ مِلْءِ كَفِّهِ مِنَ الذَّهَبِ أَنَّهُ يُجَاوِزُ مِقْدَارَ الْعِشْرِينَ مِثْقَالا، وَفِي تَرْكِهِ ارْتِجَاعَ شَيْءٍ مِنْهَا لِزَكَاةٍ عَلَيْهَا فِيهَا بِمِلْكِهَا إِيَّاهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي عَرُوضِ التِّجَارَاتِ، إِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ‏:‏ إِنْ كَانَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْهَا مُنْذُ ابْتَاعَهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مِمَّنْ يُدِيرُ فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَهَا بِالْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَبِيعُ الْعَرُوضَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا لا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَبِيعَ بِالْعَيْنِ فَيُزَكِّيَهُ لِحُلُولِ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُدِيرُ فَيَبِيعُ بِالْعَيْنِ وَبِالْعَرُوضِ قَوَّمَ الْعَرُوضَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ حَوْلٍ وَضَمَّ قِيمَتَهُ إِلَى الْعَيْنِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَزَكَّى ذَلِكَ كُلَّهُ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ‏.‏

561- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ وَقَالَ مَالِكٌ ‏"‏ فِي التَّاجِرِ يَبِيعُ الْعَرُوضَ بِالْعَرُوضِ لا يَبِيعُ بِشَيْءٍ مِنَ الْعَيْنِ‏:‏ ‏"‏ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ زَكَاةً حَتَّى يَصِيرَ عَيْنًا وَلا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ عَلَى مَنْ كَانَ يَبِيعُ بِالْعَيْنِ وَبِالْعَرُوضِ، وَلا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَخُصُّهُ ‏"‏ قَالَ‏:‏ وَمَا كَانَ مِنْ مَالٍ بِدَارِ التِّجَارَةِ، وَلا يَنِضُّ لِصَاحِبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ يُقَوِّمُ فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عَرُوضِ التِّجَارَةِ، وَيُحْصِي فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عَيْنٍ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ وقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ‏:‏ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَرُوضِ التِّجَارَةِ، كَانَ الَّذِي هِيَ لَهُ يُدِيرُهَا، وَلا يُدِيرُهَا أَوْ كَانَ يَبِيعُهَا بِالْعَرُوضِ خَاصَّةً وَبِمَا سِوَاهَا مِنَ الْعُيُونِ، أَوْ كَانَ الَّذِي هِيَ لَهُ مَالُ عَيْنٍ سِوَاهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ عَيْنٍ سِوَاهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ زُفَرَ، وَأَبِي يُوسُفَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ وَحَكَى لَنَا الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما‏:‏

562- قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ، ‏"‏ أَنَّ أَبَاهُ حَمَاسًا كَانَ يَبِيعُ الْحِصَابَ وَالأَدَمَ، فَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ‏:‏ يَا حَمَاسُ، أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَالَ‏:‏ مَالِي مَالٌ، إِنَّمَا أَبِيعُ الْحِصَابَ وَالأَدَمَ، فَقَالَ‏:‏ أَقِمْهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهُ ‏"‏‏.‏

563- وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ حَمَاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ الْجُلُودَ وَالْقُرُونَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اشْتَرَى مِثْلَهَا، فَلا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ أَبَدًا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَمَرَّ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ جُلُودٌ يَحْمِلُهَا لِلْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ ‏"‏ زَكِّ مَالَكَ يَا حَمَاسُ، فَقَالَ‏:‏ مَا عِنْدِي شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَقَالَ‏:‏ قَوِّمْ مَا عِنْدَكَ فَأَدِّ زَكَاتَهُ ‏"‏‏.‏

564- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَا كَانَ مِنْ مَالٍ، أَوْ بُرٍّ، أَوْ دَقِيقٍ، أَوْ دَوَابٍّ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ كُلَّ عَامٍ ‏"‏ وَكَانَ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ عُمَرَ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَلا نَعْلَمُ قَائِلا مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ بِالْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلا نَحْفَظُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ كَأَصْلِ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ مِثْلَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ فِي ذَلِكَ، لَكَانَ النَّظَرُ يُوجِبُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ فِي ذَلِكَ، وَذلك إِنَّا رَأَيْنَا الْعَرُوضَ الَّتِي لِلتِّجَارَاتِ لا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ‏:‏ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ حُكْمِ الأَمْوَالِ الْعَيْنِ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَوَاتُ، فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فِي كُلِّ عَامٍ كَمَا تَجِبُ فِي الأَمْوَالِ الْعَيْنِ أَوْ تَكُونَ فِي حُكْمِ الْعَقَارِ وَالْعَرُوضِ الَّتِي لِغَيْرِ التِّجَارَةِ فَلا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى حَالٍ، فَإِذَا بَاعَهَا صَاحِبُهَا اسْتَقْبَلَ بِثَمَنِهَا حَوْلا كَمَا يَسْتَقْبِلُ مِنَ الْعَرُوضِ الَّتِي لِغَيْرِ التِّجَارَةِ إِذَا بَاعَهَا فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُزَكِّي مِنْهَا إِذَا بَاعَهَا، أَوْ إِذَا بَاعَ بَعْضَهَا وَصَارَ ثَمَنُ مَا بَاعَ مِنْ ذَلِكَ عَيْنًا فِي يَدِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَوَاتِ، وَإِذَا كَانَتْ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَوَاتِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا كُلَّ عَامٍ، وَفِي تَرْكِ عُمَرَ سُؤَالَ حَمَاسٍ‏:‏ هَلْ يُدِيرُ أَوْ لا يُدِيرُ، أَوْ يَنْتَفِعُ بِعَرُوضٍ أَوْ بِعَيْنٍ، وَأَمْرُهُ إِيَّاهُ بِتَقْوِيمِ مَالِهِ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِوَاءِ أَحْكَامِ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْمَالُ الْعَيْنُ الَّذِي تَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ مِثْلُهُ، أَوْ مِثْلُ بَعْضِهِ فَقَالَ قَائِلُونَ‏:‏ لا زَكَاةَ عَلَيْهِ، إِلا أَنْ يَكُونَ يَفْضُلُ فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ الْعَيْنِ مِقْدَارُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَيُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلا يُسْقِطُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ الزَّكَاةَ عَنْهُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْعَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏

565- مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، سَمِعَ السَّائِبَ بْنَ يزَيْدٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عُثْمَانُ‏:‏ ‏"‏ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِهِ وَزَكُّوا بَقِيَّةَ أَمْوَالِكُمْ ‏"‏‏.‏

566- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عن ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، خَطِيبًا فِي الزَّكَاةِ، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِ دَيْنَهُ حَتَّى تُحَصَّلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهَا الزَّكَاةَ ‏"‏‏.‏

567- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّهِ، ثُمَّ لْتُؤَدُّوا زَكَاةَ مَا بَقِيَ ‏"‏ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللهُ‏:‏ فَهَذَا عُثْمَانُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِإِخْرَاجِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّيُونِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَزَكَاةِ الْبَاقِي مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ زَكَاتِهِمْ، وَلَوْ كَانَتِ الزَّكَاةُ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، إِذَا مَا أَزَالَ عَنْهُمْ إِخْرَاجُ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ لِقَضَاءِ دُيُونِهِمْ، مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ أَلا تَرَى أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ زَكَاةٌ، ثُمَّ إِنَّهُ أَخْرَجَ بَعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، أَنَّ ذَلِكَ لا يُزِيلُ عَنْهُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيمَا مَضَى مِنْ دَيْنِهِ وَكَذَلِكَ لَوِ ابْتَاعَ بِهِ عَرَضًا لِغَيْرِ تِجَارَةٍ، أَوْ يُوهِبُهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ غَنِيٍّ، أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُزِيلٍ عَنْهُ مَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ قَبْلَ إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ قَدْ رَأَى أَنْ لا زَكَاةَ فِيمَا خَرَجَ لِقَضَاءِ الدُّيُونِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ أَلا زَكَاةَ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ مِنَ الْمَالِ إِذْ كَانَ لاحُكْمَ لإِخْرَاجِ الْمَالِ عَنْ يَدِ صَاحِبِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ تَزُولُ بِهِ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَوَجْهُ قَوْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ ‏"‏، أَيْ‏:‏ أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاتُكُمْ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ زَكُّوا مَا بَقِيَ ‏"‏، دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، لأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ لا زَكَاةَ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ لَكَانَ أَبْعَدَ خَلْقِ اللهِ أَنْ يَعْلَمَهُم الْجَهَلَةُ فِي إِبْطَالِ الزَّكَوَاتِ الَّتِي تَجِبُ لِلْفُقَرَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ‏.‏

568- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَفْصَهَ، أَنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ ‏"‏ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ ‏"‏ أَعَلَيْهِ زَكَاةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لا ‏"‏‏.‏

569- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ‏"‏‏.‏

570- حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، أَنَّهُمَا قَالا‏:‏ ‏"‏ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ دَيْنٌ وَلَكَ مَالٌ فَاحْتَسِبْ دَيْنَكَ مِنْهُ، فَإِنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ ‏"‏‏.‏

571- حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَسْعُودٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ أَخْبَرَنَا زَائِدَةُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ دَيْنٌ فَلا تُزَكِّهِ، فَإِنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ ‏"‏‏.‏

572- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَنَافِعٍ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، ‏"‏ فِي رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ لا زَكَاةَ عَلَيْهِ ‏"‏ وَلَمَّا كَانَتِ الْمَوَارِيثُ تَجِبُ لِلْوَارِثِينَ فِي أَمْوَالِ الْمَوْتَى الْمُوَرَّثِينَ، وَكَانَتِ الزَّكَوَاتُ حُقُوقًا تَجِبُ لِلْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ الْمُزَكِّينَ، وَكَانَ الدَّيْنُ يَمْنَعُ الْمَوَارِيثَ مِنْ أَمْوَالِ الْمَوْتَى كَانَ الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَوَاتِ مِنْ أَمْوَالِ الأَحْيَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَيَمْضِي عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَوْلِ، ثُمَّ يُفِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، أَوْ أَقَلَّ، ثُمَّ يَحُولُ الْحَوْلُ عَلَى الأَوَّلِ، فَقَالَ القَائِلُونَ‏:‏ يَضُمُّ الْفَائِدَةَ إِلَى أَصْلِ الْمَالِ وَيُزَكِّي ذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ وَسَوَاءٌ عِنْدَهُمْ كَانَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ مِنْ رِبْحِ ذَلِكَ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ مِنْ هِبَةٍ، أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ مُحَمَّدٌ، رَحِمَهُ اللهُ‏:‏ وَهُوَ قَوْلُنَا وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ يَسْتَقْبِلُ بِكُلِّ فَائِدَةٍ أَفَادَهَا حَوْلا جَدِيدًا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنْ كَانَتِ الْفَائِدَةُ مِنْ رِبْحِ ذَلِكَ الْمَالِ زَكَّاهَا مَعَ الْمَالِ بِحَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْفَائِدَةُ مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلا جَدِيدًا، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ مَالِكٌ فَكَانَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فِي ذَلِكَ أَوْلَى عِنْدَنَا، وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الْفَائِدَةَ الطَّارِئَةَ عَلَى الْمَالِ لا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ أَصْلِ الْمَالِ الَّذِي طَرَأَتْ عَلَيْهِ، أَوْ حُكْمَ نَفْسِهَا، فَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ نَفْسِهَا وَكَانَتْ غَيْرَ لاحِقَةٍ بِأَصْلِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلا جَدِيدًا وَلا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ حَتَّى تَكُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ أَصْلِ الْمَالِ الَّذِي طَرَأَتْ عَلَيْهِ لَحِقَتْ بِهِ فِي مِقْدَارِهِ وَفِي حَوْلِهِ وَلَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّ الأَمْوَالَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ بِمِقْدَارٍ مِنْهَا مَعْلُومٍ وَبِحَوْلٍ يَحُولُ عَلَيْهَا مَعْلُومٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهَا لا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى الانْفِرَادِ، لاحِقَةٌ بِأَصْلِ الْمَالِ الَّذِي طَرَأَتْ عَلَيْهِ فِي مِقْدَارِهِ وَغَيْرُ مُرَاعً مِقْدَارُهَا فِي نَفْسِهَا وَجَبَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لاحِقَةً بِأَصْلِ الْمَالِ فِي حَوْلِهِ غَيْرَ مُرَاعً فِيهَا حَوْلُ نَفْسِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا أَحْكَامَ زَكَاةِ الْوَرِقِ وَمِقْدَارَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَا اجْتُمِعَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْهُ فَأَمَّا الذَّهَبُ فَمِثْلُهُ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ نَقْرِهِ وَعَيْنِهِ، وَمِنْ حُلِيِّهِ، وَمِنْ دَيْنِهِ، وَمِنْ فَوَائِدِهِ، وَمِنْ سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ، غَيْرَ الْمِقْدَارِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ عِشْرُونَ مِثْقَالا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ تِبْرًا أَوْ عَيْنًا أَوْ حُلِيًّا، فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ مِثْقَالا وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَجَبَ فِيهِ رُبُعُ عُشْرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ، وَهَذَا مَا لا اخْتِلافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ مِثْقَالا مِنَ الذَّهَبِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَرِقِ، فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ لا زَكَاةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، حَتَّى تَبْلُغَ الزِّيَادَةُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَكَذَلِكَ لا زَكَاةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ الْمِثْقَالِ مِنَ الذَّهَبِ، حَتَّى تَكُونَ الزِّيَادَةُ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ وَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا فِيمَا زَادَ عَلَى المِائَتَيْنِ مِنَ الْوَرِقِ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ الْمِثْقَالِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَكَانَ مَذْهَبُ مَنْ ذَهَبَ أَنَّهُ لا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ أَنَّ مِقْدَارَ الأَرْبَعِينَ الدِّرْهَمِ مِنَ الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَقَالُوا بِذَلِكَ فِي الذَّهَبِ قِيَاسًا عَلَى مَا رَوَوْهُ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ فِي الْوَرِقِ عَلَى مَا رُوِّينَاهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَلَكَ عَشْرَةَ مَثَاقِيلَ مِنَ الذَّهَبِ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَرِقِ، وَحَالَ عَلَى ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْحَوْلِ كَمْ يُسَاوِي مِنَ الذَّهَبِ‏؟‏ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ أَوْ أَكْثَرَ ضَمَّ الْقِيمَةَ وَهِيَ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَكْثَرُ إِلَى الْعَشْرَةِ الْعَيْنِ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَزَكَّى عَنْ عِشْرِينَ مِثْقَالا وَعَنْهَا وَعَنْ زِيَادَةٍ إِنْ كَانَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ الْمِثْقَالِ، كَمَا يُزَكِّي عَنِ الذَّهَبِ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا ذَهَبًا، وَإِنْ قَصَّرَتْ قِيمَتُهَا عَنْ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ نَظَرَ إِلَى قِيمَةِ الْعَشْرَةِ الدَّنَانِيرِ مِنَ الْوَرِقِ فَضَمَّ قِيمَتَهَا مِنَ الْوَرِقِ إِلَى الْمِائَةِ دِرْهَمٍ الَّتِي فِي يَدِهِ، وَزَكَّى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا يُزَكِّي عَنْهُ لَوْ كَانَ وَرِقًا كُلُّهُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، فِيمَا قَلَّ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَمِنَ الدَّرَاهِمِ، وَفِيمَا كَثُرَ مِنْهَا يُقَوَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ، ثُمَّ يُزَكِّي عَنْ أَوْفَرِهِمَا زَكَاةً كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ فِي الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ وَالْعَشْرَةِ الدَّنَانِيرِ وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ‏:‏ لا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَتَكَامَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ‏:‏ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ‏:‏ لا يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إِلَى قِيمَةِ الذَّهَبِ، وَلا إِلَى قِيمَةِ الْوَرِقِ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى أَجْزَائِهِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَ قَدْ صَارَ عِنْدَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ، فَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ مَالٍ كَامِلٍ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ ذَلِكَ فِي يَدِهِ الزَّكَاةُ مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصِّنْفَيْنِ رُبُعُ عُشْرِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنَ الْوَرِقِ، وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ مِنَ الذَّهَبِ، أَوْ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنَ الْوَرِقِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالا مِنَ الذَّهَبِ، فَقَدْ صَارَ عِنْدَهُ مِنْ أَحَدِ الْمِائَتَيْنِ ثَلاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَمِنَ الآخَرِ إِذًا رُبُعُهُ، فَتَكَامَلَتِ الأَجْزَاءُ، فَوَجَبَ فِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنَ الْوَرِقِ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِثْقَالا مِنَ الذَّهَبِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، لأَنَّهُ إِنَّمَا مَعَهُ رُبُعُ أَحَدِ الْمَالَيْنِ، وَأَقَلُّ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ الآخَرِ، فَلَمْ تَتَكَامَلِ الأَجْزَاءُ فَلا شَيْءَ فِيهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَقَالا‏:‏ لا يُقَوَّمُ ذَهَبٌ بِفِضَّةٍ، وَلا فِضَّةٌ بِذَهَبٍ، وَلا يُرَدُّ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةٍ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ إِلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا مِمَّا سِوَاهُمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ بِقَوْلِنَا هَذَا زَمَانًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى الْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ، وَكَانَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الَّذِينَ جَعَلُوا فِي الذَّهَبِ مَعَ الْوَرِقِ الصَّدَقَةَ، غَيْرَ أَنَّا لا نَدْرِي أَكَانَ مَذْهَبُهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الأَوَّلِ أَوْ كَمَذْهَبِهِ الآخَرِ فِيهِ‏؟‏‏.‏

573- حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، فِي رَجُلٍ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشْرَةُ دَنَانِيرَ، قَالَا‏:‏ ‏"‏ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرَةِ الدَّنَانِيرِ وَالْمِائَةِ دِرْهَمٍ صَدَقَتُهَا ‏"‏‏.‏

574- حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ ‏"‏ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فِي الزَّكَاةِ ‏"‏

وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَشْكَالِهِ لِنَعْطِفَ عَلَيْهِ هَذَا الْمُخْتَلَفَ فِيهِ، فَوَجَدْنَا الْعُرُوضَ الَّتِي لِلتِّجَارَاتِ إِذَا بِيعَتْ بِذَهَبٍ، ثُمَّ أبِيعَ بِهِ عَرَضَ لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ بِيعَ بِوَرِقٍ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ أَنَّهُ يُزَكِّي إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ ذَلِكَ وَيُعْتَدُّ بذَلِكَ كُلِّهِ الْحَوْلُ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَدْ صَارَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَرِقًا، وَصَارَ فِي بَعْضِهِ ذَهَبًا، وَصَارَ فِي بَعْضِهِ عَرَضًا يُقَوَّمَا بِوَرِقٍ، أَوْ بِذَهَبٍ فَجُمِعَتْ أَحْكَامُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَجُعِلَتْ كَصِنْفٍ وَاحِدٍ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَوْ لَمْ يَحُلْ، وَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ كَالْمَوَاشِي أَلا تَرَى أَنَّ رَجُلا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ سَائِمَةً، فَلَمَّا مَضَى بَعْضُ الْحَوْلِ بَاعَهَا بِوَرِقٍ أَوْ بِذَهَبٍ، ثُمَّ ابْتَاعَ بِهِ إِبِلا سَائِمَةً أَوْ بَاعَ الإِبِلَ السَّائِمَةَ بِإِبِلٍ سَائِمَةٍ، أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بها حولا جديدًا، وإنه يسلك بالذهب والفضة والعروض التي للتجارات هذا المسلك، وجعل حَوْلَهَا كُلَّهَا حَوْلا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ قَدْ صَارَ فِيهِ أَجْنَاسًا إِذْ كَانَتْ تِلْكَ الأَجْنَاسُ مَرْدُودَةً إِلَى الْوَرِقِ وَإِلَى الذَّهَبِ، لا إِلَى أَنْفُسِهَا فَلَمَّا كَانَ الْمَرْدُودُ إِلَى الذَّهَبِ وَإِلَى الْوَرِقِ حُكْمُهُ حُكْمًا وَاحِدًا، لا حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَمْ يُجْعَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَرِقِ وَمِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ خِلافَ صَاحِبِهِ كَمَا جُعِلَ فِي الْمَوَاشِي، فَجُعِلَ حُكْمُ الإِبِلِ مِنْهَا غَيْرَ حُكْمِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فِي حَوْلِهَا ثَبَتَ بذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ أَيْضًا فِي ضَمِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ لا في حكم الجنسين المختلفين اللذين لا يضم كل واحد منهما إلي صاحبه فِي قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِحَمَاسٍ‏:‏ ‏"‏ قَوِّمْ مَالَكَ ثُمَّ زَكِّهِ ‏"‏ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ يَتَحَوَّلُ فِي الْحَوْلِ مِنَ الدَّرَاهِمِ إِلَى الدَّنَانِيرِ وَمِنَ الدَّنَانِيرِ إِلَى الدَّرَاهِمِ، وَمِنْ بَعْضِ الْعُرُوضِ إِلَى بَعْضٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ عُمَرُ إِلَى ذَلِكَ عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَعُرُوضِ للتِّجَارَاتِ، وَأَنَّهَا جَمِيعًا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ أُصُولِ الزَّكَوَاتِ لا كَالْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنْهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ‏.‏