فصل: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}. (135).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أسباب النزول (نسخة منقحة)



.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الْآيَةَ. [109].

- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا أَصَابَكُمْ؟ وَلَوْ كُنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ مَا هُزِمْتُمْ، فَارْجِعُوا إِلَى دِينِنَا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ.
- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيَّ كَانَ شَاعِرًا، وَكَانَ يهجو النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي شِعْرِهِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَهَا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يؤذون النبي صلى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ أَشَدَّ الْأَذَى، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ، وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا}».

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ} [113].

- نَزَلَتْ فِي يَهُودِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ، وَذَلِكَ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أَتَاهُمْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ فَتَنَاظَرُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ، وَقَالَتْ لَهُمُ النَّصَارَى: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ من الدين، وكفروا بِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} الْآيَةَ. [114].

- نَزَلَتْ فِي طَطُوسَ الرُّومِيِّ وَأَصْحَابِهِ مِنَ النَّصَارَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ غَزَوْا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَتَلُوا مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَوْا ذَرَارِيهِمْ، وَحَرَقُوا التَّوْرَاةَ وَخَرَّبُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَقَذَفُوا فِيهِ الْجِيَفَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ.
- وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ بُخَتُنَصَّرُ وَأَصْحَابُهُ، غَزَوُا الْيَهُودَ وَخَرَّبُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَأَعَانَتْهُمْ عَلَى ذَلِكَ النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ الرُّومِ.
- وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْعِهِمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [115].

- اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا.
فَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْمَنْصُورِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ الْعُمَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «بَعَثَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، سَرِيَّةً كَنْتُ فِيهَا، فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ فَلَمْ نَعْرِفِ الْقِبْلَةَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَّا: قَدْ عَرَفْنَا الْقِبْلَةَ، هِيَ هَاهُنَا قِبَلَ الشَّمَالِ. فَصَلَّوْا وَخَطُّوا خُطُوطًا. وَقَالَ بَعْضُنَا: الْقِبْلَةُ هَاهُنَا قِبَلَ الْجَنُوبِ، فَصَلَّوْا وَخَطُّوا خُطُوطًا. فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْخُطُوطُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ. فَلَمَّا قَفَلْنَا مِنْ سَفَرِنَا سألنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم، عَنْ ذَلِكَ فَسَكَتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} الْآيَةَ».
- وأخبرنا أَبُو مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ السَّمَّانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فِي السَّفَرِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ كَيْفَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذلك للنبي صلى اللَّه عليه وسلم، فَنَزَلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}».
وَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ الْآيَةَ نَازِلَةٌ فِي التَّطَوُّعِ بِالنَّافِلَةِ.
- أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أُنْزِلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أن تصلي حيثما تَوَجَّهَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ، فِي التَّطَوُّعِ.
- وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: «إِنَّ النَّجَاشِيَّ تُوُفِّيَ فَأَتَى جبريل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّ النَّجَاشِيَّ تُوُفِّيَ فَصَلِّ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أصحابه أَنْ يَحْضُرُوا، وَصَفَّهُمْ ثُمَّ تَقَدَّمَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُصَلِّيَ عَلَى النَّجَاشِيِّ وَقَدْ تُوُفِّيَ، فَصَلُّوا عَلَيْهِ. فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ أَصْحَابُ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فِي أَنْفُسِهِمْ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَهُوَ يُصَلِّي لِغَيْرِ قِبْلَتِنَا. وَكَانَ النَّجَاشِيُّ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}».
- وَمَذْهَبُ قَتَادَةَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بقوله تعالى: {وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ. وَقَالَ: أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ شَأْنُ الْقِبْلَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ: فَصَلَّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَتَرَكَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ.
- وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِبِيِّ: إِنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ- وَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْيَهُودَ- أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ، فَاسْتَقْبَلَهَا بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. وَكَانَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا صَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا ارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ، وَقَالُوا: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [116].

- نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حَيْثُ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَفِي نَصَارَى نَجْرَانَ حَيْثُ قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَفِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ.

.قَوْلُهُ تعالى: {وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}. [119].

- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ!» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قرأ: {وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} جَزْمًا.
- وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قَالَ: «لَوْ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ بَأْسَهُ بِالْيَهُودِ لَآمَنُوا». فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم}.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى} الْآيَةَ. [120].

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يسألون النبي صلى اللَّه عليه وسلم الهدنة، ويطمعونه أَنَّهُ إِنْ هَادَنَهُمْ وَأَمْهَلَهُمُ اتَّبَعُوهُ وَوَافَقُوهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الْقِبْلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ كَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يصليَ النبي صلى اللَّه عليه وسلم، إِلَى قِبْلَتِهِمْ. فَلَمَّا صَرَفَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ إِلَى الْكَعْبَةِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَيَئِسُوا مِنْهُ أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ}. [121].

- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ- فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَالْكَلْبِيِّ-: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ السَّفِينَةِ الَّذِينَ أَقْبَلُوا مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، كَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنَ الْحَبَشَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ.
- وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِيمَنْ آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ.
- وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي أصحاب محمد صلى اللَّه عليه وسلم.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} الْآيَةَ. [133].

- نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قالوا للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ يَعْقُوبَ يَوْمَ مَاتَ أَوْصَى بَنِيهِ بِالْيَهُودِيَّةِ؟

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}. [135].

- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رُؤُوسِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ: كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ وَوَهْبِ بْنِ يَهُوذَا وَأَبِي يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، وَفِي نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَاصَمُوا الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ، كُلُّ فِرْقَةٍ تَزْعُمُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِهَا. فَقَالَتِ الْيَهُودُ: نَبِيُّنَا مُوسَى أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ، وَكِتَابُنَا التَّوْرَاةُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ. وَكَفَرَتْ بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ وَمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ. وَقَالَتِ النَّصَارَى: نَبِيُّنَا عِيسَى أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ، وَكِتَابُنَا الْإِنْجِيلُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ، وَكَفَرَتْ بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ. وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِلْمُؤْمِنِينَ: كُونُوا عَلَى دِينِنَا فَلَا دِينَ إِلَّا ذَلِكَ. وَدَعَوْهُمْ إِلَى دِينِهِمْ.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}. [138].

- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّصَارَى كَانَ إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ فَأَتَى عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ صَبَغُوهُ فِي مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: الْمَعْمُودِيُّ، لِيُطَهِّرُوهُ بِذَلِكَ، وَيَقُولُونَ: هَذَا طَهُورٌ مَكَانَ الْخِتَانِ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالُوا: الْآنَ صَارَ نَصْرَانِيًّا حَقًّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} الْآيَةَ. [142].

نَزَلَتْ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ.
- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ، وأخبرنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، الْمَدِينَةَ فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا- وَكَانَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يحب أن يُوَجّه نَحْوَ الْكَعْبَةِ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ إِلَى آخِرِ} الْآيَةِ. وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ- وَهُمُ الْيَهُودُ-: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ».
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [143].

- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ: كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قَدْ مَاتُوا عَلَى الْقِبْلَةِ الْأُولَى مِنْهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَأَبُو أُمَامَةَ أَحَدُ بَنِي النَّجَّارِ، وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ، وَأُنَاسٌ آخَرُونَ جَاءَتْ عَشَائِرُهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ إِخْوَانُنَا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَةِ الْأُولَى، وَقَدْ صَرَفَكَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَكَيْفَ بِإِخْوَانِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الْآيَةَ.
ثُمَّ قَالَ:

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}. [144].

وَذَلِكَ أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَفَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ إِلَى غَيْرِهَا- وَكَانَ يُرِيدُ الْكَعْبَةَ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ إِبْرَاهِي- فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ لَا أَمْلِكُ شَيْئًا، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يُحَوِّلَكَ عَنْهَا إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ. ثُمَّ ارْتَفَعَ جِبْرِيلُ وَجَعَلَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ بِمَا سَأَلَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ».
- أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَنْصُورِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابن عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هوى نبيه صلى اللَّه عليه وسلم، فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} الْآيَةَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ.
ورواه الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ زُهَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ...} الْآيَةَ. [146].

- نَزَلَتْ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، كَانُوا يَعْرِفُونَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بِنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ وَمَبْعَثِهِ فِي كِتَابِهِمْ، كَمَا يَعْرِفُ أَحَدُهُمْ وَلَدَهُ إِذَا رَآهُ مَعَ الْغِلْمَانِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَأَنَا كُنْتُ أَشَدَّ مَعْرِفَةً برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، مِنِّي بِابْنِي.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَكَيْفَ ذَاكَ يَا ابْنَ سَلَامٍ؟ قَالَ: لِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا يَقِينًا، وَأَنَا لَا أَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِي، لِأَنِّي لَا أَدْرِي مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ. فَقَالَ عُمَرُ: وَفَّقَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ سَلَامٍ.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} الْآيَةَ. [154].

- نَزَلَتْ فِي قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا: ثَمَانِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَسِتَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ لِلرَّجُلِ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: مَاتَ فُلَانٌ وَذَهَبَ عَنْهُ نعيم الدنيا ولذتها. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.