فصل: تفسير الآية رقم (116):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (116):

{إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)}
{إِنَّ الله لَهُ مُلْكُ السموات والأرض يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} لما منعهم عن الاستغفارللمشركين وإن كانوا أولي قربى وتضمن ذلك وجوب التبرؤ عنهم رأساً، بين لهم أن الله مالك كل موجود ومتولي أمره والغالب عليه ولا يتأتى لهم ولاية ولا نصرة إلا منه، ليتوجهوا بشراشرهم إليه ويتبرؤوا مما عداه حتى لا يبقى لهم مقصود فيما يأتون ويذرون سواه.

.تفسير الآية رقم (117):

{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)}
{لَقَدْ تَابَ الله على النبى والمهاجرين والأنصار} من إذن المنافقين في التخلف أو برأهم عن علقة الذنوب كقوله تعالى: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وقيل: هو بعث على التوبة والمعنى: ما من أحد إلا وهو محتاج إلى التوبة حتى النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار لقوله تعالى: {وَتُوبُواْ إِلَى الله جَمِيعاً} إذ ما من أحد إلا وله مقام يستنقص دونه ما هو فيه والترقي إليه توبة من تلك النقيصة وإظهار لفضلها بأنها مقام الأنبياء والصالحين من عباده. {الذين اتبعوه في سَاعَةِ العسرة} في وقتها هي حالهم في غزوة تبوك كانوا في عسرة الظهر يعتقب العشرة على بعير واحد والزاد حتى قيل إن الرجلين كانا يقتسمان تمرة والماء حتى شربوا القيظ. {مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ} عن الثبات على الإيمان أو اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام وفي {كَادَ} ضمير الشأن أو ضمير القوم والعائد إليه الضمير في {مِنْهُمْ}. وقرأ حمزة وحفص {يَزِيغُ} بالياء لأن تأنيث القلوب غير حقيقي. وقرئ: {من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم} يعني المتخلفين. {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} تكرير للتأكيد وتنبيه على أنه تاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة، أو المراد أنه تاب عليهم لكيدودتهم. {إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ}.

.تفسير الآية رقم (118):

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)}
{وَعَلَى الثلاثة} وتاب على الثلاثة كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع. {الذين خُلّفُواْ} تخلفوا عن الغزو أو خلف أمرهم فإنهم المرجئون. {حتى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ} أي برحبها لإِعراض الناس عنهم بالكلية وهو مثل لشدة الحيرة. {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} قلوبهم من فرط الوحشة والغم بحيث لا يسعها أنس ولا سرور. {وَظَنُّواْ} وعلموا. {أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ الله} من سخطه. {إِلاَّ إِلَيْهِ} إلا إلى استغفاره. {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} بالتوفيق للتوبة. {لِيَتُوبُواْ} أو أنزل قبول توبتهم ليعدوا من جملة التائبين، أو رجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم. {إِنَّ الله هُوَ التواب} لمن تاب ولو عاد في اليوم مائة مرة. {الرحيم} المتفضل عليهم بالنعم.

.تفسير الآية رقم (119):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}
{يا أيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله} فيما لا يرضاه {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} في إيمانهم وعهودهم، أو في دين الله نية وقولاً وعملاً. وقرئ: {من الصادقين} أي في توبتهم وإنابتهم فيكون المراد به هؤلاء الثلاثة وأضرابهم.

.تفسير الآية رقم (120):

{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)}
{مَا كَانَ لأَهْلِ المدينة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مّنَ الأعراب أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله} نهي عبر به بصيغة النفي للمبالغة. {وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} ولا يصونوا أنفسهم عما لم يصن نفسه عنه ويكابدوا معه ما يكابده من الأهوال. روي: «أن أبا خيثمة بلغ بستانه، وكانت له زوجة حسناء فرشت له في الظل وبسطت له الحصير وقربت إليه الرطب والماء البارد، فنظر فقال: ظل ظليل، ورطب يانع وماء بارد وامرأة حسناء ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح ما هذا بخير، فقام فرحل ناقته وأخذ سيفه ورمحه ومر كالريح، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه إلى الطريق فإذا براكب يزهاه السراب فقال: كن أبا خيثمة فكانه ففرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغفر له» وفي {لا يَرْغَبُواْ} يجوز النصب والجزم. {ذلك} إشارة إلى ما دل عليه قوله ما كان من النهي عن التخلف أو وجوب المشايعة. {بِأَنَّهُمْ} بسبب أنهم. {لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} شيء من العطش. {وَلاَ نَصَبٌ} تعب. {وَلاَ مَخْمَصَةٌ} مجاعة. {فِى سَبِيلِ الله وَلاَ يَطَئُونَ} ولا يدوسون. {مَوْطِئًا} مكاناً. {يَغِيظُ الكفار} يغضبهم وطؤه. {وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَّيْلاً} كالقتل والأسر والنهب. {إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} إلا استوجبوا به الثواب وذلك مما يوجب المشايعة. {إِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} على إحسانهم، وهو تعليل ل {كتاب} وتنبيه على أن الجهاد إحسان، أما في حق الكفار فلأنه سعى في تكميلهم بأقصى ما يمكن كضرب المداوي للمجنون، وأما في حق المؤمنين فلأنه صيانة لهم عن سطوة الكفار واستيلائهم.

.تفسير الآية رقم (121):

{وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)}
{وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً} ولو علاَّقة. {وَلاَ كَبِيرَةً} مثل ما أنفق عثمان رضي الله تعالى عنه في جيش العسرة. {وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا} في مسيرهم وهو كل منعرج ينفذ فيه السيل اسم فاعل من ودي إذا سال فشاع بمعنى الأرض. {إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ} أثبت لهم ذلك. {لِيَجْزِيَهُمُ الله} بذلك. {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} جزاء أحسن أعمالهم أو أحسن جزاء أعمالهم.

.تفسير الآية رقم (122):

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)}
{وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً} وما استقام لهم أن ينفروا جميعاً لنحو غزو أو طلب علم كما لا يستقيم لهم أن يتثبطوا جميعاً فإنه يخل بأمر المعاش. {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ} فهلا نفر من كل جماعة كثيرة كقبيلة وأهل بلدة جماعة قليلة. {لّيَتَفَقَّهُواْ في الدين} ليتكلفوا الفقاهة فيه ويتجشموا مشاق تحصيلها. {وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ} وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة إرشاد القوم وإنذارهم، وتخصيصه بالذكر لأنه أهم وفيه دليل على أن التفقه والتذكير من فروض الكفاية وأنه ينبغي أن يكون غرض المتعلم فيه أن يستقيم ويقيم لا الترفع على الناس والتبسط في البلاد. {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} إرادة أن يحذروا عما ينذرون منه، واستدل به على أن أخبار الآحاد حجة لأن عموم كل فرقة يقتضي أن ينفر من كل ثلاثة تفردوا بقرية طائفة إلى التفقه لتنذر فرقتها كي يتذكروا ويحذروا، فلو لم يعتبر الأخبار ما لم يتواتر لم يفد ذلك، وقد أشبعت القول فيه تقريراً واعتراضاً في كتابي (المرصاد). وقد قيل للآية معنى آخر وهو أنه لما نزل في المتخلفين ما نزل سبق المؤمنون إلى النفير وانقطعوا عن التفقه، فأمروا أن ينفر من كل فرقة طائفة إلى الجهاد ويبقى أعقابهم يتفقهون حتى لا ينقطع التفقه الذي هو الجهاد الأكبر، لأن الجدال بالحجة هو الأصل والمقصود من البعثة فيكون الضمير في ليتفقهوا ولينذروا لبواقي الفرق بعد الطوائف النافرة للغزو، وفي رجعوا للطوائف أي ولينذروا لبواقي قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصلوا أيام غيبتهم من العلوم.

.تفسير الآية رقم (123):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}
{يا أيها الذين ءامَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار} أمروا بقتال الأقرب منهم فالأقرب كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً بإنذار عشيرته الأقربين، فإن الأقرب أحق بالشفقة والاستصلاح. وقيل هم يهود حوالي المدينة كقريظة والنضير وخيبر. وقيل الروم فإنهم كانوا يسكنون الشأم وهو قريب من المدينة. {وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} شدة وصبراً على القتال. وقرئ بفتح الغين وضمها وهما لغتان فيها. {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} بالحراسة والاعانة.

.تفسير الآية رقم (124):

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)}
{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ} فمن المنافقين. {مَن يِقُولُ} انكار واستهزاء. {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه} السورة. {إيمانا} وقرئ: {أَيُّكُمْ} بالنصب على إضمار فعل يفسره {زَادَتْهُ}. {فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً} بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة وانضمام الإِيمان بها وبما فيها إلى إيمانهم. {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} بنزولها لأنه سبب لزيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم.

.تفسير الآية رقم (125):

{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)}
{وَأَمَّا الذين في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} كفر. {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ} كفراً بها مضموماً إلى الكفر بغيرها. {وَمَاتُواْ وَهُمْ كافرون} واستحكم ذلك فيهم حتى ماتوا عليه.

.تفسير الآية رقم (126):

{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)}
{أَوْ لاَ يَرَوْنَ} يعني المنافقين وقرئ بالتاء. {أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ} يبتلون بأصناف البليات، أو بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعاينون ما يظهر عليه من الآيات. {فِى كُلّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ} لا ينتهون ولا يتوبون من نفاقهم. {وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} ولا يعتبرون.

.تفسير الآية رقم (127):

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)}
{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ} تغامزوا بالعيون إنكاراً لها وسخرية، أو غيظاً لما فيها من عيوبهم. {هَلْ يَرَاكُمْ مّنْ أَحَدٍ} أي يقولون هل يراكم أحد إن قمتم من حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن لم يرهم أحد قاموا وإن يرهم أحد أقاموا. {ثُمَّ انصرفوا} عن حضرته مخافة الفضيحة. {صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} عن الإِيمان وهو يحتمل الإخبار والدعاء. {بِأَنَّهُمْ} بسبب أنهم. {قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} لسوء فهمهم أو لعدم تدبرهم.

.تفسير الآية رقم (128):

{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ} من جنسكم عربي مثلكم. وقرئ: {من أَنفُسِكُمْ} أي من أشرفكم. {عَزِيزٌ عَلَيْهِ} شديد شاق. {مَا عَنِتُّمْ} عنتكم ولقاؤكم المكروه. {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أي على إيمانكم وصلاح شأنكم. {بالمؤمنين} منكم ومن غيركم. {رَءوفٌ رَّحِيمٌ} قدم الأبلغ منهما وهو الرؤوف لأن الرأفة شدة الرحمة محافظة على الفواصل.

.تفسير الآية رقم (129):

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)}
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عن الإِيمان بك. {فَقُلْ حَسْبِىَ الله} فإنه يكفيك معرتهم ويعينك عليهم. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} كالدليل عليه. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فلا أرجو ولا أخاف إلا منه. {وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم} الملك العظيم، أو الجسم العظيم المحيط الذي تنزل منه الأحكام والمقادير. وقرئ: {العظيم} بالرفع. وعن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: أن آخر ما نزل هاتان الآيتان وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نزل القرآن علي إلا آية آية وحرفاً حرفاً ما خلا سورة براءة وقل هو الله أحد، فإنهما أنزلتا علي ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة» والله أعلم.

.سورة يونس:

.تفسير الآيات (1- 2):

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)}
{الر} فخمها ابن كثير ونافع برواية قالون وحفص وقرأ ورش بين اللفظين، وأمالها الباقون إجراء لألف الراء مجرى المنقلبة من الياء. {تِلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} إشارة إلى ما تضمنته السورة أو القرآن من الآي والمراد من الكتاب أحدهما، ووصفه بالحكيم لاشتماله على الحكم أو لأنه كلام حكيم، أو محكم آياته لم ينسخ شيء منها. {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} استفهام إنكار للتعجب و{عَجَبًا} خبر كان واسمه: {أَنْ أَوْحَيْنَا} وقرئ بالرفع على أن الأمر بالعكس أو على أن (كان) تامة و{أَنْ أَوْحَيْنَا} بدل من عجب، واللام للدلالة على أنهم جعلوه أعجوبة لهم يوجهون نحوه إنكارهم واستهزاءهم. {إلى رَجُلٍ مّنْهُمْ} من أبناء رجالهم دون عظيم من عظمائهم. قيل كانوا يقولون العجب أن الله تعالى لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب، وهو من فرط حماقتهم وقصور نظرهم على الأمور العاجلة وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوة. هذا وأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يقصر عن عظمائهم فيما يعتبرونه إلا في المال وخفة الحال أعون شيء في هذا الباب، ولذلك كان أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله كذلك. وقيل تعجبوا من أنه بعث بشراً رسولاً كما سبق ذكره في سورة (الأنعام). {أَنْ أَنذِرِ الناس} أن هي المفسرة أو المخففة من الثقيلة فتكون في موقع مفعول أوحينا. {وَبَشّرِ الذين ءامَنُواْ} عمم الإنذار إذ قلما من أحد ليس فيه ما ينبغي أن ينذر منه، وخصص البشارة بالمؤمنين إذ ليس للكفار ما يصح أن يبشروا به حقيقة {أَنَّ لَهُمْ} بأن لهم {قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبّهِمْ} سابقة ومنزلة رفيعة وسميت قدما لأن السبق بها كما سميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد، وإضافتها إلى الصدق لتحققها والتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية. {قَالَ الكافرون إِنَّ هذا} يعنون الكتاب وما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام. {لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} وقرأ ابن كثير والكوفيون {لساحر} على أن الإِشارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً خارقة للعادة معجزة إياهم عن المعارضة. وقرئ: {ما هذا إلا سحر مبين}.