فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (24):

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
{إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا} حالها العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها. {كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً. {مِمَّا يَأْكُلُ الناس والأنعام} من الزروع والبقول والحشيش. {حتى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا} حسنها وبهجتها. {وازينت} تزينت بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة كعروس أخذت من ألوان الثياب والزين فتزينت بها، {وازينت} أصله تزينت فأدغم وقد قرئ على الأصل {وازينت} على أفعلت من غير اعلال كاغيلت، والمعنى صارت ذات زينة {وازيانت} كابياضت. {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} متمكنون من حصدها ورفع غلتها. {أَتَاهَا أَمْرُنَا} ضرب زرعها ما يحتاجه. {لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا} فجعلنا زرعها. {حَصِيداً} شبيهاً بما حصد من أصله. {كَأَن لَّمْ تَغْنَ} كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث، والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة وقرئ بالياء على الأصل. {بالأمس} فيما قبيله وهو مثل في الوقت القريب والممثل به مضمون الحكاية وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاماً بعدما كان غضاً والتف، وزين الأرض حتى طمع فيه أهله وظنوا أنه قد سلم من الجوائح لا الماء وإن وليه حرف التشبيه لأنه من التشبيه المركب. {كذلك نُفَصّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فإنهم المنتفعون به.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
{والله يَدْعُو إِلَى دَارُ السلام} دار السلام من التقضي والآفة، أو دار الله وتخصيص هذا الاسم أيضاً للتنبيه على ذلك، أو دار يسلم الله والملائكة فيها على من يدخلها والمراد الجنة. {وَيَهْدِى مَن يَشَاء} بالتوفيق. {إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} هو طريقها وذلك الإسلام والتدرع بلباس التقوى، وفي تعميم الدعوة وتخصيص الهداية بالمشيئة دليل على أن الأمر غير الإرادة وأن المصر على الضلالة لم يرد الله رشده.

.تفسير الآيات (26- 30):

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
{لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى} المثوبة الحسنى. {وَزِيَادَةٌ} وما يزيد على المثوبة تفضلاً لقوله: {وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر، وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان، وقيل الحسنى الجنة والزيادة هي اللقاء. {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ} لا يغشاها. {قَتَرٌ} غبرة فيها سواد. {وَلاَ ذِلَّةٌ} هوان، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أو لا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال. {أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون} دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها.
{والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا} عطف على قوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى} على مذهب من يجوز: في الدار زيد والحجرة عمرو، أو {لّلَّذِينَ} مبتدأ والخبر {جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا} على تقدير: وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، أي أن تجازى سيئة بسيئة مثلها لا يزاد عليها، وفيه تنبيه على أن الزيادة هي الفضل أو التضعيف أو {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ}، أو أولئك أصحاب النار وما بينهما اعتراض ف {جَزَاء سَيّئَةٍ} مبتدأ وخبره محذوف أي فجزاء سيئة بمثلها واقع، أو بمثلها على زيادة الباء أو تقدير مقدر بمثلها. {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} وقرئ بالياء. {مَّا لَهُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} ما من أحد يعصمهم من سخط الله، أو من جهة الله ومن عنده كما يكون للمؤمنين. {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ} غطيت. {وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اليل مُظْلِماً} لفرط سوادها وظلمتها ومظلماً حال من الليل والعامل فيه {أُغْشِيَتْ} لأنه العامل في {قِطَعًا} وهو موصوف بالجار والمجرور، والعامل في الموصوف عامل في الصفة أو معنى الفعل في {مِّنَ اليل}. وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب {قِطَعًا} بالسكون فعلى هذا يصح أن يكون {مُظْلِماً} صفة له أو حالاً منه. {أُولَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} مما يحتج به الوعيدية. والجواب أن الآية في الكفار لاشتمال السيئات على الكفر والشرك ولأن الذين أحسنوا يتناول أصحاب الكبيرة من أهل القبلة فلا يتناولهم قسيمة.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} يعني الفريقين جميعاً. {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ} ألزموا مكانكم حتى تنظروا ما يفعل بكم. {أَنتُمْ} تأكيد للضمير المنتقل إليه من عامله. {وَشُرَكَاؤُكُمْ} عطف عليه وقرئ بالنصب على المفعول معه. {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} ففرقنا بينهم وقطعنا الوصل التي كانت بينهم. {وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} مجاز عن براءة ما عبدوه من عبادتهم فإنهم إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم لأنها الآمرة بالإِشراك لا ما أشركوا به. وقيل ينطق الله الأصنام فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي يتوقعون منها. وقيل المراد بالشركاء الملائكة والمسيح وقيل الشياطين.
{فكفى بالله شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} فإنه العالم بكنه الحال. {إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لغافلين} {إِن} هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة.
{هُنَالِكَ} في ذلك المقام. {تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ} تختبر ما قدمت من عمل فتعاين نفعه وضره. وقرأ حمزة والكسائي {تتلو} من التلاوة أي تقرأ ذكر ما قدمت، أو من التلو أي تتبع عملها فيقودها إلى الجنة أو إلى النار. وقرئ: {نبلو} بالنون ونصب {كُلٌّ} وإبدال {مَا} منه والمعنى نختبرها أي نفعل بها فعل المختبر لحالها المتعرف لسعادتها وشقاوتها بتعرف ما أسلفت من أعمالها، ويجوز أن يراد به نصيب بالبلاء أي بالعذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر فتكون {مَا} منصوبة بنزع الخافض. {وَرُدُّواْ إِلَى الله} إلى جزائه إياهم بما أسلفوا. {مولاهم الحق} ربهم ومتولي أمرهم على الحقيقة لا ما اتخذوه مولى، وقرئ: {الحق} بالنصب على المدح أو المصدر المؤكد. {وَضَلَّ عَنْهُم} وضاع عنهم. {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من أن آلهتهم تشفع لهم، أو ما كانوا يدعون أنها آلهة.

.تفسير الآية رقم (31):

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والأرض} أي منهما جميعاً فإن الأرزاق تحصل بأسباب سماوية ومواد أرضية أو {مِنْ} كل واحد منهما توسعة عليكم. وقيل من لبيان من على حذف المضاف أي من أهل السماء والأرض. {أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار} أم من يستطيع خلقهما وتسويتهما، أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالها من أدنى شيء. {وَمَن يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} ومن يحيي ويميت، أو من ينشئ الحيوان من النطفة والنطفة منه. {وَمَن يُدَبّرُ الأمر} ومن يلي تدبير أمر العالم وهو تعميم بعد تخصيص. {فَسَيَقُولُونَ الله} إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك لفرط وضوحه. {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} أنفسكم عقابه بإشراككم إياه ما لا يشاركه في شيء من ذلك.

.تفسير الآية رقم (32):

{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)}
{فَذَلِكُمُ الله رَبُّكُمُ الحق} أي المتولي لهذه الأمور المستحق للعبادة هو ربكم الثابت ربوبيته لأنه الذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم ودبر أموركم. {فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال} استفهام إنكار أي ليس بعد الحق إلا الضلال فمن تخطى الحق الذي هو عبادة الله تعالى وقع في الضلال. {فأنى تُصْرَفُونَ} عن الحق إلى الضلال.

.تفسير الآية رقم (33):

{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ} أي كما حقت الربوبية لله أو إن الحق بعده الضلال، أو أنهم مصروفون عن الحق كذلك حقت كلمة الله وحكمه. وقرأ نافع وابن عامر {كلمات} هنا وفي آخر السورة وفي (غافر) {عَلَى الذين فَسَقُواْ} تمردوا في كفرهم وخرجوا عن حد الاستصلاح. {أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} بدل من الكلمة، أو تعليل لحقيتها والمراد بها العدة بالعذاب.

.تفسير الآية رقم (34):

{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)}
{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} جعل الإعادة كالإبداء في الإلزام بها لظهور برهانها وإن لم يساعدوا عليها، ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينوب عنهم في الجواب فقال: {قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} لأن لجاجهم لا يدعهم أن يعترفوا بها. {فأنى تُؤْفَكُونَ} تصرفون عن قصد السبيل.

.تفسير الآيات (35- 40):

{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)}
{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَهْدِى إِلَى الحق} بنصب الحجج وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام والتوفيق للنظر والتدبر، وهدى كما يعدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء يعدى باللام للدلالة على أن المنتهي غاية الهداية وأنها لم تتوجه نحوه على سبيل الاتفاق ولذلك عدى بها ما أسند إلى الله تعالى. {قُلِ الله يَهْدِى لِلْحَقّ أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يهدى} أم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى من قولهم: أهدى بنفسه إذا اهتدى، أو لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير، وقرأ ابن كثير وورش عن نافع وابن عامر {يهدِّى} بفتح الهاء وتشديد الدال. ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد والأصل يهتدي فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء أو كسرت لالتقاء الساكنين. وروى أبو بكر {يهدي} بإتباع الياء الهاء. وقرأ أبو عمرو بالإدغام المجرد ولم يبال بالتقاء الساكنين لأن المدغم في حكم المتحرك. وعن نافع برواية قالون مثله وقرئ: {إِلا أَنْ يَهْدِى} للمبالغة {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} بما يقتضي صريح العقل بطلانه. {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ} فيما يعتقدونه. {إِلاَّ ظَنَاً} مستنداً إلى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة كقياس الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة، والمراد بالأكثر الجميع أو من ينتمي منهم إلى تمييز ونظر ولا يرضى بالتقليد الصرف. {إَنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق} من العلم والاعتقاد الحق. {شَيْئاً} من الإِغناء ويجوز أن يكون مفعولاً به و{مِنَ الحق} حالاً منه، وفيه دليل على أن تحصيل العلم في الأصول واجب والاكتفاء بالتقليد والظن غير جائز. {إِنَّ الله عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وعيد على اتباعهم للظن وإعراضهم عن البرهان.
{وَمَا كَانَ هذا القرءان أَن يفترى مِن دُونِ الله} افتراء من الخلق. {ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} مطابقاً لما تقدمه من الكتب الإلهية المشهود على صدقها ولا يكون كذباً كيف وهو لكونه معجزاً دونها عيَّارٌ عليها شاهد على صحتها، ونصبه بأنه خبر لكان مقدراً أو علة لفعل محذوف تقديره: ولكن أنزله الله تصديق الذي. وقرئ بالرفع على تقدير ولكن هو تصديق. {وَتَفْصِيلَ الكتاب} وتفصيل ما حقق وأثبت من العقائد والشرائع. {لاَ رَيْبَ فِيهِ} منتفياً عنه الريب وهو خبر ثالث داخل في حكم الاستدراك، ويجوز أن يكون حالاً من الكتاب فإنه مفعول في المعنى وأن يكون استئنافاً. {مِن رَّبّ العالمين} خبر آخر تقديره كائناً من رب العالمين أو متعلق بتصديق أو تفصيل، و{لاَ رَيْبَ فِيهِ} اعتراض أو بالفعل المعلل وبهما أن يكون حالاً من الكتاب أو من الضمير في {فِيهِ}، ومساق الآية بعد المنع عن اتباع الظن لبيان ما يجب اتباعه والبرهان عليه.
{أَمْ يَقُولُونَ} بل أيقولون. {افتراه} محمد صلى الله عليه وسلم ومعنى الهمزة فيه للإنكار. {قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ} في البلاغة وحسن النظم وقوة المعنى على وجه الافتراء فإنكم مثلي في العربية والفصاحة وأشد تمرناً في النظم والعبارة. {وادعوا مَنِ استطعتم} ومع ذلك فاستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به. {مِن دُونِ الله} سوى الله تعالى فإنه وحده قادر على ذلك. {إِن كُنتُمْ صادقين} أنه اختلقه.
{بَلْ كَذَّبُواْ} بل سارعوا إلى التكذيب. {بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} بالقرآن أول ما سمعوه قبل أن يتدبروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه، أو بما جهلوه ولم يحيطوا به علماً من ذكر البعث والجزاء وسائر ما يخالف دينهم. {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} ولم يقفوا بعد على تأويله ولم تبلغ أذهانهم معانيه، أو ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإِخبار بالغيوب حتى يتبين لهم أنه صدق أم كذب، والمعنى أن القرآن معجز من جهة اللفظ والمعنى ثم إنهم فاجئوا تكذيبه قبل أن يتدبروا نظمه ويتفحصوا معناه ومعنى التوقع في لما أنه قد ظهر لهم بالآخرة إعجازه لما كرر عليهم التحدي فزادوا قواهم في معارضته فتضاءلت دونها، أو لما شاهدوا وقوع ما أخبر به طبقاً لأخباره مراراً فلم يقلعوا عن التكذيب تمرداً وعناداً. {كذلك كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} أنبياءهم. {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين} فيه وعيد لهم بمثل ما عوقب به من قبلهم.
{وَمِنْهُمُ} ومن المكذبين. {مَن يُؤْمِنُ بِهِ} من يصدق به في نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند، أو من سيؤمن به ويتوب عن الكفر. {وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ} في نفسه لفرط غباوته وقلة تدبره، أو فيما يستقبل بل يموت على الكفر، {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين} بالمعاندين أو المصرين.