فصل: تفسير الآيات (50- 56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (50- 56):

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)}
{وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} عطف على قوله: {نُوحاً إلى قَوْمِهِ} و{هُودًا} عطف بيان {قَالَ يَا قَوْمِ اعبدوا الله} وحده. {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} وقرئ بالجر حملاً على المجرور وحده. {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} على الله باتخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء.
{ياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الذي فَطَرَنِى} خاطب كل رسول به قومه إزاحة للتهمة وتمحيضاً للنصيحة فإنها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحق من المبطل والصواب من الخطأ.
{وَيَا قَوْمِ استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} اطلبوا مغفرة الله بالإِيمان ثم توسلوا إليها بالتوبة وأيضاً التبري من الغير إنما يكون بعد الإِيمان بالله والرغبة فيما عنده. {يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً} كثير الدر. {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} ويضاعف قوتكم، وإنما رغبهم بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع وعمارات. وقيل حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاثين سنة فوعدهم هود عليه السلام على الإِيمان والتوبة بكثرة الأمطار وتضاعف القوة بالتناسل. {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ} ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه. {مُّجْرِمِينَ} مصرين على إجرامكم.
{قَالُواْ يا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ} بحجة تدل على صحة دعواك وهو لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات. {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا} بتاركي عبادتهم. {عَن قَوْلِكَ} صادرين عن قولك حال من الضمير في تاركي. {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} إقناط له من الإِجابة والتصديق.
{إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك} ما نقول إلا قولنا {اعتراك} أي أصابك من عراه يعروه إذا أصابه. {بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء} بجنون لسبك إياها وصدك عنها ومن ذلك تهذي وتتكلم لخرافات، والجملة مقول القول وإلا لغو لأن الاستثناء مفرغ. {قَالَ إِنِى أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنّى بَرِئ مّمَّا تُشْرِكُونَ}.
{مِن دُونِهِ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} أجاب به عن مقالتهم الحمقاء بأن أشهد الله تعالى على براءته من آلهتهم وفراغه عن إضرارهم تأكيداً لذلك وتثبيتاً له، وأمرهم بأن يشهدوا عليه استهانة بهم، وأن يجتمعوا على الكيد في إهلاكه من غير إنظار حتى إذا اجتهدوا فيه ورأوا أنهم عجزوا عن آخرهم وهم الأقوياء الأشداء أن يضروه لم يبق لهم شبهة أن آلهتهم التي هي جماد لا يضر ولا ينفع لا تتمكن من إضراره انتقاماً منه، وهذا من جملة معجزاته فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة الفتاك العطاش إلى إراقة دمه بهذا الكلام ليس إلا لثقته بالله وتثبطهم عن إضراره ليس إلا بعصمته إياه ولذلك عقبه بقوله: {إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبّي وَرَبّكُمْ} تقريراً له والمعنى أنكم وإن بذلتم غاية وسعكم لن تضروني فإني متوكل على الله واثق بكلاءته وهو مالكي ومالككم لا يحيق بي ما لم يرده، ولا يقدرون على ما لم يقدره ثم برهن عليه بقوله: {مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} أي إلا وهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها والأخذ بالنواصي تمثيل لذلك. {إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي أنه على الحق والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم.

.تفسير الآية رقم (57):

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)}
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} فإن تتولوا. {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} فقد أديت ما علي من الإبلاغ وإلزام الحجة فلا تفريط مني ولا عذر لكم فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم. {وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ} استئناف بالوعيد لهم بأن الله يهلكهم ويستخلف قوماً آخرين في ديارهم وأموالهم، أو عطف على الجواب بالفاء ويؤيده القراءة بالجزم على الموضع كأنه قيل: وإن تتولوا يعذرني ربي ويستخلف. {وَلاَ تَضُرُّونَهُ} لتوليكم. {شَيْئاً} من الضرر ومن جزم يستخلف أسقط النون منه. {إِنَّ رَبّى على كُلّ شَئ حَفِيظٌ} رقيب فلا تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مجازاتكم، أو حافظ مستول عليه فلا يمكن أن يضره شيء.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)}
{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} عذابنا أو أمرنا العذاب. {نَجَّيْنَا هُودًا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا} وكانوا أربعة آلاف. {وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} تكرير لبيان ما نجاهم منه وهو السموم، كانت تدخل أنوف الكفرة وتخرج من أدبارهم فتقطع أعضاءهم، أو المراد به تنجيتهم من عذاب الآخرة أيضاً، والتعريض بأن المهلكين كما عذبوا في الدنيا بالسموم فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ.

.تفسير الآية رقم (59):

{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)}
{وَتلكَ عَادٌ} أنث اسم الإِشارة باعتبار القبيلة أو لأن الإِشارة إلى قبورهم وآثارهم. {جَحَدُواْ بآيات رَبّهِمْ} كفروا بها. {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} لأنهم عصوا رسولهم ومن عصى رسولاً فكأنما عصي الكل لأنهم أمروا بطاعة كل رسول. {واتبعوا أَمْرَ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} يعني كبراءهم الطاغين و{عَنِيدٍ} من عند عنداً وعنداً وعنوداً إذا طغى، والمعنى عصوا من دعاهم إلى الإِيمان وما ينجيهم وأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)}
{وَأُتْبِعُواْ في هذه الدنيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة} أي جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم في العذاب. {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} جحدوه أو كفروا نعمه أو كفروا به فحذف الجار. {أَلاَ بُعْدًا لّعَادٍ} دعاء عليهم بالهلاك، والمراد به الدلالة على أنهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكي عنهم، وإنما كرر ألا وأعاد ذكرهم تفظيعاً لأمرهم وحثاً على الاعتبار بحالهم. {قَوْمِ هُودٍ} عطف بيان لعاد، وفائدته تمييزهم عن عاد الثانية عاد إرم، والإِيماء إلى أن استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)}
{وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض} هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب. {واستعمركم فِيهَا} عمركم فيها واستبقاكم من العمر، أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها، وقيل هو من العمري بمعنى أعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم، أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم. {فاستغفروه ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ} قريب الرحمة. {مُّجِيبٌ} لداعيه.

.تفسير الآية رقم (62):

{قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)}
{قَالُواْ يا صالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هذا} لما نرى فيك من مخايل الرشد والسداد أن تكون لنا سيداً ومستشاراً في الأمور، أو أن توافقنا في الدين فلما سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا عنك. {أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا} على حكاية الحال الماضية. {وَإِنَّنَا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} من التوحيد والتبري عن الأوثان. {مُرِيبٍ} موقع في الريبة من أرابه، أو ذي ريبة على الإِسناد المجازي من أراب في الأمر.

.تفسير الآية رقم (63):

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)}
{قَالَ يَا قَوْمٌ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} بيان وبصيرة وحرف الشك باعتبار المخاطبين. {وَءَاتَانِى مِنْهُ رَحْمَةً} نبوة. {فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ الله} فمن يمنعني من عذابه {إِنْ عَصَيْتُهُ} في تبليغ رسالته والمنع عن الإِشراك به. {فَمَا تَزِيدُونَنِي} إذن باستتباعكم إياي. {غَيْرَ تَخْسِيرٍ} غير أن تخسروني بإبطال ما منحني الله به والتعرض لعذابه، أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير أن أنسبكم إلى الخسران.

.تفسير الآية رقم (64):

{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)}
{ويا قوم هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً} انتصب آية على الحال وعاملها معنى الإِشارة، ولكم حال منها تقدمت عليها لتنكيرها. {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله} ترع نباتها وتشرب ماءها. {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} عاجل لا يتراخى عن مسكم لها بالسوء إلا يسيراً وهو ثلاثة أيام.

.تفسير الآية رقم (65):

{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)}
{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ في دَارِكُمْ} عيشوا في منازلكم أو في داركم الدنيا. {ثلاثة أَيَّامٍ} الأربعاء والخميس والجمعة ثم تهلكون. {ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} أي غير مكذوب فيه فاتسع فيه بإجرائه مجرى المفعول به كقوله:
وَيَوْمَ شَهِدْنَاهُ سُلِيمَاً وَعَامِراً

أو غير مكذوب على المجاز، وكأن الواعد قال له أفي بك فإن وفى به صدقة وإلا كذبه، أو وعد غير كذب على أنه مصدر كالمجلود والمعقول.

.تفسير الآيات (66- 71):

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صالحا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ} أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم وفضيحتهم يوم القيامة. وعن نافع {يَوْمَئِذٍ} بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هنا وفي (المعارج) في قوله: {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القوي العزيز} القادر على كل شيء والغالب عليه.
{وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة فَأَصْبَحُواْ في دِيَارِهِمْ جاثمين} قد سبق تفسير ذلك في سورة (الأعراف).
{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} نَوَنَّهُ أبو بكر هاهنا وفي (النجم) والكسائي في جميع القرآن وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو في قوله: {أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ} ذهاباً إلى الحي أو الأب الأكبر.
{وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم} يعني الملائكة، قيل: كانوا تسعة، وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل. {بالبشرى} ببشارة الولد. وقيل بهلاك قوم لوط. {قَالُواْ سَلاَماً} سلمنا عليك سلاماً ويجوز نصبه ب {قَالُواْ} على معنى ذكروا سلاماً. {قَالَ سلام} أي أمركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام، رفعه إجابة بأحسن من تحيتهم. وقرأ حمزة والكسائي {سلم} وكذلك في (الذاريات) وهما لغتان كحرم وحرام وقيل المراد به الصلح. {فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} فما أبطأ مجيئه به، أو فما أبطأ في المجيء به، أو فما تأخر عنه والجار في {أن} مقدر أو محذوف والحنيذ المشوي بالرضف. وقيل الذي يقطر ودكه من حنذت الفرس إذا عرفته بالجلال لقوله: {بِعِجْلٍ سَمِينٍ} {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ} لا يمدون إليه أيديهم. {نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أنكر ذلك منهم وخاف أن يريدوا به مكروهاً، ونكر وأنكر واستنكر بمعنى والإِيجاس الإِدراك وقيل الإِضمار {قَالُواْ} له لما أحسوا منه أثر الخوف. {لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ} إنا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب، وإنما لم نمد إليه أيدينا لأنا لا نأكل.
{وامرأته قَائِمَةٌ} وراء الستر تسمع محاورتهم أو على رؤوسهم للخدمة. {فَضَحِكَتْ} سروراً بزوال الخيفة أو بهلاك أهل الفساد أو بإصابة رأيها فإنها كانت تقول لإِبراهيم: اضمم إليك لوطاً فإني أعلم أن العذاب ينزل بهؤلاء القوم. وقيل فضحكت فحاضت قال الشاعر:
وَعَهْدِي بِسَلْمَى ضَاحِكَاً فِي لُبَابَة ** وَلَمْ يَعْدُ حُقَاً ثَدْيُهَا أَنْ تَحَلَّمَا

ومنه ضحكت السمرة إذا سال صمغها وقرئ بفتح الحاء. {فبشرناها بإسحاق وَمِن وَرَاء إسحاق يَعْقُوبَ} نصبه ابن عامر وحمزة وحفص بفعل يفسره ما دل عليه الكلام وتقديره: ووهبناها من وراء إسحاق يعقوب. وقيل إنه معطوف على موضع {بإسحاق} أو على لفظ {إسحاق}، وفتحته للجر فإنه غير مصروف ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظرف. وقرأ الباقون بالرفع على أنه مبتدأ.
وخبره الظرف أي و{يَعْقُوبَ} مولود من بعده. وقيل الوراء ولد الولد ولعله سمي به لأنه بعد الولد وعلى هذا تكون إضافته إلى {إسحاق} ليس من حيث أن يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه، بل من حيث أنه وراء إبراهيم من جهته وفيه نظر. والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كيحيى، ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا فسميا به، وتوجيه البشارة إليها للدلالة على أن الولد المبشر به يكون منها لا من هاجر ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد.