فصل: تفسير الآية رقم (25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (25):

{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)}
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا في نُفُوسِكُمْ} من قصد البر إليهما واعتقاد ما يجب لهما من التوقير، وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالاً. {إِن تَكُونُواْ صالحين} قاصدين للصلاح. {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ} للتوابين. {غَفُوراً} ما فرط منهم عند حرج الصدر من أذية أو تقصير، وفيه تشديد عظيم، ويجوز أن يكون عاماً لكل تائب، ويندرج فيه الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)}
{وَءاتِ ذَا القربى حَقَّهُ} من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبر عليهم. وقال أبو حنيفة: حقهم إذا كانوا محارم فقراء أن ينفق عليهم. وقيل المراد بذي القربى أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم. {والمسكين وابن السبيل وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا} بصرف المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإِسراف، وأصل التبذير التفريق. «وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد وهو يتوضأ: ما هذا السرف قال؛ أو في الوضوء سرف قال: نعم وإن كنت على نهر جار».

.تفسير الآية رقم (27):

{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}
{إِنَّ المبذرين كَانُواْ إخوان الشياطين} أمثالهم في الشرارة فإن التضييع والاتلاف شر، أو أصدقاءهم وأتباعهم لأنهم يطيعونهم في الإِسراف والصرف في المعاصي. روي: أنهم كانوا ينحرون الإِبل ويتياسرون عليها ويبذرون أموالهم في السمعة، فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالإِنفاق في القربات. {وَكَانَ الشيطان لِرَبّهِ كَفُورًا} مبالغاً في الكفر به فينبغي أن لا يطاع.

.تفسير الآيات (28- 39):

{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}
{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد، ويجوز أن يراد بالإِعراض عنهم أن لا ينفعهم على سبيل الكناية. {ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا} لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه، أو منتظرين له وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك فوضع الابتغاء موضعه لأنه مسبب عنه، ويجوز أن يتعلق بالجواب الذي هو قوله: {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا} أي فقل لهم قولاً ليناً ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم بإجمال القول لهم، والميسور من يسر الأمر مثل سَعُدَ الرَّجل ونحس، وقيل القول الميسور الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل أغناكم الله تعالى ورزقنا الله وإياكم.
{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط} تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر، نهى عنهما آمراً بالاقتصاد بينهما الذي هو الكرم. {فَتَقْعُدَ مَلُومًا} فتصير ملوماً عند الله وعند الناس بالإِسراف وسوء التدبير. {مَّحْسُوراً} نادماً أو منقطعاً بك لا شيء عندك من حسرة السفر إذا بلغ منه. وعن جابر: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس أتاه صبي فقال: إن أمي تستكسيك درعاً، فقال صلى الله عليه وسلم من ساعة إلى ساعة فعد إلينا، فذهب إلى أمه فقالت: قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً وأذن بلال وانتظروه للصلاة فلم يخرج فأنزل الله ذلك» ثم سلاه بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} يوسعه ويضيقه بمشيئته التابعة للحكمة البالغة فليس ما يرهقك من الإِضافة إلا لمصلحتك. {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم، ويجوز أن يراد أن البسط والقبض من أمر الله تعالى العالم بالسرائر والظواهر، فأما العباد فعليهم أن يقتصدوا، أو أنه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط، وأن يكون تمهيداً لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاق} مخافة الفاقة، وقتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه وضمن لهم أرزاقهم فقال: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ حُوباً كَبِيراً} ذنباً كبيراً لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع، وال {خطأ} الاثم يقال خطئ خطأ كأثم إثماً، وقرأ ابن عامر {خطأ}وهو اسم من اخطأ يضاد الصواب، وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر. وقرأ ابن كثير {خطاء} بالمد والكسر وهو إما لغة فيه أو مصدر خاطأ وهو وإن لم يسمع لكنه جاء تخاطأ في قوله:
تَخَاطَأَهُ القَناصُ حَتَّى وَجَدْتُه ** وَخَرْطُومُهُ فِي مَنْقعِ المَاءِ رَاسِب

وهو مبني عليه وقرئ: {خطاء} بالفتح والمد وخطا بحذف الهمزة مفتوحاً ومكسوراً.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَا} بالعزم والإِتيان بالمقدمات فضلاً عن أن تباشروه. {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} فعلة ظاهرة القبح زائدته. {وَسَاء سَبِيلاً} وبئس طريقاً طريقه، وهو الغصب على الابضاع المؤدي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن.
{وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان: وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمداً. {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا} غير مستوجب للقتل. {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ} للذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث. {سلطانا} تسلطاً بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه، أو بالقصاص على القاتل فإن قوله تعالى: {مَظْلُومًا} بدل على أن القتل عمد عدوان فإن الخطأ لا يسمى ظلماً. {فَلاَ يُسْرِف} أي القاتل. {فّى القتل} بأن يقتل من لا يستحق قتله، فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة، أو قتل غير القاتل ويؤيد الأول قراءة أبي {فلا تسرفوا}. وقرأ حمزة والكسائي {فلا تسرف} على خطاب أحدهما. {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} علة النهي على الاستئناف والضمير إما للمقتول فإنه منصور في الدنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب، وإما لوليه فإن الله تعالى نصره حيث أوجب القصاص له وأمر الولاة بمعونته، وإما للذي يقتله الولي إسرافاً بإيجاب القصاص أو التعزير والوزر على المسرف.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم} فضلاً أن تتصرفوا فيه. {إِلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} إلا بالطريقة التي هي أحسن. {حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء. {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} بما عاهدكم الله من تكاليفه، أو ما عاهدتموه وغيره. {إِنَّ العهد كَانَ مَّسْئُولاً} مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به، أو مسؤولاً عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت، أو يسأل العهد تبكيتاً للناكث كما يقال للموءودة {بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} فيكون تخييلاً ويجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسؤولاً.
{وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ} ولا تبخسوا فيه {وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم} بالميزان السوي، وهو رومي عرب ولا يقدح ذلك في عربية القرآن، لأن العجمي إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في الإِعراب والتعريف والتنكير ونحوها صار عربياً. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف هنا وفي (الشعراء). {ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} وأحسن عاقبة تفعيل من آل إذا رجع.
{وَلاَ تَقْفُ} ولا تتبع وقرئ: {وَلاَ تَقْفُ} من قاف أثره إذا قفاه ومنه القافة. {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ما لم يتعلق به علمك تقليداً أو رجماً بالغيب، واحتج به من منع اتباع الظن وجوابه أن المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند، سواء كان قطعاً أو ظناً واستعماله بهذا المعنى سائغ وشائع. وقيل إنه مخصوص بالعقائد. وقيل بالرمي وشهادة الزور ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: «من قفا مؤمناً بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج»، وقول الكميت:
وَلاَ أَرْمِي البَرِيء بِغَيْرِ ذَنْب ** وَلاَ أَقْفُو الحَواصِنَ إِنْ قفينا

{إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك} أي كل هذه الأعضاء فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها، هذا وإن أولاء وإن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين جاء لغيرهم كقوله:
وَالعَيْشُ بَعْدَ أُولَئِكَ الأَيَامِ

{كَانَ عَنْهُ مَّسْئُولاً} في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسؤولاً عن نفسه، يعني عما فعل به صاحبه، ويجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر {لا تَقْفُ} أو لصاحب السمع والبصر. وقيل: {مَسْؤُولاً} مسند إلى {عَنْهُ} كقوله تعالى: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ} والمعنى يسأل صاحبه عنه، وهو خطأ لأن الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدم، وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية. وقرئ: {والفؤاد} بقلب الهمزة واواً بعد الضمة ثم إبدالها بالفتح.
{وَلاَ تَمْشِ في الأرض مَرَحًا} أي ذا مرح وهو الاختيال. وقرئ: {مَرَحاً} وهو باعتبار الحكم أبلغ وإن كان المصدر آكد من صريح النعت. {إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض} لن تجعل فيها خرقاً بشدة وطأتك. {وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً} بتطاولك وهو تهكم بالمختال، وتعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجردة لا تعود بجدوى ليس في التذلل.
{كُلُّ ذلك} إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة. من قوله تعالى: {لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها ءاخَرَ} وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنها المكتوبة في ألواح موسى عليه السلام. {كَانَ سَيّئُهُ} يعني المنهي عنه فإن المذكورات مأمورات ومناه. وقرأ الحجازيان والبصريان {سَيّئُهُ} على أنها خبر {كَانَ} والاسم ضمير {كُلٌّ}، و{ذلك} إشارة إلى ما نهى عنه خاصة وعلى هذا قوله: {عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا} بدل من {سَيّئُهُ} أو صفة لها محمولة على المعنى، فإنه بمعنى سيئاً وقد قرئ به، ويجوز أن ينتصب مكروهاً على الحال من المستكن في {كَانَ} أو في الظرف على أنه صفة {سَيّئُهُ}، والمراد به المبغوض المقابل للمرضى لا ما يقابل المراد لقيام القاطع على أن الحوادث كلها واقعة بإرادته تعالى.
{ذلك} إشارة إلى الأحكام المتقدمة. {مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحكمة} التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به. {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه، فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد يفعله أو تركه غيره ضاع سعيه، وأنه رأس الحكمة وملاكها، ورتب عليه أولاً ما هو عائده الشرك في الدنيا وثانياً ما هو نتيجته في العقبى فقال تعالى: {فتلقى في جَهَنَّمَ مَلُومًا} تلوم نفسك. {مَّدْحُورًا} مبعدًا من رحمة الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (40):

{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}
{أفأصفاكم رَبُّكُم بالبنين} خطاب لمن قالوا الملائكة بنات الله، والهمزة للإنكار والمعنى: أفخصكم ربكم بأفضل الأولاد وهم البنون. {واتخذ مِنَ الملئكة إِنَاثًا} بنات لنفسه وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم. {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا} بإضافة الأولاد إليه، وهي خاصة بعض الأجسام لسرعة زوالها، ثم بتفضيل أنفسكم عليه حيث تجعلون له ما تكرهون ثم يجعل الملائكة الذين هم من أشرف خلق الله أدونهم.

.تفسير الآيات (41- 42):

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)}
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} كررنا هذا المعنى بوجوه من التقرير. {فِي هَذَا الْقُرْءَانِ} في مواضع منه، ويجوز أن يراد بهذا القرآن إبطال إضافة البنات إليه على تقدير: ولقد صرفنا هذا القول في هذا المعنى أو أوقعنا التصريف فيه، وقرئ: {صَرَفْنَا} بالتخفيف. {لّيَذْكُرُواْ} ليتذكروا وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الفرقان {لّيَذْكُرُواْ} من الذكر الذي هو بمعنى التذكر. {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} عن الحق وقلة طمأنينة إليه. {قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءالِهَةٌ كَمَا تَقُولُونَ} أيها المشركون، وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالياء فيه وفيما بعده على أن الكلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ووافقهما نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب في الثانية على أن الأولى مما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يخاطب به المشركين، والثانية مما نزه به نفسه عن مقالتهم. {إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِى العرش سَبِيلاً} جواب عن قولهم وجزاء للو والمعنى: لطلبوا إلى من هو مالك الملك سبيلاً بالمعازة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض، أو بالتقرب إليه والطاعة لعلمهم بقدرته وعجزهم كقوله تعالى: {أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة}

.تفسير الآية رقم (43):

{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)}
{سبحانه} ينزه تنزيهاً. {وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّا} تعالياً. {كَبِيراً} متباعداً غاية البعد عما يقولون، فإنه في أعلى مراتب الوجود وهو كونه واجب الوجود والبقاء لذاته، واتخاذ الولد من أدنى مراتبه فإنه من خواص ما يمتنع بقاؤه.