فصل: تفسير الآية رقم (44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (44):

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)}
{تُسَبّحُ لَهُ السموات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ} ينزهه عما هو من لوازم الإِمكان وتوابع الحدوث بلسان الحال حيث تدل بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب لذاته. {ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} أيها المشركون لإِخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم تسبيحهم، ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك بين اللفظ والدلالة لإسناده إلى ما يتصور منه اللفظ وإلى ما لا يتصور منه وعليهما عند من جوز إطلاق اللفظ على معنييه. وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو بكر {يسبح} بالياء. {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا} حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم. {غَفُوراً} لمن تاب منكم.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)}
{وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا} يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم. {مَّسْتُورًا} ذا ستر كقوله تعالى: {وَعْدُهُ مَأْتِيّا} وقولهم سيل مفعم، أو مستوراً عن الحس، أو بحجاب آخر لا يفهمون ولا يفهمون أنهم لا يفهمون نفى عنهم أن يفهموا ما أنزل عليهم من الآيات بعدما نفي عنهم التفقه للدلالات المنصوبة في الأنفس والآفاق تقريراً له وبياناً لكونهم مطبوعين على الضلالة كما صرح به بقوله:

.تفسير الآية رقم (46):

{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)}
{وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} تكنها وتحول دونها عن إدراك الحق وقبوله. {أَن يَفْقَهُوهُ} كراهة أن يفقهوه، ويجوز أن يكون مفعولاً لما دل عليه قوله: {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أي منعناهم أن يفقهوه. {وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا} يمنعهم عن استماعه. ولما كان القرآن معجزاً من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وإدراك اللفظ. {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ في الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ} واحداً غير مشفوع به آلهتهم، مصدر وقع موقع الحال وأصله يحد وحده بمعنى واحداً وحده. {وَلَّوْاْ على أدبارهم نُفُوراً} هرباً من استماع التوحيد ونفرة أو تولية، ويجوز أن يكون جمع نافر كقاعد وقعود.

.تفسير الآية رقم (47):

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)}
{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} بسببه ولأجله من الهزء بك وبالقرآن. {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} ظرف ل {أَعْلَمُ} وكذا. {وَإِذْ هُمْ نجوى} أي نحن أعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك مضمرون له وحين هم ذوو نجوى يتناجون به، و{نجوى} مصدر ويحتمل أن يكون جمع نجى. {إِذْ يَقُولُ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} مقدر باذكر، أو بدل من {إِذْ هُمْ نجوى} على وضع {الظالمون} موضع الضمير للدلالة على أن تناجيهم بقولهم هذا من باب الظلم، والمسحور هو الذي سُحِرَ فزال عقله. وقيل الذي له سحر وهو الرئة أي إلا رجلاً يتنفس ويأكل ويشرب مثلكم.

.تفسير الآيات (48- 55):

{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}
{انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال} مثلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون. {فُضّلُواْ} عن الحق في جميع ذلك. {فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} إلى طعن موجه فيتهافتون ويخبطون كالمتحير في أمره لا يدري ما يصنع أو إلى الرشاد. {وَقَالُواْ أَءذَا كُنَّا عظاما ورفاتا} حطاماً. {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} على الإِنكار والاستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم، من المباعدة والمنافاة، والعامل في إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها و{خَلْقاً} مصدر أو حال.
{قُلْ} جواباً لهم. {كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً}.
{أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ في صُدُورِكُمْ} أي مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها، فإن قدرته تعالى لا تقصر عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض، فكيف إذا كنتم عظاماً مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد. {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وَكُنتم تراباً وما هو أبعد منه من الحياة. {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} فسيحركونها نحوك تعجباً واستهزاء. {وَيَقُولُونَ متى هُوَ قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} فإن كل ما هو آت قريب، وانتصابه على الخبر أو الظرف أي يكون في زمان قريب، و{أَن يَكُونَ} اسم {عَسَى} أو خبره والاسم مضمر.
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ} أي يوم يبعثكم فتنبعثون، استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسر أمرهما، وأن المقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء. {بِحَمْدِهِ} حال منهم أي حامدين الله تعالى على كمال قدرته كما قيل إنهم ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، أو منقادين لبعثه انقياد الحامدين عليه. {وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} وتستقصرون مدة لبثكم في القبور كالذي مر على قرية، أو مدة حياتكم لما ترون من الهول.
{وَقُل لِّعِبَادِى} يعني المؤمنين. {يَقُولُواْ التي هي أَحْسَنُ} الكلمة التي هي أحسن ولا يخاشنوا المشركين. {إِنَّ الشيطان يَنزِعُ بَيْنَهُمْ} يهيج بينهم المراء والشر فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد. {إِنَّ الشيطان كَانَ للإنسان عَدُوّا مُّبِينًا} ظاهر العداوة.
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ} تفسير ل {التى هي أَحْسَنُ} وما بينهما اعتراض أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرحوا بأنهم من أهل النار، فإنه يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله. {وَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} موكولاً إليك أمرهم تقسرهم على الإِيمان وإنما أرسلناك مبشراً ونذيراً فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم. وروي أن المشركين أفرطوا في إيذائهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.
وقيل شتم عمر رضي الله تعالى عنه رجل منهم فهم به فأمره الله بالعفو.
{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ في السموات والأرض} وبأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء، وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبياً، وأن يكون العراة الجوع أصحابه. {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ} بالفضائل النفسانية والتبري عن العلائق الجسمانية، لا بكثرة الأموال والأتباع حتى داود عليه الصلاة والسلام فإن شرفه بما أوحى إليه من الكتاب لا بما أوتيه من الملك. قيل هو إشارة إلى تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: {وَءاتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً} تنبيه على وجه تفضيله وهو أنه خاتم الأنبياء وأمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور من أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، وتنكيره هاهنا وتعريفه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزبور} لأنه في الأصل فعول للمفعول كالحلوب، أو المصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزة بالضم وهو كالعباس أو الفضل، أو لأن المراد وآتينا داود بعض الزبر، أو بعضاً من الزبور فيه ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام.

.تفسير الآية رقم (56):

{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}
{قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم} أنها آلهة. {مِن دُونِهِ} كالملائكة والمسيح وعزير. {فَلاَ يَمْلِكُونَ} فلا يستطيعون. {كَشَفَ الضر عَنْكُمْ} كالمرض والفقر والقحط. {وَلاَ تَحْوِيلاً} ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم.

.تفسير الآية رقم (57):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}
{أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة} هؤلاء الآلهة يبتغون إلى الله القرابة بالطاعة. {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} بدل من واو {يَبْتَغُونَ} أي يبتغي من هو أقرب منهم إلى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب. {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويخافون عَذَابَهُ} كسائر العباد فكيف تزعمون أنهم آلهة. {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا} حقيقاً بأن يحذره كل أحد حتى الرسل والملائكة.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)}
{وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة} بالموت والاستئصال. {أَوْ مُعَذّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} بالقتل وأنواع البلية. {كَانَ ذلك في الكتاب} في اللوح المحفوظ. {مَسْطُورًا} مكتوباً.

.تفسير الآيات (59- 64):

{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)}
{وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالآيات} ما صرفنا عن إرسال الآيات التي اقترحها قريش. {إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون} إلا تكذيب الأولين الذين هم أمثالهم في الطبع كعاد وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك، واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنتنا وقد قضينا أن لا نستأصلهم، لأن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن. ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة فقال: {وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ} بسؤالهم. {مُبْصِرَةً} بينة ذات أبصار أو بصائر، أو جاعلتهم ذوي بصائر وقرئ بالفتح. {فَظَلَمُواْ بِهَا} فكفروا بها، أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها. {وَمَا نُرْسِلُ بالآيات} أي بالآيات المقترحة. {إِلاَّ تَخْوِيفًا} من نزول العذاب المستأصل، فإن لم يخافوا نزل أو بغير المقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفاً بعذاب الآخرة، فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة، والباء مزيدة أو في موقع الحال والمفعول محذوف.
{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ} واذكر إذ أوحينا إليك. {إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس} فهم في قبضة قدرته، أو أحاط بقريش بمعنى أهلكهم من أحاط بهم العدو، فهي بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه. {وَمَا جَعَلْنَا الرءيا التي أريناك} ليلة المعراج وتعلق به من قال إنه كان في المنام، ومن قال إنه كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية. أو عام الحديبية حين رأى أنه دخل مكة. وفيه أن الآية مكية إلا أن يقال رآها بمكة وحكاها حينئذ، ولعله رؤيا رآها في وقعة بدر لقوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ الله في مَنَامِكَ قَلِيلاً} ولما روي: «أنه لما ورد ماءه قال لكأني أنظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان، فتسامعت به قريش واستسخروا منه» وقيل رأى قوماً من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال: «هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم»، وعلى هذا كان المراد بقوله: {إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ} ما حدث في أيامهم. {والشجرة الملعونة في القرءان} عطف على {الرءيا} وهي شجرة الزقوم، لما سمع المشركون ذكرها قالوا إن محمداً يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر، ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السَمَنْدَل من أن تأكله النار، وأحشاء النعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر التي تبتلعها، قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها. ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة، أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة، أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضاراً، وقد أولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي، وقرأت بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والشجرة الملعونة في القرآن كذلك.
{وَنُخَوّفُهُمْ} بأنواع التخويف. {فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا} إلا عتواً متجاوز الحد.
{وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَءسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} لمن خلقته من طين، فنصب بنزع الخافض، ويجوز أن يكون حالاً من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين، أو منه أي أأسجد له وأصله طين. وفيه على الوجوه الثلاثة إيماء بعلة الإنكار.
{قَالَ أَرَءيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإِعراب، وهذا مفعول أول والذي صفته والمفعول الثاني محذوف للدلالة صلته عليه، والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي. {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة} كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} أي لأستأصلنهم بالاغواء إلا قليلاً لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، من أحتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً، مأخوذ من الحنك وإنما علم أن ذلك يتسهل له إما استنباطاً من قول الملائكة {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} مع التقرير، أو تفرساً من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب.
{قَالَ اذهب} امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه. {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب، ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات. {جَزَاء مَّوفُورًا} مكملاً من قولهم فر لصاحبك عرضه، وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله أو بما في {جَزَاؤُكُمْ} من معنى تجازون، أو حال موطئة لقوله: {مَّوفُورًا}.
{واستفزز} واستخفف. {مَنِ استطعت مِنْهُمْ} أن تستفزه والفز الخفيف. {بِصَوْتِكَ} بدعائك إلى الفساد. {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم} وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح. {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} بأعوانك من راكب وراجل، والخيل الخيالة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «يا خيل الله اركبي» والرجل اسم جمع للراجل كالصحب والركب، ويجوز أن يكون تمثيلاً لتسلطه على من يغويه بمغوار صوت على قوم فاستفزهم من أماكنهم وأجلب عليهم بجنده حتى استأصلهم. وقرأ حفص {وَرَجِلِكَ} بالكسر وغيره بالضم وهما لغتان كندس وندس ومعناه: وجمعك الرجل. وقرئ و{رجالك} و{رجالك}. {وَشَارِكْهُمْ في الأموال} بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام والتصرف فيها على ما لا ينبغي. {والأولاد} بالحث على التوصل إلى الولد بالسبب المحرم، والإِشراك فيه بتسميته عبد العزى، والتضليل بالحمل على الأديان الزائغة والحرف الذميمة والأفعال القبيحة. {وَعِدْهُمْ} المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة والاتكال على كرامة الآباء وتأخير التوبة لطول الأمل. {وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً} اعتراض لبيان مواعيده الباطلة، والغرور تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب.