فصل: تفسير الآية رقم (65):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (65):

{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)}
{إِنَّ عِبَادِى} يعني المخلصين، وتعظيم الإِضافة والتقييد في قوله: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} يخصصهم {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان} أي على إغوائهم قدرة. {وكفى بِرَبّكَ وَكِيلاً} يتوكلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة.

.تفسير الآية رقم (66):

{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)}
{رَّبُّكُمُ الذي يُزْجِى} هو الذي يجري. {لَكُمُ الفلك في البحر لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} الريح وأنواع الأمتعة التي لا تكون عندكم. {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل عليكم ما تعسر من أسبابه.

.تفسير الآية رقم (67):

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)}
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر في البحر} خوف الغرق. {ضَلَّ مَن تَدْعُونَ} ذهب عن خواطركم كل من تدعونه في حوادثكم. {إِلاَّ إِيَّاهُ} وحده فإنكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه فلا تدعون لكشفه إلا إياه، أو ضل كل من تعبدونه عن إغاثتكم إلا الله. {فَلَمَّا نجاكم} من الغرق. {إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ} عن التوحيد. وقيل اتسعتم في كفران النعمة كقول ذي الرمة:
عَطَاء فَتَى تَمَكَّنَ فِي المَعَالي ** فَأَعْرَضَ فِي المَكَارِمِ وَاسْتَطَالاَ

{وَكَانَ الإنسان كَفُورًا} كالتعليل للإعراض.

.تفسير الآيات (68- 74):

{أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)}
{أَفَأَمِنتُمْ} الهمزة فيه للإِنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره: أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإِعراض، فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قادر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره. {أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر} أن يقلبه الله وأنتم عليه، أو يقلبه بسببكم فبكم حال أو صلة ليخسف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيه وفي الأربعة التي بعده، وفي ذكر الجانب تنبيه على أنهم لما وصلوا الساحل كفروا وأعرضوا وأن الجوانب والجهات في قدرته سواء لا معقل يؤمن فيه من أسباب الهلاك. {أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} ريحاً تحصب أي ترمي بالحصباء {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً} يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفضله.
{أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ} في البحر. {تَارَةً أخرى} بخلق دواع تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه. {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مّنَ الريح} لا تمر بشيء إلا قصفته أي كسرته. {فَيُغْرِقَكُم} وعن يعقوب بالتاء على إسناده إلى ضمير {الريح}. {بِمَا كَفَرْتُمْ} بسبب إشراككم أو كفرانكم نعمة الإِنجاء. {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} مطالباً يتبعنا بانتصار أو صرف.
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ} بحسن الصورة والمزاج الأعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والإِفهام بالنطق والإِشارة والخط والتهدي، أو أسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات وانسياق الأسباب والمسببات العلوية والسفلية إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحضر دون إحصائه ومن ذلك ما ذكره ابن عباس: وهو أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلا الإنسان فإنه يرفعه إليه بيده. {وحملناهم في البر والبحر} على الدواب والسفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه، أو حملناهم فيهما حتى لم تخسف بهم الأرض ولم يغرقهم الماء. {وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطيبات} المستلذات مما يحصل بفعلهم وبغير فعلهم. {وفضلناهم على كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} بالغلبة والاستيلاء أو بالشرف والكرامة، والمستثنى جنس الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو الخواص منهم، ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس عدم تفضيل بعض أفراده والمسألة موضع نظر، وقد أول الكثير بالكل وفيه تعسف.
{يَوْمَ نَدْعُو} نصب بإضمار اذكر أو ظرف لما دل عليه {وَلاَ يُظْلَمُونَ}، وقرئ: {يدعو} و{يدعي} و{يدعو} على قلب الألف واواً في لغة من يقول أفعو في أفعى، أو على أن الواو علامة الجمع كما في قوله: {وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ} أو ضميره وكل بدل منه والنون محذوفة لقلة المبالاة بها فإنها ليست إلا علامة الرفع، وهو قد يقدر كما في {يدعي}. {كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم} بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين.
وقيل بكتاب أعمالهم التي قدموها فيقال يا صاحب كتاب كذا، أي تنقطع علقة الأنساب وتبقى نسبة الأعمال. وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وأفعالهم. وقيل بأمهاتهم جمع أم كخف وخفاف، والحكمة في ذلك، إجلال عيسى عليه السلام وإظهار شرف الحسن والحسين رضي الله عنهما، وأن لا يفتضح أولاد الزنا. {فَمَنْ أُوتِىَ} من المدعوين. {كتابه بِيَمِينِهِ} أي كتاب عمله. {فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءونَ كتابهم} ابتهاجاً وتبجحاً بما يرون فيه. {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} ولا ينقصون من أجورهم أدنى شيء، وجمع اسم الإشارة والضمير لأن من أوتي في معنى الجمع، وتعليق القراءة بإيتاء الكتاب باليمين يدل على أن من أوتي كتابه بشماله إذا اطلع ما فيه غشيهم من الخجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم عن القراءة، ولذلك لم يذكرهم مع أن قوله: {وَمَن كَانَ في هذه أعمى فَهُوَ في الأخرة أعمى} أيضاً مشعر بذلك فإن الأعمى لا يقرأ الكتاب، والمعنى ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب لا يبصر رشده كان في الآخرة أعمى لا يرى طريق النجاة. {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} منه في الدنيا لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة. وقيل لأن الاهتداء بعد لا ينفعه والأعمى مستعار من فاقد الحاسة. وقيل الثاني للتفضيل من عمي بقلبه كالأجهل والأبله ولذلك لم يمله أبو عمرو ويعقوب، فإن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم المتوسطة كما في أعمالكم بخلاف النعت، فإن ألفه واقعة في الطرف لفظاً وحكماً فكانت معرضة للامالة من حيث إنها تصير ياء في التثنية، وقد أمالهما حمزة والكسائي وأبو بكر، وقرأ ورش بين بين فيهما.
{وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} نزلت في ثقيف قالوا لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالاً نفتخر بها على العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى في صلاتنا، وكل رباً لنا فهو لنا وكل رباً علينا فهو موضوع عنا، وأن تمتعنا باللات سنة وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب لم فعلت ذلك فقل إن الله أمرني. وقيل في قريش قالوا لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسها بيدك. وإن هي المخففة واللام هي الفارقة والمعنى: أن الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال. {عَنِ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} من الأحكام {لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} غير ما أوحينا إليك. {وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك ولياً لهم بريئاً من ولايتي.
{وَلَوْلاَ أَن ثبتناك} ولولا تثبيتنا إياك. {لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم، والمعنى أنك كنت على صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون فضلاً أن تركن إليهم، وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما هَمَّ بإجابتهم مع قوة الدواعي. إليها، ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه.

.تفسير الآية رقم (75):

{إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)}
{إِذًا لأذقناك} أي لو قاربت لأذقناك. {ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات} أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ضعف ما نعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر، وكان أصل الكلام عذاباً ضعفاً في الحياة وعذاباً ضعفاً في الممات بمعنى مضاعفاً، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، ثم أضيفت كما يضاف موصوفها. وقيل الضعف من أسماء العذاب. وقيل المراد ب {ضِعْفَ الحياة} عذاب الآخرة {وَضِعْفَ الممات} عذاب القبر. {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} يدفع العذاب عنك.

.تفسير الآيات (76- 77):

{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)}
{وَإِن كَادُواْ} وإن كاد أهل مكة. {لَيَسْتَفِزُّونَكَ} ليزعجوك بمعاداتهم. {مّنَ الأرض} أرض مكة. {لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خلافك} ولو خرجت لا يبقون بعد خروجك. {إِلاَّ قَلِيلاً} إلا زماناً قليلاً، وقد كان كذلك فإنهم أهلكوا ببدر بعد هجرته بسنة. وقيل الآية: نزلت في اليهود حسدوا مقام النبي بالمدينة فقالوا: الشام مقام الأنبياء فإن كنت نبياً فالحق بها حتى نؤمن بك، فوقع ذلك في قلبه فخرج مرحلة فنزلت، فرجع ثم قتل منهم بنو قريظة وأجلي بنو النضير بقليل. وقرئ: {لا يلبثوا} منصوباً ب {إِذَا} على أنه معطوف على جملة قوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} لا على خبر كاد فإن إذا لا تعمل إذا كان معتمد ما بعدها على ما قبلها وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وحفص {خلافك} وهو لغة فيه قال الشاعر:
عفت الدَّيَار خِلافَهُمْ فَكَأَنَّمَا ** بسط الشَّوَاطِبَ بَيْنَهُنَّ حَصِيراً

{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} نصب على المصدر أي سن الله ذلك سنة، وهو أن يهلك كل أمة لله أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم، فالسنة لله وإضافتها إلى الرسل لأنها من أجلهم ويدل عليه. {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} أي تغييراً.

.تفسير الآية رقم (78):

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}
{أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} لزوالها ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: «أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر» وقيل لغروبها وأصل التركيب للانتقال ومنه الدلك فإن الدلك لا تستقر يده، وكذا كل ما تركب من الدال واللام: كدلج ودلح ودلع ودلف ودله. وقيل الدلوك من الدلك لأن الناظر إليها يدلك عينيه ليدفع شعاعها، واللام للتأنيث مثلها في: لثلاث خلون {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} إلى ظلمته وهو وقت صلاة العشاء الأخيرة. {وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ} وصلاة الصبح، سميت قرآناً لأنه ركنها كما سميت ركوعاً وسجوداً، واستدل به على وجوب القراءة فيها ولا دليل فيه لجواز أن يكون التجوز لكونها مندوبة فيها، نعم لو فسر بالقراءة في صلاة الفجر دل الأمر بإقامتها على الوجوب فيها نصاً وفي غيرها قياساً. {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، أو شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الذي هو أخو الموت بالانتباه أو كثير من المصلين أو من حقه أن يشهده الجم الغفير، والآية جامعة للصلوات الخمس إن فسر الدلوك بالزوال ولصلوات الليل وحدها إن فسر بالغروب. وقيل المراد بالصلاة صلاة المغرب وقوله: {لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ اليل} بيان لمبدأ الوقت ومنتهاه، واستدل به على أن الوقت يمتد إلى غروب الشفق.

.تفسير الآية رقم (79):

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)}
{وَمِنَ اليل فَتَهَجَّدْ بِهِ} وبعض الليل فاترك الهجود للصلاة والضمير لل {قُرْءانَ}. {نَافِلَةً لَّكَ} فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة، أو فضيلة لك لاختصاص وجوبه بك. {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} مقاماً يحمده القائم فيه وكل من عرفه، وهو مطلق في كل مكان يتضمن كرامة والمشهور أنه مقام الشفاعة. لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي» ولإِشعاره بأن الناس يحمدونه لقيامه فيه وما ذاك إلا مقام الشفاعة، وانتصابه على الظرف بإضمار فعله أي فيقيمك مقاماً أو بتضمين {يَبْعَثَكَ} معناه، أو الحال بمعنى أن يبعثك ذا مقام.

.تفسير الآيات (80- 84):

{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)}
{وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِى} أي في القبر. {مُدْخَلَ صِدْقٍ} إِدخالاً مرضياً. {وَأَخْرِجْنِى} أي منه عند البعث. {مُخْرَجَ صِدْقٍ} إخراجاً ملقى بالكرامة. وقيل المراد إدخال المدينة والإخراج من مكة. وقيل إدخاله مكة ظاهراً عليها وإخراجه منها آمناً من المشركين. وقيل إدخاله الغار وإخراجه منه سالماً. وقيل إدخاله فيما حمله من أعباء الرسالة وإخراجه منه مؤدياً حقه. وقيل إدخاله في كل ما يلابسه من مكان أو أمر وإخراجه منه. وقرئ: {مُدْخَلَ} و{مُخْرَجَ} بالفتح على معنى أدخلني فأدخل دخولاً وأخرجني فأخرج خروجاً. {واجعل لّى مِن لَّدُنْكَ سلطانا نَّصِيرًا} حجة تنصرني على من خالفني أو ملكاً ينصر الإِسلام على الكفر، فاستجاب له بقوله: {فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرض} {وَقُلْ جَاء الحق} الإسلام {وَزَهَقَ الباطل} وذهب وهلك الشرك من زهق روحه إذا خرج. {إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا} مضمحلاً غير ثابت، عن ابن مسعود رضي الله عنه: «أنه عليه الصلاة والسلام دخل مكة يوم الفتح وفيها ثلثمائة وستون صنماً ينكت بمخصرته في عين كل واحد منها فيقول جاء الحق وزهق الباطل، فينكب لوجهه حتى ألقى جميعها وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من صفر فقال: يا علي ارم به فصعد فرمى به فكسره».
{وَنُنَزّلُ مِنَ القرءان مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ} ما هو في تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمرضى، و{مِنْ} للبيان فإن كله كذلك. وقيل إنه للتبعيض والمعنى أن منه ما يشفي من المرض كالفاتحة وآيات الشفاء. وقرأ البصريان {نُنَزّلُ} بالتخفيف. {وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَارًا} لتكذيبهم وكفرهم به.
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان} بالصحة والسعة {أَعْرَضَ} عن ذكر الله. {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} لوى عطفه وبعد بنفسه عنه كأنه مستغن مستبد بأمره، ويجوز أن يكون كناية عن الاستكبار لأنه من عادة المستكبرين، وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان هنا وفي (فصلت) {وناء} على القلب أو على أنه بمعنى نهض. {وَإِذَا مَسَّهُ الشر} من مرض أو فقر. {كَانَ يَئُوساً} شديد اليأس من روح الله.
{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} قل كل أحد يعمل على طريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة، أو جوهر روحه وأحواله التابعة لمزاج بدنه. {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً} أسد طريقاً وأبين منهجاً، وقد فسرت الشاكلة بالطبيعة والعادة والدين.