فصل: تفسير الآية رقم (85):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (85):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الروح} الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره. {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} من الإبداعيات الكائنة ب {كُنَّ} من غير مادة وتولد من أصل كأعضاء جسده، أو وجد بأمره وحدث بتكوينه على أن السؤال عن قدمه وحدوثه. وقيل مما استأثر الله بعلمه. لما روي: أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبي، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي، فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة. وقيل الروح جبريل وقيل خلق أعظم من الملك وقيل القرآن، ومن أمر ربي معناه من وحيه. {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً} تستفيدونه بتوسط حواسكم، فإن اكتساب العقل للمعارف النظرية. إنما هو من الضروريات المستفادة من إحساس الجزئيات، ولذلك قيل من فقد حساً فقد فقد علماً. ولعل أكثر الأشياء لا يدركه الحس ولا شيئاً من أحواله المعروفة لذاته، وهو إشارة إلى أن الروح مما لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس به، فلذلك اقتصر على هذا الجواب كما اقتصر موسى في جواب: وما رب العالمين بذكر بعض صفاته. روي: أنه عليه الصلاة والسلام لما قال لهم ذلك قالوا: أنحن مختصون بهذا الخطاب؟ فقال: بل نحن وأنتم، فقالوا: ما أعجب شأنك ساعة تقول: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا} وساعة تقول هذا فنزلت {وَلَوْ أَنَّ مَّا في الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} وما قالوا لسوء فهمهم لأن الحكمة الإنسانية أن يعلم من الخير والحق ما تسعه القوة البشرية بل ما ينتظم به معاشه ومعاده، وهو بالإضافة إلى معلومات الله التي لا نهاية لها قليل ينال به خير الدارين وهو بالإضافة إليه كثيراً.

.تفسير الآيات (86- 93):

{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}
{وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} اللام الأولى موطئة للقسم و{لنذهبن} جوابه النائب مناب جزاء الشرط. والمعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من المصاحف والصدور {ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً} من يتوكل علينا استرداده مسطوراً محفوظاً.
{إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} فإنها إن نالتك فلعلهما تسترده عليك، ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً بمعنى ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به، فيكون امتناناً بابقائه بعد المنة في تنزيله. {إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} كإرساله وإنزال الكتاب عليه وإبقائه في حفظه.
{قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرءان} في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى. {لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} وفيهم العرب العرباء وأَرباب البيان وأهل التحقيق، وهو جواب قسم محذوف دل عليه اللام الموطئة، ولولا هي لكان جواب الشرط بلا جزم لكون الشرط ماضياً كقول زهير:
وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَة ** يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالي وَلاَ حَرَمُ

{وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} ولو تظاهروا على الإِتيان به، ولعله لم يذكر الملائكة لأن إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزاً، ولأنهم كانوا وسائط في إتيانه، ويجوز أن تكون الآية تقريراً لقوله: {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً}.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان. {لِلنَّاسِ في هذا القرءان مِن كُلّ مَثَلٍ} من كل معنى كالمثل في غرابته ووقوعه موقعها في الأنفس. {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} إلا جحوداً، وإنما جاز ذلك ولم يجز: ضربت إلا زيداً لأنه متأول بالنفي.
{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا} تعنتاً واقتراحاً بعد ما لزمتهم الحجة بيان إعجاز القرآن وانضمام غيره من المعجزات إليه. وقرأ الكوفيون ويعقوب {تَفْجُرَ} بالتخفيف والأرض أرض مكة والينبوع عين لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر.
{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ الأنهار خلالها تَفْجِيرًا} أو يكون لك بستان يشتمل على ذلك.
{أَوْ نُسْقِطْ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} يعنون قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مّنَ السماء} وهو كقطع لفظاً ومعنى، وقد سكنه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في جميع القرآن إلا في (الروم) وابن عامر إلا في هذه السورة، وأبو بكر ونافع في غيرهما وحفص فيما عدا (الطور)، وهو إما مخفف من المفتوح كسدرة وسدر أو فعل بمعنى مفعول كالطحن. {أَوْ تَأْتِىَ بالله والملئكة قَبِيلاً} كفيلاً بما تدعيه أي شاهداً على صحته ضامناً لدركه، أو مقابلاً كالعشير بمعنى المعاشر وهو حال من الله وحال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها كما حذف الخبر في قوله:
فإني وقيار بها لغريب

أو جماعة فيكون حالا من {الملائكة}
{أو يكون لك بيت من زخرف} من ذهب وقد قرئ به وأصله الزينة {أو ترقى في السماء} في معارجها {ولن نؤمن لرقيك} وحده {حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} وكان فيه تصديقك {قل سبحان ربي} تعجبا من اقتراحاتهم أو تنزيها لله من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة وقرأ ابن كثير وابن عامر: قال سبحان ربي أي قال الرسول: {هل كنت إلا بشرا} كسائر الناس {رسولا} كسائر الرسل وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم على ما يلائم حال قومهم ولم يكن أمر الآيات إليهم ولا لهم أن يتحكموا على الله حتى يتخيروها علي هذا هو الجواب المجمل وأما التفصيل فقد ذكر في آيات أخر كقوله: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس} {ولو فتحنا عليهم بابا}

.تفسير الآية رقم (94):

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)}
{وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الهدى} أي وما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي وظهور الحق. {إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ الله بَشَرًا رَّسُولاً} إلا قولهم هذا، والمعنى أنه لم يبق لهم شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن إلا أنكارهم أن يرسل الله بشراً.

.تفسير الآية رقم (95):

{قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)}
{قُلْ} جواباً لشبهتهم. {لَوْ كَانَ في الأرض ملائكة يَمْشُونَ} كما يمشي بنو آدم. {مُطْمَئِنّينَ} ساكنين فيها. {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولاً} لتمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه، وأما الإِنس فعامتهم عماة عن إدراك الملك والتلقف منه، فإن ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس، وملكاً يحتمل أن يكون حالاً من رسولاً وأن يكون موصوفاً به وكذلك بشراً والأول أوفق.

.تفسير الآيات (96- 101):

{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)}
{قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} على أني رسول الله إليكم بإظهاره المعجزة على وفق دعواي، أو على أني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم عاندتم وشهيداً نصب على الحال أو التمييز. {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة فيجازيهم عليها، وفيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد للكفار.
{وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ} يهدونه. {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ} يسحبون عليها أو يمشون بها. روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يمشون على وجوههم قال: «إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم، لأنهم في دنياهم لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصاموا عن استماع الحق وأبوا أن ينطقوا بالصدق، ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار مؤفي القوى والحواس. {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} سكن لهبها بأن أكلت جلودهم ولحومهم. {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} توقداً بأن نبدل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة مستعرة، كأنهم لما كذبوا بالإِعادة بعد الإِفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإِعادة والإِفناء وإليه أشار بقوله: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بئاياتنا وَقَالُواْ أَءذَا كُنَّا عظاما ورفاتا أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} لأن الإِشارة إلى ما تقدم من عذابهم.
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} أو لم يعلموا. {أَنَّ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} فإنهم ليسوا أشد خلقاً منهن ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء. {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ} هو الموت أو القيامة. {فأبى الظالمون} مع وضوح الحق. {إِلاَّ كُفُورًا} إلا جحوداً.
{قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى} خزائن رزقه وسائر نعمه، وأنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده كقول خاتم: لو ذات سوار لطمتني. وفائدة هذا الحذف والتفسير المبالغة مع الإِيجاز والدلالة على الاختصاص. {إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق} لبخلتم مخافة النفاد بالإنفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فهو إذن بخيل بالإضافة إلى جود الله تعالى وكرمه هذا وإن البخلاء أغلب فيهم. {وَكَانَ الإنسان قَتُورًا} بخيلاً لأن بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذله.
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى تِسْعَ ءايات بَيّنَاتٍ} هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل. وقيل الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة. وعن صفوان أن يهودياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت، فقبل اليهودي يده ورجله.
فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع، سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة. وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا، حكم مستأنف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام. {فاسأل بَنِى إسراءيل إِذْ جَاءهُمْ} فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك، أو سلهم عن حال دينهم ويؤيده قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم {فسأَل} على لفظ المضي بغير همز وهو لغة قريش و{إِذْ} متعلق بقلنا أو سأل على هذه القراءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم، أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو لتتسلى نفسك، أو لتعلم أنه تعالى لو أتى بما اقترحوا لأصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم، أو ليزداد يقينك لأن تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين وطمأنينة القلب وعلى هذا كان {إِذْ} نصباً بآيتنا أو بإضمار يخبروك على أنه جواب الأمر، أو بإضمار اذكر على الاستئناف. {فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّى لأَظُنُّكَ ياموسى مَّسْحُورًا} سحرت فتخبط عقلك.

.تفسير الآية رقم (102):

{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)}
{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ} يا فرعون وقرأ الكسائي بالضم على إخباره عن نفسه. {مَا أَنزَلَ هَؤُلاء} يعني الآيات. {إِلاَّ رَبُّ السموات والأرض بَصَائِرَ} بينات تبصرك صدقي ولكنك تعاند وانتصابه على الحال. {وَإِنّى لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُورًا} مصروفاً عن الخير مطبوعاً على الشر من قولهم: ما ثبرك عن هذا، أي ما صرفك أو هالكاً قارع ظنه بظنه وشتان ما بين الظنين فإن ظن فرعون كذب بحت وظن موسى يحوم حول اليقين من تظاهر أماراته. وقرئ: {وإن أخالك يا فرعون لمثبوراً} على إن المخففة واللام هي الفارقة.

.تفسير الآية رقم (103):

{فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)}
{فَأَرَادَ} فرعون. {أَن يَسْتَفِزَّهُم} أن يستخف موسى وقومه وينفيهم. {مّنَ الأرض} أرض مصر أو الأرض مطلقاً بالقتل والاستئصال. {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا} فعكسنا عليه مكره فاستفززناه وقومه بالإِغراق.