فصل: تفسير الآية رقم (39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (39):

{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)}
{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ} وهلا قلت عند دخولها. {مَا شَاء الله} الأمر ما شاء أو ما شاء كائن على أن ما موصولة، أو أي شيء شاء الله كان على أنها شرطية والجواب محذوف إقراراً بأنها وما فيها بمشيئة الله إن شاء أبقاها وإن شاء أبادها. {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} وقلت لا قوة إلا بالله اعترافاً بالعجز على نفسك والقدرة لله، وإن ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها بمعونته وإقداره. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى شيئاً فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره» {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا} يحتمل أن يكون فصلاً وأن يكون تأكيداً للمفعول الأول، وقرئ: {أَقُلْ} بالرفع على أنه خبر {أَنَاْ} والجملة مفعول ثاني ل {تَرَنِ}، وفي قوله: {وَوَلَدًا} دليل لمن فسر النفر بالأولاد.

.تفسير الآية رقم (40):

{فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)}
{فعسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} في الدنيا أو في الآخرة لإِيماني وهو جواب الشرط. {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا} على جنتك لكفرك. {حُسْبَانًا مِّنَ السماء} مرامي جمع حسبانة وهي الصواعق. وقيل هو مصدر بمعنى الحساب والمراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة. {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أرضاً ملساء يزلق عليها باستئصال نباتها وأشجارها.

.تفسير الآية رقم (41):

{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}
{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي غائراً. في الأرض مصدر وصف به كالزلق. {فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} للماء الغائر تردداً في رده.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)}
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} وأهلك أمواله حسبما توقعه صاحبه وأنذره منه، وهو مأخوذ من أحاط به العدو فإنه إذا أحاط به غلبه وإذا غلبه أهلكه، ونظيره أتى عليه إذا أهلكه من أتى عليهم العدو إذا جاءهم مستعلياً عليهم. {فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ} ظهراً لبطن تلهفاً وتحسراً. {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} في عمارتها وهو متعلق ب {يُقَلّبُ} لأن تقليب الكفين كناية عن الندم فكأنه قيل: فأصبح يندم، أو حال أي متحسراً على ما أنفق فيها. {وَهِىَ خَاوِيَةٌ} ساقطة. {على عُرُوشِهَا} بأن سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم فوقها عليها. {وَيَقُولُ} عطف على {يُقَلّبُ} أو حال من ضميره. {ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم أنه أتى من قبل شركه فتمنى لو لم يكن مشركاً فلم يهلك الله بستانَه، ويحتمل أن يكون توبة من الشرك وندماً على ما سبق منه.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)}
{وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ} وقرأ حمزة والكسائي بالياء لتقدمه. {يَنصُرُونَهُ} يقدرون على نصره بدفع الإِهلاك أو رد المهلك أو الإِتيان بمثله. {مِن دُونِ الله} فإِنه القادر على ذلك وحده. {وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} وما كان ممتنعاً بقوته عن انتقام الله منه.

.تفسير الآية رقم (44):

{هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}
{هُنَالِكَ} في ذلك المقام وتلك الحال. {الولاية لِلَّهِ الحق} النصرة له وحدة لا يقدر عليها غيره تقديراً لقوله: {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ} أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن ويعضده قوله: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي لأوليائه. وقرأ حمزة والكسائي بالكسر ومعناه السلطان والملك أي هنالك السلطان له لا يغلب ولا يمنع منه، أو لا يعبد غيره كقوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُواْ الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} فيكون تنبيهاً على أن قوله: {ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ} كان عن اضطرار وجزع مما دهاه. وقيل: {هُنَالِكَ} إشارة إلى الآخرة وقرأ أبو عمرو والكسائي {الحق} بالرفع صفة للولاية، وقرئ بالنصب على المصدر المؤكد، وقرأ عاصم وحمزة {عُقْبًا} بالسكون، وقرئ: {عقبى} وكلها بمعنى العاقبة.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)}
{واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا} واذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها أو صفتها الغريبة. {كَمَاء} هي كماء ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً ل {اضرب} على أنه بمعنى صير. {أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} فالتفت بسببه وخالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه، أو نجع في النبات حتى روى ورف وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض لكنه لما كان كل من المختلطين موصوفاً بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته. {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا} مهشوماً مكسوراً. {تَذْرُوهُ الرياح} تفرقه، وقرئ: {تذريه} من أذرى والمشبه به ليس الماء ولا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة، وهي حال النبات المنبت بالماء يكون أخضر وارفاً ثم هشيماً تطيره الرياح فيصير كأن لم يكن. {وَكَانَ الله على كُلّ شَئ} من الإِنشاء والإِفناء. {مُّقْتَدِرًا} قادراً.

.تفسير الآية رقم (46):

{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)}
{المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا} يتزين بها الإِنسان في دنياه وتفنى عنه عما قريب. {والباقيات الصالحات} وأعمال الخيرات التي تبقى له ثمرتها أبد الآباد، ويندرج فيها ما فسرت به من الصلوات الخمس وأعمال الحج وصيام رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والكلام الطيب. {خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ} من المال والبنين. {ثَوَاباً} عائدة. {وَخَيْرٌ أَمَلاً} لأن صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يؤمل بها في الدنيا.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)}
{وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال} واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجو، أو نذهب بها فنجعلها هباء منبثاً. ويجوز عطفه على {عِندَ رَبّكَ} أي الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير بالتاء والبناء للمفعول وقرئ: {تسير} من سارت. {وَتَرَى الأرض بَارِزَةً} بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها، وقرئ: {وترى} على بناء المفعول. {وحشرناهم} وجمعناهم إلى الموقف، ومجيئه ماضياً بعد {نُسَيّرُ} {وَتَرَى} لتحقق الحشر أو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم، وعلى هذا تكون الواو للحال بإضمار قد. {فَلَمْ نُغَادِرْ} فلم نترك. {مّنْهُمْ أَحَداً} يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر لترك الوفاء والغدير لما غادره السيل، وقرئ بالياء.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)}
{وَعُرِضُواْ على رَبّكَ} شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم. {صَفَّا} مصطفين لا يحجب أحد أحد. {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا} على إضمار القول على وجه يكون حالاً أو عاملاً في يوم نسير. {كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} عراة لا شيء معكم من المال والولد كقوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى} أو أحياء كخلقتكم الأولى لقوله: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَن لَن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} وقتاً لإنجاز الوعد بالبعث والنشور وأن الأنبياء كذبوكم به، وبل للخروج من قصة إلى أخرى.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}
{وَوُضِعَ الكتاب} صحائف الأعمال في الأيمان والشمائل أو في الميزان وقيل هو كناية عن وضع الحساب. {فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ} خائفين. {مِمَّا فِيهِ} من الذنوب. {وَيَقُولُونَ ياويلتنا} ينادون هلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات. {مَّالِ هذا الكتاب} تعجباً من شأنه. {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً} هنة صغيرة. {وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} إلا عددها وأحاط بها. {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا} مكتوباً في الصحف. {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} فيكتب عليه ما لم يفعل أو يزيد في عقابه الملائم لعمله.

.تفسير الآيات (50- 55):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)}
{وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال، وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرر ذلك بأنه من سنن إبليس، أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان. زهدهم أولاً في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها، ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العدواة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن. {كَانَ مِنَ الجن} حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل: ما له لم يسجد فقيل كان من الجن. {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ} فخرج عن أمره بترك السجود والفاء للسبب، وفيه دليل على أن الملك لا يعصى أَلبتة وإنما عصى إبليس لأنه كان جنياً في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة (البقرة). {أَفَتَتَّخِذُونَهُ} أعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للإِنكار والتعجب. {وَذُرّيَّتَهُ} أولاده أو أتباعه، وسماهم ذرية مجازاً. {أَوْلِيَاء مِن دُونِى} فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي. {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ للظالمين بَدَلاً} من الله تعالى إبليس وذريته، {وَمَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السماوات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} نفي إحضار إبليس وذريته خلق السموات والأرض، وإحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً} أي أعواناً رداً لاتخاذهم أولياء من دون الله شركاء له في العبادة، فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها، فوضع {المضلين} موضع الضمير ذماً لهم واستبعاداً للاعتضاد بهم. وقيل الضمير للمشركين والمعنى: ما أشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا اتبعهم الناس كما يزعمون، فلا تلتفت إلى قولهم طمعاً في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلين لديني. ويعضده قراءة من قرأ {وَمَا كُنْتَ} على خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقرئ: {مُتَّخِذاً المضلين} على الأصل و{عَضُداً} بالتخفيف و{عَضُداً} بالاتباع و{عَضُداً} كخدم جمع عاضد من عضده إذا قواه.
{وَيَوْمَ يَقُولُ} أي الله تعالى للكافرين وقرأ حمزة بالنون. {نَادُواْ شُرَكَائِىَ الذين زَعَمْتُمْ} أنهم شركائي وشفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي، وإضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ والمراد ما عبد من دونه، وقيل إبليس وذريته. {فَدَعَوْهُمْ} فنادوهم للإِغاثة. {فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} فلم يغيثوهم. {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم} بين الكفار وآلهتهم. {مَّوْبِقاً} مهلكاً يشتركون فيه وهو النار، أو عداوة هي في شدتها هلاك كقول عمر رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً.
و{مَّوْبِقاً} اسم مكان أو مصدر من وبق يوبق وبقا إذا هلك. وقيل البين الوصل أي وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكاً يوم القيامة.
{وَرَأَى المجرمون النار فَظَنُّواْ} فأيقنوا. {أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا} مخالطوها واقعون فيها. {وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا} انصرافاً أو مكانًا ينصرفون إليه.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا في هذا القرءان لِلنَّاسِ مِن كُلّ مَثَلٍ} من كل جنس يحتاجون إليه. {وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَئ} يتأتى منه الجدل. {جَدَلاً} خصومة بالباطل وانتصابه على التمييز.
{وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ} من الإِيمان. {إِذْ جَاءهُمُ الهدى} وهو الرسول الداعي والقرآن المبين. {وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ} ومن الاستغفار من الذنوب. {إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأولين} إلا طلب أو انتظار أو تقدير أن تأتيهم سنة الأولين، وهي الاستئصال فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه {أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب} عذاب الآخرة. {قُبُلاً} عياناً. وقرأ الكوفيون {قُبُلاً} بضمتين وهو لغة فيه أو جمع قبيل بمعنى أنواع، وقرئ بفتحتين وهو أيضاً لغة يقال لقيته مقابلة وقبلاً وقبلاً وقبلياً، وانتصابه على الحال من الضمير أو {العذاب}.