فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (17):

{فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)}
{فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَاباً} ستراً. {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} قيل قعدت في مشرفة للاغتسال من الحيض متحجبة بشيء يسترها وكانت تتحول من المسجد إلى بيت خالتها إذا حاضت وتعود إليه إذا طهرت فبينما هي في مغتسلها أتاها جبريل عليه السلام متمثلاً بصورة شاب أمرد سوي الخلق لتستأنس بكلامه، ولعله لتهييج شهوتها به فتنحدر نطفتها إلى رحمها.

.تفسير الآية رقم (18):

{قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)}
{قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ} من غاية عفافها. {إِن كُنتَ تَقِيّاً} تتقي الله وتحتفل بالاستعاذة، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي فإني عائذة منك، أو فتتعظ بتعويذي أو فلا تتعرض لي، ويجوز أن يكون للمبالغة أي إن كنت تقياً متورعاً فإني أتعوذ منك فكيف إذا لم تكن كذلك.

.تفسير الآية رقم (19):

{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)}
{قَالَ إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ} الذي استعذت به. {لأَهَبَ لَكِ غلاما} أي لأكون سبباً في هبته بالنفخ في الدرع، ويجوز أن يكون حكاية لقول الله تعالى، ويؤيده قراءة أبي عمرو والأكثر عن نافع ويعقوب بالياء. {زَكِيّاً} طاهراً من الذنوب أو نامياً على الخير أي مترقياً من سن إلى سن على الخير والصلاح.

.تفسير الآية رقم (20):

{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)}
{قَالَتْ أنى يَكُونُ لِى غلام وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ} ولم يباشر فيَّ رجل بالحلال، فإن هذه الكنايات إنما تطلق فيه، أما الزنا فإنما يقال فيه خبث بها وفجر ونحو ذلك ويعضده عطف قوله: {وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} عليه وهو فعول من البغي قلبت واوه ياء وأدغمت ثم كسرت الغين اتباعاً ولذلك لم تلحقه التاء، أو فعيل بمعنى فاعل ولم تلحقه التاء لأنه للمبالغة، أو للنسب كطالق.

.تفسير الآية رقم (21):

{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)}
{قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ} أي ونفعل ذلك لنجعله آية أو لنبين به قدرتنا ولنجعله، وقيل عطف على ليهب على طريقة الالتفات. {ءَايَةً لِلنَّاسِ} علامة لهم وبرهاناً على كمال قدرتنا. {وَرَحْمَةً مِّنَّا} على العباد يهتدون بإرشاده. {وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً} أي تعلق به قضاء الله في الأزل، أو قدر وسطر في اللوح أو كان أمراً حقيقاً بأن يقضى ويفعل لكونه آية ورحمة.

.تفسير الآية رقم (22):

{فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)}
{فَحَمَلَتْهُ} بأن نفخ في درعها فدخلت النفخة في جوفها وكان مدة حملها سبعة أشهر، وقيل ستة، وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية غيره، وقيل ساعة كما حملته نبذته وسنها ثلاث عشرة سنة، وقيل عشر سنين وقد حاضت حيضتين. {فانتبذت بِهِ} فاعتزلت وهو في بطنها كقوله:
تَدُوسُ بِنَا الجَمَاجِمَ وَالتَرِيبَا

والجار والمجرور في موضع الحال. {مَكَاناً قَصِيّاً} بعيداً من أهلها وراء الجبل وقيل أقصى الدار.

.تفسير الآية رقم (23):

{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}
{فَأَجَاءَهَا المخاض} فألجأها المخاض، بالكسر وهما مصدر مخضت المرأة إذا تحرك الولد في بطنها للخروج. {إلى جِذْعِ النخلة} لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة، وهو ما بين العرق والغصن وكانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا خضرة وكان الوقت شتاء، والتعريف إما للجنس أو للعهد إذ لم يكن ثم غيرها وكانت كالمتعالم عند الناس، ولعله تعالى ألهمها ذلك ليريها من آياته ما يسكن روعتها ويطعمها الرطب الذي هو خرسة النفساء الموافقة لها. {قَالَتْ يَا لَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هذا} استحياء من الناس ومخافة لومهم، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو بكر {مت} من مات يموت. {وَكُنتُ نَسْياً} ما من شأنه أن ينسى ولا يطلب ونظيره الذبح لما يذبح، وقرأ حمزة وحفص بالفتح وهو لغة فيه أو مصدر سمي به، وقرئ به وبالهمز وهو الحليب المخلوط بالماء ينسؤه أهله لقلته. {مَّنْسِيّاً} منسي الذكر بحيث لا يخطر ببالهم وقرئ بكسر الميم على الاتباع.

.تفسير الآية رقم (24):

{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)}
{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا} عيسى، وقيل جبريل كان يقبل الولد، وقيل تحتها أسفل من مكانها. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وروح {من تحتها} بالكسر والجر على أن في نادى ضمير أحدهما، وقيل الضمير في تحتها النخلة. {أَلاَّ تَحْزَنِى} أي لا تحزني أو بأن لا تحزني. {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} جدولاً. هكذا روي مرفوعاً، وقيل سرياً من السرو وهو عيسى عليه الصلاة والسلام.

.تفسير الآيات (25- 34):

{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)}
{وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة} وأميليه إليك، والباء مزيدة للتأكيد أو افعلي الهز والأمالة به، أو {هزي} الثمرة بهزه والهز تحريك بجذب ودفع. {تساقط عَلَيْكِ} تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وحذفها حمزة، وقرأ يعقوب بالياء وحفص {تساقط} من ساقطت بمعنى أسقطت، وقرئ: {تتساقط} و{تسقط} و{يسقط} فالتاء للنخلة والياء للجذع. {رُطَباً جَنِيّاً} تمييز أو مفعول. روي أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء، فهزتها فجعل الله تعالى لها رأساً وخوصاً ورطباً. وتسليتها بذلك لما فيه من المعجزات الدالة على براءة ساحتها فإن مثلها لا يتصور لمن يرتكب الفواحش، والمنبهة لمن رآها على أن من قدر أن يثمر النخلة اليابسة في الشتاء قدر أن يحبلها من غير فحل، وأنه ليس ببدع من شأنها مع ما فيه من الشراب والطعام ولذلك رتب عليه الأمرين فقال: {فَكُلِى واشربى} أي من الرطب وماء السرى أو من الرطب وعصيره. {وَقَرِّي عَيْناً} وطيبي نفسك وارفضي عنها ما أحزنك، وقرئ: {وقَرى} بالكسر وهو لغة نجد، واشتقاقه من القرار فإن العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره، أو من الفرقان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال قرة العين للمحبوب وسخنتها للمكروه. {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً} فإن تري آدمياً، وقرئ: {ترئن} على لغة من يقول لبأت بالحج لتآخ بين الهمزة وحرف اللين. {فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً} صمتاً وقد قرئ به، أو صياماً وكانوا لا يتكلمون في صيامهم. {فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً} بعد أن أخبرتكم بنذري وإنما أكلم الملائكة وأناجي ربي. وقيل أخبرتهم بنذرها بالإِشارة وأمرها بذلك لكراهة المجادلة والاكتفاء بكلام عيسى عليه الصلاة والسلام فإنه قاطع في قطع الطاعن.
{فَأَتَتْ بِهِ} أي مع ولدها. {قَوْمَهَا} راجعة إليهم بعد ما طهرت من النفاس. {تَحْمِلُهُ} حاملة إياه. {قَالُواْ يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} أي بديعاً منكراً من فري الجلد.
{يَآ أُخْتَ هارون} يعنون هرون النبي عليه الصلاة والسلام وكانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة، وقيل كانت من نسله وكان بينهما ألف سنة. وقيل هو رجل طالح أو صالح كان في زمانهم شبهوها به تهكماً أو لما رأوا قبل من صلاحها أو شتموها به. {مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} تقرير لأن ما جاءت به فري، وتنبيه على أن الفواحش من أولاد الصالحين أفحش.
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} إلى عيسى عليه الصلاة والسلام أي كلموه ليجيبكم. {قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ في المهد صَبِيّاً} ولم نعهد صبياً في المهد كلمه عاقل، و{كَانَ} زائدة والظرف صلة من.
و{صَبِيّاً} حال من المستكن فيه أو تامة أو دائمة كقوله تعالى: {وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً} أو بمعنى صار.
{قَالَ إِنّى عَبْدُ الله} أنطقه الله تعالى به أولاً لأنه أول المقامات والرد على من يزعم ربوبيته. {ءَاتَانِىَ الكتاب} الإِنجيل. {وَجَعَلَنِى نَبِيّاً}.
{وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً} نفاعاً معلماً للخير، والتعبير بلفظ الماضي إما باعتبار ما سبق في قضائه، أو بجعل المحقق وقوعه كالواقع وقيل أكمل الله عقله واستنبأه طفلاً. {أَيْنَمَا كُنتُ} حيث كنت. {وَأَوْصَانِى} وأمرني. {بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ} زكاة المال إن ملكته أو تطهير النفس عن الرذائل. {مَا دُمْتُ حَيّاً}.
{وَبَرّاً بِوَالِدَتِى} وباراً بها عطف على {مُبَارَكاً}، وقرئ بالكسر على أنه مصدر وصف به أو منصوب بفعل دل عليه أوصاني، أي وكلفني براً ويؤيده القراءة بالكسر والجر عطفاً على {الصلاة}. {وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً} عند الله من فرط تكبره.
{والسلام عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} كما هو على يحيى والتعريف للعهد والأظهر أنه للجنس والتعريض باللعن على أعدائه، فإنه لما جعل جنس السلام على نفسه عرض بأن ضده عليهم كقوله تعالى: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} فإنه تعريض بأن العذاب على من كذب وتولى.
{ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ} أي الذي تقدم نعته هو عيسى ابن مريم لا ما يصفه النصارى، وهو تكذيب لهم فيما يصفونه على الوجه الأبلغ والطريق البرهاني حيث جعله موصوفاً بأضداد ما يصفونه ثم عكس الحكم. {قَوْلَ الحق} خبر محذوف أي هو قول الحق الذي لا ريب فيه، والإِضافة للبيان والضمير للكلام السابق أو لتمام القصة. وقيل صفة {عِيسَى} أو بدل أو خبر ثان ومعناه كلمة الله. وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب {قَوْلَ} بالنصب على أنه مصدر مؤكد. وقرئ: {قال الحق} وهو بمعنى القول. {الذى فِيهِ يَمْتُرُونَ} في أمره يشكون أو يتنازعون، فقالت اليهود ساحر وقالت النصارى ابن الله وقرئ بالتاء على الخطاب.

.تفسير الآية رقم (35):

{مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)}
{مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سبحانه} تكذيب للنصارى وتنزيه لله تعالى عما بهتوه. {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} تبكيت لهم، فإن من إذا أراد شيئاً أوجده ب {كُن} كان منزهاً عن شبه الخلق إلى الحاجة في اتخاذ الولد بإحبال الإِناث، وقرأ ابن عامر {فَيَكُونُ} بالنصب على الجواب.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)}
{وَإِنَّ الله رَبِّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} سبق تفسيره في سورة (آل عمران)، وقرأ الحجازيان والبصريان {وَأَنْ} بالفتح على ولأن وقيل إنه معطوف على {الصلاة}.

.تفسير الآية رقم (37):

{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)}
{فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} اليهود والنصارى. أو فرق النصارى، النسطورية قالوا إنه ابن الله، ويعقوبية قالوا هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء، وملكانية قالوا هو عبد الله ونبيه. {فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} من شهود يوم عظيم هوله وحسابه وجزاؤه، وهو يوم القيامة أو من وقت الشهود أو من مكانه فيه، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وهو أن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وآرابهم وأرجلهم بالكفر والفسق، أو من وقت الشهادة أو من مكانها. وقيل هو ما شهدوا به في عيسى وأمه.

.تفسير الآية رقم (38):

{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)}
{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} تعجب معناه أن أسمَاعهم وأبصارهم. {يَوْمَ يَأْتُونَنَا} أي يوم القيامة جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صماً عمياً في الدنيا، أو التهديد بما سيسمعون ويبصرون يومئذ. وقيل أمر بأن يسمعهم ويبصرهم مواعيد ذلك اليوم وما يحيق بهم فيه، والجار والمجرور على الأول في موضع الرفع وعلى الثاني في موضع النصب {لكن الظالمون اليوم في ضلال مُّبِينٍ} أوقع الظالمون موقع الضمير إشعاراً بأنهم ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم، وسجل على إغفالهم بأنه ضلال بين.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)}
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة} يوم يتحسر الناس المسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه. {إِذْ قُضِىَ الأمر} فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار، وإذ بدل من اليوم أو ظرف ل {لحسرة}. {وَهُمْ في غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} حال متعلقة بقوله: {فِى ضلال مُّبِينٍ} وما بينهما اعتراض، أو ب {أَنْذِرْهُمْ} أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين، فتكون حالاً متضمنة للتعليل.