فصل: تفسير الآية رقم (51):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (51):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)}
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ} الاهتداء لوجوه الصلاح وإضافته ليدل على أنه رشد مثله وأن له شأناً. وقرئ: {رشده} وهو لغة. {مِن قَبْلُ} موسى وهرون أو محمد عليه الصلاة والسلام. وقيل من قبل استنبائه أو بلوغه حيث قال: {إِنّى وَجَّهْتُ} {وَكُنَّا بِهِ عالمين} علمنا أنه أهل لما آتيناه، أو جامع لمحاسن الأوصاف ومكارم الخصال وفيه إشارة إلى أن فعله سبحانه وتعالى باختيار وحكمة وأنه عالم بالجزئيات.

.تفسير الآية رقم (52):

{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)}
{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ} متعلق ب {ءَاتَيْنَا} أو ب {رشده} أو بمحذوف: أي اذكر من أوقات رشده وقت قوله: {مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عاكفون} تحقير لشأنها وتوبيخ على إجلالها، فإن التمثال صورة لا روح فيها لا يضر ولا ينفع، واللام للاختصاص لا للتعدية فإن تعدية العكوف بعلى. والمعنى أنتم فاعلون العكوف لها ويجوز أن يؤول بعلى أو يضمن العكوف معنى العبادة.

.تفسير الآية رقم (53):

{قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)}
{قَالُواْ وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا لَهَا عابدين} فقلدناهم وهو جواب ما لزم الاستفهام من السؤال عما اقتضى عبادتها وحملهم عليها.

.تفسير الآية رقم (54):

{قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)}
{قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ في ضلال مُّبِينٍ} منخرطين في سلك ضلال لا يخفى على عاقل لعدم استناد الفريقين إلى دليل، والتقليد إن جاز فإنما يجوز لمن علم في الجملة أنه على حق.

.تفسير الآية رقم (55):

{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)}
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} كأنهم لاستبعادهم تضليله إياهم ظنوا أن ما قاله إنما قاله على وجه الملاعبة، فقالوا أبجد تقوله أم تلعب به.

.تفسير الآية رقم (56):

{قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)}
{قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السموات والارض الذي فطَرَهُنَّ} إضراب عن كونه لاعباً بإقامة البرهان على ما ادعاه وهن للسموات والأرض أو للتماثيل، وهو أدخل في تضليلهم وإلزام الحجة عليهم. {وَأَنَاْ على ذلكم} أي المذكور من التوحيد. {مِّنَ الشاهدين} من المتحققين له والمبرهنين عليه، فإن الشاهد من تحقق الشيء وحققه.

.تفسير الآية رقم (57):

{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)}
{وتالله} وقرئ بالباء وهي الأصل والتاء بدل من الواو المبدلة منها وفيها تعجب. {لأَكِيدَنَّ أصنامكم} لأجتهدن في كسرها، ولفظ الكيد وما في التاء من التعجب لصعوبة الأمر وتوقفه على نوع من الحيل. {بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ} عنها. {مُّدْبِرِينَ} إلى عيدكم ولعله قال ذلك سراً.

.تفسير الآية رقم (58):

{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)}
{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} قطاعاً فعال بمعنى مفعول كالحطام من الجذ وهو القطع. وقرأ الكسائي بالكسر وهو لغة، أو جمع جذيذ كخفاف وخفيف. وقرئ بالفتح و{جذذاً} جمع جذيذ وجذذاً جمع جذة. {إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ} للأصنام كسر غيره واستبقاه وجعل الفأس على عنقه. {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} لأنه غلب على ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لتفرده واشتهاره بعداوة آلهتهم فيحاجهم بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} فيحجهم، أو أنهم يرجعون إلى الكبير فيسألونه عن كاسرها إذ من شأن المعبود أن يرجع إليه في حل العقد فيبكتهم بذلك، أو إلى الله أي {يَرْجِعُونَ} إلى توحيده عند تحققهم عجز آلهتهم.

.تفسير الآية رقم (59):

{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)}
{قَالُواْ} حين رجعوا. {مَن فَعَلَ هذا بِئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين} بجرأته على الآلهة الحقيقة بالإِعظام، أو بإفراطه في حطمها أو بتوريط نفسه للهلاك.

.تفسير الآية رقم (60):

{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)}
{قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} يعيبهم فلعله فعله ويذكر ثاني مفعولي سمع، أو صفة ل {فَتًى} مصححة لأن يتعلق به السمع وهو أبلغ في نسبة الذكر إليه. {يُقَالُ لَهُ إبراهيم} خبر محذوف أي هو إبراهيم، ويجوز أن يرفع بالفعل لأن المراد به الاسم.

.تفسير الآية رقم (61):

{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)}
{قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ الناس} بمرأى منهم بحيث تتمكن صورته في أعينهم تمكن الراكب على المركوب. {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} بفعله أو قوله أو يحضرون عقوبتنا له.

.تفسير الآية رقم (62):

{قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62)}
{قَالُواْ ءَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنَا يَآ إِبْرَاهِيمُ} حين أحضروه.

.تفسير الآية رقم (63):

{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)}
{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْئَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} أسند الفعل إليه تجوزاً لأن غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له تسبب لمباشرته إياه، أو تقريراً لنفسه مع الاستهزاء والتبكيت على أسلوب تعريضي كما لو قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط رشيق: أأنت كتبت لهذا فقلت بل كتبته أنت، أو حكاية لما يلزم من مذهبهم جوازه، وقيل إنه في المعنى متعلق بقوله: {إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} وما بينهما اعتراض أو إلى ضمير {فَتًى} أو {إبراهيم}، وقوله: {كَبِيرُهُمْ هذا} مبتدأ وخبر ولذلك وقف على فعله. وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لإِبراهيم ثلاث كذبات» تسمية للمعاريض كذباً لما شابهت صورتها صورته.

.تفسير الآيات (64- 77):

{فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)}
{فَرَجَعُواْ إلى أَنفُسِهِمْ} وراجعوا عقولهم. {فَقَالُواْ} فقال بعضهم لبعض. {إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظالمون} بهذا السؤال أو بعبادة من لا ينطق ولا يضر ولا ينفع لا من ظلمتموه بقولكم {إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين}.
{ثُمَّ نُكِسُواْ على رُؤُوسِهِمْ} انقلبوا إلى المجادلة بعدما استقاموا بالمراجعة، شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء مستعلياً على أعلاه. وقرئ: {نُكِّسُواْ} بالتشديد و{نكسوا} أي نكسوا أنفسهم. {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلآءِ يِنْطِقُونَ} فكيف تأمرنا بسؤالها وهو على إرادة القول.
{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ} إنكار لعبادتهم لها بعد اعترافهم بأنها جمادات لا تنفع ولا تضر فإنه ينافي الألوهية.
{أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} تضجر منه على إصرارهم بالباطل البين، و{أُفّ} صوت المتضجر ومعناه قبحاً ونتناً واللام لبيان المتأفف له. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} قبح صنيعكم.
{قَالُواْ} أخذا في المضارة لما عجزوا عن المحاجة. {حَرِّقُوهُ} فإن النار أهول ما يعاقب به. {وانصروا ءَالِهَتَكُمْ} بالانتقام لها. {إِن كُنتُمْ فاعلين} إن كنتم ناصرين لها نصراً مؤزراً، والقائل فيهم رجل من أكراد فارس اسمه هيون خسف به الأرض وقيل نمروذ.
{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِى بَرْداً وسلاما على إبراهيم} ذات برد وسلام أي ابردي بردا غير ضار، وفيه مبالغات جعل النار المسخرة لقدرته مأمورة مطيعة وإقامة {كُونِى} ذات برد مقام أبردي، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل نصب {سَلاَماً} بفعله أي وسلمنا سلاماً عليه. روي أنهم بنوا حظيرة بكوثى وجمعوا فيها ناراً عظيمة ثم وضعوه في المنجنيق مغلولاً فرموا به فيها فقال له جبريل: هل لك حاجة، فقال: أما إليك فلا فقال: فسل ربك فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي، فجعل الله تعالى ببركة قوله الحظيرة روضة ولم يحترق منه إلا وثاقه، فاطلع عليه نمرود من الصرح فقال إني مقرب إلى إلهك فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وكان إذ ذاك ابن ست عشرة سنة وانقلاب النار هواء طيباً ليس ببدع غير أنه هكذا على خلاف المعتاد فهو إذن من معجزاته. وقيل كانت النار بحالها لكنه سبحانه وتعالى دفع عنه أذاها كما ترى في السمندل ويشعر به قوله على إبراهيم.
{وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} مكراً في إضراره. {فجعلناهم الأخسرين} أخسر من كل خاسر لما عاد سعيهم برهاناً قاطعاً على أنهم على الباطل وإبراهيم على الحق وموجباً لمزيد درجته واستحقاقهم أشد العذاب.
{ونجيناه وَلُوطاً إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا للعالمين} أي من العراق إلى الشام وبركاته العامة أن أكثر الأنبياء بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم التي هي مبادي الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية.
وقيل كثرة النعم والخصب الغالب. روي أنه عليه الصلاة والسلام نزل بفلسطين ولوط عليه الصلاة والسلام بالمؤتفكة وبينهما مسيرة يوم وليلة.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} عطية فهي حال منهما أو ولد ولد، أو زيادة على ما سأل وهو إسحاق فتختص بيعقوب ولا بأس به للقرينة. {وَكُلاًّ} يعني الأربعة. {جَعَلْنَا صالحين} بأن وفقناهم للصلاح وحملناهم عليه فصاروا كاملين.
{وجعلناهم أَئِمَّةً} يقتدى بهم. {يَهْدُونَ} الناس إلى الحق. {بِأَمْرِنَا} لهم بذلك وأرسلنا إياهم حتى صاروا مكملين. {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات} ليحثوهم عليها فيتم كمالها بانضمام العمل إلى العلم، وأصله أن تفعل الخيرات ثم فعلا الخيرات وكذلك قوله: {وَإِقَامَ الصلاة وَإِيتَاء الزكواة} وهو من عطف الخاص على العام للتفضيل، وحذفت تاء الإِقامة المعوضة من إحدى الألفين لقيام المضاف إليه مقامها. {وَكَانُواْ لَنَا عابدين} موحدين في العبادة ولذلك قدم الصلة.
{وَلُوطاً اتيناه حُكْماً} حكمة أو نبوة أو فصلاً بين الخصوم. {وَعِلْماً} بما ينبغي علمه للأنبياء. {ونجيناه مِنَ القرية} قرية سدوم. {التى كَانَت تَعْمَلُ الخبائث} يعني اللواطة وصفها بصفة أهلها أو أسندها إليها على حذف المضاف وإقامتها مقامه ويدل عليه: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فاسقين} فإنه كالتعليل له.
{وأدخلناه في رَحْمَتِنَا} في أهل رحمتنا أو جنتنا. {إِنَّهُ مِنَ الصالحين} الذين سبقت لهم منا الحسنى.
{وَنُوحاً إِذْ نادى} إذ دعا الله سبحانه على قومه بالهلاك. {مِن قَبْلُ} من قبل المذكورين. {فاستجبنا لَهُ} دعاءه. {فنجيناه وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم} من الطوفان أو أذى قومه والكرب الغم الشديد.
{ونصرناه} مطاوع انتصر أي جعلناه منتصراً. {مِنَ القوم الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فأغرقناهم أَجْمَعِينَ} لاجتماع الأمرين تكذيب الحق والانهماك في الشر، ولعلهما لم يجتمعا في قوم إلا وأهلكهم الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (78):

{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)}
{وَدَاوُودَ وسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ في الحرث} في الزرع، وقيل في كرم تدلت عناقيده. {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم} رعته ليلاً. {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهدين} لحكم الحاكمين والمتحاكمين إليهما عالمين.

.تفسير الآية رقم (79):

{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)}
{ففهمناها سليمان} الضمير للحكومة أو للفتوى وقرئ: {فأفهمناها}. روي أن داود حكم بالغنم لصاحب الحرث فقال سليمان وهو ابن إحدى عشرة سنة: غير هذا أرفق بهما فأمر بدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأشعارها والحرث إلى أرباب الغنم يقومون عليه حتى يعود إلى ما كان ثم يترادان. ولعلهما قالا اجتهادا والأول نظير قول أبي حنيفة في العبد الجاني والثاني مثل قول الشافعي بغرم الحيلولة في العبد المغصوب إذا أبق، وحكمه في شرعنا عند الشافعي وجوب ضمان المتلف بالليل إذ المعتاد ضبط الدواب ليلاً وهكذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم لما دخلت ناقة البراء حائطاً وأفسدته فقال: «على أهل الأموال حفظها بالنهار وعلى أهل الماشية حفظها بالليل» وعند أبي حنيفة لا ضمان إِلاَّ أن يكون معها حافظ لقوله صلى الله عليه وسلم: «جرح العجماء جبار» {وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} دليل على أن خطأ المجتهد لا يقدح فيه. وقيل على أن كل مجتهد مصيب وهو مخالف لمفهوم قوله تعالى: {ففهمناها} ولولا النقل لاحتمل توافقهما على أن قوله ففهمناها لإِظهار ما تفضل عليه في صغره. {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ الجبال يُسَبّحْنَ} يقدسن الله معه إما بلسان الحال أو بصوت يتمثل له، أو بخلق الله تعالى فيها الكلام. وقيل يسرن معه من السباحة وهو حال أو استئناف لبيان وجه التسخير و{مَّعَ} متعلقة ب {سَخَّرْنَا} أو {يُسَبِّحْنَ} {والطير} عطف على {الجبال} أو مفعول معه. وقرئ بالرفع على الإِبتداء أو العطف على الضمير على ضعف. {وَكُنَّا فاعلين} لأمثاله فليس ببدع منا وإن كان عجباً عندكم.