فصل: تفسير الآيات (195- 227):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (195- 227):

{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}
{بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُّبِينٍ} واضح المعنى لئلا يقولوا ما نصنع بما لا نفهمه فهو متعلق ب {نَزَّلَ}، ويجوز أن يتعلق بالمنذرين أي لتكون ممن أنذروا بلغة العرب وهم هود وصالح وإسمعيل وشعيب ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين} وإن ذكره أو معناه لفي الكتب المتقدمة.
{أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَةً} على صحة القرآن أو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. {أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إسراءيل} أن يعرفوه بنعته المذكور في كتبهم وهو تقرير لكونه دليلاً. وقرأ ابن عامر تكن بالتاء و{ءايَةً} بالرفع على أنها الاسم والخبر {لَهُمْ} {وَأَنْ يَعْلَمْهُ} بدل أو الفاعل و{أَن يَعْلَمَهُ} بدل {وَهُمْ} حال، أو أن الاسم ضمير القصة و{ءَايَةً} خبر {أَن يَعْلَمَهُ} والجملة خبر تكن.
{وَلَوْ نزلناه على بَعْضِ الأعجمين} كما هو زيادة في إعجازه أو بلغة العجم.
{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} لفرط عنادهم واستكبارهم، أو لعدم فهمهم واستنكافهم من اتباع العجم، و{الأعجمين} جمع أعجمي على التخفيف ولذلك جمع جمع السلامة.
{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} أدخلناه. {فِي قُلُوبِ المجرمين} والضمير للكفر المدلول عليه بقوله: {مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} فتدل الآية على أنه بخلق الله، وقيل للقرآن أي أدخلناه فيها فعرفوا معانيه وإعجازه ثم لم يؤمنوا به عناداً.
{لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} الملجئ إلى الإِيمان.
{فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} في الدنيا والآخرة. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانه.
{فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} تحسراً وتأسفاً.
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} فيقولون أمطر علينا حجارة من السماء، {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا}، وحالهم عند نزول العذاب طلب النظرة.
{أَفَرَأَيْتَ إِن متعناهم سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ مَا أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} لم يغن عنهم تمتعهم المتطاول في دفع العذاب وتخفيفه.
{وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} أنذروا أهلها إلزاماً للحجة.
{ذِكْرِى} تذكرة ومحلها النصب على العلة أو المصدر لأنها في معنى الإِنذار، أو الرفع على أنها صفة {مُنذِرُونَ} بإضمار ذوو، أو بجعلهم ذكرى لإِمعانهم في التذكرة، أو خبر محذوف والجملة اعتراضية. {وَمَا كُنَّا ظالمين} فنهلك غير الظالمين، أو قبل الإِنذار.
{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} كما زعم المشركون أنه من قبيل ما يلقي الشياطين على الكهنة.
{وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ} وما يصح لهم أن يتنزلوا به. {وَمَاَ يَسْتَطِيعُونَ} وما يقدرون.
{إِنَّهُمْ عَنِ السمع} لكلام الملائكة. {لَمَعْزُولُونَ} لأنه مشروط بمشاركة في صفاء الذات وقبول فيضان الحق والانتقاش بالصور الملكوتية، ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لا تقبل ذلك والقرآن مشتمل على حقائق ومغيبات لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة.
{فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين} تهييج لإِزدياد الإِخلاص ولطف لسائر المكلفين.
{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} الأقرب منهم فالأقرب فإن الاهتمام بشأنهم أهم روي أنه لما نزلت صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا وناداهم فخذاً فخذاً حتى اجتمعوا إليه فقال: «لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي قالوا نعم قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد».
{واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} لين جانبك لهم مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط، و{مِنْ} للتبيين لأن من اتبع أعم ممن اتبع لدين أو غيره، أو للتبعيض على أن المراد {مِنَ المؤمنين} المشارفون للإِيمان أو المصدقون باللسان.
{فَإِنْ عَصَوْكَ} ولم يتبعوك. {فَقُلْ إِنّي بَرِئ مّمَّا تَعْمَلُونَ} بما تعملونه أو من أعمالكم.
{وَتَوكَّلْ عَلَى العزيز الرحيم} الذي يقدر على قهر أعدائه ونصر أوليائه يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم. وقرأ نافع وابن عامر {فتوكل} على الإِبدال من جواب الشرط.
{الذي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} إلى التهجد.
{وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} وترددك في تصفح أحوال المجتهدين كما روي: «أنه عليه الصلاة والسلام لما نسخ قيام فرض الليل طاف عليه الصلاة والسلام تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصاً على كثرة طاعاتهم، فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع بها من دندنتهم بذكر الله وتلاوة القرآن». أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا أممتهم، وإنما وصفه الله تعالى بعلمه بحاله التي بها يستأهل ولايته بعد وصفه بأن من شأنه قهر أعدائه ونصر أوليائه تحقيقاً للتوكل وتطميناً لقلبه عليه.
{إِنَّهُ هُوَ السميع} لما تقوله. {العليم} بما تنويه.
{هَلْ أُنَبّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} لما بين أن القرآن لا يصح أن يكون مما تنزلت به الشياطين أكد ذلك بأن بين أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يصح أن يتنزلوا عليه من وجهين: أحدهما أنه إنما يكون على شرير كذاب كثير الإِثم، فإن اتصال الإِنسان بالغائبات لما بينهما من التناسب والتواد وحال محمد صلى الله عليه وسلم على خلاف ذلك. وثانيهما قوله: {يُلْقُونَ السمع وَأَكْثَرُهُمْ كاذبون} أي الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنوناً وأمارات لنقصان علمهم، فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها كما جاء في الحديث: «الكلمة يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة» ولا كذلك محمد صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى وقد طابق كلها، وقد فسر الأكثر بالكل لقوله تعالى: {كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}. والأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني. وقيل الضمائر للشياطين أي يلقون السمع إلى الملأ الأعلى قبل أن يرجموا فيختطفون منهم بعض المغيبات ويوحون به إلى أوليائهم أو يلقون مسموعهم منهم إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إليهم إذ يسمعونهم لا على نحو ما تكلمت به الملائكة لشرارتهم، أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو إفهامهم.
بسم الله الرحمن الرحيم

.سورة النمل:

مكية وهي ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية.

.تفسير الآيات (1- 10):

{طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)}
{طس}.
{تِلْكَ ءايات القرءان وكتاب مُّبِينٍ} الإِشارة إلى آي السورة، والكتاب المبين إما اللوح المحفوظ وإبانته أنه خط فيه ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه، وتأخيره باعتباره تعلق علمنا به وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود، أو القرآن وإبانته لما أودع فيه من الحكم والأحكام، أو لصحته بإعجازه وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى وتنكيره للتعظيم. وقرئ: {وكتاب} بالرفع على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
{هُدًى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ} حالان من ال {ءايات} والعامل فيهما معنى الإِشارة، أو بدلان منها أو خبران آخران أو خبران لمحذوف.
{الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة} الذين يعملون الصالحات من الصلاة والزكاة. {وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} من تتمة الصلة والواو للحال أو للعطف، وتغيير النظم للدلالة على قوة يقينهم وثباته وأنهم الأوحدون فيه، أو جملة اعتراضية كأنه قيل: وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة، فإن تحمل المشاق إنما يكون لخوف العاقبة والوثوق على المحاسبة وتكرير الضمير للاختصاص.
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم} زين لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس، أو الأعمال الحسنة التي وجب عليهم أن يعملوها بترتيب المثوبات عليها. {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} عنها لا يدركون ما يتبعها من ضر أو نفع.
{أولئك الذين لَهُمْ سُوء العذاب} كالقتل والأسر يوم بدر. {وَهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} أشد الناس خسراناً لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة.
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرءان} لتؤتاه. {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} أي حكيم وأي عليم، والجمع بينهما مع أن العلم داخل في الحكمة لعموم العلم ودلالة الحكمة على اتقان الفعل والإِشعار بأن علوم القرآن منها ما هو حكمة كالعقائد والشرائع ومنها ما ليس كذلك كالقصص والأخبار عن المغيبات، ثم شرع في بيان بعض تلك العلوم بقوله: {إِذْ قَالَ موسى لأَهْلِهِ إِنّي آنَسْتُ نَاراً} أي اذكر قصته {إِذْ قَالَ} ويجوز أن يتعلق ب {عَلِيمٌ}. {سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ} أي عن حال الطريق لأنه قد ضله، وجمع الضمير إن صح أنه لم يكن معه غير امرأته لما كنى عنها بالأهل، والسين للدلالة على بعد المسافة والوعد بالإِتيان وإن أبطأ. {أَوْ ءَاتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ} شعلة نار مقبوسة، وإضافة الشهاب إليه لأنه قد يكون قبساً وغير قبس، ونونه الكوفيون ويعقوب على أن ال {قَبَسٍ} بدل منه أو وصف له لأنه بمعنى المقبوس، والعدتان على سبيل الظن ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي في (طه)، والترديد للدلالة على أنه إن لم يظفر بهما لم يعدم، أحدهما بناء على ظاهر الأمر أو ثقة بعبادة الله تعالى أنه لا يكاد يجمع حرمانين على عبده.
{لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} رجاء أن تستدفئوا بها والصلاء النار العظيمة.
{فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ} أي {بُورِكَ} فإن النداء فيه معنى القول، أو ب {أَن بُورِكَ} على أنها مصدرية أو مخففة من الثقيلة، والتخفيف وإن اقتضى التعويض بلا أو قد أو السين أو سوف لكنه دعاء وهو يخالف غيره في أحكام كثيرة. {مَن فِي النار وَمَنْ حَوْلَهَا} {مِنْ} في مكان {النار} وهو البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى: {نُودِيَ مِن شَاطِئ الواد الأيمن فِي البقعة المباركة} ومن حول مكانها والظاهر أنه عام في كل من تلك الأرض، وفي ذلك الواد وحواليها من أرض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتاً وخصوصاً تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى. وقيل المراد موسى والملائكة الحاضرون، وتصدير الخطاب بذلك بشارة بأنه قد قضى له أمر عظيم تنتشر بركته في أقطار الشأم. {وسبحان الله رَبّ العالمين} من تمام ما نودي به لئلا يتوهم من سماع كلامه تشبيهاً وللتعجيب من عظمة ذلك الأمر، أو تعجب من موسى لما دهاه من عظمته.
{ياموسى إِنَّهُ أَنَا الله} الهاء للشأن و{أَنَا الله} جملة مفسرة له، أو للمتكلم و{أَنَاْ} خبره و{الله} بيان له. {العزيز الحكيم} صفتان لله ممهدتان لما أراد أن يظهره، يريد أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية الفاعل كل ما أفعله بحكمة وتدبير.
{وَأَلْقِ عَصَاكَ} عطف على {بُورِكَ} أي نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك، ويدل عليه قوله: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} بعد قوله: {أَن يَا موسى إِنّي أَنَا الله} بتكرير أن. {فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ} تتحرك باضطراب. {كَأَنَّهَا جَانٌّ} حية خفيفة سريعة، وقرئ: {جأن} على لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين. {ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} ولم يرجع من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار، وإنما رعب لظنه أن ذلك الأمر أريد به ويدل عليه قوله: {يَا مُوسَى لاَ تَخَفْ} أي من غيري ثقة بي أو مطلقاً لقوله: {إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ المرسلون} أي حين يوحى إليهم من فرط الاستغراق فإنهم أخوف الناس أي من الله تعالى، أو لا يكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه.