فصل: تفسير الآية رقم (131):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (131):

{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}
{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ العالمين} ظرف ل {اصطفيناه}، أو تعليل له، أو منصوب بإضمار اذكر. كأنه قيل: اذكر ذلك الوقت لتعلم أنه المصطفى الصالح المستحق للإمامة والتقدم، وأنه نال ما نال بالمبادرة إلى الإذعان وإخلاص السر حين، دعاه ربه وأخطر بباله دلائله المؤدية إلى المعرفة الداعية إلى الإسلام. روي أنها نزلت لما دعا عبد الله بن سلام ابني أخيه: سلمة ومهاجراً إلى الإسلام، فأسلم سلمة وأبى مهاجر.

.تفسير الآية رقم (132):

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}
{ووصى بِهَا إبراهيم بَنِيهِ} التوصية هي التقدم إلى الغير بفعل فيه صلاح وقربة، وأصلها الوصل يقال: وصاه إذا وصله، وفصاه: إذا فصله، كأن الموصي يصل فعله بفعل الموصى، والضمير في بها للملة، أو لقوله أسلمت على تأويل الكلمة، أو الجملة وقرأ نافع وابن عامر وأوصى والأول أبلغ {وَيَعْقُوبَ} عطف على إبراهيم، أي ووصى هو أيضاً بها بنيه. وقرئ بالنصب على أنه ممن وصاه إبراهيم {يَا بَنِيَّ}. على إضمار القول عند البصريين، متعلق بوصى عند الكوفيين لأنه نوع منه ونظيره:
رَجُلاَنِ مِنْ ضَبَّةَ أخْبَرَانا ** أَنَّا رأَيْنَا رَجُلاً عريَانا

بالكسر، وبنو إبراهيم كانوا أربعة: إسماعيل وإسحاق ومدين ومدان. وقيل: ثمانية. وقيل: أربعة عشر: وبنو يعقوب إثنا عشر: روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا ويشسوخور وبولون وتفتوني ودون وكودا وأوشير وبنيامين ويوسف {إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين} دين الإسلام الذي هو صفوة الأديان لقوله تعالى: {فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} ظاهره النهي عن الموت على خلاف حال الإِسلام، والمقصود هو النهي عن أن يكونوا على خلاف تلك الحال إذا ماتوا، والأمر بالثبات على الإسلام كقولك: لا تصلِّ إلا وأنت خاشع، وتغيير العبارة للدلالة على أن موتهم لا على الإسلام موت لا خير فيه، وأن من حقه أن لا يحل بهم، ونظيره في الأمر مت وأنت شهيد. وروي أن اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست تعلم أن يعقوب أوصى بنيه باليهودية يوم مات فنزلت.

.تفسير الآية رقم (133):

{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)}
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الموت} أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار، أي ما كنتم حاضرين إذ حضر يعقوب الموت وقال لبنيه ما قال فلم تدعون اليهودية عليه، أو متصلة بمحذوف تقديره أكنتم غائبين أم كنتم شاهدين. وقيل: الخطاب للمؤمنين والمعنى ما شاهدتم ذلك وإنما علمتموه بالوحي وقرئ: {حَضِرَ} بالكسر.
{إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ} بدل من {إِذْ حَضَرَ}. {مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي} أي: شيء تعبدونه، أراد به تقريرهم على التوحيد والإسلام، وأخذ ميثاقهم على الثبات عليهما، وما يسأل به عن كل شيء ما لم يعرف، فإذا عرف خص العقلاء بمن إذا سئل عن تعيينه، وإن سئل عن وصفه قيل: ما زيد أفقيه أم طبيب؟. {قَالُواْ نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} المتفق على وجوده وألوهيته ووجوب عبادته، وعد إسماعيل من آبائه تغليباً للأب والجد، أو لأنه كالأب لقوله عليه الصلاة والسلام: «عمُّ الرجل صِنْوُ أبيه» كما قال عليه الصلاة والسلام في العباس رضي الله عنه: «هذا بقية آبائي» وقرئ: {إله أبيك}، على أنه جمع بالواو والنون كما قال:
وَلَما تَبَيَّنَّ أَصوَاتَنا ** بَكَيْنَ وَفَدينَنا بالأَبينا

أو مفرد و{إبراهيم} وحده عطف بيان.
{إلها واحدا} بدل من إله آبائك كقوله تعالى: {بالناصية نَاصِيَةٍ كاذبة} وفائدته التصريح بالتوحيد، ونفي التوهم الناشئ من تكرير المضاف لتعذر العطف على المجرور والتأكيد، أو نصب على الاختصاص {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} حال من فاعل نعبد، أو مفعوله، أو منهما، ويحتمل أن يكون اعتراضاً.

.تفسير الآية رقم (134):

{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} يعني إِبراهيم ويعقوب وبنيهما، والأمة في الأصل المقصود وسمي بها الجماعة، لأن الفرق تؤمها. {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم} لكل أجر عمله، والمعنى أن انتسابكم إليهم لا يوجب انتفاعكم بأعمالهم، وإنما تنتفعون بموافقتهم واتباعهم، كما قال عليه الصلاة والسلام: «لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم» {وَلاَ تُسْأََلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي لا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم.

.تفسير الآية رقم (135):

{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَو نصارى} الضمير الغائب لأهل الكتاب وأو للتنويع، والمعنى مقالتهم أحد هذين القولين. قالت اليهود: كونوا هوداً. وقال النصارى كونوا نصارى {تَهْتَدُواْ} جواب الأمر. {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبراهيم} أي بل تكون ملة إبراهيم، أي أهل ملته، أو بل نتبع ملة إبراهيم. وقرئ بالرفع أي ملته ملتنا، أو عكسه، أو نحن ملته بمعنى نحن أهل ملته. {حَنِيفاً} مائلاً عن الباطل إلى الحق. حال من المضاف، أو المضاف إليه كقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا} {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} تعريض بأهل الكتاب وغيرهم، فإنهم يدعون اتباعه وهم مشركون.

.تفسير الآية رقم (136):

{قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)}
{قُولُواْ ءامَنَّا بالله} الخطاب للمؤمنين لقوله تعالى: {فَإِنْ ءامَنُواْ بِمِثْلِ مَا ءامَنتُمْ بِهِ} {وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} القرآن، قدم ذكره لأنه أول بالإضافة إلينا، أو سبب للإيمان بغيره {وَمَا أُنزِلَ إِلَى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وَيَعْقُوبَ والأسباط} الصحف، وهي وإن نزلت إلى إبراهيم لكنهم لما كانوا متعبدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامها فهي أيضاً منزلة إليهم، كما أن القرآن منزل إلينا، والأسباط جمع سبط وهو الحافد، يريد به حفدة يعقوب، أو أبناءه وذراريهم فإنهم حفدة إبراهيم وإسحاق {وَمَا أُوتِىَ موسى وعيسى} التوراة والإِنجيل، أفردهما بالذكر بحكم أبلغ لأن أمرهما بالإِضافة إلى موسى وعيسى مغاير لما سبق، والنزاع وقع فيهما {وَمَا أُوتِيَ النبيون} جملة المذكورين منهم وغير المذكورين. {مّن رَّبّهِمُ} منزلاً عليهم من ربهم. {لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ} كاليهود، فنؤمن ببعض ونكفر ببعض، وأحد لوقوعه في سياق النفي عام فساغ أن يضاف إليه بين. {وَنَحْنُ لَهُ} أي لله. {مُّسْلِمُونَ} مذعنون مخلصون.

.تفسير الآية رقم (137):

{فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)}
{فَإِنْ ءامَنُواْ بِمِثْلِ مَا ءامَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهتدوا} من باب التعجيز والتبكيت، كقوله تعالى: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ} إذ لا مثل لما آمن به المسلمون، ولا دين كدين الإسلام. وقيل: الباء للآلة دون التعدية، والمعنى إن تحروا الإيمان بطريق يهدي إلى الحق مثل طريقكم، فإن وحدة المقصد لا تأبى تعدد الطرق، أو مزيدة للتأكيد كقوله تعالى: {جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا} والمعنى فإن آمنوا بالله إيماناً مثل إيمانكم به، أو المثل مقحم كما في قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل على مِثْلِهِ} أي عليه، ويشهد له قراءة من قرأ بما آمنتم به أو بالذي آمنتم به {وَّإِنْ تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ في شِقَاقٍ} أي إن أعرضوا عن الإيمان، أو عما تقولون لهم فما هم إلا في شقاق الحق، وهو المناوأة والمخالفة، فإن كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر {فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله} تسلية وتسكين للمؤمنين، ووعد لهم بالحفظ والنصرة على من ناوأهم {وَهُوَ السميع العليم} إما من تمام الوعد، بمعنى أنه يسمع أقوالكم ويعلم إخلاصكم وهو مجازيكم لا محالة، أو وعيد للمعرضين، بمعنى أنه يسمع ما يبدون ويعلم ما يخفون وهو معاقبهم عليه.

.تفسير الآية رقم (138):

{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}
{صِبْغَةَ الله} أي صبغنا الله صبغته، وهي فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها، فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة حلية المصبوغ، أو هدانا الله هدايته وأرشدنا حجته، أو طهر قلوبنا بالإِيمان تطهيره، وسماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب، أو للمشاكلة، فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون: هو تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم، ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله: {آمنا}، وقيل: على الإغراء، وقيل: على البدل من ملة إبراهيم عليه السلام.
{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً} لا صبغة أحسن من صبغته {وَنَحْنُ لَهُ عابدون} تعريض بهم، أي لا نشرك به كشرككم. وهو عطف على آمنا، وذلك يقتضي دخول قوله: {صِبْغَةَ الله} في مفعول {قُولُواْ} ولمن ينصبها على الإغراء، أو البدل أن يضمر قولوا معطوفاً على الزموا، أو اتبعوا ملة إبراهيم و{قُولُواْ ءامَنَّا} بدل اتبعوا، حتى لا يلزم فك النظم وسوء الترتيب.

.تفسير الآية رقم (139):

{قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)}
{قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا} أتجادلوننا. {فِى الله} في شأنه واصطفائه نبياً من العرب دونكم، روي أن أهل الكتاب قالوا: الأنبياء كلهم منا، لو كنت نبياً لكنت منا. فنزلت: {وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} لا اختصاص له بقوم دون قوم، يصيب برحمته من يشاء من عباده. {وَلَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم} فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا، كأنه ألزمهم على كل مذهب ينتحلونه إفحاماً وتبكيتاً، فإن كرامة النبوة إما تفضل من الله على من يشاء والكل فيه سواء، وإما إفاضة حق على المستعدين لها بالمواظبة على الطاعة والتحلي بالإخلاص. وكما أن لكم أعمالاً ربما يعتبرها الله في إعطائها، فلنا أيضاً أعمال. {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} موحدون نخصه بالإيمان والطاعة دونكم.

.تفسير الآية رقم (140):

{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)}
{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نصارى} أم منقطعة والهمزة للإنكار. وعلى قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالتاء يحتمل أن تكون معادلة للهمزة في {أَتُحَاجُّونَنَا} بمعنى أي الأمرين تأتون المحاجة، أو ادعاء اليهودية، أو النصرانية على الأنبياء. {قُلْ ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله} وقد نفي الأمرين عن إبراهيم بقوله: {مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا} واحتج عليه بقوله: {وَمَا أُنزِلَتِ التوراة والإنجيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ} وهؤلاء المعطوفون عليه أتباعه في الدين وفاقاً. {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شهادة عِندَهُ مِنَ الله} يعني شهادة الله لإِبراهيم بالحنيفية والبراءة عن اليهودية والنصرانية، والمعنى لا أحد أظلم من أهل الكتاب، لأنهم كتموا هذه الشهادة. أو منا لو كتمنا هذه الشهادة، وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد عليه الصلاة والسلام بالنبوة في كتبهم وغيرها، ومن للابتداء كما في قوله تعالى: {بَرَاءةٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ} {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} وعيد لهم، وقرئ بالياء.

.تفسير الآية رقم (141):

{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)}
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم وَلاَ تُسْأََلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} تكرير للمبالغة في التحذير والزجر عما استحكم في الطباع من الافتخار بالآباء والاتكال عليهم. قيل: الخطاب فيما سبق لهم، وفي هذه الآية لنا تحذيراً عن الاقتداء بهم. وقيل: المراد بالأمة في الأول الأنبياء، وفي الثاني أسلاف اليهود والنصارى.

.تفسير الآية رقم (142):

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)}
{سَيَقُولُ السفهاء مِنَ الناس} الذين خفت أحلامهم، واستمهنوها بالتقليد والإعراض عن النظر. يريد به المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين. وفائدة تقديم الإِخبار به توطين النفس وإعداد الجواب وإظهار المعجزة. {مَا ولاهم} ما صرفهم. {عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا} يعني بيت المقدس، والقبلة في الأصل الحالة التي عليها الإِنسان من الاستقبال، فصارت عرفاً للمكان المتوجه نحوه للصلاة {قُل لّلَّهِ المشرق والمغرب} لا يختص به مكان دون مكان بخاصية ذاتية تمنع إقامة غيره مقامه، وإنما العبرة بارتسام أمره لا بخصوص المكان {يَهْدِى مَن يَشَآءُ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} وهو ما ترتضيه الحكمة، وتقتضيه المصلحة من التوجه إلى بيت المقدس تارة، والكعبة أخرى.