فصل: تفسير الآيات (26- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (26- 35):

{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)}
{وَكَمْ مّن مَّلَكٍ في السموات لاَ تُغْنِى شفاعتهم شَيْئاً} وكثير من الملائكة لا تغني شفاعتهم شيئاً ولا تنفع.
{إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله} في الشفاعة. {لِمَن يَشَاء} من الملائكة أن يشفع أو من الناس أن يشفع له. {ويرضى} ويراه أهلاً لذلك فكيف تشفع الأصنام لعبدتهم.
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة لَيُسَمُّونَ الملائكة} أي كل واحد منهم. {تَسْمِيَةَ الأنثى} بأن يسموه بنتاً.
{وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي بما يقولون، وقرئ بها أي بالملائكة أو بالتسمية. {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإَنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} فإن الحق الذي هو حقيقة الشيء لا يدرك إلا بالعلم، والظن لا اعتبار له في المعارف الحقيقية، وإنما العبرة به في العمليات وما يكون وصلة إليها.
{فَأَعْرَضَ عَمَّنْ تولى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا} فأعرض عن دعوته والاهتمام بشأنه فإن من غفل عن الله وأعرض عن ذكره. وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته ومبلغ علمه لا تزيده الدعوة إلا عناداً وإصراراً على الباطل.
{ذلك} أي أمر الدنيا أو كونها شهية. {مَبْلَغُهُمْ مّنَ العلم} لا يتجاوزه علمهم والجملة اعتراض مقرر لقصور هممهم بالدنيا وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى} تعليل للأمر بالإِعراض أي إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب فلا تتعب نفسك في دعوتهم إذ ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت.
{وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} خلقاً وملكاً. {لِيَجْزِىَ الذين أساؤوا بِمَا عَمِلُواْ} بعقاب ما عملوا من السوء أو بمثله أو بسبب ما عملوا من السوء، وهو بمثله دل عليه ما قبله أي خلق العالم وسواه للجزاء، أو ميز الضال عن المهتدي وحفظ أحوالهم لذلك {وَيِجْزِى الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى} بالمثوبة الحسنى وهي الجنة، أو بأحسن من أعمالهم أو بسبب الأعمال الحسنى.
{الذين يَجْتَنِبُونَ كبائر الإثم} ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتب عليه الوعيد بخصوصه. وقيل ما أوجب الحد. وقرأ حمزة والكسائي وخلف كبير الإِثم على إرادة الجنس أو الشرك. {والفواحش} ما فحش من الكبائر خصوصاً. {إِلاَّ اللمم} إلا ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر، والاستثناء منقطع ومحل {الذين} النصب على الصفة أو المدح أو الرفع على أنه خبر محذوف. {إِنَّ رَبَّكَ واسع المغفرة} حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر، أو له أن يغفر ما شاء من الذنوب صغيرها وكبيرها، ولعله عقب به وعيد المسيئين ووعد المحسنين لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى. {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ} أعلم بأحوالكم منكم.
{إِذْ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ في بُطُونِ أمهاتكم} علم أحوالكم ومصارف أموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب بخلق آدم وحينما صوركم في الأرحام. {فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ} فلا تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير، أو بالطهارة عن المعاصي والرذائل. {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى} فإنه يعلم التقي وغيره منكم قبل أن يخرجكم من صلب آدم عليه السلام.
{أَفَرَأَيْتَ الذي تولى} عن اتباع الحق والثبات عليه.
{وأعطى قَلِيلاً وأكدى} وقطع العطاء من قولهم أكدى الحافر إذا بلغ الكدية وهي الصخرة الصلبة فترك الحفر. والأكثر على أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيره بعض المشركين وقال: تركت دين الأشياخ وضللتهم قال أخشى عذاب الله تعالى فضمن أن يتحمل عنه العقاب إن أعطاه بعض ماله فارتد وأعطى بعض المشروط ثم بخل بالباقي.
{أَعْنْدَهُ عِلْمُ الغيب فَهُوَ يرى} يعلم أن صاحبه يتحمل عنه.

.تفسير الآيات (36- 51):

{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)}
{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ موسى وإبراهيم الذي وفى} وفى وأتم ما التزمه وأمر به، أو بالغ في الوفاء بما عاهد الله، وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمله غيره كالصبر على نار نمروذ حتى أتاه جبريل عليه السلام حين ألقي في النار فقال ألك حاجة، فقال أما إليك فلا، وذبح الولد وأنه كان يمشي كل يوم فرسخاً يرتاد ضيفاً فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم، وتقديم موسى عليه الصلاة والسلام لأن صحفه وهي التوراة كانت أشهر وأكبر عندهم.
{أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} أن هي المخففة من الثقيلة وهي بما بعدها في محل الجر بدلاً مما {فِى صُحُفِ موسى}، أو الرفع على هو أن {لا تَزِرُ} كأنه قيل ما في صحفهما؟ فأجاب به، والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يخالف ذلك قوله: {كَتَبْنَا على بَنِى إسراءيل أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعاً} وقوله عليه الصلاة والسلام، «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» فإن ذلك للدلالة والتسبب الذي هو وزره.
{وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} إلا سعيه أي كما لا يؤاخذ أحد بذنب الغير لا يثاب بفعله، وما جاء في الأخبار من أن الصدقة والحج ينفعان الميت فلكون الناوي له كالنائب عنه.
{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزاء الأوفى} أي يجزى العبد سعيه بالجزاء الأوفر فنصب بنزع الخافض، ويجوز أن يكون مصدراً وأن تكون الهاء للجزاء المدلول عليه بيجزى و{الجزاء} بدله.
{وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} انتهاء الخلائق ورجوعهم، وقرئ بالكسر على أنه منقطع عما في الصحف وكذلك ما بعده.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} لا يقدر على الإِماتة والإِحياء غيره فإن القاتل ينقض البنية والموت يحصل عنده بفعل الله تعالى على سبيل العادة.
{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} تدفق في الرحم أو تخلق، أو يقدر منها الولد من منى إذا قدر.
{وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى} الإِحياء بعد الموت وفاء بوعده، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو النشاءة بالمدة وهو أيضاً مصدر نشأ.
{وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى} وأعطى القنية وهو ما يتأثل من الأموال، وإفرادها لأنها أشرف الأموال أو أرضى وتحقيقه جعل الرضا له قنية.
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} يعني العبور وهي أشد ضياء من الغميصاء، عبدها أبو كبشة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وخالف قريشاً في عبادة الأوثان، ولذلك كانوا يسمون الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة، ولعل تخصيصها للإِشعار بأنه عليه الصلاة والسلام وإن وافق أبا كبشة في مخالفاتهم خالفه أيضاً في عبادتها.
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى} القدماء لأنهم أولى الأمم هلاكاً بعد قوم نوح عليه الصلاة والسلام. وقيل: {عَاداً الأولى} قوم هود وعاد الأخرى إرم. وقرئ: {عَاداً لولي} بحذف الهمزة ونقل ضمها إلى لام التعريف وقرأ نافع وأبو عمرو {عَاداً لولي} بضم اللام بحركة الهمزة وبادغام التنوين، وقالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة في موضع الواو.
{وَثَمُودَاْ} عطف على {عَاداً} لأن ما بعده لا يعمل فيه، وقرأ عاصم وحمزة بغير تنوين ويقفان بغير الألف والباقون بالتنوين ويقفون بالألف. {فَمَا أبقى} الفريقين.

.تفسير الآيات (52- 62):

{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أيضاً معطوف عليه. {مِن قَبْلُ} من قبل عاد وثمود. {إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} من الفريقين لأنهم كانوا يؤذونه وينفرون عنه ويضربونه حتى لا يكون به حراك.
{والمؤتفكة} والقرى التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت وهي قرى قوم لوط. {أهوى} بعد أن رفعها فقلبها.
{فغشاها مَا غشى} فيه تهويل وتعميم لما أصابهم.
{فَبِأَىّ آلاَءِ رَبّكَ تتمارى} تتشكك والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد والمعدودات وإن كانت نعماً ونقماً سماها {ءالآء} من قبل ما في نقمه من العبر والمواعظ للمعتبرين، والانتقام للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين.
{هذا نَذِيرٌ مّنَ النذر الأولى} أي هذا القرآن إنذار من جنس الإِنذارات المتقدمة، أو هذا الرسول نذير من جنس المنذرين الأولين.
{أَزِفَتِ الأزفة} دنت الساعة الموصوفة بالدنو في نحو قوله تعالى: {اقتربت الساعة}.
{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} ليس لها نفس قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله لكنه لا يكشفها، أو الآن بتأخيرها إلا الله، أو ليس لها كاشفة لوقتها إلا الله إذ لا يطلع عليه سواه، أو ليس لها من غير الله كشف على أنها مصدر كالعافية.
{أَفَمِنْ هذا الحديث} يعني القرآن {تَعْجَبُونَ} إنكاراً.
{وَتَضْحَكُونَ} استهزاء. {وَلاَ تَبْكُونَ} تحزناً على ما فرطتم.
{وَأَنتُمْ سامدون} لاهون أو مستكبرون من سمد البعير في مسيره إذا رفع رأسه، أو مغنون لتشغلوا الناس عن استماعه من الثمود وهو الغناء.
{فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا} أي واعبدوه دون الآلهة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة النجم أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد وجحد به بمكة».

.سورة القمر:

مكية وآيها خمس وخمسون آية.

.تفسير الآيات (1- 10):

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)}
{اقتربت الساعة وانشق القمر} روي أن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر. وقيل معناه سينشق يوم القيامة ويؤيد الأول أنه قرئ: {وقد انشق القمر} أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر، وقوله: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ} عن تأملها والإِيمان بها. {وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} مطرد وهو يدل على أنهم رأوا قبله آيات أخر مترادفة ومعجزات متتابعة حتى قالوا ذلك، أو محكم من المرة يقال أمررته فاستمر إذا أحكمته فاستحكم، أو مستبشع من استمر الشيء إذا اشتدت مرارته أو مار ذاهب لا يبقى.
{وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ} وهو ما زين لهم الشيطان من رد الحق بعد ظهوره، وذكرهما بلفظ الماضي للإِشعار بأنهما من عادتهم القديمة. {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدنيا وشقاؤه، أو سعادة في الآخرة فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر، وقرئ بالفتح أي ذو مستقر بمعنى استقرار وبالكسر والجر على أنه صفة أمر، وكل معطوف على الساعة.
{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ} في القرآن {مّنَ الأنباء} أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة. {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} ازدجار من تعذيب أو وعيد، وتاء الافتعال تقلب دالاً مع الذال والدال والزاي للتناسب، وقرئ: {مزجر} بقلبها زايا وإدغامها.
{حِكْمَةٌ بالغة} غايتها لا خلل فيها وهي بدل من ما أو خبر لمحذوف، وقرئ بالنصب حالاً من ما فإنها موصولة أو مخصوصة بالصفة نصب الحال عنها. {فَمَا تُغْنِى النذر} نفي أو استفهام إنكار، أي فأي غناء تغني النذر وهو جمع نذير بمعنى المنذر، أو المنذر منه أو مصدر بمعنى الإِنذار.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} لعلمك بأن الإِنذار لا يغني فيهم. {يَوْمَ يَدْعُ الداع} إسرافيل، ويجوز أن يكون الدعاء فيه كالأمر في قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} وإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة للتخفيف وانتصاب {يَوْمٍ} ب {يُخْرِجُونَ} أو بإضمار اذكر. {إلى شَئ نُّكُرٍ} فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله وهو هول يوم القيامة، وقرأ ابن كثير بالتخفيف، وقرئ: {نكراً} بمعنى أنكر.
{خُشَّعاً أبصارهم يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} أي يخرجون من قبورهم خاشعاً ذليلاً أبصارهم من الهول، وإفراده وتذكيره لأن فاعله ظاهر غير حقيقي التأنيث، وقرئ: {خاشعة} على الأصل، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم {خُشَّعاً}، وإنما حسن ذلك ولم يحسن مررت برجال قائمين غلمانهم لأنه ليس على صيغة تشبه الفعل، وقرئ: {خشع أبصارهم} على الابتداء والخبر فتكون الجملة حالاً. {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} في الكثرة والتموج والانتشار في الأمكنة.
{مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} مسرعين مادي أعناقهم إليه، أو ناظرين إليه. {يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} صعب.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} قبل قومك. {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} نوحاً عليه السلام وهو تفصيل بعد إجمال، وقيل معناه كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب، أو كذبوه بعدما كذبوا الرسل. {وَقَالُواْ مَجْنُونٌ} هو مجنون. {وازدجر} وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية، وقيل إنه من جملة قيلهم أي هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى} بأني وقرئ بالكسر على إرادة القول. {مَغْلُوبٌ} غَلبني قومي. {فانتصر} فانتقم لي منهم وذلك بعد يأسه منهم. فقد روي أن الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشياً عليه فيفيق ويقول: «اللَّهُم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».