فصل: تفسير الآيات (13- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (13- 24):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)}
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله: {لِلأَنَامِ} وقوله: {أَيُّهَا الثقلان}.
{خَلَقَ الإنسان مِن صلصال كالفخار} الصلصال الطين اليابس الذي له صلصلة، والفخار الخزف وقد خلق الله آدم من تراب جعله طيناً ثم حمأ مسنوناً، ثم صلصالاً فلا يخالف ذلك قوله خلقه من تراب ونحوه.
{وَخَلَقَ الجان} الجن أو أبا الجن. {مِن مَّارِجٍ} من صاف من الدخان. {مّن نَّارٍ} بيان ل {مَّارِجٍ} فإنه في الأصل للمضطرب من مرج إذ اضطرب.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مما أفاض عليكما في أطوار خلقتكما حتى صيركما أفضل المركبات وخلاصة الكائنات.
{رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مما في ذلك من الفوائد التي لا تحصى، كاعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل فيه إلى غير ذلك.
{مَرَجَ البحرين} أرسلهما من مرجت الدابة إذا أرسلتها، والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب. {يَلْتَقِيَانِ} يتجاوران ويتماس سطوحهما، أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبان منه.
{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} حاجز من قدرة الله تعالى أو من الأرض. {لاَّ يَبْغِيَانِ} لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية، أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانِ} كبار الدر وصغاره، وقيل المرجان الخرز الأحمر، وإن صح أن الدر يخرج من الملح فعلى الأول إنما قال منهما لأنه مخرج من مجتمع الملح والعذب، أو لأنهما لما اجتمعا صارا كالشيء الواحد فكأن المخرج من أحدهما كالمخرج منهما. وقرأ نافع وأبو عمرو ويعقوب {يَخْرُجُ}، وقرئ: {نُخْرِجُ} و{يَخْرُجُ} بنصب {الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ}.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ وَلَهُ الجوار} أي السفن جمع جارية، وقرئ بحذف الياء ورفع الراء كقوله:
لَهَا ثَنَايَا أَرْبَعٌ حِسَانٌ ** وَأَرْبَعٌ فَكُلُهَا ثَمَانٍ

{المُنْشَآتُ} المرفوعات الشرع، أو المصنوعات وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الشين أي الرافعات الشرع، أو اللاتي ينشئن الأمواج أو السير. {فِى البحر كالأعلام} كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل.

.تفسير الآيات (25- 36):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)}
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} من خلق مواد السفن والإِرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره.
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} من على الأرض من الحيوانات أو المركبات و{مِنْ} للتغليب، أو من الثقلين. {فَانٍ ويبقى وَجْهُ رَبّكَ} ذاته ولو استقريت جهات الموجودات وتفحصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حد ذاتها إلا وجه الله أي الوجه الذي يلي جهته. {ذُو الجلال والإكرام} ذو الاستغناء المطلق والفضل العام.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي مما ذكرنا قبل من بقاء الرب وإبقاء ما لا يحصى مما هو على صدد الفناء رحمة وفضلاً، أو مما يترتب على فناء الكل من الإِعادة والحياة الدائمة والنعيم المقيم.
{يَسْأَلُهُ مَن في السموات والأرض} فَإِنَهم مفتقرون إليه في ذواتهم وصفاتهم وسائر ما يهمهم، ويعن لهم المراد بالسؤال ما يدل على الحاجة إلى تحصيل الشيء في ذواتهم وصفاتهم نطقاً كان أو غيره. {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} كل وقت يحدث أشخاصاً ويحدد أحوالاً على ما سبق به قضاؤه، وفي الحديث: «من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين» وهو رد لقول اليهود إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي مما يسعف به سؤالكما وما يخرج لكما من مكمن العدم حيناً فحيناً.
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان} آي سنتجرد لحسابكم وجزائكم وذلك يوم القيامة، فإنه تعالى لا يفعل فيه غيره وقيل تهديد مستعار من قولك لمن تهدده سأفرغ لك، فإن المتجرد للشيء كان أقوى عليه وأجد فيه، وقرأ حمزة والكسائي بالياء وقريء {سنفرغ إليكم} أي سنقصد إليكم. و{الثقلان} الإِنس والجن سميا بذلك لثقلهما على الأرض أو لرزانة رأيهما وقدرهما، أو لأنهما مثقلان بالتكليف.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ يَا مَعْشَرَ الجنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله فارين من قضائه. {فانفذوا} فاخرجوا. {لاَ تَنفُذُونَ} لا تقدرون على النفوذ. {إِلاَّ بسلطان} إلا بقوة وقهر وأنى لكم ذلك، أو إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا ما في السموات والأرض {فانفذوا} لتعلموا لكن {لاَ تَنفُذُونَ} ولا تعلمون إلا ببينة نصبها الله تعالى فتعرجون عليها بأفكاركم.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة، أو مما نصب من المصاعد العقلية والمعارج النقلية فتنفذون بها إلى ما فوق السموات العلا.
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ} لهب. {مّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ} ودخان قال:
تُضِيءُ كَضَوْءِ السِرَاجِ السَّلِي ** طِ لَمْ يَجْعَلِ الله فِيهِ نُحَاساً

أو صفر مذاب يصب على رؤوسهم، وقرأ ابن كثير{شوَاظٌ} بالكسر وهو لغة {وَنُحَاس} بالجر عطفاً على {نَّارٍ}، ووافقه فيه أبو عمرو ويعقوب في رواية، وقرئ: {ونحس} وهو جمع كلحف. {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} فلا تمتنعان.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن التهديد لطف والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفار في عداد الآلاء.

.تفسير الآيات (37- 54):

{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ (44) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)}
{فَإِذَا انشقت السماء فَكَانَتْ وَرْدَةً} أي حمراء كوردة وقرئت بالرفع على كان التامة فيكون من باب التجريد كقوله:
وَلَئِنْ بَقِيتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوَةٍ ** تَحْوِي الغَنَائِمِ أَوْ يَمُوتَ كَرِيمُ

{كالدهان} وهو اسم لما يدهن به كالحزام، أو جمع دهن وقيل هو الأديم الأحمر.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي مما يكون بعد ذلك.
{فَيَوْمَئِذٍ} أي فيوم تنشق السماء. {لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} لأنهم يعرفون بسيماهم وذلك حين ما يخرجون من قبورهم ويحشرون إلى الموقف ذوداً ذوداً على اختلاف مراتبهم، وأما قوله تعالى: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ} ونحوه فحين يحاسبون في المجمع، والهاء للإِنس باعتبار اللفظ فإنه وإن تأخر لفظاً تقدم رتبة.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي مما أنعم الله على عباده المؤمنين في هذا اليوم.
{يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم} وهو ما يعلوهم من الكآبة والحزن. {فَيُؤْخَذُ بالنواصى والأقدام} مجموعاً بينهما، وقيل يؤخذون {بالنواصى} تارة وب {الأقدام} أخرى.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذّبُ بِهَا المجرمون يَطُوفُونَ بَيْنَهَا} بين النار يحرقون بها. {وَبَيْنَ حَمِيمٍ} ماء حار. {آنٍ} بلغ النهاية في الحرارة يصب عليهم، أو يسقون منه، وقيل إذا استغاثوا من النار أغيثوا بالحميم.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب، أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه، أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين فأضيف إلى الرب تفخيماً وتهويلاً، أو ربه و{مَّقَامِ} مفخم للمبالغة كقوله:
ذَعَرَّتُ بِهِ القَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُ ** مَقَامَ الذِّئْبِ كَالرَّجُلِ اللَّعِينِ

{جَنَّتَانِ} جنة للخائف الإِنسي والأخرى للخائف الجني، فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما أو لكل واحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله، أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعاصي، أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه، أو روحانية وجسمانية وكذا ما جاء مثنى بعد.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} أنواع من الأشجار والثمار جمع فِنْ، أو أغصان جمع فنن وهي الغصنة التي تتشعب من فرع الشجرة، وتخصيصها بالذكر لأنها التي تورق وتثمر وتمد الظل.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} حيث شاؤوا في الأعالي والأسافل. قيل إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل. {فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.
{فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} صنفان غريب ومعروف، أو رطب ويابس.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} من ديباج ثخين وإذا كانت البطائن كذلك فما ظنك بالظهائر، و{مُتَّكِئِينَ} مدح للخائفين أو حال منهم، لأن من خاف في معنى الجمع. {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} قريب يناله القاعد والمضطجع، {وَجَنَى} اسم بمعنى مجني وقرئ بكسر الجيم.

.تفسير الآيات (55- 78):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)}
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِنَّ} في الجنان فإن جنتان تدل على جنان هي للخائفين أو فيما فيهما من الأماكن والقصور، أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش. {قاصرات الطرف} نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن. {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} لم يمس الإِنسيات إنس ولا الجنيات جن، وفيه دليل على أن الجن يطمثون. وقرأ الكسائي بضم الميم. {فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.
{كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} أي حمرة الوجنة وبياض البشرة وصفائهما.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ هَلْ جَزَاء الإحسان} في العمل. {إِلاَّ الإحسان} في الثواب وهو الجنة.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين {جَنَّتَانِ} لمن دونهم من أصحاب اليمين.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ} خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة، وفيه إشعار بأن الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض، وعلى الأوليين الأشجار والفواكه دلالة على ما بينهما من التفاوت {فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.
{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} فوارتان بالماء هو أيضاً أقل مما وصف به الأوليين وكذا ما بعده.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} عطفهما على الفاكهة بياناً لفضلهما، فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء وثمرة الرمان فاكهة ودواء، واحتج به أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على أن من حلف لا يأكل فاكهة فأكل رطباً أو رماناً لم يحنث. {فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.
{فِيهِنَّ خيرات} أي خيرات فخففت لأن خيراً الذي بمعنى أخير لا يجمع، وقد قرئ على الأصل. {حِسَانٌ} حسان الخَلْقِ وَالخُلُقِ.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ حُورٌ مقصورات في الخيام} قصرن في خدورهن، يقال امرأة قصيرة وقصورة ومقصورة أي مخدرة، أو مقصورات الطرف على أزواجهن.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} كحور الأولين وهم أصحاب الجنتين فإنهما يدلان عليهم.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ} وسائد أو نمارق جمع رفرفة. وقيل الرفرف ضرب من البسط أو ذيل الخيمة وقد يقال لكل ثوب عريض. {خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسَانٍ} العبقري منسوب إلى عبقر، تزعم العرب أنه اسم بلد للجن فينسبون إليه كل شيء عجيب، والمراد به الجنس ولذلك جمع {حِسَانٌ} حملاً على المعنى.
{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ تبارك اسم رَبّكَ} تعالى اسمه من حيث إنه مطلق على ذاته فما ظنك لذاته، وقيل الإِسم بمعنى الصفة أو مقحم كما في قوله:
إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلاَمِ عَلَيْكُمَا

{ذِى الجلال والإكرام} وقرأ ابن عامر بالرفع صفة للإِسم.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الرحمن أدى شكر ما أنعم الله تعالى عليه».