فصل: تفسير الآيات (22- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (22- 28):

{قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)}
{قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ الله أَحَدٌ} إن أراد بي سوءاً. {وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} منحرفاً أو ملتجأ وأصله المدخل من اللحد.
{إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله} استثناء من قوله لا أملك فإن التبليغ إرشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة، أو من ملتحداً أو معناه أن لا أبلغ بلاغاً وما قبله دليل الجواب. {ورسالاته} عطف على {بَلاَغاً} و{مِنَ الله} صفته فإن صلته عن كقوله صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية» {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه. {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} وقرئ: {فَانٍ} على فجزاؤه أن. {خالدين فِيهَا أَبَداً} جمعه للمعنى.
{حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} في الدنيا كوقعة بدر، أو في الآخرة والغاية لقوله: {يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} بالمعنى الثاني، أو لمحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار وعصيانهم له. {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} هو أم هم.
{قُلْ إِنْ أَدْرِى} ما أدري. {أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّى أَمَداً} غاية تطول مدتها كأنه لما سمع المشركون {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} قالوا متى يكون إنكاراً، فقيل قل إنه كائن لا محالة ولكن لا أدري ما وقته.
{عالم الغيب} هو عالم الغيب. {فَلاَ يُظْهِرُ} فلا يطلع. {على غَيْبِهِ أَحَداً} أي على الغيب المخصوص به علمه.
{إِلاَّ مَنِ ارتضى} لعلم بعضه حتى يكون له معجزة. {مِن رَّسُولٍ} بيان ل {مِنْ}، واستدل به على إبطال الكرامات، وجوابه تخصيص الرسول بالملك والإظهار بما يكون بغير وسط، وكرامات الأولياء على المغيبات إنما تكون تلقياً عن الملائكة كاطلاعنا على أحوال الآخرة بتوسط الأنبياء. {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} من بين يدي المرتضى {وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} حرساً من الملائكة يحرسونه من اختطاف الشياطين وتخاليطهم.
{لّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ} أي ليعلم النبي الموحى إليه أن قد أبلغ جبريل والملائكة النازلون بالوحي، أو ليعلم الله تعالى أن قد أبلغ الأنبياء بمعنى ليتعلق علمه به موجوداً. {رسالات رَبّهِمْ} كما هي محروسة من التغيير. {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} بما عند الرسل. {وأحصى كُلَّ شَئ عَدَداً} حتى القطر والرمل.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الجن كان له بعدد كل جني صدق محمداً أو كذب به عتق رقبة».
بسم الله الرحيم الرحيم

.سورة المزمل:

مكية، وآيها تسع عشرة أو عشرون.

.تفسير الآيات (1- 6):

{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)}
{يا أيها المزمل} أصله المتزمل من تزمل بثيابه إذا تلفف بها فأدغم التاء في الزاي وقد قرئ به، وبـ {المزمل} مفتوحة الميم ومكسورتها أي زمله غيره، أو زمل نفسه، سمي به النبي عليه الصلاة والسلام تهجيناً لما كان عليه فإنه كان نائماً، أو مرتعداً مما دهشه من بدء الوحي متزملاً في قطيفة أو تحسيناً له. إذ روي: «أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي متلففاً بمرط مفروش على عائشة رضي الله تعالى عنها فنزلت» أو تشبيهاً له في تثاقله بالمتزمل لأنه لم يتمرن بعد في قيام الليل، أو من تزمل الزمل إذا تحمل الحمل أي الذي تحمل أعباء النبوة.
{قُمِ اليل} أي قم إلى الصلاة، أو داوم عليها فيه، وقرئ بضم الميم وفتحها للإتباع أو التخفيف. {إِلاَّ قَلِيلاً}.
{نّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} الاستثناء {مِّنَ اليل} و{نّصْفَهُ} بدل من {قَلِيلاً} وقلته بالنسبة إلى الكل، والتخيير بين قيام النصف والزائد عليه كالثلثين والناقص عنه كالثلث، أو {نّصْفَهُ} بدل من {اليل} والاستثناء منه والضمير في {مِنْهُ} و{عَلَيْهِ} للأقل من النصف كالثلث فيكون التخيير بينه وبين الأقل منه كالربع، والأكثر منه كالنصف أو للنصف والتخيير بين أن يقوم أقل منه على البت وأن يختار أحد الأمرين من الأقل والأكثر، أو الاستثناء من إعداد الليل فإنه عام والتخيير بين قيام النصف والناقص عنه الزائد عليه. {وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً} اقرأه على تؤدة وتبيين حروف بحيث يتمكن السامع من عدها من قوله ثغر رتل ورتل إذا كان مفلجاً.
{إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} يعني القرآن فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين سيما على الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان عليه أن يتحملها ويحملها أمته، والجملة اعتراض يسهل التكليف عليه بالتهجد، ويدل على أنه مشق مضاد للطبع مخالف للنفس، أو رصين لرزانة لفظه ومتانة معناه، أو ثقيل على المتأمل فيه لافتقاره إلى مزيد تصفية للسر وتجريد للنظر، أو ثقيل في الميزان أو على الكفار والفجار، أو ثقيل تلقيه لقوله عائشة رضي الله تعالى عنها: رأيته عليه الصلاة والسلام ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقاً. وعلى هذا يجوز أن يكون صفة للمصدر والجملة على هذه الأوجه للتعليل مستأنف، فإن التهجد يعد للنفس ما به تعالج ثقله.
{إِنَّ نَاشِئَةَ اليل} إِن النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض وقام قال:
نَشَأْنَا إِلَى خَوْصٍ بَرَانِيهَا السُّرَى ** وَأَلْصِقَ مِنْهَا مُشْرِفَاتِ القَمْاحِدِ

أو قيام الليل على أن ال {نَاشِئَةَ} له أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث، أو ساعات الليل لأنها تحدث واحدة بعد أخرى، أو ساعاتها الأول من نشأت إذا ابتدأت. {هِىَ أَشَدُّ وَطْأً} أي كلفة أو ثبات قدم، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وطاء بكسر الواو وألف ممدودة أي مواطأة القلب اللسان لها، أو فيها أو موافقة لما يراد منها من الخضوع والإِخلاص. {وَأَقْوَمُ قِيلاً} أي وأسد مقالاً أو أثبت قراءة لحضور القلب وهدوء الأصوات.

.تفسير الآيات (7- 15):

{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)}
{إِنَّ لَكَ في النهار سَبْحَاً طَوِيلاً} تقلباً في مهماتك واشتغالاً بها فعليك بالتهجد، فإن مناجاة الحق تستدعي فراغاً. وقرئ: {سبخاً} أي تفرق قلب بالشواغل مستعار من سبخ الصوف وهو نقشه ونشر أجزائه.
{واذكر اسم رَبّكَ} ودم على ذكره ليلاً ونهاراً، وذكر الله يتناول كل ما يذكر به تسبيح وتهليل وتمجيد وتحميد وصلاة وقراءة قرآن ودراسة علم. {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} وانقطع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما سواه، ولهذه الرمزة ومراعاة الفواصل وضعه موضع تبتلاً.
{رَّبُّ المشرق والمغرب} خبر محذوف أو مبتدأ خبره: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} وقرأ ابن عامر والكوفيون غير حفص ويعقوب بالجر على البدل من ربك، وقيل بإضمار حرف القسم وجوابه {لاَ إله إِلاَّ هُوَ}. {فاتخذه وَكِيلاً} مسبب عن التهليل، فإن توحده بالألوهية يقتضي أن توكل إليه الأمور.
{واصبر على مَا يَقُولُونَ} من الخرافات. {واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً} بأن تجانبهن وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله فالله يكفيكهم كما قال: {وَذَرْنِى والمكذبين} دعني وإياهم وكل أمرهم فإن بي غنية عنك في مجازاتهم. {أُوْلِي النعمة} أرباب التنعم، يريد صناديد قريش. {مَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} زماناً أو إمهالاً.
{إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً} تعليل للأمر، والنكل القيد الثقيل. {وَجَحِيماً}.
{وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ} طعاماً ينشب في الحلق كالضريع والزقوم. {وَعَذَاباً أَلِيماً} ونوعاً آخر من العذاب مؤلماً لا يعرف كنهه إلا الله تعالى، ولما كانت العقوبات الأربع مما تشترك فيها الأشباح والأرواح فإن النفوس العاصية المنهمكة في الشهوات تبقى مقيدة بحبها والتعلق بها عن التخلص إلى عالم المجردات متحرقة بحرقة الفرقة متجرعة غصة الهجران معذبة بالحرمان عن تجلي أنوار القدس، فسر العذاب بالحرمان عن لقاء الله تعالى.
{يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال} تضطرب وتتزلزل ظرف لما في {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً} من معنى الفعل.
{وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً} رملاً مجتمعاً كأنه فعيل بمعنى مفعول من كثبت الشيء إذا جمعته. {مَّهِيلاً} منثوراً من هيل هيلاً إذا نثر.
{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً} يا أهل مكة. {شاهدا عَلَيْكُمْ} يشهد عليكم يوم القيامة بالإِجابة والامتناع. {كَمَا أَرْسَلْنَا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} يعني موسى عليه الصلاة والسلام ولم يعينه لأن المقصود لم يتعلق به.

.تفسير الآيات (16- 20):

{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)}
{فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} عرفه لسبق ذكره. {فأخذناه أَخْذاً وَبِيلاً} ثقيلاً من قولهم طعام وبيل لا يستمرأ لثقله، ومنه الوابل للمطر العظيم.
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} أنفسكم. {إِن كَفَرْتُمْ} بقيتم على الكفر. {يَوْماً} عذاب يوم. {يَجْعَلُ الولدان شِيباً} من شدة هوله وهذا على الفرض أو التمثيل، وأصله أن الهموم تضعف القوى وتسرع الشيب، ويجوز أن يكون وصفاً لليوم بالطول.
{السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ} منشق والتذكير على تأويل السقف أو إضمار شيء. {بِهِ} بشدة ذلك اليوم على عظمها وأحكامها فضلاً عن غيرها والباء للآلة. {كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} الضمير لله عز وجل أو لليوم على إضافة المصدر إلى المفعول.
{إِنَّ هذه} أي الآيات الموعدة. {تَذْكِرَةٌ} عظة. {فَمَن شَاءَ} أن يتعظ. {اتخذ إلى رَبّهِ سَبِيلاً} أي يتقرب إليه بسلوك التقوى.
{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَىِ اليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} استعار الأدنى للأقل لأن الأقرب إلى الشيء أقل بعداً منه، وقرأ ابن كثير والكوفيون {وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} بالنصب عطفاً على {أدنى}. {وَطَائِفَةٌ مّنَ الذين مَعَكَ} ويقوم ذلك جماعة من أصحابك. {والله يُقَدّرُ اليل والنهار} لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلا الله تعالى، فإن تقديم اسمه مبتدأ مبنياً عليه {يُقَدّرُ} يشعر بالاختصاص ويؤيده قوله: {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ} أي لن تحصوا تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات. {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} بالترخص في ترك القيام المقدر ورفع التبعة فيه كما رفع التبعة عن التائب. {فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان} فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل، عبر عن الصلاة بالقرآن كما عبر عنها بسائر أركانها، قيل كان التهجد واجباً على التخيير المذكور فعسر عليهم القيام به فنسخ به، ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس، أو فاقرؤوا القرآن بعينه كيفما تيسر عليكم. {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى} استئناف يبين حكمه أخرى مقتضية الترخيص والتخفيف ولذلك كرر الحكم مرتباً عليه وقال: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ الله} والضرب في الأرض ابتغاء للفضل المسافرة للتجارة وتحصيل العلم {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَأَقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَة} المفروضة. {وَآتَوُاْ الزكواة} الواجبة. {وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً} يريد به الأمر في سائر الانفاقات في سبل الخيرات، أو بأداء الزكاة على أحسن وجه، والترغيب فيه بوعد العوض كما صرح به في قوله: {وَمَا تُقَدّمُواْ لأَِنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت أو من متاع الدنيا، و{خَيْرًا} ثاني مفعولي {تَجِدُوهُ} وهو تأكيد أو فصل، لأن أفعل من كالمعرفة ولذلك يمتنع من حرف التعريف، وقرئ: {هو خير} على الابتداء والخبر. {واستغفروا الله} في مجامع أحوالكم فإن الإِنسان لا يخلو من تفريط. {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المزمل رفع الله عنه العسر في الدنيا والآخرة».

.سورة المدثر:

مكية، وآيها خمس وخمسون آية.