فصل: تفسير الآيات (9- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (9- 18):

{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)}
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} على إرادة القول بلسان الحال أو المقال إزاحة لتوهم المن وتوقع المكافأة المنقصة للأجر. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل المبعوث ما قالوا، فإن ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصاً عند الله. {لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً} أي شكراً.
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا} فلذلك نحسن إليكم أو لا نطلب المكافأة منكم. {يَوْماً} عذاب يوم. {عَبُوساً} تعبس فيه الوجوه أو يشبه الأسد العبوس في ضراوته. {قَمْطَرِيراً} شديد العبوس كالذي يجمع ما بين عينيه من اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قرطيها أو مشتق من القطر والميم مزيدة.
{فوقاهم الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم} بسبب خوفهم وتحفظهم عنه. {ولقاهم نَضْرَةً وَسُرُوراً} بدل عبوس الفجار وخزنهم.
{وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ} بصبرهم على أداء الواجبات واجتناب المحرمات وإيثار الأموال. {جَنَّةُ} بستاناً يأكلون منه. {وَحَرِيراً} يلبسونه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الحسن والحسين رضي الله عنهما مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما وفضة جارية لهما صوم ثلاث إن برئا، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض علي من شمعون الخيبري ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم مسكين فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياماً، فلما أمسوا ووضعوا الطعام وقف عليهم يتيم فآثروه، ثم وقف عليهم في الثالثة أسير ففعلوا مثل ذلك، فنزل جبريل عليه السلام بهذه السورة وقال خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك.
{مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك} حال من هم في {جزاهم} أو صفة ل {جَنَّةُ}. {لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً} يحتملهما وأن يكون حالاً من المستكن في {متئكين}، والمعنى أنه يمر عليهم فيها هواء معتدل لا حار محم ولا بارد مؤذ، وقيل الزمهرير القمر في لغة طيء قال راجزهم:
وَلَيْلَةٌ ظَلاَمُهَا قَدِ اعْتَكَر ** قَطَعْتُهَا وَالزَّمْهَرِيرُ مَا زَهَرْ

والمعنى أن هواءها مضيء بذاته لا يحتاج إلى شمس وقمر.
{وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظلالها} حال أو صفة أخرى معطوفة على ما قبلها، أو عطف على {جَنَّةُ} أي وجنة أخرى دانية على أنهم وعدوا جنتين كقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} وقرئت بالرفع على أنها خبر {ظلالها} والجملة حال أو صفة. {وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} معطوف على ما قبله أو حال من دانية، وتذليل القطوف ان تجعل سهلة التناول لا تمتنع على قطافها كيف شاءوا.
{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِئَانِيَةٍ مّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ} وأباريق بلا عروة. {كَانَتْ قَوَارِيرَاْ}.
{قَوارِيرَ مِن فِضَّةٍ} أي تكونت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها وبياض الفضة ولينها، وقد نون {قَوارِيرَ} من نون {سلاسلاً} وابن كثير الأولى لأنها رأس الآية، وقرئ: {قَوارِيرَ مِن فِضَّةٍ} على هي {قَوارِيرَ}. {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} أي قدروها في أنفسهم فجاءت مقاديرها وأشكالها كما تمنوه، أو قدروها بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها، أو قدر الطائفون بها المدلول عليهم بقوله يطاف شرابها على قدر اشتهائهم، وقرئ: {قَدَّرُوهَا} أي جعلوا قادرين لها كما شاءوا من قدر منقولاً من قدرت الشيء.
{وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً} ما يشبه الزنجبيل في الطعم وكانت العرب يستلذون الشراب الممزوج به {عَيْناً فِيهَا تسمى سَلْسَبِيلاً} لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها، يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل، ولذلك حكم بزيادة الباء والمراد به أن ينفي عنها لذع الزنجيل ويصفها بنقيضه، وقيل أصله سل سبيلا فسميت به كتأبط شراً لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلاً بالعمل الصالح.

.تفسير الآيات (19- 25):

{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)}
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ ولدان مُّخَلَّدُونَ} دائمون. {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً} من صفاء ألوانهم وانبثاثهم في مجالسهم وانعكاس شعاع بعضهم إلى بعض.
{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدر لأنه عام معناه أن بصرك أينما وقع. {رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} واسعاً، وفي الحديث: «أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه» هذا وللعارف أكبر من ذلك وهو أن تنتقش نفسه بجلايا الملك وخفايا الملكوت، فيستضيء بأنوار قدس الجبروت.
{عاليهم ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} يعلوهم ثياب الحرير الخضر ما رق منها وما غلظ، ونصبه على الحال من هم في عليهم أو {حَسِبْتَهُمْ}، أو {مَلَكًا} على تقدير مضاف أي وأهل ملك كبير عاليهم، وقرأ نافع {عاليهم} وحمزة بالرفع على أنه خبر {ثِيَابُ}. وقرأ ابن كثير وأبو بكر {خُضْرٍ} بالجر حملاً على {سُندُسٍ} بالمعنى فإنه اسم جنس، {وَإِسْتَبْرَقٍ} بالرفع عطفاً على {ثِيَابُ}، وقرأهما حفص وحمزة والكسائي بالرفع، وقرئ: {وَإِسْتَبْرَقٍ} بوصل الهمزة والفتح على أنه استفعل من البريق جعل علماً لهذا النوع من الثياب. {وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} عطف على {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} ولا يخالفه قوله: {أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} لإمكان الجمع والمعاقبة والتبعيض، فإن حلي أهل الجنة تختلف باختلاف أعمالهم، فلعله تعالى يفيض عليهم جزاء لما عملوه بأيديهم حلياً وأنواراً تتفاوت الذهب والفضة، أو حال من الضمير في {عاليهم} بإضمار قد، وعلى هذا يجوز أن يكون هذا للخدم وذلك للمخدومين. {وسقاهم رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} يريد به نوعاً آخر يفوق على النوعين المتقدمين ولذلك أسند سقيه إلى الله عز وجل، ووصفه بالطهورية فإنه يطهر شاربه عن الميل إلى اللذات الحسية والركون إلى ما سوى الحق، فيتجرد لمطالعة جماله ملتذاً بلقائه باقياً ببقائه، وهي منتهى درجات الصديقين ولذلك ختم بها ثواب الأبرار.
{إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً} على إضمار القول والإِشارة إلى ما عد من ثوابهم. {وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} مجازى عليه غير مضيع.
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القرءان تَنزِيلاً} مفرقاً منجماً لحكمةٍ اقتضته، وتكرير الضمير مع أن مزيد لاختصاص التنزيل به.
{فاصبر لِحُكْمِ رَبّكَ} بتأخير نصرك على كفار مكة وغيرهم. {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءاثِماً أَوْ كَفُوراً} أي كل واحدُ من مرتكب الإِثم الداعي لك إليه ومن الغالي في الكفر الداعي لك إليه، وأو للدلالة على أنهما سيان في استحقاق العصيان والاستقلال به والقسم باعتبار ما يدعونه إليه، فإن ترتب النهي على الوصفين مشعر أنه لهما وذلك يستدعي أن تكون المطاوعة في الإِثم والكفر. فإن مطاوعتهما فيما ليس بإثم ولا كفر غير محظور.
{واذكر اسم رَبّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} ودَاوم على ذكره أو دم على صلاة الفجر والظهر والعصر فإن الأصيل يتناول وقتيهما.

.تفسير الآيات (26- 27):

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)}
{وَمِنَ اليل فاسجد لَهُ} وبعض الليل فصل له تعالى، ولعل المراد به صلاة المغرب والعشاء وتقديم الظرف لما في صلاة الليل من مزيد الكلفة والخلوص. {وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} وتهجد له طائفة طويلة من الليل.
{إِنَّ هؤلاء يُحِبُّونَ العاجلة وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ} أمامهم أو خلف ظهورهم. {يَوْماً ثَقِيلاً} شديداً مستعار من الثقل الباهظ للحامل، وهو كالتعليل لما أمر به ونهى عنه.

.تفسير الآيات (28- 31):

{نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)}
{نَّحْنُ خلقناهم وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب. {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أمثالهم تَبْدِيلاً} وإذا شئنا أهلكناهم و{بَدَّلْنَا أمثالهم تَبْدِيلاً} في الخلقة، وشدة الأسر يعني النشأة الثانية ولذلك جيء ب {إِذَا} أو بدلنا غيرهم ممن يطيع {وَإِذَا} لتحقق القدرة وقوة الداعية.
{إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ} الإِشارة إلى السورة أو الآيات القريبة، {فَمَن شَاءَ اتخذ إلى رَبّهِ سَبِيلاً} تقرب إليه بالطاعة.
{وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله} وما تشاءون ذلك إلا وقت أن يشاء الله مشيئتكم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {يَشَاءونَ} بالياء. {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً} بما يستأهل كل أحد. {حَكِيماً} لا يشاء إلا ما تقتضيه حكمته.
{يُدْخِلُ مَن يَشَاء في رَحْمَتِهِ} بالهداية والتوفيق للطاعة. {والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} نصب {الظالمين} بفعل يفسره {أَعَدَّ لَهُمْ} مثل أوعد وكافأ ليطابق الجملة المعطوف عليها، وقرئ بالرفع على الابتداء.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة هل أتى كان جزاؤه على الله جنة وحريراً».

.سورة المرسلات:

مكية وآيها خمسون آية.

.تفسير الآيات (1- 16):

{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)}
{والمرسلات عُرْفاً فالعاصفات عَصْفاً والناشرات نَشْراً فالفارقات فَرْقاً فالملقيات ذِكْراً} إقسام بطوائف من الملائكة أرسلهن الله تعالى بأوامره متتابعة. فعصفن عصف الرياح في امتثال أمره، ونشرن الشرائع في الأرض، أو نشرن النفوس الموتى بالجهل بما أوحين من العلم، ففرقن بين الحق والباطل، فألقين إلى الأنبياء ذكراً عذراً للمحقين ونذراً للمبطلين، أو بآيات القرآن المرسلة بكل عرف إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فعصفن سائر الكتب والأديان بالنسخ ونشرن آثار الهدى والحكم في الشرق والغرب، وفرقن بين الحق والباطل فألقين ذكر الحق فيما بين العالمين. أو بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها فعصفن ما سوى الحق ونشرن أثر ذلك في جميع الأعضاء، ففرقن بين الحق بذاته والباطل في نفسه فيرون كل شيء هالكاً إلا وجهه، فألقين ذكراً بحيث لا يكون في القلوب والألسنة إلا ذكر الله تعالى. أو برياح عذاب أرسلن فعصفن، ورياح رحمة نشرن السحاب في الجو، ففرقن فألقين ذكراً أي تسببن له، فإن العاقل إذا شاهد هبوبها وآثارها ذكر الله تعالى وتذكر كمال قدرته، وعرفاً إما نقيض النكر وانتصابه على العلة أي أرسلن للإِحسان والمعروف، أو بمعنى المتتابعة من عرف الفرس وانتصابه على الحال.
{عُذْراً أَوْ نُذْراً} مصدران لعذر إذا محا الإِساءة وأنذر إذا خوف، أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الإِنذار، أو بمعنى العاذر والمنذر، ونصبهما على الأولين بالعلية أي {عُذْراً} للمحقين {أَوْ نُذْراً} للمبطلين، أو البدل من {ذِكْراً} على أن المراد به الوحي أو ما يعم التوحيد والشرك والإِيمان والكفر وعلى الثالث بالحالية، وقرأهما أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص بالتخفيف.
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لواقع} جواب القسم ومعناه أن الذي توعدونه من مجيء القيامة كائن لا محالة.
{فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} محقت أو أذهب نورها.
{وَإِذَا السماء فُرِجَتْ} صدعت.
{وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ} كالحب ينسف بالمنسف.
{وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ} عين لها وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على الأمم بحصوله، فإنه لا يتعين لهم قبله، أو بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره، وقرأ أبو عمرو {وقتت} على الأصل.
{لأَيّ يَوْمٍ أُجّلَتْ} أي يقال لأي يوم أخرت، وضرب الأجل للجمع وهو تعظيم لليوم وتعجيب من هوله، ويجوز أن يكون ثاني مفعولي {أُقّتَتْ} على أنه بمعنى أعلمت.
{لِيَوْمِ الفصل} بيان ليوم التأجيل.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} ومن أين تعلم كنهه ولم تر مثله.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} أي بذلك، و{وَيْلٌ} في الأصل مصدر منصوب بإضمار فعله عدل به إلى الرفع للدلالة على ثبات الهلك للمدعو عليه، و{يَوْمَئِذٍ} ظرفه أو صفته.
{أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين} كقوم نوح وعاد وثمود، وقرئ: {نُهْلِكِ} من هلكه بمعنى أهلكه.