فصل: تفسير الآيات (17- 27):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (17- 27):

{ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)}
{ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين} أي {ثُمَّ} نحن {نُتْبِعُهُمُ} نظراءهم ككفار مكة، وقرئ بالجزم عطفاً على {نُهْلِكِ} فيكون {الآخرين} المتأخرين من المهلكين كقوم لوط وشعيب وموسى عليهم الصلاة والسلام.
{كذلك} مثل ذلك الفعل. {نَفْعَلُ بالمجرمين} بكل من أجرم.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بآيات الله وأنبيائه فليس تكريراً، وكذا إن أطلق التكذيب أو علق في الموضعين بواحد، لأن ال {وَيْلٌ} الأول لعذاب الآخرة وهذا للإِهلاك في الدنيا، مع أن التكرير للتوكيد حسن شائع في كلام العرب.
{أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ} نطفة مذرة ذليلة.
{فجعلناه في قَرَارٍ مَّكِينٍ} هو الرحم.
{إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} إلى مقدار معلوم من الوقت قدره الله تعالى للولادة.
{فَقَدَرْنَا} على ذلك، أو فقدرناه ويدل عليه قراءة نافع والكسائي بالتشديد. {فَنِعْمَ القادرون} نحن. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بقدرتنا على ذلك أو على الإِعادة.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً} كافتة اسم لما يكفت أي يضم ويجمع كالضمام والجماع اسم لما يضم ويجمع، أو مصدر نعت به أو جمع كافت كصائم وصيام، أو كفت وهو الوعاء أجرى على الأرض باعتبار أقطارها.
{أَحْيَاءً وأمواتا} منتصبان على المفعولية وتنكيرهما للتفخيم، أو لأن أحياء الإِنس وأمواتهم بعض الأحياء والأموات، أو الحالية من مفعوله المحذوف للعلم به وهو الإِنس، أو بنجعل على المفعولية و{كِفَاتاً} حال أو الحالية فيكون المعنى بالأحياء ما ينبت وبالأموات ما لا ينبت.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شامخات} جبالاً ثوابت طوالاً والتنكير للتفخيم، أو الإِشعار بأن فيها ما لم يعرف ولم ير {وأسقيناكم مَّاء فُرَاتاً} بخلق الأنهار والمنابع فيها.

.تفسير الآيات (28- 35):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بأمثال هذه النعم.
{انطلقوا} أي يقال لهم انطلقوا. {إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} من العذاب.
{انطلقوا} خصوصاً وعن يعقوب {انطلقوا} على الإِخبار عن امتثالهم للأمر اضطراراً. {إلى ظِلّ} يعني ظل دخان جهنم كقوله تعالى: {وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} {ذِى ثلاث شُعَبٍ} يتشعب لعظمه كما ترى الدخان العظيم يتفرق. تفرق الذوائب، وخصوصية الثلاث إما لأن حجاب النفس عن أنوار القدس الحس والخيال والوهم، أو لأن المؤدي إلى هذا العذاب هو القوة الواهمة الحالية في الدماغ والغضبية التي في يمين القلب والشهوية التي في يساره، ولذلك قيل شعبة تقف فوق الكافر وشعبة عن يمينه وشعبة عن يساره.
{لاَّ ظَلِيلٍ} تهكم بهم ورد لما أوهم لفظ ال {ظِلّ}. {وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب} وغير مغن عنهم من حر اللهب شيئاً.
{إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كالقصر} أي كل شرارة {كالقصر} في عظمها، ويؤيده أنه قرئ: {بشرار}، وقيل هو جمع قصرة وهي الشجرة الغليظة، وقرئ: {كالقصر} بمعنى القصور كرهن ورهن و{كالقصر} جمع قصرة كحاجة وحوج، و{كالصر} جمع قصرة وهي أصل العنق والهاء للشعب.
{كَأَنَّهُ جَمَالاتٌ} جمع جمال أو جمالة جمع جمل. {صُفْرٌ} فإن الشرار بما فيه من النارية يكون أصفر، وقيل سود لأن سواد الإِبل يضرب إلى الصفرة، والأول تشبيه في العظم وهذا في اللون والكثرة والتتابع والاختلاط وسرعة الحركة، وقرأ حمزة والكسائي وحفص {جمالة} وعن يعقوب {جُمَالاَتٌ} بالضم جمع جُمالة، وقد قرئ بها وهي الحبل الغليظ من حبال السفينة شبهه بها في امتداده والتفافه.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} أي بما يستحق فإن النطق بما لا ينفع كلا نطق، أو بشيء من فرط الدهشة والحيرة وهذا في بعض المواقف، وقرئ بنصب ال {يَوْمَ} أي هذا الذي ذكر واقع يومئذ.

.تفسير الآيات (36- 50):

{وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}
{وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} عطف {فَيَعْتَذِرُونَ} على {يُؤْذَنَ} ليدل على نفي الإِذن والاعتذار عقيبه مطلقاً، ولو جعله جواباً لدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الإذن فأوهم ذلك أن لهم عذراً لكن لا يؤذن لهم فيه.
{هذا يَوْمُ الفصل} بين المحق والمبطل. {جمعناكم والأولين} تقرير وبيان للفصل.
{فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا وإظهار لعجزهم.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} إذ لا حيلة لهم في التخلص من العذاب.
{إِنَّ المتقين} عن الشرك لأنهم في مقابلة المكذبين. {فِى ظلال وَعُيُونٍ}.
{وفواكه مِمَّا يَشْتَهُونَ} مستقرون في أنواع الترفه.
{كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي مقولاً لهم ذلك.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} في العقيدة.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يمحض لهم العذاب المخلد ولخصومهم الثواب المؤبد.
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} حال من المكذبين أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك، تذكيراً لهم بحالهم في الدنيا وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم المقيم.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيث عرضوا أنفسهم للعذاب الدائم بالتمتع القليل.
{وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا} أطيعوا وأخضعوا أو صلوا أو اركعوا في الصلاة. إذ روي: أنه نزل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيفاً بالصلاة فقالوا: لا نجبي أي لا نركع فإنها مسبة. وقيل هو يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون. {لاَ يَرْكَعُونَ} لا يمتثلون واستدل به على أن الأمر للوجوب وأن الكفار مخاطبون بالفروع.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} بعد القرآن. {يُؤْمِنُونَ} إذا لم يؤمنوا به وهو معجز في ذاته مشتمل على الحجج الواضحة والمعاني الشريفة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والمرسلات كتب له أنه ليس من المشركين».

.سورة النبأ:

مكية، وآيها إحدى وأربعون آية.

.تفسير الآيات (1- 13):

{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)}
{عَمَّ يَتَسَاءلُونَ} أصله عما فحذف الألف لما مر، ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه كأنه لفخامته خفي جنسه فيسأل عنه، والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم، أو يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين عنه استهزاء كقولهم: يتداعونهم ويتراءونهم أي يدعونهم ويرونهم، أو للناس.
{عَنِ النبإ العظيم} بيان لشأن المفخم أو صلة {يَتَسَاءلُونَ} و{عَمَّ} متعلق بمضمر مفسر به، ويدل عليه قراءة يعقوب: {عمه}.
{الذى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} بجزم النفي والشك فيه، أو بالإقرار والإِنكار.
{كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} ردع عن التساؤل ووعيد عليه.
{ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} تكرير للمبالغة و{ثُمَّ} للإشعار بأن الوعيد الثاني أشد، وقيل الأول عند النزع والثاني في القيامة، أو الأول للبعث والثاني للجزاء. وعن ابن عامر {ستعلمون} بالتاء على تقدير قل لهم ستعلمون.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا والجبال أَوْتَاداً} تذكير ببعض ما عاينوا من عجائب صنعه الدالة على كمال قدرته ليستدلوا بذلك على صحة البعث كما مر تقريره مراراً، وقرئ: {مهداً} أي أنها لهم كالمهد للصبي مصدر سمي به ما يمهد لينوم عليه.
{وخلقناكم أزواجا} ذكراً وأنثى.
{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} قطعاً عن الإِحساس والحركة استراحة للقوى الحيوانية وإزاحة لكلاهما، أو موتاً لأنه أحد التوفيين ومنه المسبوت للميت، وأصله القطع أيضاً.
{وَجَعَلْنَا اليل لِبَاساً} غطاء يستتر بظلمته من أراد الاختفاء.
{وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً} وقت معاش تتقلبون فيه لتحصيل ما تعيشون به، أو حياة تنبعثون فيها عن نومكم.
{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} سبع سموات أقوياء محكمات لا يؤثر فيها مرور الدهور.
{وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} متلألئاً وقاداً من وهجت النار إذا أضاءت، أو بالغاً في الحرارة من الوهج وهو الحر والمراد الشمس.

.تفسير الآيات (14- 25):

{وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)}
{وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات} السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمر كقولك: احصد الزرع إذا حان له أن يحصد، ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض، أو من الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب، أو الرياح ذوات الأعاصير، وإنما جعلت مبدأ للإنزال لأنها تنشئ السحاب وتدرأ خلافه، ويؤيده أنه قرئ: {بالمعصرات}. {مَاءً ثَجَّاجاً} منصباً بكثرة يقال ثجه وثج بنفسه. وفي الحديث: «أفضل الحج العج والثج» أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدى، وقرئ: {ثَجَّاجاً} ومثاجج الماء مصابه.
{لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً} ما يقتات به وما يعتلف من التبن والحشيش.
{وجنات أَلْفَافاً} ملتفة بعضها ببعض جمع لف كجذع. قال:
جَنَّة لفَّ وَعَيْشٌ مُغْدق ** وَنَدَامى كُلُّهُمْ بِيضٌ زهر

أو لفيف كشريف أو لف جمع لفاء كخضراء وخضر وأخضار أو متلفة بحذف الزوائد.
{إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ} في علم الله تعالى أو في حكمه. {ميقاتا} حداً تؤقت به الدنيا وتنتهي عنده، أو حداً للخلائق ينتهون إليه.
{يَوْمَ يُنفَخُ في الصور} بدل أو بيان ليوم الفصل. {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} جماعات من القبور إلى المحشر. روي: «أنه صلى الله عليه وسلم سئل عنه فقال: يحشر عشرة أصناف من أمتي بعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون يسبحون على وجوههم، وبعضهم عمي وبعضهم صم بكم، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم فيسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلوبون على جذوع من نار، وبعضهم أشد نتناً من الجيف، وبعضهم ملبسون جباباً سابغة من قطران لازقة بجلودهم» ثم فسرهم بالقتات وأهل السحت وأكلة الربا والجائرين في الحكم والمعجبين بأعمالهم، والعلماء الذين خالف قولهم عملهم، والمؤذين جيرانهم والساعين بالناس إلى السلطان، والتابعين للشهوات المانعين حق الله تعالى، والمتكبرين الخيلاء.
{وَفُتِحَتِ السماء} وشققت وقرأ الكوفيون بالتخفيف. {فَكَانَتْ أبوابا} فصارت من كثرة الشقوق كأن الكل أبواب أو فصارت ذات أبواب.
{وَسُيّرَتِ الجبال} أي في الهواء كالهباء. {فَكَانَتْ سَرَاباً} مثل سراب إذ ترى على صورة الجبال ولم تبق على حقيقتها لتفتت أجزائها وانبثاثها.
{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار، أو خزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليها، كالمضمار فإنه الموضع الذي تضمر فيه الخيل، أو مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منها واحد كالمطعان، وقرئ: {أن} بالفتح على التعليل لقيام الساعة.
{للطاغين مَئَاباً} مرجعاً ومأوى.
{لابثين فِيهَا} وقرأ حمزة وروح {لبثين} وهو أبلغ. {أَحْقَاباً} دهوراً متتابعة، وليس فيها ما يدل على خروجهم منها إذ لو صح أن الحقب ثمانون سنة أو سبعون ألف سنة، فليس فيه ما يتقضى تناهي تلك الأحقاب لجواز أن يكون المراد أحقاباً مترادفة كلما مضى حقب تبعه آخر، وإن كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطق الدال على خلود الكفار، ولو جعل قوله: {لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} حالاً من المستكن في {لابثين} أو نصب {أَحْقَاباً} ب {لاَ يَذُوقُونَ} احتمل أن يلبثوا فيها أحقاباً غير ذائقين إلا حميماً وغساقاً، ثم يبدلون جنساً آخر من العذاب، ويجوز أن يكون جمع حقب من حقب الرجل إذا أخطأه الرزق، وحقب العام إذا قل مطره وخيره فيكون حالاً بمعنى لابثين فيها حقبين، وقوله: {لاَ يَذُوقُونَ} تفسير له والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار أو النوم، وبالغساق ما يغسق أي يسيل من صديدهم، وقيل الزمهرير وهو مستثنى من البرد إلا أنه أخر ليتوافق رؤوس الآي، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتشديد.