فصل: تفسير الآية رقم (214):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (214):

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة} خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بعد ما ذكر اختلاف الأمم على الأنبياء بعد مجيء الآيات، تشجيعاً لهم على الثبات مع مخالفتهم. و{أَمْ} منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإِنكار {وَلَمَّا يَأْتِكُم} ولم يأتكم، وأصل {لمّا} لم زيدت عليها ما وفيها توقع ولذلك جعلت مقابل قد. {مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} حالهم التي هي مثل في الشدة. {مَّسَّتْهُمُ البأساء والضراء} بيان له على الاستئناف. {وَزُلْزِلُواْ} وأزعجوا إزعاجاً شديداً بما أصابهم من الشدائد. {حتى يَقُولَ الرسول والذين ءَامَنُواْ مَعَهُ} لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر. وقرأ نافع يقولُ بالرفع على أنه حكاية حال ماضية كقولك مرض حتى لا يرجونه. {متى نَصْرُ الله} استبطاء له لتأخره. {أَلا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ} استئناف على إرادة القول أي فقيل لهم ذلك اسعافاً لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر، وفيه إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض الهوى واللذات، ومكابدة الشدائد والرياضات كما قال عليه الصلاة والسلام: «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات».

.تفسير الآيات (215- 217):

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}
{يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ} عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن عمرو بن الجموح الأنصاري كان شيخاً ذا مال عظيم، فقال يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها فنزلت. {قُلْ مَا أَنفَقْتُم مّنْ خَيْرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل} سئل عن المنفق فأجيب ببيان المصرف لأنه أهم فإن اعتداد النّفقة باعتباره، ولأنه كان في سؤال عمرو وإن لم يكن مذكوراً في الآية، واقتصر في بيان المنفق على ما تضمنه قوله ما أنفقتم من خير. {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ} في معنى الشرط. {فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} جوابه أي إن تفعلوا خيراً فإن الله يعلم كنهه ويوفي ثوابه، وليس في الآية ما ينافيه فرض الزكاة لينسخ به.
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} شاق عليكم مكروه طبعاً، وهو مصدر نعت به للمبالغة، أو فعل بمعنى مفعول كالخبز. وقرئ بالفتح على أنه لغة فيه كالضعف والضعف، أو بمعنى الإِكراه على المجاز كأنهم أكرهوا عليه لشدته وعظم مشقته كقوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} وهو جميع ما كلفوا به، فإن الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم. {وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} وهو جميع ما نهوا عنه، فإن النفس تحبه وتهواه وهو يفضي بها إلى الردى، وإنما ذكر {عَسَى} لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها. {والله يَعْلَمُ} ما هو خير لكم. {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك، وفيه دليل على أن الأحكام تتبع المصالح الراجحة وإن لم يعرف عينها {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام} روي: «أنه عليه الصلاة والسلام بعث عبد الله بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الآخرة قبل بدر بشهرين ليترصّد عيراً لقريش فيها عمرو بن عبد الله الخضرمي وثلاثة معه، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف، وكان ذلك غرة رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة، فقالت قريش: استحل محمد الشهر الحرام شهراً يأمن فيه الخائف، وينذعر فيه الناس إلى معايشهم وشق ذلك على أصحاب السرية وقالوا ما نبرح حتى تنزل توبتنا، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى». وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة وهي أول غنيمة في الإسلام» والسائلون هم المشركون كتبوا إليه في ذلك تشنيعاً وتعييراً وقيل أصحاب السرية. {قِتَال فِيهِ} بدل اشتمال من الشهر الحرام. وقرئ: {عن قتال} بتكرير العامل. {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} أي ذنب كبير، والأكثر أنه منسوخ بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} خلافاً لعطاء وهو نسخ الخاص بالعام وفيه خلاف، والأولى منع دلالة الآية على حرمة القتال في الشهر الحرام مطلقاً فإن قتال فيه نكرة في حيز مثبت فلا يعم.
{وَصَدٌّ} صرف ومنع. {عَن سَبِيلِ الله} أي الإسلام، أو ما يوصل العبد إلى الله سبحانه وتعالى من الطاعات. {وَكُفْرٌ بِهِ} أي بالله. {والمسجد الحرام} على إرادة المضاف أي وصد المسجد الحرام كقول أبي دؤاد:
أَكْلَّ امرِئ تَحْسَبِينَ امرأ ** وَنَار توقدُ بِاللَّيْلِ نَارا

ولا يحسن عطفه على {سَبِيلِ الله} لأن عطف قوله: {وَكُفْرٌ بِهِ} على {وَصَدٌّ} مانع منه إذ لا يتقدم العطف على الموصول على العطف على الصلة ولا على الهاء في {بِهِ}، فإن العطف على الضمير المجرور إنما يكون بإعادة الجار. {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} أهل المسجد الحرام وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون. {أَكْبَرُ عِندَ الله} مما فعلته السرية خطأ وبناء على الظن، وهو خبر عن الأشياء الأربعة المعدودة من كبائر قريش. وأفعل مما يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. {والفتنة أَكْبَرُ مِنَ القتل} أي ما ترتكبونه من الإخراج والشرك أفظع مما ارتكبوه من قتلى الحضرمي. {وَلاَ يَزَالُونَ يقاتلونكم حتى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ} إخبار عن دوام عداوة الكفار لهم وإنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم، وحتى للتعليل كقولك أعبد الله حتى أدخل الجنة. {إِنِ اسْتَطَاعُواْ} وهو استبعاد لاستطاعتهم كقول الواثق بقوته: على قرنه إن ظفرت بي فلا تبق علي، وإيذان بأنهم لا يردونهم. {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم} قيد الردة بالموت عليها في إحباط الأعمال كما هو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، والمراد بها الأعمال النافعة. وقرئ: {حَبَطَتْ} بالفتح وهي لغة فيه. {فِى الدنيا} لبطلان ما تخيلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد الدنيوية. {والاخرة} بسقوط الثواب. {وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} كسائر الكفرة.

.تفسير الآية رقم (218):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}
{إِنَّ الذين ءامَنُواْ} نزلت أيضاً في أصحاب السرية لما ظن بهم أنهم إن سلموا من الإِثم فليس لهم أجر. {والذين هَاجَرُواْ وجاهدوا فِي سَبِيلِ الله} كرر الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد كأنهما مستقلان في تحقيق الرجاء {أُوْلئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ الله} ثوابه، أثبت لهم الرجاء إشعاراً بأن العمل غير موجب ولا قاطع في الدلالة سيما والعبرة بالخواتيم. {والله غَفُورٌ} لما فعلوا خطأ وقلة احتياط. {رَّحِيمٌ} بإِجزال الأجر والثواب.

.تفسير الآية رقم (219):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} روي أنه نزل بمكة قوله تعالى: {وَمِن ثمرات النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} فأخذ المسلمون يشربونها، ثم إن عمر ومعاذاً ونفراً من الصحابة قالوا: أفتنا يا رسول الله في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال، فنزلت هذه الآية فشربها قوم وتركها آخرون. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناساً منهم فشربوا وسكروا، فأم أحدهم فقرأ: {قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فنزلت {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى} فقل من يشربها، ثم دعا عتبان بن مالك سعد بن أبي وقاص في نفر فلما سكروا افتخروا وتناشدوا، فأنشد سعد شعراً فيه هجاء الأنصار، فضربه أنصاري بلحى بعير فشجه، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت {إِنَّمَا الخمر والميسر} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا يا رب. والخمر في الأصل مصدر خمره إذا ستره، سمي بها عصير العنب والتمر إذا اشتد وغلا كأنه يخمر العقل، كما سمي سكراً لأنه يسكره أي يحجزه، وهي حرام مطلقاً وكذا كل ما أسكر عند أكثر العلماء. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: نقيع الزبيب والتمر إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم اشتد حل شربه ما دون السكر. {والميسر} أيضاً مصدر كالموعد، سمي به القمار لأنه أخذ مال الغير بيسر أو سلب يساره، والمعنى يسألونك عن تعاطيهما لقوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا} أي في تعاطيهما. {إِثْمٌ كَبِيرٌ} من حيث إنه يؤدي إلى الانتكاب عن المأمور، وارتكاب المحظور. وقرأ حمزة والكسائي كثير بالثاء. {ومنافع لِلنَّاسِ} من كسب المال والطرب والالتذاذ ومصادقة الفتيان، وفي الخمر خصوصاً تشجيع الجبان وتوفير المروءة وتقوية الطبيعة. {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} أي المفاسد التي تنشأ منهما أعظم من المنافع المتوقعة منهما. ولهذا قيل إنها المحرمة للخمر لأن المفسدة إذا ترجحت على المصلحة اقتضت تحريم الفعل، والأظهر أنه ليس كذلك لما مر من إبطال مذهب المعتزلة. {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} قيل سائله أيضاً عمرو بن الجموح سأل أولاً عن المنفق والمصرف، ثم سأل عن كيفية الإِنفاق. {قُلِ العفو} العفو نقيض الجهد ومنه يقال للأرض السهلة، وهو أن ينفق ما تيسر له بذله ولا يبلغ منه الجهد. قال:
خُذِي العَفْوَ مِنِّي تَسْتَديمي مَوَدَّتي ** وَلاَ تَنْطقِي فِي سَوْرَتي حِيْنَ اغْضَبُ

وروي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب أصابها في بعض المغانم فقال: خذها مني صدقة، فأعرض عليه الصلاة والسلام عنه حتى كرر عليه مراراً فقال: هاتها مغضباً فأخذها فحذفها حذفاً لو أصابه لشجه ثم قال: «يأتي أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى» وقرأ أبو عمرو برفع {العفو}. {كذلك يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات} أي مثل ما بين أن العفو أصلح من الجهد، أو ما ذكر من الأحكام، والكاف في موضع النصب صفة لمصدر محذوف أي تبييناً مثل هذا التبيين، وإنما وحد العلامة والمخاطب به جمع على تأويل القبيل والجمع، {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} في الدلائل والأحكام.

.تفسير الآية رقم (220):

{فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
{فِي الدنيا والاخرة} في أمور الدارين فتأخذوا بالأصلح والأنفع فيهما، وتجتنبون عما يضركم ولا ينفعكم، أو يضركم أكثر مما ينفعكم. {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى} لما نزلت {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً} الآية اعتزلوا اليتامى ومخالطتهم والاهتمام بأمرهم فشق ذلك عليهم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} أي مداخلتهم لإِصلاحهم، أو إصلاح أموالهم خير من مجانبتهم. {وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم} حث على المخالطة، أي أنهم إخوانكم في الدين ومن حق الأخ أن يخالط الأخ. وقيل المراد بالمخالطة المصاهرة. {والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح} وعيد ووعد لمن خالطهم لإِفساد وإصلاح، أي يعلم أمره فيجازيه عليه. {وَلَوْ شَاء الله لأَعْنَتَكُمْ} أي ولو شاء الله إعناتكم لأعنتكم، أي كلفكم ما يشق عليكم، من العنت وهي المشقة ولم يجوز لكم مداخلتكم. {أَنَّ الله عَزِيزٌ} غالب يقدر على الاعنات. {حَكِيمٌ} يحكم ما تقتضيه الحكمة وتتسع له الطاقة.

.تفسير الآية رقم (221):

{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
{وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} أي ولا تتزوجوهن. وقرئ بالضم أي ولا تزوجوهن من المسلمين، والمشركات تعم الكتابيات لأن أهل الكتاب مشركون لقوله تعالى: {وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتِ النصارى المسيح ابن الله} إلى قوله: {سبحانه عَمَّا يُشْرِكُونَ} ولكنها خصت عنها بقوله: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} روي: «أنه عليه الصلاة والسلام بعث مرثداً الغنوي إلى مكة ليخرج منها أناساً من المسلمين، فأتته عناق وكان يهواها في الجاهلية فقالت: ألا تخلو فقال: إن الإسلام حال بيننا فقالت: هل لك أن تتزوج بي فقال نعم ولكن استأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره فنزلت» {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ} أي وَلامْرأة مؤمنة حرة كانت أو مملوكة، فإن الناس كلهم عبيد الله وإماؤه. {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} بحسنها وشمائلها، والواو للحال ولو بمعنى إن وهو كثير. {وَلاَ تُنكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ} ولا تزوجوا منهم المؤمنات حتى يؤمنوا، وهو على عمومه. {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} تعليل للنهي عن مواصلتهم، وترغيب في مواصلة المؤمنين. {أولئك} إشارة إلى المذكورين من المشركين والمشركات. {يَدْعُونَ إِلَى النار} أي الكفر المؤدي إلى النار فلا يليق موالاتهم ومصاهرتهم. {والله} أي وأولياؤه، يعني المؤمنين حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه تفخيماً لشأنهم. {يَدْعُو إلى الجنة والمغفرة} أي إلى الاعتقاد والعمل الموصلين إليهما فهم الأحقاء بالمواصلة. {بِإِذْنِهِ} أي بتوفيق الله تعالى وتيسيره، أو بقضائه وإرادته. {وَيُبَيِنُ آياته لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكي يتذكروا، أو ليكونوا بحيث يرجى منهم التذكر لما ركز في العقول من ميل الخير ومخالفة الهوى.