فصل: تفسير الآيات (6- 9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (6- 9):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)}
{يَأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة} أي إذا أردتم القيام كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرءان فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم} عبر عن إرادة الفعل المسبب عنها للإيجاز والتنبيه على أن من أراد العبادة ينبغي أن يبادر إليها، بحيث لا ينفك الفعل عن الإرادة، أو إذا قصدتم الصلاة لأن التوجه إلى الشيء والقيام إليه قصد له، وظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثاً، والإِجماع على خلافه لما روي: «أنه عليه الصلاة والسلام صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح فقال عمر رضي الله تعالى عنه: صنعت شيئاً لم تكن تصنعه فقال عمداً فعلته» فقيل مطلق أريد به التقييد، والمعنى إذا قمتم إلى الصلاة محدثين. وقيل الأمر فيه للندب. وقيل كان ذلك أول الأمر ثم نسخ وهو ضعيف لقوله عليه الصلاة والسلام: «المائدة من آخر القرآن نزولاً فأحلوا حلالها وحرموا حرامها» {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} أمروا الماء عليها ولا حاجة إلى الدلك خلافاً لمالك. {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق} الجمهور على دخول المرفقين في المغسول ولذلك قيل: {إلى} بمعنى مع كقوله تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} أو متعلقة بمحذوف تقديره: وأيديكم مضافة إلى المرافق، ولو كان كذلك لم يبق لمعنى التحديد ولا لذكره مزيد فائدة، لأن مطلق اليد يشتمل عليها. وقيل: إلى تفيد الغاية مطلقاً وأما دخولها في الحكم أو خروجها منه فلا دلالة لها عليه وإنما يعلم من خارج ولم يكن في الآية، وكانت الأيدي متناولة لها فحكم بدخولها احتياطاً. وقيل إلى من حيث أنها تفيد الغاية تقتضي خروجها وإلا لم تكن غاية لقوله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} وقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى اليل} لكن لما لم تتميز الغاية هاهنا عن ذي الغاية وجب إدخالها احتياطاً. {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ} الباء مزيدة. وقيل للتبعيض، فإنه الفارق بين قولك مسحت المنديل وبالمنديل، ووجهه أن يقال إنها تدل على تضمين الفعل معنى الإلصاق فكأنه قيل: وألصقوا المسح برؤوسكم، وذلك لا يقتضي الاستيعاب بخلاف ما لو قيل: وامسحوا رؤوسكم فإنه كقوله: {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} واختلف العلماء في قدر الواجب. فأوجب الشافعي رضي الله تعالى عنه: أقل ما يقع عليه الاسم أخذاً باليقين. وأبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: مسح ربع الرأس، لأنه عليه الصلاة والسلام مسح على ناصيته وهو قريب من الربع. ومالك رضي الله تعالى عنه: مسح كله أخذاً بالاحتياط. {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} نصبه نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب عطفاً على وجوهكم ويؤيده: السنة الشائعة، وعمل الصحابة، وقول أكثر الأئمة، والتحديد، إذ المسح لم يحد. وجره الباقون على الجوار ونظيره كثير في القرآن والشعر كقوله تعالى: {عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} {وَحُورٌ عِينٌ} بالجر في قراءة حمزة والكسائي، وقولهم جحر ضب خرب. وللنحاة باب في ذلك، وفائدته التنبيه على أنه ينبغي أن يقتصد في صب الماء عليها ويغسل غسلاً يقرب من المسح، وفي الفصل بينه وبين أخويه إيماء على وجوب الترتيب. وقرئ بالرفع على {وَأَرْجُلَكُمْ} مغسولة. {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا} فاغتسلوا. {وَإِنْ كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن الغائط أَوْ لامستم النساء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} سبق تفسيره، ولعل تكريره ليتصل الكلام في بيان أنواع الطهارة. {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ} أي ما يريد الأمر بالطهارة للصلاة أو الأمر بالتيمم تضييقًا عليكم. {ولكن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ} لينظفكم، أو ليطهركم عن الذنوب فإن الوضوء تكفير للذنوب، أو ليطهركم بالتراب إذا أعوزكم التطهير بالماء. فمفعول {يُرِيدُ} في الموضعين محذوف واللام للعلة. وقيل مزيدة والمعنى: ما يريد الله أن يجعل عليكم من حرج حتى لا يرخص لكم في التيمم، ولكن يريد أن يطهركم وهو ضعيف لأن أن لا تقدر بعد المزيدة. {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} ليتم بشرعه ما هو مطهرة لأبدانكم ومكفرة لذنوبكم نعمته عليكم في الدين، أوليتم برخصه إنعامه عليكم بعزائمه. {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} نعمته. والآية مشتملة على سبعة أمور كلها مثنى: طهارتان أصل وبدل، والأصل اثنان مستوعب وغير مستوعب، وغير المستوعب باعتبار الفعل غسل ومسح وباعتبار المحل محدود وغير محدود، وأن آلتهما مائع وجامد، وموجبهما حدث أصغر وأكبر، وأن المبيح للعدول إلى البدل مرض أو سفر، وأن الموعود عليهما تطهير الذنوب وإتمام النعمة.
{واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} بالإِسلام لتذكركم المنعم وترغبكم في شكره. {وميثاقه الذي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} يعني الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، أو ميثاقه ليلة العقبة أو بيعة الرضوان. {واتقوا الله} في إنساء نعمته ونقض ميثاقه. {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} أي بخفياتها فيجازيكم عليها فضلاً عن جليات أعمالكم.
{يَأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَاءَ بالقسط وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} عداه بعلى لتضمنه معنى الحمل، والمعنى لا يحملنكم شدة بغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل، كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفياً مما في قلوبكم. {اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى} أي العدل أقرب للتقوى، صرح لهم بالأمر بالعدل وبين أنه بمكان من التقوى بعدما نهاهم عن الجور وبين أنه مقتضى الهوى، وإذا كان هذا للعدل مع الكفار فما ظنك بالعدل مع المؤمنين. {واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فيجازيكم به، وتكرير هذا الحكم إما لاختلاف السبب كما قيل إن الأولى نزلت في المشركين وهذه في اليهود، أو لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة في إطفاء ثائرة الغيظ. {وَعَدَ الله الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} إنما حذف ثاني مفعولي وعد استغناء بقوله: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} فإنه استئناف يبينه. وقيل الجملة في موضع المفعول فإن الوعد ضرب من القول وكأنه قال: وعدهم هذا القول.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)}
{والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بئاياتنا أولئك أصحاب الجحيم} هذا من عادته تعالى، أن يتبع حال أحد الفريقين حال الآخر وفاء بحق الدعوة، وفيه مزيد وعد للمؤمنين وتطييب لقلوبهم.

.تفسير الآية رقم (11):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}
{يَا آَيُّهَا الَّذِينَ آمنواذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ} روي: «أن المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعسفان، قاموا إلى الظهر معاً فلما صلوا ندموا ألا كانوا أكبوا عليهم وهموا أن يوقعوا بهم إذا قاموا إلى العصر، فرد الله عليهم كيدهم بأن أنزل عليهم صلاة الخوف» والآية إشارة إلى ذلك وقيل إشارة إلى ما روي: «أنه عليه الصلاة والسلام أتى قريظة ومعه الخلفاء الأربعة يستقرضهم لدية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري يحسبهما مشركين، فقالوا: نعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونقرضك فأجلسوه وهموا بقتله، فعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه، فأمسك الله يده فنزل جبريل فأخبره فخرج» وقيل: «نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً وعلق سلاحه بشجرة وتفرق الناس عنه، فجاء أعرابي فسل سيفه وقال: من يمنعك مني؟ فقال: الله فأسقطه جبريل من يده، فأخذه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك مني فقال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله» فنزلت {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} بالقتل والإهلاك، يقال بسط إليه يده إذا بطش به وبسط إليه لسانه إذا شتمه. {فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} منعها أن تمد إليكم ورد مضرتها عنكم. {واتقوا الله وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} فإنه الكافي لإِيصال الخير ودفع الشر.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)}
{وَلَقَدْ أَخَذَ الله ميثاق بَنِي إسراءيل وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثنى عَشَرَ نَقِيباً} شاهداً من كل سبط ينقب عن أحوال قومه ويفتش عنها، أو كفيلاً يكفل عليهم بالوفاء بما أمروا به. روي أن بني إسرائيل لما فرغوا من فرعون واستقروا بمصر، أمرهم الله سبحانه وتعالى بالمسير إلى أريحاء من أرض الشام، وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون وقال: إني كتبتها لكم داراً وقراراً فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها فإني ناصركم، وأمر موسى عليه الصلاة والسلام أن يأخذ من كل سبط كفيلاً عليهم بالوفاء بما أمروا به، فأخذ عليهم الميثاق واختار منهم النقباء وسار بهم فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون الأخبار، ونهاهم أن يحدثوا قومهم، فرأوا أجراماً عظيمة وبأساً شديداً فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم ونكث الميثاق إلا كالب بن يوفنا من سبط يهوذا، ويوشع بن نون من سبط افراييم بن يوسف. {وَقَالَ الله إِنّي مَعَكُمْ} بالنصرة {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصلاة وَءَاتَيْتُمْ الزكواة وَءَامَنتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} أي نصرتموهم وقويتموهم وأصله الذب ومنه التعزيز. {وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً} بالإِنفاق في سبيل الخير وقرضاً يحتمل المصدر والمفعول. {لأُكَفّرَنَّ عَنْكُمْ سيئاتكم} جواب للقسم المدلول عليه باللام في لئن ساد مسد جواب الشرط. {وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك} بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم. {مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السبيل} ضلالاً لا شبهة فيه ولا عذر معه بخلاف من كفر قبل ذلك، إذ قد يمكن أن يكون له شبهة ويتوهم له معذرة.

.تفسير الآية رقم (13):

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)}
{فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم لعناهم} طردناهم من رحمتنا، أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية. {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} لا تنفعل عن الآيات والنذر. وقرأ حمزة والكسائي {قسية} وهي إما مبالغة {قَاسِيَةً} أو بمعنى رديئة من قولهم درهم قسي إذا كان مغشوشاً، وهو أيضاً من القسوة فإن المغشوش فيه يبس وصلابة وقرئ: {قسية} بإتباع القاف للسين. {يُحَرّفُونَ الكلم عَن مواضعه} استئناف لبيان قسوة قلوبهم، فإنه لا قسوة أشد من تغيير كلام الله سبحانه وتعالى والافتراء عليه، ويجوز أن يكون حالاً من مفعول {لعناهم} لا من القلوب إذ لا ضمير له فيه. {وَنَسُواْ حَظَّا} وتركوا نصيباً وافياً. {مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} من التوراة، أو من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى أنهم حرفوا التوراة وتركوا حظهم مما أنزل عليهم فلم ينالوه، وقيل معناه أنهم حرفوها فزلت بشؤمه أشياء منها عن حفظهم، لما روي أن ابن مسعود قال: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية. {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَائِنَةٍ مّنْهُمْ} خيانة منهم، أو فرقة خائنة أو خائن والتاء للمبالغة. والمعنى أن الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم لا تزال ترى ذلك منهم. {إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ} لم يخونوا وهم الذين آمنوا منهم، وقيل استثناء من قوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} {فاعف عَنْهُمْ واصفح} إن تابوا وآمنوا أو عاهدوا والتزموا الجزية. وقيل: مطلق نسخ بآية السيف. {إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين} تعليل للأمر بالصفح وحث عليه وتنبيه على أن العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلاً عن العفو عن غيره.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)}
{وَمِنَ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى أَخَذْنَا ميثاقهم} أي وأخذنا من النصارى ميثاقهم كما أخذنا ممن قبلهم، وقيل تقديره ومن الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا، وإنما قال قالوا إنا نصارى ليدل على أنهم سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله سبحانه وتعالى. {فَنَسُواْ حَظّاً مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا} فألزمنا من غري بالشيء إذا لصق به. {بَيْنَهُمُ العداوة والبغضاء إلى يَوْمِ القيامة} بين فرق النصارى، وهم نسطورية ويعقوبية وملكانية، أو بينهم وبين اليهود. {وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ الله بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} بالجزاء والعقاب.

.تفسير الآية رقم (15):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)}
{يَا أَهْلَ الكتاب} يعني اليهود والنصارى، ووحد الكتاب لأنه للجنس. {قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب} كنَت محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة وبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام بأحمد صلى الله عليه وسلم في الإِنجيل. {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} مما تخفونه لا يخبر به إذا لم يضطر إليه أمر ديني، أو عن كثير منكم فلا يؤاخذه بجرمه. {قَدْ جَاءَكُمْ مّنَ الله نُورٌ وكتاب مُّبِينٌ} يعني القرآن فإنه الكاشف لظلمات الشك والضلال والكتاب الواضح الإِعجاز. وقيل يريد بالنور محمد صلى الله عليه وسلم.