فصل: تفسير الآية رقم (106):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (106):

{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)}
{اتبع مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} بالتدين به. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} اعتراض أكد به إيجاب الاتباع، أو حال مؤكدة من ربك بمعنى منفرداً في الألوهية. {وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} ولا تحتفل بأقوالهم ولا تلتفت إلى آرائهم، ومن جعله منسوخاً بآية السيف حمل الإِعراض على ما يعم الكف عنهم.

.تفسير الآية رقم (107):

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}
{وَلَوْ شَاء الله} توحيدهم وعدم إشراكهم. {مَا أَشْرَكُواْ} وهو دليل على أنه سبحانه وتعالى لا يريد إيمان الكافرين وأن مراده واجب الوقوع. {وَمَا جعلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} رقيباً. {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} تقوم بأمورهم.

.تفسير الآية رقم (108):

{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}
{وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي ولا تذكروا آلهتهم التي يعبدونها بما فيها من القبائح. {فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً} تجاوزاً عن الحق إلى الباطل. {بِغَيْرِ عِلْمٍ} على جهالة بالله سبحانه وتعالى وبما يجب أن يذكر به. وقرأ يعقوب {عَدُوّا} يقال عدا فلان عدواًّ وعدواً وعداءَ وعدواناً. روي: أنه عليه الصلاة والسلام كان يطعن في آلهتهم فقالوا لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك، فنزلت. وقيل كان المسلمون يسبونها فنهوا لئلا يكون سبهم سبباً لسب الله سبحانه وتعالى، وفيه دليل على أن الطاعة إذا أدت إلى معصية راجحة وجب تركها فإن ما يؤدي إلى الشر شر. {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} من الخير والشر بإحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقاً وتخذيلاً، ويجوز تخصيص العمل بالشر وكل أمة بالكفرة لأن الكلام فيهم، والمشبه به تزيين سب الله لهم. {ثُمَّ إلى رَبّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بالمحاسبة والمجازاة عليه.

.تفسير الآية رقم (109):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم} مصدر في موقع الحال، والداعي لهم إلى هذا القسم والتأكيد فيه التحكم على الرسول صلى الله عليه وسلم في طلب الآيات واستحقارما رأوا منها. {لَئِن جَاءتْهُمْ ءايَةٌ} من مقترحاتهم. {لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله} هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء وليس شيء منها بقدرتي وإرادتي. {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} وما يدريكم استفهام إنكار. {أَنَّهَا} أي أن الآية المقترحة. {إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي لا تدرون أنهم لا يؤمنون، أنكر السبب مبالغة في نفي المسبب، وفيه تنبيه على أنه سبحانه وتعالى إنما لم ينزلها لعلمه بأنها إذا جاءت لا يؤمنون بها، وقيل لا مزيدة وقيل أن بمعنى لعل إذ قرئ لعلها قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب إنها بالكسر كأنه قال: وما يشعركم ما يكون منهم، ثم أخبرهم بما علم منهم والخطاب للمؤمنين فإنهم يتمنون مجيء الآية طمعاً في إيمانهم، فنزلت. وقيل للمشركين إذ قرأ ابن عامر وحمزة {لا تؤمنون} بالتاء وقرئ: {وما يشعرهم أنها إذا جاءتهم} فيكون إنكاراً لهم على حلفهم أي: وما يشعرهم أن قلوبهم حينئذٍ لم تكن مطبوعة كما كانت عند نزول القرآن وغيره من الآيات فيؤمنون بها.

.تفسير الآية رقم (110):

{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
{وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم} عطف على لا يؤمنون أي: وما يشعركم أنا حينئذ يقلب أفئدتهم عن الحق فلا يفقهونه، وأبصارهم فلا يبصرونه فلا يؤمنون بها. {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ} أي بما أنزل من الآيات. {أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وندعهم متحيرين لا نهديهم هداية المؤمنين. وقرئ. {وَيَقَلِّبُ} و{يذرهم} على الغيبة، و{تقلب} على البناء للمفعول والإِسناد إلى الأفئدة.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملئكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَئ قُبُلاً} كما اقترحوا فقالوا: لولا أنزل علينا الملائكة فأتوا بآياتنا {أَوْ تَأْتِيَ بالله والملئكة قَبِيلاً} وقبلا جمع قبيل بمعنى كفيل أي: كفلاء بما بشروا به وأنذروا به، أو جمع قبيل الذي هو جمع قبيلة بمعنى جماعات، أو مصدر بمعنى مقابلة كقبلا وهو قراءة نافع وابن عامر، وهو على الوجوه حال من كل وإنما جاز ذلك لعمومه. {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} لما سبق عليهم القضاء بالكفر. {إِلاَّ أَن يَشَاء الله} استثناء من أعم الأحوال أي: لا يؤمنون في حال من الأحوال إلا حال مشيئة الله تعالى إيمانهم، وقيل منقطع وهو حجة واضحة على المعتزلة. {ولكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} أنهم لو أوتوا بكل آية لم يؤمنوا فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون، ولذلك أسند الجهل إلى أكثرهم مع أن مطلق الجهل يعمهم، أو ولكن أكثر المسلمين يجهلون أنهم لا يؤمنون فيتمنون نزول الآية طمعاً في إيمانهم.

.تفسير الآية رقم (112):

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)}
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوّاً} أي كما جعلنا لك عدواً جعلنا لكل نبي سبقك عدواً، وهو دليل على أن عداوة الكفرة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بفعل الله سبحانه وتعالى وخلقه. {شياطين الإنس والجن} مردة الفريقين، وهو بدل من عدواً، أو أول مفعولي {جَعَلْنَا} و{عَدُوّا} مفعوله الثاني، ولكل متعلق به أو حال منه. {يُوحِى بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ} يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإِنس، أو بعض الجن إلى بعض، وبعض الإِنس إلى بعض. {زُخْرُفَ القول} الأباطيل المموهة منه من زخرفة إذا زينه. {غُرُوراً} مفعول له أو مصدر في موقع الحال. {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ} إيمانهم. {مَّا فَعَلُوهُ} أي ما فعلوا ذلك يعني معاداة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وايحاء الزخارف، ويجوز أن يكون الضمير للايحاء أو الزخرف أو الغرور، وهو أيضاً دليل على المعتزلة. {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} وكفرهم.

.تفسير الآيات (113- 120):

{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}
{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة} عطف على {غُرُوراً} إن جعل علة، أو متعلق بمحذوف أي وليكون ذلك {جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوّاً}. والمعتزلة لما اضطروا فيه قالوا: اللام لام العاقبة أو لام القسم كسرت لما لم يؤكد الفعل بالنون أو لام الأمر وضعفه أظهر، والصغو: الميل والضمير لما له الضمير في فعلوه. {وَلِيَرْضَوْهُ} لأنفسهم. {وَلِيَقْتَرِفُواْ} وليكتسبوا. {مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} من الآثام.
{أَفَغَيْرَ الله أَبْتَغِى حَكَماً} على إرادة القول أي: قل لهم يا محمد أفغير الله أطلب من يحكم بيني وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل، و{غير} مفعول {أَبْتَغِى} و{حُكْمًا} حال منه ويحتمل عكسه، و{حُكْمًا} أبلغ من حاكم ولذلك لا يوصف به غير العادل. {وَهُوَ الذي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب} القرآن المعجز. {مُفَصَّلاً} مبيناً فيه الحق والباطل بحيث ينفي التخليط والالتباس. وفيه تنبيه على أن القرآن بإعجازه وتقريره مغنٍ عن سائر الآيات. {والذين ءاتيناهم الكتاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مّن رَّبّكَ بالحق} تأييد لدلالة الإِعجاز على أن القرآن حق منزل من عند الله سبحانه وتعالى، يعلم أهل الكتاب به لتصديقه ما عندهم مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يمارس كتبهم ولم يخالط علماءهم، وإنما وصف جميعهم بالعلم لأن أكثرهم يعلمون ومن لم يعلم فهو متمكن منه بأدنى تأمل. وقيل المراد مؤمنو أهل الكتاب. وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم {مُنَزَّلٌ} بالتشديد. {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} في أنهم يعلمون ذلك، أو في أنه منزل لجحود أكثرهم وكفرهم به، فيكون من باب التهييج كقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} أو خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم لخطاب الأمة. وقيل الخطاب لكل أحد على معنى أن الأَدلة لما تعاضدت على صحته فلا ينبغي لأحد أن يمتري فيه.
{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ} بلغت الغاية أخباره وأحكامه ومواعيده. {صِدْقاً} في الأخبار والمواعيد. {وَعَدْلاً} في الأقضية والأحكام ونصبهما يحتمل التمييز والحال والمفعول له. {لاَ مُبَدّلَ لكلماته} لا أحد يبدل شيئاً منها بما هو أصدق وأعدل، أو لا أحد يقدر أن يحرفها شائعاً ذائعاً كما فعل بالتوراة على أن المراد بها القرآن، فيكون ضماناً لها من الله سبحانه وتعالى بالحفظ كقوله: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} أو لا نبي ولا كتاب بعدها ينسخها ويبدل أحكامها. وقرأ الكوفيون ويعقوب {كلمة ربك} أي ما تكلم به أو القرآن. {وَهُوَ السميع} لما يقولون. {العليم} بما يضمرون فلا يهملهم.
{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن في الأرض} أي أكثر الناس يريد الكفار، أو الجهال أو أتباع الهوى. وقيل الأرض أرض مكة. {يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله} عن الطريق الموصل إليه، فإن الضال في غالب الأمر لا يأمر إلا بما فيه ضلال.
{إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق، أو جهالاتهم وآراؤهم الفاسدة فإن الظن يطلق على ما يقابل العلم. {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يكذبون على الله سبحانه وتعالى فيما ينسبون إليه كاتخاذ الولد وجعل عبادة الأوثان وصلة إليه، وتحليل الميتة وتحريم البحائر، أو يقدرون أنهم على شيء وحقيقته ما يقال عن ظن وتخمين.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} أي أعلم بالفريقين، و{مِنْ} موصولة أو موصوفة في محل النصب بفعل دل عليه أعلم لا به فإن أفعل لا ينصب الظاهر في مثل ذلك، أو استفهامية مرفوعة بالابتداء والخبر {يُضِلَّ} والجملة معلق عنها الفعل المقدر. وقرئ: {مَن يَضِلُّ} أي يضله الله، فتكون من منصوبة بالفعل المقدر أو مجرورة بإضافة أعلم إليه أي: أعلم المضلين من قوله تعالى: {مَن يُضْلِلِ الله} أو من أضللته إذا وجدته ضالاً، والتفضيل في العلم بكثرته وإحاطته بالوجوه التي يمكن تعلق العلم بها ولزومه وكونه بالذات لا بالغير.
{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} مسبب عن إنكار اتباع المضلين الذين يحرمون الحلال ويحللون الحرام، والمعنى كلوا مما ذكر اسم الله على ذبحه لا مما ذكر عليه اسم غيره أو مات حتف أنفه. {إِن كُنتُم بآياته مُؤْمِنِينَ} فإن الإِيمان بها يقتضي استباحة ما أحله الله سبحانه وتعالى واجتناب ما حرمه.
{وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} وأي غرض لكم في أن تتحرجوا عن أكله وما يمنعكم عنه. {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} مما لم يحرم بقوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {فَصْلٌ} على البناء للمفعول، ونافع ويعقوب وحفص {حَرَّمَ} على البناء للفاعل. {إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} مما حرم عليكم فإنه أيضاً حلال حال الضرورة. {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ} بتحليل الحرام وتحريم الحلال. قرأ الكوفيون بضم الياء والباقون بالفتح. {بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ} بتشبيههم من غير تعلق بدليل يفيد العلم. {إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين} بالمجاوزين الحق إلى الباطل والحلال إلى الحرام.
{وَذَرُواْ ظاهر الإثم وَبَاطِنَهُ} ما يعلن وما يسر، أو ما بالجوارح وما بالقلب. وقيل الزنا في الحوانيت واتخاذ الأخدان. {إِنَّ الذين يَكْسِبُونَ الإثم سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ} يكتسبون.

.تفسير الآية رقم (121):

{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}
{وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ} ظاهر في تحريم متروك التسمية عمداً أو نسياناً، وإليه ذهب داود وعن أحمد مثله، وقال مالك والشافعي بخلافه لقوله عليه الصلاة والسلام: «ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله عليه» وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين العمد والنسيان وأوله بالميتة أو بما ذكر غير اسم الله عليه لقوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} فإن الفسق ما أهل لغير الله به، والضمير لما ويجوز أن يكون للأكل الذي دل عليه لا تأكلوا. {وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ} ليوسوسون. {إلى أَوْلِيَائِهِمْ} من الكفار. {ليجادلوكم} بقولهم تأكلون ما قتلتم أنتم وجوارحكم وتدعون ما قتله الله، وهو يؤيد التأويل بالميتة. {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} في استحلال ما حرم. {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} فإن من ترك طاعة الله تعالى إلى طاعة غيره واتبعه في دينه فقد أشرك، وإنما حسن حذف الفاء فيه لأن الشرط بلفظ الماضي.