فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (4):

{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)}
{وَكَم مّن قَرْيَةٍ} وكثيراً من القرى. {أهلكناها} أردنا إهلاك أهلها، أو أهلكناها بالخذلان. {فَجَاءهَا} فجاء أهلها. {بَأْسُنَا} عذابنا. {بَيَاتًا} بائتين كقوم لوط، مصدر وقع موقع الحال. {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} عطف عليه أي: قائلين نصف النهار كقوم شعيب، وإنما حذفت واو الحال استثقالاً لاجتماع حرفي العطف، فإنها واو عطف استعيرت للوصل لا اكتفاء بالضمير فإنه غير فصيح. وفي التعبيرين مبالغة في غفلتهم وأمنهم من العذاب، ولذلك خص الوقتين ولأنهما وقت دعة واستراحة فيكون مجيء العذاب فيهما أفظع.

.تفسير الآية رقم (5):

{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)}
{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} أي دعاؤهم واستغاثتهم، أو ما كانوا يدعونه من دينهم. {إِذْ جَاءهُم بَأْسُنَا إِلا أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظالمين} إلا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وبطلانه تحسراً عليهم.

.تفسير الآية رقم (6):

{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}
{فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} عن قبول الرسالة وإجابتهم الرسل. {ولَنَسْأَلَنَّ المْرسَلِينَ} عما أجيبوا به، والمراد عن هذا السؤال توبيخ للكفرة وتقريعهم، والمنفي في قوله: {وَلاَ يَسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} سؤال استعلام. أو الأول في موقف الحساب وهذا عند حصولهم على العقوبة.

.تفسير الآية رقم (7):

{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}
{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم} على الرسل حين يقولون {لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب} أو على الرسل والمرسل إليهم ما كانوا عليه. {بِعِلْمِ} عالمين بظواهرهم وبواطنهم، أو بمعلومنا منهم. {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} عنهم فيخفى علينا شيء من أحوالهم.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)}
{والوزن} أي القضاء، أو وزن الأعمال وهو مقابلتها بالجزاء. والجمهور على أن صحائف الأعمال توزن بميزان له لسان وكفتان، ينظر إليه الخلائق إظهاراً للمعدلة وقطعاً للمعذرة، كما يسألهم عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وتشهد بها جوارحهم. ويؤيده ما روي: أن الرجل يؤتى به إلى الميزان فينشر عليه تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر، فيخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة. وقيل توزن الأشخاص لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إنه ليأتي العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة» {يَوْمَئِذٍ} خبر المبتدأ الذي هو الوزن. {الحق} صفته، أو خبر محذوف ومعناه العدل السوي. {فَمَن ثَقُلَتْ موازينه} حسناته، أو ما يوزن به حسناته فهو جمع موزون أو ميزان وجمعه باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن. {فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون} الفائزون بالنجاة والثواب.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}
{وَمَنْ خَفَّتْ موازينه فأولئك الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} بتضييع الفطرة السليمة التي فطرت عليها، واقتراف ما عرضها للعذاب. {بِمَا كَانُواْ بآياتنا يَظْلِمُونَ} فيكذبون بدل التصديق.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)}
{وَلَقَدْ مكناكم في الأرض} أي مكناكم من سكناها وزرعها والتصرف فيها. {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش} أسباباً تعيشون بها، جمع معيشة. وعن نافع أنه همزة تشبيهاً بما الياء فيه زائدة كصحائف. {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} فيما صنعت إليكم.

.تفسير الآيات (11- 21):

{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}
{وَلَقَدْ خلقناكم ثُمَّ صورناكم} أي خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصور ثم صورناه. نزل خلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويره، أو ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم بأن خلقنا آدم ثم صورناه. {ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ} وقيل ثم لتأخير الإخبار. {فَسَجَدُواْ إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مّنَ الساجدين} ممن سجد لآدم.
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} أي أن تسجد ولا صلة مثلها في لئلا يعلم، مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه، ومنبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود. وقيل الممنوع عن الشيء مضطر إلى خلافه فكأنه قيل: ما اضطرك إلى ألا تسجد. {إِذْ أَمَرْتُكَ} دليل على أن مطلق الأمر للوجوب والفور. {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ} جواب من حيث المعنى استأنف به استبعاداً لأن يكون مثله مأموراً بالسجود لمثله كأنه قال: المانع أني خير منه، ولا يحسن للفاضل أن يسجد للمفضول، فكيف يحسن أن يؤمر به. فهو الذي سن التكبر وقال بالحسن والقبح العقليين أولاً. {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} تعليل لفضله عليه، وقد غلط في ذلك بأن رأى الفضل كله باعتبار العنصر وغفل عما يكون باعتبار الفاعل كما أشار إليه بقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} أي بغير واسطة، وباعتبار الصورة كما نبه عليه بقوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ ساجدين} وباعتبار الغاية وهو ملاكه ولذلك أمر الملائكة بسجوده لما بين لهم أنه أعلم منهم، وأن له خواص ليست لغيره، والآية دليل الكون والفساد وأن الشياطين أجسام كائنة، ولعل إضافة خلق الإنسان إلى الطين والشيطان إلى النار باعتبار الجزء الغالب.
{قَالَ فاهبط مِنْهَا} من السماء أو الجنة. {فَمَا يَكُونُ لَكَ} فما يصح. {أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} وتعصي فإنها مكان الخاشع والمطيع. وفيه تنبيه على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة وأنه سبحانه وتعالى إنما طرده وأهبطه لتكبره لا لمجرد عِصيانه. {فاخرج إِنَّكَ مِنَ الصاغرين} ممن أهانه الله لتكبره، قال عليه الصلاة والسلام: «من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه الله» {قَالَ أَنظِرْنِى إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أمهلني إلى يوم القيامة فلا تمتني، أو لا تعجل عقوبتي.
{قَالَ إِنَّكَ مِنَ المنظرين} يقتضي الإجابة إلى ما سأله ظاهراً لكنه محمول على ما جاء مقيداً بقوله تعالى: {إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} وهو النفخة الأولى، أو وقت يعلم الله انتهاء أجله فيه، وفي إسعافه إليه ابتلاء العباد وتعريضهم للثواب بمخالفته {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى} أي بعد أن أمهلتني لاجتهدن في إغوائهم بأي طريق يمكنني بسبب إغوائك إياي بواسطتهم تسمية، أو حملاً على الغي، أو تكليفاً بما غويت لأجله والباء متعلقة بفعل القسم المحذوف لا بأقعدن فإن اللام تصد عنه فإن القسم: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} ترصداً بهم كما يقعد القطاع للسابلة.
{صراطك المستقيم} طريق الإِسلام ونصبه على الظرف كقوله:
لدنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُه ** فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ

وقيل تقديره على صراطك كقولهم: ضرب زيد الظهر والبطن.
{ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ} أي من جميع الجهات الأربع. مثل قصده إياهم بالتسويل والإِضلال من أي وجه يمكنه بإتيان العدو من الجهات الأربع، ولذلك لم يقل من فوقهم ومن تحت أرجلهم. وقيل لم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل منه ولم يقل من تحتهم لأن الإِتيان منه يوحش الناس. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من بين أيديهم من قبل الآخرة، ومن خلفهم من قبل الدنيا، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من جهة حسناتهم وسيئاتهم. ويحتمل أن يقال من أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون على التحرز عنه، ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من حيث يتيسر لهم أن يعلموا ويتحرزوا ولكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم واحتياطهم. وإنما عدى الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما موجه إليهم وإلى الأخيرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم، ونظيره قولهم جلست عن يمينه. {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين} مطيعين، وإنما قاله ظناً لقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} لما رأى فيهم مبدأ الشر متعدداً ومبدأ الخير واحداً، وقيل سمعه من الملائكة.
{قَالَ اخرج مِنْهَا} مذموماً من ذأمه إذا ذمه. وقرئ: {مذموماً} كمسول في مسؤول أو كمكول في مكيل، من ذامه يذيمه ذيماً. {مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} مطروداً. {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} اللام فيه لتوطئة القسم وجوابه: {لأَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} وهو ساد مسد جواب الشرط. وقرئ: {لِمَنْ} بكسر اللام على أنه خبر لأملأن على معنى: لمن تبعك هذا الوعيد، أو علة لأخرج ولأملأن جواب قسم محذوف ومعنى منكم ومنهم فغلب المخاطب.
{ويَا ءادَمَ} أي وقلنا يا آدم. {اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} وقرئ هذي وهو الأصل لتصغيره على ذيا والهاء بدل من الياء. {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم، وتكونا يحتمل الجزم على العطف والنصب على الجواب.
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} أي فعل الوسوسة لأجلهما، وهي في الأصل الصوت الخفي كالهينمة والخشخشة ومنه وسوس الحلي. وقد سئل في سورة (البقرة) كيفية وسوسته. {لِيُبْدِيَ لَهُمَا} ليظهر لهما، واللام للعاقبة أو للغرض على أنه أراد أيضاً بوسوسته أن يسوءهما بانكشاف عورتيهما، ولذلك عبر عنهما بالسوأة. وفيه دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع. {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا} ما غطي عنهما من عوراتهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر، وإنما لم تقلب الواو المضمومة همزة في المشهور كما قلبت في أو يصل تصغير واصل لأن الثانية مدة وقرئ: {سوآتهما} بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الواو وسوأتهما بقلبها واواً وإدغام الواو الساكنة فيها.
{وَقَالَ مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا} إِلاَّ كراهة أن تكونا. {مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة، واستدل به على فضل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وجوابه: أنه كان من المعلوم أن الحقائق لا تنقلب وإنما كانت رغبتهما في أن يحصل لهما أيضاً للملائكة من الكمالات الفطرية، والاستغناء عن الأطعمة والأشربة، وذلك لا يدل على فضلهم مطلقاً.
{وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} أي أقسم لهما على ذلك، وأخرجه على زنة المفاعلة للمبالغة. وقيل أقسما له بالقبول. وقيل أقسما عليه بالله أنه لمن الناصحين فأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة.

.تفسير الآية رقم (22):

{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}
{فدلاهما} فنزلهما إلى الأكل من الشجرة، نبه به على أنه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة، فإن التدلية والإِدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل. {بِغُرُورٍ} بما غرهما به من القسم فإنهما ظناً أن أحداً لا يحلف بالله كاذباً، أو ملتبسين بغرور. {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُما} أي فلما وجدا طعمهما آخذين في الأكل منها أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية، فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما. واختلف في أن الشجرة كانت السنبلة أو الكرم أو غيرهما، وأن اللباس كان نوراً أو حلة أو ظفراً. {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة. {عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} قيل كان ورق التين، وقرئ: {يَخْصِفَانِ} من أخصف أي يخصفان أنفسهما ويخصفان من خصف ويخصفان وأصله يختصفان. {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} عتاب على مخالفة النهي، وتوبيخ على الاغترار بقول العدو. وفيه دليل على أن مطلق النهي للتحريم.

.تفسير الآية رقم (23):

{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}
{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} أضررناها بالمعصية والتعريض للإخراج من الجنة. {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} دليل على أن الصغائر معاقب عليها إن لم تغفر. وقالت المعتزلة لا يجوز المعاقبة عليها مع اجتناب الكبائر ولذلك قالوا: إنما قالا ذلك على عادة المقربين في استعظام الصغير من السيئات واستحقار العظيم من الحسنات.