فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (24):

{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}
{قَالَ اهبطوا} الخطاب لآدم وحواء وذريتهما، أو لهما ولإِبليس. كرر الأمر له تبعاً ليعلم أنهم قرناء أبداً وأخبر عما قال لهم متفرقاً. {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} في موضع الحال أي متعادين. {وَلَكُمْ في الأرض مُسْتَقَرٌّ} استقرار أي موضع استقرار. {ومتاع} وتمتع. {إلى حِينٍ} إلى أن تقضى آجالكم.

.تفسير الآية رقم (25):

{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}
{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} للجزاء وقرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان {وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}، وفي (الزخرف) كذلك {تُخْرَجُونَ} بفتح التاء وضم الراء.

.تفسير الآية رقم (26):

{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
{يابنى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية وأسباب نازلة، ونظيره قوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الانعام} وقوله تعالى: {وَأَنزْلْنَا الحديد} {يوارى سَوْآتِكُمْ} التي قصد الشيطان إبداءها، ويغنيكم عن خصف الورق. روي: أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها، فنزلت. ولعله ذكر قصة آدم مقدمة لذلك حتى يعلم أن انكشاف العورة أول سوء أصاب الإِنسان من الشيطان، وأنه أغواهم في ذلك كما أغوى أبويهم. {وَرِيشًا} ولباساً تتجملون به، والريش الجمال. وقيل مالاً ومنه تريش الرجل إذا تمول. وقرئ: {رياشاً} وهو جمع ريش كشعب وشعاب. {وَلِبَاسُ التقوى} خشية الله. وقيل الإِيمان. وقيل السمت الحسن. وقيل لباس الحرب ورفعه بالابتداء وخبره: {ذلك خَيْرٌ} أو خبر وذلك صفته كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي {وَلِبَاسُ التقوى} بالنصب عطفاً على {لِبَاساً}. {ذلك} أي إنزال اللباس. {مِنْ آيات الله} الدالة على فضله ورحمته. {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} فيعرفون نعمته أو يتعظون فيتورعون عن القبائح.

.تفسير الآية رقم (27):

{يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}
{يابنى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} لا يمتحننكم بأن يمنعكم دخول الجنة بإغوائكم. {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة} كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها، والنهي في اللفظ للشيطان، والمعنى نهيهم عن اتباعه والافتنان به. {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوآتهما} حال من {أَبَوَيْكُم} أو من فاعل {أَخْرَجَ} وإسناد النزع إليه للتسبب. {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} تعليل للنهي وتأكيد للتحذير من فتنته، وقبيله جنوده ورؤيتهم إيانا من حيث لا نراهم في الجملة لا تقتضي امتناع رؤيتهم وتمثلهم لنا. {إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} بما أوجدنا بينهم من التناسب، أو بإرسالهم عليهم وتمكينهم من خذلانهم وحملهم على ما سولوا لهم. والآية مقصود القصة وفذلكة الحكاية.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)}
{وَإِذَا فَعَلُواْ فاحشة} فعلة متناهية في القبح كعبادة الصنم وكشف العورة في الطواف. {قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا والله أَمَرَنَا بِهَا} اعتذروا واحتجوا بأمرين تقليد الآباء والافتراء على الله سبحانه وتعالى، فأعرض عن الأول لظهور فساده ورد الثاني بقوله: {قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء} لأن عادته سبحانه وتعالى جرت على الأمر بمحاسن الأفعال، أو الحث على مكارم الخصال. ولا دلالة عليه على أن أقبح الفعل بمعنى ترتب الذم عليه آجلاً عقلي، فإن المراد بالفاحشة ما ينفر عنه الطبع السليم ويستنقصه العقل المستقيم. وقيل هما جوابا سؤالين مترتبين كأنه قيل لهم لما فعلوها: لم فعلتم؟ فقالوا: وجدنا عليها آباءنا. فقيل ومن أين أخذ آباؤكم؟ فقالوا: الله أمرنا بها. وعلى الوجهين يمتنع التقليد إذا قام الدليل على خلافه لا مطلقاً. {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} إنكار يتضمن النهي عن الافتراء على الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (29):

{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}
{قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط} بالعدل وهو الوسط من كل أمر المتجافي عن طرفي الإِفراط والتفريط. {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} وتوجهوا إلى عبادته مستقيمين غير عادلين إلى غيرها، أو أقيموها نحو القبلة. {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} في كل وقت سجود أو مكانه وهو الصلاة، أو في أي مسجد حضرتكم الصلاة ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم. {وادعوه} واعبدوه. {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي الطاعة فإن إليه مصيركم. {كَمَا بَدَأَكُمْ} كما أنشأكم ابتداء. {تَعُودُونَ} بإعادته فيجازيكم على أعمالكم فأخلصوا له العبادة، وإنما شبه الإِعادة بالإِبداء تقريراً لإِمكانها والقدرة عليها. وقيل كما بدأكم من التراب تعودون إليه. وقيل كما بدأكم حفاة عراة غرلاً تعودون. وقيل كما بدأكم مؤمناً وكافراً يعيدكم.

.تفسير الآية رقم (30):

{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}
{فَرِيقًا هدى} بأن وفقهم للإِيمان. {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} بمقتضى القضاء السابق. وانتصابه بفعل يفسره ما بعده أي وخذل فريقاً. {إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله} تعليل لخذلانهم أو تحقيق لضلالهم. {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} يدل على أن الكافر المخطئ والمعاند سواء في استحقاق الذم، وللفارق أن يحمله على المقصر في النظر.

.تفسير الآيات (31- 32):

{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}
{يابنى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ} ثيابكم لمواراة عورتكم. {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} لطواف أو صلاة، ومن السنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئة للصلاة، وفيه دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة. {وَكُلُواْ واشربوا} ما طاب لكم. روي: أن بني عامر في أيام حجهم كانوا لا يأكلون الطعام إلا قوتاً ولا يأكلون دسماً يعظمون بذلك حجهم فهم المسلمون به، فنزلت. {وَلاَ تُسْرِفُواْ} بتحريم الحلال، أو بالتعدي إلى الحرام، أو بإفراط الطعام والشره عليه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة. وقال علي ابن الحسين بن واقد: قد جمع الله الطب في نصف آية فقال: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا}. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} أي لا يرتضي فعلهم.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله} من الثياب وسائر ما يتجمل به. {التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} من النبات كالقطن والكتان، والحيوان كالحرير والصوف، والمعادن كالدروع. {والطيبات مِنَ الرزق} المستلذات من المآكل والمشارب. وفيه دليل على أن الأصل في المطاعم والملابس وأنواع التجملات الإِباحة، لأن الاستفهام في من للإنكار. {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحياة الدنيا} بالأصالة والكفرة وإن شاركوهم فيها فتبع. {خَالِصَةً يَوْمَ القيامة} لا يشاركهم فيها غيرهم، وانتصابها على الحال. وقرأ نافع بالرفع على أنها خبر بعد خبر. {كَذَلِكَ نُفَصِلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي كتفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الأحكام لهم.

.تفسير الآية رقم (33):

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش} ما تزايد قبحه، وقيل ما يتعلق بالفروج. {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} جهرها وسرها. {والإثم} وما يوجب الإثم تعميم بعد تخصيص، وقيل شرب الخمر. {والبغى} الظلم، أو الكبر أفرده بالذكر للمبالغة. {بِغَيْرِ الحق} متعلق بالبغي مؤكد له معنى. {وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} تهكم بالمشركين، وتنبيه على تحريم اتباع ما لم يدل عليه برهان. {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} بالإِلحاد في صفاته سبحانه وتعالى، والافتراء عليه كقولهم: {الله أَمَرَنَا بِهَا}.

.تفسير الآيات (34- 40):

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)}
{وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} مدة، أو وقت نزول العذاب بهم وهو وعيد لأهل مكة. {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ} انقرضت مدتهم، أو حان وقتهم. {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} أي لا يتأخرون ولا يتقدمون أقصر وقت، أو لا يطلبون التأخر والتقدم لشدة الهول.
{يابنى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} شرط ذكره بحرف الشك للتنبيه على أن إتيان الرسل أمر جائز غير واجب كما ظنه أهل التعليم، وضمت إليها ما لتأكيد معنى الشرط ولذلك أكد فعلها بالنون وجوابه: {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
{والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا واستكبروا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} والمعنى فمن اتقى التكذيب وأصلح عمله منكم والذين كذبوا بآياتنا منكم، وإدخال الفاء في الخبر الأول دون الثاني للمبالغة في الوعد والمسامحة في الوعيد.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بئاياته} ممن تقول على الله ما لم يقله أو كذب ما قاله. {أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} مما كتب لهم من الأرزاق والآجال. وقيل الكتاب اللوح المحفوظ أي مما أثبت لهم فيه. {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} أي يتوفون أرواحهم، وهو حال من الرسل وحتى غاية لنيلهم وهي التي يبتدأ بعدها الكلام. {قَالُواْ} جواب إذا {أَيْنَمَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي أين الآلهة التي كنتم تعبدونها، وما وصلت بأين في خط المصحف وحقها الفصل لأنها موصولة. {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} غابوا عنا. {وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كافرين} اعترفوا بأنهم كانوا ضالين فيما كانوا عليه.
{قَالَ ادخلوا} أي قال الله تعالى لهم يوم القيامة، أو أحد من الملائكة. {فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم} أي كائنين في جملة أمم مصاحبين لهم يوم القيامة. {مّنَ الجن والإنس} يعني كفار الأمم الماضية عن النوعين. {فِى النار} متعلق بادخلوا. {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ} أي في النار. {لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} التي ضلت بالاقتداء بها. {حَتَّى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعًا} أي تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا في النار. {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ} دخولاً أو منزلة وهم الأتباع. {لأولاهم} أي لأجل أولاهم إذا الخطاب مع الله لا معهم. {رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا} سنوا لنا الضلال فاقتدينا بهم {فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} مضاعفاً لأنهم ضلوا وأضلوا. {قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ} أما القادة فبكفرهم وتضليلهم، وأما الأتباع فبكفرهم وتقليدهم. {ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ} ما لكم أو ما لكل فريق. وقرأ عاصم بالياء على الانفصال.
{وَقَالَتْ أولاهم لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} عطفوا كلامهم على جواب الله سبحانه وتعالى: {لاِخْرَاهُمْ} ورتبوه عليه أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا وإنا وإياكم متساوون في الضلال واستحقاق العذاب.
{فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} من قول القادة أو من قول الفريقين.
{إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا واستكبروا عَنْهَا} أي عن الإِيمان بها. {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء} لأدعيتهم وأعمالهم، أو لأرواحهم كما تفتح لأعمال المؤمنين وأرواحهم لتتصل بالملائكة. والتاء في تفتح للتأنيث الأبواب والتشديد لكثرتها، وقرأ أبو عمرو بالتخفيف وحمزة والكسائي به وبالياء، لأن التأنيث غير حقيقي والفعل مقدم. وقرئ على البناء للفاعل ونصب الأبواب بالتاء على أن الفعل للآيات وبالياء لأن الفعل لله. {وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل في سَمّ الخياط} أي حتى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم وهو البعير فيما هو مثل في ضيق المسلك وهو ثقبة الإِبرة، وذلك مما لا يكون فكذا ما يتوقف عليه. وقرئ: {الجمل} كالقمل، والجمل كالنغر، والجمل كالقفل، والجمل كالنصب، و{الجمل} كالحبل وهو الحبل الغليظ من القنب، وقيل حبل السفينة. وسم بالضم والكسر وفي سم المخيط وهو والخياط ما يخاط به كالحزام والمحزم. {وكذلك} ومثل ذلك الجزاء الفظيع. {نَجْزِى المجرمين}.