فصل: تفسير الآية رقم (41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (41):

{لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)}
{لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ} فراش. {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} أغطية، والتنوين فيه للبدل عن الاعلال عند سيبويه، وللصرف عند غيره، وقرئ: {غَوَاشٍ} على إلغاء المحذوف. {وكذلك نَجْزِى الظالمين} عبر عنهم بالمجرمين تارة وبالظالمين أخرى إشعاراً بأنهم بتكذيبهم الآيات اتصفوا بهذه الأوصاف الذميمة، وذكر الجرم مع الحرمان من الجنة والظلم مع التعذيب بالنار تنبيهاً على أنه أعظم الإِجرام.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)}
{والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون} على عادته سبحانه وتعالى في أن يشفع الوعيد بالوعد، ولا نكلف نفساً إلا وسعها اعتراض بين المبتدأ وخبره للترغيب في اكتساب النعيم المقيم بما تسعه طاقتهم ويسهل عليهم. وقرئ لا تكلف نفس.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
{وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مّنْ غِلّ} أي نخرج من قلوبهم أسباب الغل، أو نطهرها منه حتى لا يكون بينهم إلا التواد. وعن علي كرم الله وجهه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم. {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} زيادة في لذتهم وسرورهم. {وَقَالُواْ الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} لما جزاؤه هذا. {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله} لولا هداية الله وتوفيقه، واللام لتوكيد النفي وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله. وقرأ ابن عامر {ما كنا} بغير واو على أنها مبينة للأولى. {لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} فاهتدينا بإرشادهم. يقولون ذلك اغتباطاً وتبجحاً بأن ما علموه يقيناً في الدنيا صار لهم عين اليقين في الآخرة. {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة} إذا رأوها من بعيد، أو بعد دخولها والمنادى له بالذات. {أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي أعطيتموها بسبب أعمالكم، وهو حال من الجنة والعامل فيها معنى الإِشارة، أو خبر والجنة صفة تلكم وأن في المواقع الخمسة هي المخففة أو المفسرة لأن المناداة والتأذين من القول.

.تفسير الآيات (44- 50):

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)}
{وَنَادَى أصحاب الجنة أصحاب النار أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّا} إنما قالوه تبجحاً بحالهم وشماتة بأصحاب النار وتحسيراً لهم، وإنما لم يقل ما وعدكم كما قال: {مَّا وَعَدَنَا} لأن ما ساءهم من الموعود لم يكن بأسره مخصوصاً وعده بهم، كالبعث والحساب ونعيم أهل الجنة. {قَالُواْ نَعَمْ} وقرأ الكسائي بكسر العين وهما لغتان. {فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ} قيل هو صاحب الصور. {بَيْنَهُمْ} بين الفريقين. {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} وقرأ ابن كثير في رواية للبزي وابن عامر وحمزة والكسائي {أَن لَّعْنَةُ الله} بالتشديد والنصب. قرئ: {إِن} بالكسر على إرادة القول أو إجراء أذن مجرى قال.
{الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} صفة للظالمين مقررة، أو ذم مرفوع أو منصوب. {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} زيغاً وميلاً عما هو عليه، والعوج بالكسر في المعاني والأعيان ما لم تكن منتصبة، وبالفتح ما كان في المنتصبة، كان في المنتصبة كالحائط والرمح. {وَهُم بالأخرة كافرون}.
{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} أي بين الفريقين لقوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} أو بين الجنة والنار ليمنع وصول أثر إحداها إلى الأخرى. {وَعَلَى الأعراف} وعلى أعراف الحجاب أي أعاليه، وهو السور المضروب بينهما جمع عرف مستعار من عرف الفرس وقيل العرف ما ارتفع من الشيء فإنه يكون لظهوره أعرف من غيره. {رِجَالٌ} طائفة من الموحدين قصروا في العمل فيحبسون بين الجنة والنار حتى يقضي الله سبحانه وتعالى فيهم ما يشاء وقيل قوم علت درجاتهم كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو الشهداء رضي الله تعالى عنهم، أو خيار المؤمنين وعلمائهم، أو ملائكة يرون في صورة الرجال. {يَعْرِفُونَ كُلاًّ} من أهل الجنة والنار. {بسيماهم} بعلامتهم التي أعلمهم الله بها كبياض الوجه وسواده، فعل من سام إبله إذا أرسلها في المرعى معلمة، أو من وسم على القلب كالجاه من الوجه، وإنما يعرفون ذلك بالإلهام أو تعليم الملائكة. {وَنَادَوْاْ أصحاب الجنة أَن سلام عَلَيْكُمْ} أي إذا نظروا إليهم سلموا عليهم. {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يُطْعِمُونِ} حال من الواو على الوجه الأول ومن أصحاب على الوجوه الباقية.
{وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم تِلْقَاء أصحاب النار قَالُواْ} نعوذ بالله. {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين} أي في النار.
{ونادى أصحاب الأعراف رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بسيماهم} من رؤساء الكفرة. {قَالُواْ مَا أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ} كثرتكم أو جمعكم المال. {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} عن الحق، أو على الخلق. وقرئ: {تستكثرون} من الكثرة.
{أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ} من تتمة قولهم للرجال، والإِشارة إلى ضعفاء أهل الجنة الذين كانت الكفرة يحتقرونهم في الدنيا ويحلفون أن الله لا يدخلهم الجنة {ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} أي فالتفتوا إلى أصحاب الجنة وقالوا لهم ادخلوا وهو أوفق للوجوه الأخيرة، أو فقيل لأصحاب الأعراف ادخلوا الجنة بفضل الله سبحانه وتعالى بعد أن حبسوا حتى أبصروا الفريقين وعرفوهم وقالوا لهم ما قالوا.
قيل لما عيروا أصحاب النار أقسموا أن أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنة فقال الله سبحانه وتعالى أو بعض الملائكة هؤلاء الذين أقسمتم. وقرئ: {أَدْخِلُواْ} و{دخلوا} على الاستئناف وتقديره دخلوا الجنة مقولاً لهم {لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ}.
{ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء} أي صبوه، وهو دليل على أن الجنة فوق النار. {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من سائر الأشربة ليلائم الإِفاضة، أو من الطعام كقوله: علفتها تبناً وماء بارداً. {قَالُواْ إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين} منعهما عنهم منع المحرم من المكلف.

.تفسير الآية رقم (51):

{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}
{الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} كتحريم البحيرة والتصدية والمكاء حول البيت واللهو صرف الهم بما لا يحسن أن يصرف به، واللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به. {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا فاليوم ننساهم} نفعل بهم فعل الناسين فنتركهم في النار. {كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا} فلم يخطروه ببالهم ولم يستعدوا له. {وَمَا كَانُواْ بئاياتنا يَجْحَدُونَ} وكما كانوا منكرين أنها من عند الله.

.تفسير الآية رقم (52):

{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}
{وَلَقَدْ جئناهم بكتاب فصلناه} بينا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ مفصلة. {على عِلْمٍ} عالمين بوجه تفصيله حتى جاء حكيماً، وفِيه دليل على أنه سبحانه وتعالى عالم بعلم، أو مشتملاً على علم فيكون حالاً من المفعول. وقرئ: {فضلناه} أي على سائر الكتب عالمين بأنه حقيق بذلك. {هُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} حال من الهاء.

.تفسير الآية رقم (53):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
{هَلْ يَنظُرُونَ} ينتظرون. {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} إلا ما يؤول إليه أمره من تبين صدقه بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد. {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ} تركوه ترك الناسي. {قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} أي قد تبين أنهم جاؤوا بالحق. {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا} اليوم. {أَوْ نُرَدُّ} أو هل نرد إلى الدنيا. وقرئ بالنصب عطفاً على {فَيَشْفَعُواْ}، أو لأن {أَوْ} بمعنى إلى أن، فعلى الأول المسؤول أحد الأمرين الشفاعة أو ردهم إلى الدنيا، وعلى الثاني أن يكون لهم شفعاء إما لأحد الأمرين أو لأمر واحد وهو الرد. {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} جوابِ الاستفهام الثاني وقرئ بالرفع أي فنحن نعمل. {قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} بصرف أعمارهم في الكفر. {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} بطل عنهم فلم ينفعهم.

.تفسير الآية رقم (54):

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}
{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي في ستة أوقات كقوله: {وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} أو في مقدار ستة أيام، فإن المتعارف باليوم زمان طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن حينئذ، وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إيجادها دفعة دليل للاختيار واعتبار للنظار وحث على التأني في الأمور. {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} استوى أمره أو استولى، وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، والمعنى: أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزهاً عن الاستقرار والتمكن والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه، أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأمور والتدابير تنزل منه وقيل الملك. {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَار} يغطيه به ولم يذكر عكسه للعلم به، أو لأن اللفظ يحتملهما ولذلك قرئ: {يغشي الليل النهار} بنصب {اليل} ورفع {النهار}. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم بالتشديد فيه وفي (الرعد) للدلالة على التكرير. {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} يعقبه سريعاً كالطالب له لا يفصل بينهما شيء، والحثيث فعيل من الحث وهو صفة مصدر محذوف أو حال من الفاعل بمعنى حاثاً، أو المفعول بمعنى محثوثاً. {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ} بقضائه وتصريفه ونصبها بالعطف على السموات ونصب مسخرات على الحال. وقرأ ابن عامر كلها بالرفع على الابتداء والخبر. {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} فإنه الموجد والمتصرف. {تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} تعالى بالوحدانية في الألوهية وتعظم بالتفرد في الربوبية. وتحقيق الآية، والله سبحانه وتعالى أعلم، أن الكفرة كانوا متخذين أرباباً فبين لهم أن المستحق للربوبية واحد وهو الله سبحانه وتعالى، لأنه الذي له الخلق والأمر فإنه سبحانه وتعالى خلق العالم على ترتيب قويم وتدبير حكيم فأبدع الأفلاك ثم زينها بالكواكب كما أشار إليه بقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سموات في يَوْمَيْنِ} وعمد إلى إيجاد الأجرام السفلية فخلق جسماً قابلاً للصور المتبدلة والهيئات المختلفة، ثم قسمها بصور نوعية متضادة الآثار والأفعال وأشار إليه بقوله وخلق الأرض أي ما في جهة السفل في يومين، ثم أنشأ أنواع المواليد الثلاثة بتركيب موادها أولاً وتصويرها ثانياً كما قال تعالى بعد قوله: {خَلَقَ الأرض في يَوْمَيْنِ} {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِن فَوْقِهَا وبارك فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أقواتها في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} أي مع اليومين الأولين لقوله تعالى في سورة السجدة {الله الذي خَلَقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ} ثم لما تم له عالم الملك عمد إلى تدبيره كالملك الجالس على عرشه لتدبير المملكة، فدبر الأمر من السماء إلى الأرض بتحريك الأفلاك وتسيير الكواكب وتكوير الليالي والأيام، ثم صرح بما هو فذلكة التقرير ونتيجته فقال: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} ثم أمرهم بأن يدعوه متذللين مخلصين فقال.

.تفسير الآية رقم (55):

{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
{ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أي ذوي تضرع وخفية فإن الإخفاء دليل الإخلاص. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} المجاوزين ما أمروا به في الدعاء وغيره، نبه به على أن الداعي ينبغي أن لا يطلب ما لا يليق به كرتبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصعود إلى السماء. وقيل هو الصياح في الدعاء والاسهاب فيه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم، «سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وحسب المرء أن يقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ثم {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين}».