فصل: تفسير الآية رقم (154):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (154):

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}
{وَلَمَّا سَكَتَ} سكن وقد قرئ به. {عَن مُّوسَى الغضب} باعتذار هارون، أو بتوبتهم وفي هذا الكلام مبالغة وبلاغة من حيث إنه جعل الغضب الحامل له على ما فعل كالأمر به والمغري عليه حتى عبر عن سكونه بالسكوت. وقرئ: {سَكَتَ} و{أسكت} على أن المسكت هو الله أو أخوه أو الذين تابوا. {أَخَذَ الألواح} التي ألقاها. {وَفِى نُسْخَتِهَا} وفيما نسخ فيها أي كتب، فعلة بمعنى مفعول كالخطبة وقيل فيما نسخ منها من الألواح المنكسرة. {هُدًى} بيان للحق. {وَرَحْمَةً} إرشاد إلى الصلاح والخير. {لّلَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ} دخلت اللام على المفعول لضعف الفعل بالتأخير، أو حذف المفعول واللام للتعليل والتقدير يرهبون معاصي الله لربهم.

.تفسير الآيات (155- 160):

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}
{واختار موسى قَوْمَهُ} أي من قومه فحذف الجار وأوصل الفعل إليه {سَبْعِينَ رَجُلاً لميقاتنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرجفة} روي أنه تعالى أمره أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل، فاختار من كل سبط ستة فزاد اثنان فقال: ليتخلف منكم رجلان فتشاجروا فقال: إن لمن قعد أجر من خرج، فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين، فلما دنوا من الجبل غشيه غمام فدخل موسى بهم الغمام وخروا سجداً، فسمعوه تعالى يكلم موسى يأمره وينهاه، ثم انكشف الغمام فأقبلوا إليه وقالوا: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً} فأخذتهم الرجفة أي الصاعقة، أو رجفة الجبل فصعقوا منها. {قَالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مّن قَبْلُ وإياى} تمنى هلاكهم وهلاكه، قبل أن يرى ما رأى أو بسبب آخر، أو عنى به أنك قدرت على إهلاكهم قبل ذلك بحمل فرعون على إهلاكهم وبإغراقهم في البحر وغيرهما فترحمت عليهم بالانقاذ منها فإن ترحمت عليهم مرة أخرى لم يبعد من عميم إحسانك. {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهاء مِنَّا} من العناد والتجاسر على طلب الرؤية، وكان ذلك قاله بعضهم. وقيل المراد بما فعل السفهاء عبادة العجل، والسبعون اختارهم موسى لميقات التوبة عنها فغشيتهم هيبة قلقوا منها ورجفوا حتى كادت تبين مفاصلهم، وأشرفوا على الهلاك فخاف عليهم موسى فبكى ودعا فكشفها الله عنهم. {إِنْ هي إِلاَّ فِتْنَتُكَ} ابتلاؤك حين أسمعتهم كلامك حتى طمعوا في الرؤية، أو أوجدت في العجل خواراً فزاغوا به. {تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء} ضلاله بالتجاوز عن حده أو باتباع المخايل. {وَتَهْدِى مَن تَشَاء} هداه فيقوى بها إيمانه. {أَنتَ وَلِيُّنَا} القائم بأمرنا. {فاغفر لَنَا} بمغفرة ما قارفنا. {وارحمنا وَأَنتَ خَيْرُ الغافرين} تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة.
{واكتب لَنَا في هذه الدنيا حَسَنَةً} حسن معيشة وتوفيق طاعة. {وَفِي الاخرة} الجنة. {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} تبنا إليك من هاد يهود إذا رجع. وقرئ بالكسر من هاده يهيده إذا أماله، ويحتمل أن يكون مبنياً للفاعل وللمفعول بمعنى أملنا أنفسنا وأملنا إليك، ويجوز أن يكون المضموم أيضاً مبنياً للمفعول منه على لغة من يقول عود المريض. {قَالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء} تعذيبه. {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَئ} في الدنيا المؤمن والكافر بل المكلف وغيره. {فَسَأَكْتُبُهَا} فسأثبتها في الآخرة، أو فسأكتبها كتبة خاصة منكم يا بني إسرائيل. {لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الكفر والمعاصي. {وَيُؤْتُونَ الزكواة} خصها بالذكر لإنافتها ولأنها كانت أشق عليهم. {والذين هُم بئاياتنا يُؤْمِنُونَ} فلا يكفرون بشيء منها.
{الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبى} مبتدأ خبره يأمرهم، أو خبر مبتدأ تقديره هم الذين، أو بدل من الذين يتقون بدل البعض أو الكل، والمراد من آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وإنما سماه رسولاً بالإِضافة إلى الله تعالى ونبياً بالإِضافة إلى العباد.
{الأمى} الذي لا يكتب ولا يقرأ، وصفه به تنبيهاً على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته. {الذى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ في التوراة والإنجيل} اسماً وصفة. {يَأْمُرُهُم بالمعروف وينهاهم عَنِ المنكر وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات} مما حرم عليهم كالشحوم. {وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث} كالدم ولحم الخنزير أو كالربا والرشوة. {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} ويخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعيين القصاص في العمد والخطأ، وقطع الأعضاء الخاطئة وقرض موضع النجاسة، وأصل الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه من الحراك لثقله. وقرأ ابن عامر: {آصارهم}. {فالذين ءامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ} وعظموه بالتقوية. وقرئ بالتخفيف وأصله المنع ومنه التعزير. {وَنَصَرُوهُ} لي. {واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ} أي مع نبوته يعني القرآن، وإنما سماه نوراً لأنه بإعجازه ظاهر أمره مظهر غيره، أو لأنه كاشف الحقائق مظهر لها، ويجوز أن يكون معه متعلقاً باتبعوا أي واتبعوا النور المنزل مع اتباع النبي فيكون إشارة إلى اتباع الكتاب والسنة. {أُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون} الفائزون بالرحمة الأبدية، ومضمون الآية جواب دعاء موسى صلى الله عليه وسلم.
{قُلْ يَا أَيُّهَا الناس إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ} الخطاب عام، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى كافة الثقلين، وسائر الرسل إلى أقوامهم. {جَمِيعاً} حال من إليكم. {الذى لَهُ مُلْكُ السموات والأرض} صفة لله وإن حيل بينهما بما هو متعلق المضاف إليه لأنه كالتقدم عليه، أو مدح منصوب أو مرفوع، أو مبتدأ خبره {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} وهو على الوجوه. الأول بيان لما قبله فإن من ملك العالم كان هو الإِله لا غيره وفي: {يُحْيِي وَيُمِيْتُ} مزيد تقرير لاختصاصه بالألوهية. {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِي الأُمِّي الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ} ما أنزل عليه وعلى سائر الرسل من كتبه ووحيه. وقرئ: {وكلمته} على إرادة الجنس أو القرآن، أو عيسى تعريضًا لليهود وتنبيهاً على أن من لم يؤمن به لم يعتبر إيمانه، وإنما عدل عن التكلم إلى الغيبة لإجراء هذه الصفات الداعية إلى الإيمان به والاتباع له. {واتبعوه لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} جعل رجاء الاهتداء أثر الأمرين تنبيهاً على أن من صدقه ولم يتابعه بالتزام شرعه فهو يعد في خطط الضلالة.
{وَمِن قَوْمِ مُوسَى} يعنى من بني إسرائيل. {أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق} يهدون الناس محقين أو بكلمة الحق. {وَبِهِ} بالحق. {يَعْدِلُونَ} بينهم في الحكم والمراد بها الثابتون على الإِيمان القائمون بالحق من أهل زمانه، أتبع ذكرهم ذكر أضدادهم على ما هو عادة القرآن تنبيهاً على أن تعارض الخير والشر وتزاحم أهل الحق والباطل أمر مستمر. وقيل مؤمنو أهل الكتاب. وقيل قوم وراء الصين رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فآمنوا به.
{وقطعناهم} وصيرناهم قطعاً متميزاً بعضهم عن بعض.
{اثنتى عَشْرَةَ} مفعول ثان لقطع فإنه متضمن معنى صير، أو حال وتأنيثه للحمل على الأمة أو القطعة. {أَسْبَاطًا} بدل منه ولذلك جمع، أو تمييز له على أن كل واحد من اثنتي عشرة أسباط فكأنه قيل: اثنتي عشرة قبيلة. وقرئ بكسر الشين وإسكانها. {أُمَمًا} على الأول بدل بعد بدل، أو نعت أسباط وعلى الثاني بدل من أسباط. {وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى إِذِ استسقاه قَوْمُهُ} في التيه. {أَنِ اضرب بّعَصَاكَ الحجر فانبجست} أي فضرب فانبجست وحذفه للإِيماء على أن موسى صلى الله عليه وسلم لم يتوقف في الامتثال، وأن ضربه لم يكن مؤثراً يتوقف عليه الفعل في ذاته {مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ} كل سبط. {مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الغمام} ليقيهم حر الشمس. {وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ المن والسلوى كُلُواْ} أي وقلنا لهم كلوا. {مِن طيبات مَا رزقناكم وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} سبق تفسيره في سورة (البقرة).

.تفسير الآية رقم (161):

{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)}
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا هذه القرية} بإضمار اذكروا لقرية بيت المقدس. {وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وادخلوا الباب سُجَّدًا} مثل ما في سورة (البقرة) معنى غير أن قوله: {فَكُلُواْ} فيها بالفاء أفاد تسبب سكناهم للأكل منها، ولم يتعرض له هاهنا اكتفاء بذكره ثمة، أو بدلالة الحال عليه وأما تقديم قوله قولوا على وادخلوا فلا أثر له في المعنى لأنه لا يوجب الترتيب وكذا الواو العاطفة بينهما. {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطيئاتكم سَنَزِيدُ المحسنين} وعد بالغفران والزيادة عليه بالإثابة، وإنما أخرج الثاني مخرج الاستئناف للدلالة على أنه تفضل محض ليس في مقابلة ما أمروا به. وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب: {تغفر} بالتاء والبناء للمفعول، و{خطيئاتكم} بالجمع والرفع غير ابن عامر فإنه وحد وقرأ أبو عمرو: {خطاياكم}.

.تفسير الآية رقم (162):

{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}
{فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مّنَ السماء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} مضى تفسيره فيها.

.تفسير الآية رقم (163):

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)}
{وَاسْئَلْهُمْ} للتقرير والتقريع بقديم كفرهم وعصيانهم، والإِعلام بما هو من علومهم التي لا تعلم إلا بتعليم أو وحي ليكون لك ذلك معجزة عليهم. {عَنِ القرية} عن خبرها وما وقع بأهلها. {التى كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر} قريبة منه وهي أيلة قرية بين مدين والطور على شاطئ البحر، وقيل مدين، وقيل طبرية. {إِذْ يَعْدُونَ في السبت} يتجاوزون حدود الله بالصيد يوم السبت، و{إِذْ} ظرف ل {كَانَتْ} أو {حَاضِرَةَ} أو للمضاف المحذوف أو بدل منه بدل اشتمال. {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ} ظرف ل {يَعْدُونَ} أو بدل بعد بدل. وقرئ: {يَعْدُونَ} وأصله يعتدون ويعدون من الإِعداد أي يعدون آلات الصيد يوم السبت، وقد نهوا أن يشتغلوا فيه بغير العبادة. {يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} يوم تعظيمهم أمر السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها بالتجرد للعبادة. وقيل اسم لليوم والإِضافة لاختصاصهم بإحكام فيه، ويؤيد الأول إن قرئ يوم إسباتهم، وقوله: {وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ} وقرئ: {لاَ يَسْبِتُونَ} من أسبت و{لاَ يَسْبِتُونَ} على البناء للمفعول بمعنى لا يدخلون في السبت، و{شُرَّعًا} حال من الحيتان ومعناه ظاهرة على وجه الماء من شرع علينا إذا دنا وأشرف. {كذلك نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم. وقيل كذلك متصل بما قبله أي لا تأتيهم مثل إتيانهم يوم السبت، والباء متعلق ب {يَعْدُونَ}.

.تفسير الآية رقم (164):

{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)}
{وَإِذْ قَالَتِ} عطف على {إِذْ يَعْدُونَ}. {أُمَّةٌ مّنْهُمْ} جماعة من أهل القرية يعني صلحاءهم الذين اجتهدوا في موعظتهم حتى أيسوا من اتعاظهم. {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ} مخترمهم. {أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا} في الآخرة لتماديهم في العصيان، قالوه مبالغة في أن الوعظ لا ينفع فيهم، أو سؤالاً عن علة الوعظ ونفعه وكأنه تقاول بينهم أو قول من ارعوى عن الوعظ لمن لم يرعو منهم، وقيل المراد طائفة من الفرقة الهالكة أجابوا به وعاظهم رداً عليهم وتهكماً بهم. {قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبّكُمْ} جواب للسؤال أي موعظتنا إنهاء عذر إلى الله حتى لا ننسب إلى تفريط في النهي عن المنكر. وقرأ حفص {مَعْذِرَةً} بالنصب على المصدر أو العلة أي اعتذرنا به معذرة ووعظناهم معذرة. {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} إذ اليأس لا يحصل إلا بالهلاك.

.تفسير الآيات (165- 175):

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)}
{فَلَمَّا نَسُواْ} تركوا ترك الناسي. {مَا ذُكّرُواْ بِهِ} ما ذكرهم به صلحاؤهم. {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ} بالاعتداء ومخالفة أمر الله. {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} شديد فعيل من بؤس يبؤس بؤساً إذا اشتد. وقرأ أبو بكر: {بيئس} على فيعل كضيغم، وابن عامر: {بئس} بكسر الباء وسكون الهمز على أنه بئس كحذر، كما قرئ به فخفف عينه بنقل حركتها إلى الفاء ككبد في كبد، وقرأ نافع: {بيس} على قلب الهمزة ياء كما قلبت في ذئب أو على أنه فعل الذم وصف به فجعل اسماً، وقرئ: {بيس} كريس على قلب الهمزة ثم ادغامها و{بيس} بالتخفيف كهين وبائس كفاعل. {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} بسبب فسقهم.
{فَلَمَّا عَتَوْاْ عَمَّا نُهُواْ عَنْهُ} تكبروا عن ترك ما نهوا عنه كقوله تعالى: {وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين} كقوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَئ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} والظاهر يقتضي أن الله تعالى عذبهم أولاً بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك فمسخهم، ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريراً وتفصيلاً للأولى. روي: أن الناهين لما أيسوا عن اتعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم، فقسموا القرية بجدار فيه باب مطروق، فأصبحوا يوماً ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين فقالوا: إن لهم شأناً فدخلوا عليهم فإذا هم قردة فلم يعرفوا أنسباءهم ولكن القردة تعرفهم، فجعلت تأتي أنسباءهم وتشم ثيابهم وتدور باكية حولهم ثم ماتوا بعد ثلاث. وعن مجاهد مسخت قلوبهم لا أبدانهم.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} أي أعلم تفعل من الإيذان بمعناه كالتوعد والإِيعاد، أو عزم لأن العازم على الشيء يؤذن نفسه بفعله فأجرى مجرى فعل القسم {كعلم الله} و{شَهِدَ الله}. ولذلك أجيب بجوابه وهو: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة} والمعنى وإذ أوجب ربك على نفسه ليسلطن على اليهود. {مَن يَسُومُهُمْ سُوء العذاب} كالإِذلال وضرب الجزية، بعث الله عليهم بعد سليمان عليه السلام بختنصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساءهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم، وكانوا يؤدونها إلى المجوس حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ففعل ما فعل ثم ضرب عليهم الجزية فلا تزال مضروبة إلى آخر الدهر. {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب} عاقبهم في الدنيا. {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} لمن تاب وآمن.
{وقطعناهم فِي الأرض أُمَمًا} وفرقناهم فيها بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تتمة لأدبارهم حتى لا يكون لهم شوكة قط و{أُمَمًا} مفعول ثان أو حال. {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك} تقديره ومنهم أناس دون ذلك أي منحطون عن الصلاح، وهم كفرتهم وفسقتهم. {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} بالنعم والنقم. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ينهون فيرجعون عما كانوا عليه.
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ} من بعد المذكورين. {خَلْفٌ} بدل سوء مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع. وقيل جمع وهو شائع في {وَرِثُواْ الكتاب} التوراة من أسلافهم يقرؤونها ويقفون على ما فيها. {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى} حطام هذا الشيء الأدنى يعني الدنيا، وهو من الدنو أو الدناءة وهو ما كانوا يأخذون من الرشا في الحكومة وعلى تحريف الكلم، والجملة حال من الواو. {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه، وهو يحتمل العطف والحال والفعل مسند إلى الجار والمجرور، أو مصدر يأخذون. {وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} حال من الضمير في {لَنَا} أي: يرجون المغفرة مصرين على الذنب عائدين إلى مثله غير تائبين عنه. {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الكتاب} أي في الكتاب. {أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق} عطف بيان للميثاق، أو متعلق به أي بأن يقولوا والمراد توبيخهم على البت بالمغفرة مع عدم التوبة والدلالة على أنه افتراء على الله وخروج عن ميثاق الكتاب. {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} عطف على {أَلَمْ يُؤْخَذْ} من حيث المعنى فإنه تقرير، أو على {وَرِثُواْ} وهو اعتراض. {والدار الاخرة خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} مما يأخذ هؤلاء. {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} فيعلموا ذلك ولا يستبدلوا الأدنى الدنيء المؤدي إلى العقاب بالنعيم المخلد، وقرأ نافع وابن عامر وحفص ويعقوب بالتاء على التلوين. {والذين يُمَسّكُونَ بالكتاب وَأَقَامُواْ الصلاة} عطف على الذين {يَتَّقُونَ} وقوله: {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} اعتراض أو مبتدأ خبره: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين} على تقدير منهم، أو وضع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على أن الإِصلاح كالمانع من التضييع. وقرأ أبو بكر {يُمَسّكُونَ} بالتخفيف وإفراد الإِقامة لإِنافتها على سائر أنواع التمسكات.
{وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ} أي قلعناه ورفعناه فوقهم وأصل النتق الجذب. {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} سقيفة وهي ما أظلك. {وَظَنُّواْ} وتيقنوا. {أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} ساقط عليهم لأن الجبل لا يثبت في الجو ولأنهم كانوا يوعدون به، وإنما أطلق الظن لأنه لم يقع متعلقه وذلك أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لثقلها فرفع الله الطور فوقهم. وقيل لهم إن قبلتم ما فيها وإلا ليقعن عليكم. {خُذُواْ} على إضمار القول أي وقلنا خذوا أو قائلين خذوا. {مَا ءاتيناكم} من الكتاب. {بِقُوَّةٍ} بجد وعزم على تحمل مشاقه، وهو حال من الواو. {واذكروا مَا فِيهِ} بالعمل به ولا تتركوه كالمنسي. {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق.
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} أي أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرناً بعد قرن، و{مِن ظُهُورِهِمْ} بدل {مِن بَنِى ءادَمَ} بدل البعض. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب: {ذرياتهم}. {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَا} أي ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الاقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم: {قَالُواْ بلى} فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل ويدل عليه قوله: {أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة} أي كراهة أن تقولوا.
{إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافلين} لم ننبه عليه بدليل.
{أَوْ تَقُولُواْ} عطف على {أَن تَقُولُواْ}، وقرأ أبو عمرو كليهما بالياء لأن أول الكلام على الغيبة. {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} فاقتدينا بهم لأن التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم به لا يصلح عذراً. {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المبطلون} يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك. وقيل لما خلق الله آدم أخرج من ظهره ذرية كالذر وأحياهم وجعل لهم العقل والنطق وألهمهم ذلك لحديث رواه عمر رضي الله تعالى عنه، وقد حققت الكلام فيه في شرحي لكتاب (المصابيح)، والمقصود من إيراد هذا الكلام هاهنا الزام اليهود بمقتضى الميثاق العام بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم، والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية والعقلية ومنعهم عن التقليد وحملهم على النظر والاستدلال كما قال: {وكذلك نُفَصّلُ الآيات وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي عن التقليد واتباع الباطل.
{واتل عَلَيْهِمْ} أي على اليهود. {نَبَأَ الذي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} هو أحد علماء بني إسرائيل، أو أمية بن أبي الصلت فإنه كان قد قرأ الكتب وعلم أن الله تعالى مرسل رسولاً في ذلك الزمان، ورجا أن يكون هو فلما بعث محمد عليه السلام حسده وكفره به، أو بلعم بن باعوراء من الكنعانيين أوتي علم بعض كتب الله، {فانسلخ مِنْهَا} من الآيات بأن كفر بها وأعرض عنها. {فَأَتْبَعَهُ الشيطان} حتى لحقه وقيل استتبعه. {فَكَانَ مِنَ الغَاوِين} فصار من الضالين. روي أن قومه سألوه أن يدعو على موسى ومن معه فقال: كيف أدعو على من معه الملائكة، فألحوا حتى دعا عليهم فبقوا في التيه.