فصل: تفسير الآية رقم (108):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (108):

{لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)}
(108)- أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ لا يَقُومَ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ هَذا، وَحَثَّهُ عَلَى الصَّلاةِ فِي مَسْجِدِ قِبَاءٍ الذِي أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى التَّقْوَى (وَهِيَ طَاعَةُ اللهِ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، وَجَمْعُ كَلِمَةِ المُؤْمِنِينَ)، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الحَدِيثِ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِ قِبَاءٍ كَعُمْرَةٍ».
وَيَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ مَسْجِدَ قبَاءٍ فِيهِ رِجَالٌ يَعْمُرُونَهُ بِإِقَامَةِ الصَّلاةِ، وَذِكْرِ اللهِ، وَتَسْبِيحِهِ؟، وَيُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا بِذَلِكَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ. وَيُثْنِي اللهُ تَعَالَى عَلَى الأَنْصَارِ فِي تَطَهُّرِهِمْ، وَفِي عِنَايَتِهِمْ بِنَظَافَةِ أَبْدَانِهِمْ، لأَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ.

.تفسير الآية رقم (109):

{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)}
{بُنْيَانَهُ} {وَرِضْوَانٍ} {الظالمين}
(109)- لا يَسْتَوِي فِي عَقِيدَتِهِ، وَلا فِي عَمَلِهِ، مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوًى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ، مَعْ مَنْ بَنَى مَسْجِداً لِلضِّرَارِ وَالكُفْر وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، فَهَذَا الأَخِيرُ حَالُهُ كَحَالِ مَنْ يَبْنِي بُنْيَانَهُ عَلَى طَرَفِ حُفْرَةٍ فِي أَرْضٍ رِخْوَةٍ فِي جَانِبِ جَهَنَّمَ، انْهَارَتْ بِهِ، وَبِبُنْيَانِهِ، فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَاللهُ لا يَهْدِي إَلَى الحَقِّ وَالعَدْلِ، القَوْمَ الظَّالِمِينَ المُتَجَاوِزِينَ طَاعَةَ اللهِ. فَالإِيمَانُ ثَابِتٌ رَاسِخٌ قَوِيٌّ، وَأَهْلُهُ سُعَدَاء بِرِضْوَانِ رَبِّهِمْ، وَالبَاطِلُ مُضْمَحِلٌّ وَاهٍ سَرِيعُ الانْهِيَارِ، وَأَهْلُهُ أَشْقِيَاءُ مُتَرَدَّدُونَ حَائِرُونَ.
عَلَى شَفَا جُرُفٍ- عَلَى حَرْفِ بِئْرٍ لَمْ تُبْنَ بِالحِجَارَةِ.
هَارٍ- هَائِرٍ مُتَصَدِّعٍ أَوْ مُتَهَدِّمٍ.
فَانْهَارَ بِهِ- فَسَقَطَ البُنْيَانُ بِالبَانِي.

.تفسير الآية رقم (110):

{لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)}
{بُنْيَانُهُمُ}
(110)- وَسَيَظَلُّ البُنْيَانُ، الذِي بَنَاهُ هَؤُلاءِ المُنَافِقُونَ، يُورِثُهُمْ شَكّاً فِي قُلُوبِهِمْ، وَنِفَاقاً حَتَّى مَوْتِهِمْ، بِسَبَبِ إِقْدَامِهِمْ عَلَى هَذا الفِعْلِ القَبِيحِ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِأَحْوَالِ النَّاسِ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِهِ.
رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ- شَكّاً وَنِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ.
تَقَطَّعَ قُلوبُهُمْ- تَتَقَطَّعُ وَتَتَفَرَّقُ أَجْزَاءً بِالمَوْتِ.

.تفسير الآية رقم (111):

{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)}
{أَمْوَالَهُمْ} {يُقَاتِلُونَ} {التوراة} {والقرآن}
(111)- يُرَغِّبُ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ فِي الجِهَادِ، وَيُخْبِرُهُمْ بِأَنَّهُ سَيُعَوِّضُ المُؤْمِنِينَ بِالجَنَّةِ عَنْ بَذْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، لِتَكُونَ كَلِمَةَ اللهِ هِيَ العُلْيَا، وِلإِحْقَاقِ الحَقِّ، وَإِقَامَةِ العَدْلِ فِي الأَرْضِ، فَهُمْ حِينَ يُجَاهِدُونَ يَقْتُلُونَ أَعْدَاءَهُمْ، وَيُقْتَلُونَ هُمْ، وَهُمْ فِي كِلا الحَالَيْنِ مُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ وَعَدَ اللهُ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِهَذَا الجَزَاءِ الحَقِّ، وَجَعَلَهُ حَقّاً عَلَيهِ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآنِ.
ثُمَّ يَدْعُو اللهُ تَعَالَى مَنِ التَزَمَ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِعَهْدِهِ للهِ إِلَى الاسْتِبْشَارِ بِذَلِكَ الفَوْزِ العَظِيمِ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، لأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَفَاءً بِالْعَهْدِ، وَلا أَكْثََرَ مِنْهُ التِزَاماً بِالوَعْدِ الذِي يَقْطَعُهُ عَلَى نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ رِبْحٌ أَكْبَرُ مِنَ الرّبِحِ الذِي يُحَقّقُهُ المُؤْمِنُونَ فِي هَذِهِ الصَّفْقَةِ.

.تفسير الآية رقم (112):

{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)}
{التائبون} {العابدون} {الحامدون} {السائحون} {الراكعون} {الساجدون} {والحافظون}
(112)- وَهُنَا يُعَدِّدُ اللهُ تَعَالَى صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ الذِينَ اشْتَرَى مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِالجَنَّةِ، وَهُمُ: التَّائِبُونَ مِنْ الذُّنُوبِ كُلِّها، التَّارِكُونَ لِلْفَوَاحِشِ، القَائِمُونَ بِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ، وَالمُحَافِظُونَ عَلَيهَا، وَالحَامِدُ نَ للهِ عَلَى نِعَمِهِ وَأَفْضَالِهِ، السَّائِحُونَ فِي الأَرْضِ، لِلاعْتِبَار وَالاسْتِبْصَارِ بِمَا خَلَقَ اللهُ مِنَ العِبَرِ وَالآيَاتِ، (وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ مَعْنَى السَّائِحِينَ هُنَا الصَّائِمُونَ) وَالمُصَلُّونَ. وَهُمْ مَعْ ذَلِكَ كُلِّهِ يَسْعَوْنَ فِي نَفْعِ خَلْقِ اللهِ، وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ، بِأَمْرِهِمْ بِالمَعْرُوفِ، وَنَهِيهِمْ عَنِ المُنْكَرِ، مَعَ العِلْمِ بِمَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ، وَيَجِبُ تَرْكَهُ طَاعَةً للهِ (أَيْ إِنَّهُمْ يَحْفَظُونَ حُدُودَ اللهِ). وَيُبَشِّرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ المُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الكَرِيمَةِ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
السَّائِحُونَ- فِي الأَرْضِ لِلاعْتِبَارِ وَالاسْتِبْصَارِ، أَوْ هُمُ الصَّائِمُونَ أَوْ هُمُ المُجَاهِدُونَ الغُزَاةُ فِي سَبِيلِ اللهِ.
الحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ- أَيْ المُرَاقِبُونَ لأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ.

.تفسير الآية رقم (113):

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)}
{آمنوا} {أَصْحَابُ}
(113)- لَمَّا حَضَرَتِ الوَفَاةُ أَبَا طَالِبٍ، عَمَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، دَخَلَ النَّبِيُّ، عَلَيْهِ السَّلامُ، عَلَيهِ، وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُمَيَّة، فَقَالَ لَهُ: أَيْ عَمُّ، قُلْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، كَلمةٌ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعُبْدُ اللهِ بْنُ أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟ فَقَالَ أَنَا عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِيُّ: لأَسْتَغِفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وَفِيهَا دَعْوَةٌ لِلنَّبِيَّ وَالمُؤْمِنِينَ إِلَى عَدَمِ الاسْتِغْفَارِ لِلْكَافِرِينَ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى شِرْكِهِمْ وَلَوْ كَانُوا أَقْرِبَاءَهُمْ.

.تفسير الآية رقم (114):

{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)}
{إِبْرَاهِيمَ} {لأَوَّاهٌ}
(114)- «قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ مِنْ آبَائِنَا مَنْ كَانَ يُحْسِنُ الجِوَارَ، وَيَصِلُ الأَرْحَامَ، وَيَفُكُّ العَانِي، وَيُوفِي الذِّمَمَ، أَفَلا نَسْتَغْفِر لَهُمْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: بَلَى وَاللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ لأَبِي كَمَا اسْتَغْفِرَ إِبراهيمُ لأَبِيهِ». فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هذِهِ الآيَةَ، وَالتي قَبْلَها، وَعَذَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ إِبْرَاهيمَ عَلَيْهَ السَّلامُ فِي هَذِهِ الآيَةِ، عَمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ الاسْتِغْفَارِ لأَبِيهِ المُشْرِكِ.
وَالمُسْلِمُ يَدْعُوا لِقَرِيبِهِ غَيْرِ المُسْلِمِ بِالصَّلاحِ مَا دَامَ حَيّاً، فَإِذَا مَاتَ وَكَلَهُ إِلى شَأْنِهِ، وَتَوَقَّفَ عَنِ الدُّعَاءِ وَالاسْتِغْفَارِ لَهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ إِبراهيمَ لأَوّاهٌ حَلِيمٌ، أَيْ كَثِيرُ الدُّعَاءِ، كَثِيرُ الدُّعَاءِ، كَثِيرُ التَّضَرُّعِ.
أَوّاهٌ- كَثِيرُ التَّأَوُّهِ خَوْفاً مِنَ اللهِ وَإِشْفَاقاً.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)}
{هَدَاهُمْ}
(115)- وَمَا كَانَ مِنْ سُنَنِ اللهِ فِي خَلْقِهِ، وَلا مِنْ رَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، أَنْ يَصِفَ قَوْماً بِالضَّلالِ، وَيَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامَهُ بِالذَّمِ وَالعِقَابِ، بَعْدَ أَنْ هَدَاهُمْ إِلَى الإِيمَانِ، بِقَولٍ يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ عَمَلٍ يَحْدُثُ مِنْهُمْ بِاجْتِهَادٍ خَاطِئٍ، وَيَقُولُ ابْنُ جَريرٍ فِي تَفْسِيرِ هذِهِ الآيَةِ: وَمَا كَانَ اللهُ لِيَقْضِيَ عَلَيكُمْ فِي اسْتِغْفَارِكُمْ لِمَوْتَاكُمُ المُشْرِكِينَ بِالضَّلالِ، بَعْدَ إِذْ رَزَقَكُمُ الهِدَايَةَ، وَوَفَّقَكُمْ إِلى الإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، حَتَّى يَتَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فَتَتْرُكُوا، فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ كَرَاهَةَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لا يَحْكُمُ عَلَيْكُمْ بِالضَّلالِ، وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ.

.تفسير الآية رقم (116):

{إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)}
{السماوات} {يُحْيِي}
(116)- هَذَا تَحْرِيضٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِتَالِ الكَافِرِينَ، وَدَعْوَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ لِيَتَّقُوا اللهَ، مَالِكِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلِكَيلا يَرْهَبُوا أَحَداً غَيْرَ اللهِ، فَهُوَ الذِي يَهَبُ الحَيَاةَ بِقُدْرَتِهِ وَفْقَ سُنَنٍ فِي التَّكْوينِ، وَهُوَ الذِي يُمِيتُ حِينَمَا تَنْقَضِي آجَالُ النَّاسِ. وَحِينَ يَجِيءُ الأَجَلُ المُحَدَّدُ فَلا تَتَقَدَّمُ نَفْسٌ وَلا تَتَأَخَّرُ. وَهُوَ تَعَالَى وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ، وَنَصِيرُهُمْ، وَلا وَلِيَّ وَلا نَصِيرَ لَهُمْ غَيْرُهُ.

.تفسير الآية رقم (117):

{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)}
{والمهاجرين}
(117)- نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ التِي كَانَتْ فِي سَنَةِ جَدْبٍ، وَوَقْتَ حَرٍّ شَديدٍ، وَعُسْرٍ فِي الزَّادِ وَالمَاءِ، وَقَدْ أَكْرَمَ اللهَ تَعَالَى المَهُاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ الذِينَ اتَّبَعُوا رَسُولَ اللهِ فِي وَقْتِ عُسْرَةٍ مِنَ النَّفَقَةِ وَالظَّهْرِ وَالزَّادِ، بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ لِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ بِاللهِ، وَلاسْتِجَابَتِهِمْ لِدَعْوَةِ رَسُولِهِ الكَرِيمِ، بَعْدَ أَنْ كَادَتْ تَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنَ المُسْلِمِينَ عَنِ الحَقِّ، وَهُمُ الذِينَ تَخَلَّفُوا لِغَيْرِ عِلَّةِ النِّفَاقِ مِمَّنْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، لِعِظَمِ مَا نَالَهُمْ مِنَ المَشَقَّةِ وَالشِّدَّةِ فِي سَفَرِهِمْ وَغَزْوِهِمْ. ثُمَّ رَزَقَهُمُ اللهُ الإِنَابَةَ إِلَيْهِ، وَالرُّجُوعَ وَالثَّبَاتَ عَلَى دِينِهِ، فَتَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّهُ تَعَالَى رَؤُوفٌ رَحِيمٌ بِهِمْ.
سَاعَةِ العُسْرَةِ- وَقْتِ الشِّدَّةِ وَالضِّيقِ فِي غَزْوَةِ تَبُوك.
يَزِيغُ- يَمِيلُ إِلَى التَّخَلُّفِ عَنِ الجِهَادِ.

.تفسير الآية رقم (118):

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)}
{الثلاثة}
(118)- الثَّلاثَةُ هُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِي، وَهَؤُلاءِ الثَّلاثَةُ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوك، وَاعْتَرَفُوا لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْذَارٌ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قُومُوا حَتَّى يَقْضِي اللهُ فِي أَمْرِكُمْ» وأَمْر الرَّسُولُ النَّاسَ أَنْ لا يُكَلِّمُوهُمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ عَلَى رَحْبِهَا وَسَعَتِهَا، وَضَاقَتْ أَنْفُسُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، لِمَا كَانُوا يَشْعُرُونَ بِهِ مِنْ ضِيقِ صُدُورِهِمْ بِامْتِلائِهَا بِالهَمِّ وَالغَمِّ، وَلَبِثُوا فِي ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وَفِيهَا التَّوْبَةُ عَلَيهِمْ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ: إِنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْزَلَ قبُولَ تَوْبَتِهِمْ لِيَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَيْهِ، بَعْدَ أَنْ قَصَّرُوا فِي اتِّبَاعِ رَسُولِهِ إِلَى الغَزَاةِ، فَكَانَ عَاقِبَةُ صِدْقِهِمْ خَيْراً لَهُمْ، وَتَوْبَةً عَلَيْهِمْ.
بِمَا رَحُبَتْ- مَعْ رَحْبِهَا وَسَعَتِهَا.
لِيَتُوبُوا- لِيُدَاوِمُوا عَلَى التَّوْبَةِ فِي المُسْتَقْبَلِ.

.تفسير الآية رقم (119):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}
{ياأيها} {آمَنُواْ} {الصادقين}
(119)- يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ، وَرَاقِبُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَوَاجِبَاتِهِ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ، وَاصْدقوا وَالزَمُوا الصِّدْقَ تَكُونُوا أَهْلَهُ، وَتَنْجُوا مِنَ المَهَالِكِ، وَيَجْعَلُ اللهُ لَكُمْ فَرَجاً مِنْ أُمُورِكِمْ وَمَخْرَجاً.