فصل: تفسير الآية رقم (27):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (27):

{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}
{الليل} {أولئك} {أَصْحَابُ} {النار} {خَالِدُونَ}
(27)- أَمَّا المُجْرِمُونَ الذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَكَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، فَإِنَّهُ تَعَالَى سَيَجْزِيهِمْ عَلَى السَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا مِنْ عِقَابٍ فِي الآخِرَةِ، دُونَ زِيَادَةٍ أَوْ مُضَاعَفَةٍ، وَتَعْتَرِيهِمْ (تَرْهَقُهُمْ) ذِلَّةٌ مِنْ مَعَاصِيهِمْ، وَيَعْلُوهُمُ الخَوْفُ مِنْهَا، وَلَنْ يَجِدُوا، فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، مَنْ يَعْصِمُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَتُصْبِحُ وُجُوهُهُمْ سُوداً مِنَ الغَمِّ وَالكَآبَةِ، كَأَنَّمَا عَلَتْهَا قِطَعٌ مِنْ ظَلامِ الَّلْيِل الحَالِكِ، وَهَؤُلاءِ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ يَدْخُلُونَهَا وَيَخْلُدُونَ فِيهَا أَبَداً.
عَاصِم- مَانِعٌ يَمْنَعُ سُخْطَهُ وَعَذَابَهُ.
أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ- كُسِيَتْ وَأُلْبِسَتْ.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)}
(28)- وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ لِمَنْ أَحْسَنُوا فِي الدُّنْيا، وَلِمَنْ أَسَاؤُوا فِيهَا، أَهْوَالَ يَوْمِ القِيَامَةِ، يَوْمَ يَحْشُرُ اللهُ أَهْلَ الأَرْضِ جَمِيعاً، مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ، وَمِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا: الزَمُوا أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ مَكَاناً مُعَيَّناً لا تَبْرَحُونَهُ حَتَّى تَنْظُرُوا مَا يُفْعَلُ بِكُمْ، وَيُفْصَلُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ شُرَكَائِكُمْ فِيمَا كَانَ سَبَبَ عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُمْ، وَالحُجَّة التِي يُدْلِي بِهَا كُلُّ فَرِيقٍ. ثُمَّ يُفَرِّقُ اللهُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، وَبَيْنَ مَنْ أَشْرَكُوهُمْ مَعَ اللهِ، وَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، لِتَقْطِيعِ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيا مِنْ صِلاتٍ وَرَوَابِطَ، وَقَالَ الشُّرَكَاءُ لِمَنْ أَشْرَكُوا: مَا كُنْتُمْ تَخُصُّونَنَا بِالعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَهْوَاءَكُمْ وَشَيَاطِينَكُمْ.
مَكَانَكُمْ- الزَمُوا مَكَانَكُمْ.
فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ- فَفَرَّقْنا بَيْنَهُمْ، وَقَطَعْنا وَصْلَهُمْ.

.تفسير الآية رقم (29):

{فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)}
{لَغَافِلِينَ}
(29)- وَيُصِرُّ الشًّرَكَاءُ الذِينَ كَانَ المُشْرِكُونَ يَعُبُدونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ، عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَشْعُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَلا يَعْلَمُونَ بِهَا، وَيَقُولُونَ لَهُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَنَا وَنَحْنُ لا نَدْرِي بِكُمْ، وَاللهُ شَهِيدٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، إِنَّا مَا دَعَوْنَاكُمْ إِلَى عِبَادَتِنَا، وَلا أَمَرْنَاكُمْ بِهَا، وَلا رَضِينَا مِنْكُمْ بِذَلِكَ. وَفِي هَذا تَبْكِيتٌ عَظِيمٌ لِلَّذِينَ عَبَدُوا مَعَ اللهِ غَيْرَهُ.

.تفسير الآية رقم (30):

{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
{تَبْلُواْ} {مَوْلاهُمُ}
(30)- فِي ذَلِكَ المَوْقِفِ تَعْلَمُ كُلُّ نَفْسٍ مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَتَلْقَى جَزَاءَهُ، وَفِي هَذا المَوْقِفِ المَهُولِ يُوقِنُ المُشْرِكُونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ تَعَالَى، وَيَبْطُلُ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَهُ، فَلا يَجِدُونَ أَحَداً يُنْقِذُهُمْ، أَوْ يَنْصُرُهُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ.
تَبْلُو- تَخْتَبِرُ أَوْ تَعْلَمُ أَوْ تَعَايِنُ.

.تفسير الآية رقم (31):

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}
{الأبصار} {أَمَّن}
(31)- اسْأَلِ المُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّدُ: مَنِ الذِي يُنْزِلُ المَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ فَيَشُقُّ الأَرْضَ شَقّا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِئَتِهِ، وَيُخْرِجُ لَكُمُ الزرُوعَ وَالفَوَاكِهَ وَالنَّبَاتَ مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ؟ وَمَنِ الذِي وَهَبَكُمْ قُوَّةَ السَّمْعِ وَالإِبْصَارِ، وَلَوْ شَاءَ لَذَهَبَ بِهَا، وَلَسَلَبَكُمْ إِيَّاهَا؟ وَمَنْ هُوَ الذِي يُخْرِجُ بِقُدْرَتِهِ العَظِيمَةِ، وَمَنَّتِهِ الكُبْرَى، الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ، وَالمَيِّتَ مِنَ الحَيِّ؟ وَمَنْ هُوَ الذِي يَتَوَّلَى تَدْبِيرَ أَمْرِ الخَلِيقَةِ جَمِيعاً بِمَا أَوْدَعَهُ فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنَ السُّنَنِ، وَبِيَدِهِ مَلَكُوتِ كُلِّ شَيءٍ، وَهُوَ المُتَصَرِّفُ وَالحَاكِمُ المُطْلَقُ فِي الكَوْنِ كُلِّهِ، لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ؟ إِنَّهُمْ بِلا شَكِّ سَيَعْتَرِفُونَ أَنَّهُ اللهُ وَحْدَهُ، وَهُمْ يَعِلَمُونَ ذَلِكَ، فَقُلْ لَهُمْ: أَفَلا تَخَافُونَ عِقَابَهُ أَنْ تَعْبُدُوا مَعَهُ آلِهَةً غَيْرَهُ؟

.تفسير الآية رقم (32):

{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)}
{الضلال}
(32)- فَهَذَا، الذِي اعْتَرَفْتُمْ بِأَنَّهُ فَاعِلُ كُلَّ ذَلِكَ، هُوَ رَبُّكُمْ وَإلهُكُمْ الحَقُّ الثَّابِتُ بِذَاتِهِ، المُحْيِي لِغَيْرِهِ، الذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَتَفَرَّدَ بِالعِبَادَةِ، وَكُلُّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ، وَمَنْ تَجَاوَزَ الحَقَّ وَصَلَ إِلَى الضَّلالِ. فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَهِيَ الهُدَى، إِلَى عِبَادَةِ الشُّرَكَاءِ وَالوُسَطَاءِ وَالأَنْدَادِ وَهِيَ الضَّلالُ؟
رَبُّكُمُ الحَقُّ- الذِي ثَبَتَتْ رُبُوبِيَّتُهُ بِالحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ ثُبُوتاً لا رَيْبَ فِيهِ.
فَأَنَّى تُصْرَفُونَ- فَكَيْفَ تَسْتَجِيزُونَ العُدُولَ عَنِ الحَقِّ إِلَى الكُفْرِ وَالضَّلالِ.

.تفسير الآية رقم (33):

{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
{كَلِمَتُ}
(33)- وَكَمَا حَقَّتْ كَلِمَةُ اللهِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالأُلُوهِيَّةِ، وَبِأَنَّ الحَقَّ لَيْسَ بَعْدَهُ إِلا الضَّلالُ، لِمَنْ تَنَكَّبَ عَنْهُ، كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ اللهِ وَوَعِيدُهُ عَلَى الذِينَ خَرَجُوا مِنْ حَظِيرَةِ الحَقِّ، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى شِرْكِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ مَعَ اللهِ آلهَةً أُخْرَى، أَنَّهُمْ سَيَبْقَونَ أَشْقِيَاءَ لا يُؤْمِنُونَ بِمَا دَعَتْهُمْ إلَيْهِ الرُّسُلُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالإِيمَانِ وَالهُدَى، مَهْمَا تَكُنِ الآيَةُ بَيِّنَةً، وَالحُجَّةُ ظَاهِرَةً، لأنَّ اللهَ تَعَالَى لا يَهْدِي إِلَى الحَقِّ إلا مَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُ.
حَقَّتْ- ثَبَتَتْ وَوَجَبَتْ.

.تفسير الآية رقم (34):

{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)}
{شُرَكَآئِكُمْ} {يَبْدَأُ}
(34)- قُلْ لَهُمْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ: هَلْ أَحَدٌ مِنْ شُرَكَائِكُمْ الذِينَ عَبَدْتُمُوهُمْ مَعَ اللهِ، أَوْ مِنْ دُونِ اللهِ، مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْدَادِ، مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْشِئَ الخَلْقَ ابْتِدَاءً، ثُمَّ يُعِيدُهُ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ فَنَائِهِ؟ فَإِذَا عَجَزُوا عَنِ الإِجَابَةِ فَقُلْ لَهُمْ: اللهُ هُوَ الذِي أَنْشَأَ الخَلْقَ ابْتِدَاءً، وَهُوَ القَادِرُ عَلَى إِعَادَتِهِ، لأنَّ الإِعَادَةَ أَسْهَلُ مِنَ الابْتِدَاءِ.
وَبِمَا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنْ شُرَكاءَهُم لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيءٍ مِنَ الخَلْقِ، وَلا إِعَادَةِ الخَلْقِ، فَقُلْ لَهُمْ كَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنِ الإِيمَانِ بِاللهِ، وَهُوَ الحَقُّ وَالرَّشَادُ، إِلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ وَالأَنْدَادِ وَهِيَ البَاطِلُ وَالضَّلالَةُ؟
تُؤْفَكُونَ- تُصْرَفُونَ.

.تفسير الآية رقم (35):

{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}
{شُرَكَآئِكُمْ} {أَمَّن}
(35)- وَقُلْ لَهُمْ إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَهْدِي إلَى الحَقِّ وَالرَّشَادِ، بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الهِدَايَةِ التِي تَتَمُّ بِهَا حِكْمَةُ الخَلْقِ، فَهَلْ مِنْ مَعْبُودَاتِكُمُ التِي جَعَلْتُمُوهَا شُرَكَاءَ للهِ مَنْ يَسْتَطِيعُ التَّمْييزَ بَيْنَ الهُدَى وَالضَّلالِ، فَيُرْشِدُ غَيْرَهُ إلى طَرِيقِ الحَقِّ؟ وَبِمَا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، فَقُلْ لَهُمْ: مَنْ هُوَ الأَحَقُّ بِأَنْ يُتَّبَعَ: الذِي يَهْدِي الضَّالِينَ، وَيَفْتَحُ عُيُونَ العُمْيِ لِيُبْصِرُوا الحَقَّ وَالآيَاتِ، أَمِ الذِي لا يَسْتَطِيعُ هِدَايَةَ نَفْسِهِ، وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَهْدِيَهُ غَيْرُهُ، فَمَا بَالُكُمْ تَضِلُّونَ؟ وَكَيْفَ سَوَّيْتُمْ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَعَدَلْتُمْ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ إلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ وَالأَنْدَادِ؟
لا يَهْدِي- لا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)}
(36)- إِنَّ أَكْثَرَ المُشْرِكِينَ لا يَتَّبِعُونَ فِي شِرْكِهِمْ، وَعِبَادَتِهِمْ غَيْرَ اللهِ، وَلا فِي إِنْكَارِهِمْ البَعْثَ، وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ، إِلا ضَرْباً مِنْ ضُرُوبِ الظَّنِّ وَالتَخْمِينِ الذِي لا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَيْهِ (كَتَقْلِيدِ الآَبَاءِ، وَالاعْتِقَادِ بِأَنَّ الآَبَاءَ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى خَطَأٍ وَضَلالٍ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ وَفِيمَا يَعْمَلُونَ). وَلَكِنَّ الظَّنَّ لا يَقُومُ مَقَامَ اليَقِينِ فِي شَيءٍ، وَلا يُنَتَفَعُ بِهِ حِينَ يَحْتَاجُ الأَمْرُ إِلى يَقِينٍ.
وَقَلِيلٌ مِنْ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ، وَأَنَّ أَصْنَامَهُمْ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ، وَجَحَدُوا آيَاتِهِ، وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ اسْتِكْبَاراً وَعِنَاداً.
وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُهُ رُؤُوسُ الكُفْرِ وَأَتْبَاعُهُمُ الذِينَ يُقَلِّدُونَهُمْ، وَسَيُجَازِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)}
{القرآن} {الكتاب} {العالمين}
(37)- لا يَصِحُّ وَلا يَعْقِلُ أَنْ يَفْتَرِيَ بَشَرٌ القُرْآنَ عَلَى اللهِ، وَيَنْسُبَهُ إِلَيْهِ. فَمَا فِي القُرْآنِ مِنْ مَعْلُومَاتٍ، وَتَشْرِيعَاتٍ، وَعُلُومٍ بِالغَيْبِ، وَآدَابٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ سَامِيَّةٍ، وَأُسْلُوبٍ رَفِيعٍ فِي الصِّيَاغَةِ، هِيَ أَشْيَاءُ لا يَقْدِرُ البَشَرُ أَن يأتِيَ بِمِثْلِهَا. وَقَدْ تَحَدَّاهُمُ اللهُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَعَجَزُوا. وَإِذَا أَضَفْنَا إِلَى ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم عُرِفَ فِي حَيَاتِهِ كُلِّهَا بِالأَمِينِ فِي قَوْمِهِ، فَمَا كَانَ لِيَتْرُكَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ، لِذَلِكَ لا بُدَّ مِنَ القَوْلِ: إِنَّ هَذا القُرآنَ مُنَزَّلٌ وَحْياً مِنَ اللهِ عَلَى رَسُولِهِ، وَهُوَ مُصَدِّقٌ لِمَا جَاءَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ السَّابِقُونَ، وَمُتَّفَقٌ مَعَهُ فِي الدَّعْوَّةِ إِلَى الدِّينِ الحَقِّ، مِنَ الإِيمَانِ الكَامِلِ بِاللهِ وَحْدَهُ، وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ لِمَا كُتِبَ مِنَ الشَرَائِعِ وَالأَحْكَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لا يَتْرُكُ مَجَالاً لِعَاقِلٍ أَنْ يَرْتَابَ فِيهِ، وَأنْ يَشُكَّ فِي أَنَّهُ مُنْزَلٌ مِنْ رَبِّ العَالِمِينَ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (38):

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}
{افتراه} {صَادِقِينَ}
(38)- وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا: إِنَّ مُحَمَّداً افْتَرَى القُرْآنَ وَنَسَبَهُ إِلَى اللهِ، فَإِذَا كَانَ القُرْآنُ مِنْ صُنْعِ مُحَمَّدٍ، فَأَنْتُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ تَصْنَعُوا مِثْلَهُ، لأنَّ مُحَمَّداً مِنْكُمْ، فَأْتُوا بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَادْعُوا جَمِيعَ مَنْ تَعْرِفُونَ، وَمَنْ تَسْتَطِيعُونَ دَعْوَتَهُمْ لِمُسَاعَدَتِكُمْ فِي ذَلِكَ. فَإِذَا عَجَزْتُمْ عَنِ الإِتْيَانِ بِهَذِهِ السُّورَةِ- وَأَنْتُمْ عَاجِزُونَ حَتْماً- فَاعْلَمُوا أَنَّ هَذا القُرْآنَ لَيْسَ مِنْ صُنْعِ البَشَرِ، وَأَنَّهُ مُنْزَلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يُفْتَرَى عَلَى اللهِ.

.تفسير الآية رقم (39):

{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)}
{الظالمين} {عَاقِبَةُ}
(39)- بَلْ سَارَعَ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ إِلَى تَكْذِيبِ القُرْآنِ، قَبْلَ أَنْ يَتَدَبَّرُوا مَا فِيهِ، وَيَقِفُوا عَلَى مَا احْتَوَاهُ مِنَ الأَدِلَّةِ، وَالحُجَجِ الدَّالَّةِ عَلَى سُمُوِّهِ وَكَمَالِهِ وَإِعْجَازِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَقِفُوا عَلَى تَفْسِيرِهِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِ بِسُؤَالِ غَيْرِهِمْ. وَقَدْ كَذَّبَ مِثْلَ هَذا التَّكْذِيبِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الأُمَمِ السَّابِقَةِ، بِلا تَبَصُّرٍ وَلا تَدَبُّرٍ، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ، وَدَمَّرَهُمْ تَدْمِيراً، فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَتْ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ، رَسُولَ رَبِّهِمْ، لِتَعْلَمَ مَصِيرَ مَنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، لأنَّ هَذِهِ هِيَ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ.