فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (18):

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)}
{يَصْلاهَا}
(18)- يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّهُ لا يَصِلُ إِلَى الدُّنْيا وَمَا فِيهَا كُلُّ مَنْ أَرَادَهَا، وَإِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهَا مَنْ أَرَادَ اللهُ لَهُ ذَلِكَ، وَبِالقَدْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ اللهُ لَهُ، وَفِي الدَّارِ الآخِرَةِ يَكُونُ مَصِيرُهُ نَارَ جَهَنَّمَ، وَيَدْخُلُهَا حَتَّى تَغْمُرَهُ مِنْ جَوَانِبِهِ (يَصْلاهَا)، وَهُوَ مَذْمُومٌ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِ وَتَصَرُّفِهِ، إِذْ اخْتَارَ الدُّنْيا الفَانِيَةَ عَلَى الآخِرَةِ البَاقِيَةِ، وَهُوَ مُبْعَدٌ حَقِيرٌ مُهَانٌ (مَدْحُوراً). وَفِي الحَدِيثِ «الدُّنْيا دَارُ مَنْ لا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لا مَالَ لَهُ، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لا عَقْلَ لَهُ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعاً.
يَصْلاهَا- يَدْخُلُهَا أَوْ يُقَاسِي حَرَّهَا.
مَّدْحُوراً- مَطْرُوداً مُبْعَداً مِنْ رَحْمَةِ اللهِ.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)}
{الآخرة} {فَأُولَئِكَ}
(19)- وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ نَعِيمٍ وَسُرُورٍ، وَرِضْوَانٍ مِنَ اللهِ، وَطَلَبَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِهِ، وَهُوَ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ قَلْبُهُ مُؤْمِناً مُصَدِّقاً بِالثَّوَابِ وَالجَزَاءِ وَاليَوْمَ الآخِرِ، فَأُولئِكَ يَشْكُرُ اللهُ سَعْيَهُمْ وَيَجْزِيهِمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ، وَهُوَ دُخُولُ الجَنَّةِ.

.تفسير الآية رقم (20):

{كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)}
(20)- وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الفَرِيقَيْنِ: الذِينَ أَرَادُوا الدُّنْيا وَزِينَتَها، وَالذِين أَرَادُوا الآخِرَةَ وَنَعِيمَهَا، وَسَعَوْا لَهَا سَعْيَها، يَمُدُّهُمُ اللهُ فِيمَا هُمْ فِيهِ (مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ)، فَهُوَ المُتَصَرِّفُ الحَاكِمُ الذِي لا يَجُوزُ، فَيُعْيِطي كُلاًّ مِنْهُمْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا المِقْدَارَ الذِي يَقْتَضِيهِ صَلاحُهُ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ الأَحْوَالُ: فَفَرِيقُ العَاجِلَةِ يُصْرَفُ إِلَى جَهَنَّمَ، وَفَرِيقُ الآجِلَةِ يَصِيرُ إِلَى الجَنَّةِ. وَعَطَاءُ اللهِ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهُ أَوْ يَرُدَّهُ أَوْ يُنْقِصَ مِنْهُ.
كُلاًّ نُمِدُّ- نَزِيدُ مِنَ العَطَاءِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
مَحْظُوراً- مَمْنُوعاً عَمَّنْ يُرِيدُهُ اللهُ.

.تفسير الآية رقم (21):

{انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}
{وَلَلآخِرَةُ} {دَرَجَاتٍ}
(21)- يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّهُ فَضَّلَ النَّاسَ، بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فِي الدُّنْيا: فِي المَالِ وَالجَمَالِ وَالحَيَاةِ وَالعَمَلِ وَالأَعْمَارِ، لِحِكْمَةٍ وَأَسْبَابٍ اقْتَضَتْهَا حِكْمَتُهُ، وَإِنَّ تَفَاوُتَهُمْ فِي الآخِرَةِ سَيَكُونُ أَكْبَرَ مِنْ تَفَاوُتِهِمْ فِي الدُّنْيا، وَسَيَكُونُ تَفَاضُلُهُمْ فِي الآخِرَةِ أَكْبَرَ مِنْ تَفَاضُلِهِمْ فِي الدُّنْيا.

.تفسير الآية رقم (22):

{لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)}
{آخَرَ}
(22)- وَيُخَاطِبُ اللهُ تَعَالَى المُكَلَّفِينَ مِنَ الأُمَّةِ فَيَقُولُ لَهُمْ: لا تَجْعَلْ أَيُّهَا الإِنْسَانُ للهِ شَرِيكاً وَأَنْتَ تَعْبُدُهُ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ قَعَدْتَ مَذْمُوماً عَلَى إِشْرَاكِكَ بِرَبِّكَ، مَخْذُولاً لا يَنْصُرُكَ اللهُ، وَيَكِلُكَ إِلَى مَنْ عَبَدْتَهُ، وَهُوَ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرّاً وَلا نَفْعاً، وَلا يَمْلِكُ لَكَ أَنْتَ ضَرّاً وَلا نَفْعاً.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)}
{وبالوالدين} {إِحْسَاناً}
(23)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ (وَقَضَى رَبُّكَ- يَعْنِي أَمَرَ رَبُّكَ وَوَصَّى)، وَوَصَّى اللهُ المُؤْمِنِينَ بِالإِحْسَانِ إِلَى الوَالِدَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَا الكِبَرَ، أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا، عِنْدَ أَبْنَائِهِمَا، فَعَلَى الأَبْنَاءِ أَلا يُسْمِعُوهُمَا قَوْلاً سَيِّئاً حَتَّى وَلا تَأَفُّفاً (وَأُفٍّ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الضَّجَرِ وَالضِّيقِ)، وَيَجِبُ أَنْ لا يَنْتَهِرُوهُمَا، وَأَنْ لا يَصْدُرَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمَا فِعْلٌ قَبِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سُوءِ الأَدَبِ. وَأَمَرَ اللهُ الأَبْنَاءَ بِالإِحْسَانِ فِي القَوْلِ إِلى الأَبَوَيْنِ وَتَوْقِيرِهِمَا، وَبِاسْتِعْمَالِ الكَلامِ الطَّيِّبِ الكَرِيمِ فِي مُخَاطَبَتِهِمَا (فَلا نِعْمَةَ تَصِلُ إِلَى الإِنْسَانِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ الخَالِقِ ثُمَّ نِعْمَةِ الأَبَوَيْنِ).
قَضَى رَبُّكَ- أَمَرَ وَأَلْزَمَ وَحَكَمَ.
أُفٍّ- كَلِمَةُ تَضَجُّرٍ وَتَبَرُّمٍ.
لا تَنْهَرْهُمَا- لا تَزْجُرْهُمَا عَمَّا لا يُعْجِبُكَ.
قَوْلاً كَرِيماً- حَسَناً لَيِّناً جَمِيلاً.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}
(24)- وَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى الأَبْنَاءَ بِالتَّوَاضُعِ للأَبَوَيْنِ فِي تَصَرُّفِهِمْ مَعَهَمُا، حَتَّى يَبْدُو الأَبْنَاءَ وَكَأَنَّهُمْ أَذِلاءُ مِنْ شِدَّةِ الرَّحْمَةِ، لا يَرُدُّونَ لَهُمَا طَلَباً، وَلا يَرْفُضُونَ لَهُمَا أَمْراً. ثُمَّ أَمْرَ الأَبْنَاءَ بِالدُّعَاءِ لِلأَبَوَيْنِ، وَالتَّرَحُّمْ عَلَيْهِمَا، جَزَاءَ مَا احْتَمَلاه فِي تَرْبِيَةِ الأَبْنَاءِ مِنْ عَنَاءٍ وَمَشَقَّةٍ وَعَنَتٍ.
وَفِي الحَدِيثِ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأَبْعَدَهُ اللهَ وَأَسْحَقَهُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ.

.تفسير الآية رقم (25):

{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)}
{صَالِحِينَ} {لِلأَوَّابِينَ}
(25)- رَبُّكُمْ أَيُّها النَّاسُ أَعْلَمُ مِنْكُمْ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ مِنْ تَعْظِيمِكُمْ أَمْرَ آبَائِكُمْ وَأُمَهَاتِكُمْ، وَالبِرِّ بِهِمْ، وَمِنَ الاسْتِخْفَافِ بِحُقُوقِهِمْ، وَالعُقُوقِ لَهُمْ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى حَسَنِ ذلِكَ وَسَيِّئِهِ، فَاحْذَرُوا أَنْ تُضْمِروا لَهُمْ سُوءاً، أَوْ تَجْعَلُوا لَهُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عُقُوقاً، فَأَنْتُمْ إِنْ أَصْلَحْتُمْ نِيَّاتِكُمْ فِيهِمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ البِرِّ بِهِمْ، بَعْدَ هَفْوَةٍ كَانَتْ مِنْكُمْ، أَوْ زَلَّةٍ فِي وَاجِبٍ لَهُمْ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَكُمْ مَا فَرَطَ مِنْكُمْ، فَهُوَ غَفَّارٌ لِمَنْ يَتُوبُ مِنْ ذَنْبِهِ، وَيَرْجِعُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ إِلَى طَاعَتِهِ.
لِلأَوَّابِينَ- لِلتَّوَابِينَ عَمَّا فَرَطَ مِنْهُمْ.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)}
{وَآتِ}
(26)- بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى بِرَّ الوَالِدَيْنِ، عَطَفَ عَلَى ذِكْرِ الإِحْسَانِ إِلَى الأَقَارِبِ، وَإلى صِلَةِ الأَرْحَامِ، وَالتَّصَدُّقِ عَلَى الفُقَرَاءِ، وَالمَسَاكِينِ، وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ العَابِرِينَ، الَّذِينَ انْقَطَعَتْ نَفَقَتُهُمْ.
وَفِي الحَدِيثِ: «أُمُّكَ وَأَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ».
وَفِي الحَدِيثِ أَيْضاً: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَجَلِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
وَبَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالإِنْفَاقِ نَهَى عَنِ الإِسْرَافِ فِيهِ، وَحَثَّ عَلَى الاعْتِدَالِ (وَلا تُبْذِّرْ تَبْذِيراً).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: التَّبْذِيرُ هُوَ الإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ أَنْفَقَ الإِنْسَانُ مَالَهُ كُلَّهُ فِي أَوْجِهِ الحَقِّ لَمْ يَكُنْ مُبَذِراً، وَإِذَا أَنْفَقَ مُدّاً فِي غَيْرِ حَقٍّ كَانَ مُبَذِراً.

.تفسير الآية رقم (27):

{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}
{إِخْوَانَ} {الشياطين} {الشيطان}
(27)- وَالمُبَذِّرُونَ هُمْ قُرَنَاءَ الشَّيَاطِينَ فِي السَّفْهِ وَالتَّبْذِيرِ وَتَرْكِ طَاعَةِ اللهِ، وَارْتِكَابِ مَعْصِيَتِهِ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ كَفُوراً بِنِعْمَةِ رَبِّهِ، جَحُوداً بِهَا، لأَنَّهُ أَنْكَرَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِطَاعَتِهِ.
(وَتَقُولُ العَرَبُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ لازَمَ سُنَّةَ قَوْمٍ، وَاتَّبَعَ أَثَرَهُمْ هُوَ أَخُوهُمْ).

.تفسير الآية رقم (28):

{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)}
(28)- فَإِذَا سَأَلَكَ أَقَارِبُكَ، وَمَنْ أَمَرَكَ اللهُ بِإِعْطَائِهِمْ، وَلَيْسَ لَدَيْكَ شَيءٌ تُعْطِيهِم إِيَّاهُ، وَأَعْرَضْتَ عَنْهُمْ لِضِيقِ اليَدِ، وَفُقْدَانِ مَا تُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، فَعِدْهُمْ وَعْداً لَيِّناً جَمِيلاً، تَطِيبُ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَقُلْ لَهُمْ إِذَا جَاءَكَ رِزْقٌ فَسَتَصِلُهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)}
(29)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَىعِبَادَهُ بِالاقْتِصَادِ فِي العَيْشِ، وَيَنْهَى عَنِ السَّرَفِ، فَيَقُولُ: لا تَكُنْ أَيًّهَا الإِنْسَانُ بَخِيلاً مَنُوعاً لا تُعْطِي أَحَداً شَيْئاً، وَلا تُسْرِفْ فِي الإِنْفَاقِ فَتُعْطِي فَوْقَ طَاقَتِكَ، فَإِذَا بَخِلْتَ قَعْدَتَ مَلُوماً يَلُومُكَ النَّاسُ عَلَى البُخْلِ وَيَذمُّونَكَ، وَإِذَا بَسَطْتَ يَدَكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ افْتَقَرْتَ وَقَعَدْتَ بِلا شَيءٍ تُنْفِقُهُ، فَتَكُونُ كَالحَسِيرِ الكَلِيلِ.
وَفِي الحَدِيثِ: «إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالفُجُورِ فَفَجَرُوا». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالحَاكِمُ.
يَدَكَ مَغْلُولَةً- كِنَايَةٌ عَنِ الشُّحِّ.
تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ- كِنَايَةٌ عَنِ التَّبْذِيرِ وَالإِسْرَافِ.
مَحْسُوراً- نَادِماً، أَوْ مُنْقَطِعاً بِكَ نَدَماً. وَالدَّابَّةُ الحَسِيرُ- التِي تَتَوَقَّفُ عَنِ السَّيْرِ كَلالا وَإِعْيَاءً.

.تفسير الآية رقم (30):

{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)}
(30)- إِنَّ رَبَّكَ أَيُّها الرَّسُولُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِ، وَيُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ، لِمَا لَهُ مِنَ الحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ خَبِيرٌ بِعِبَادِهِ، فَيَعْرِفُ مَنْ يُصْلِحُهُ الغِنَى فَيُغْنِيهِ، وَمَنْ يُصْلِحُهُ الفَقْرُ.. وَهُوَ بَصِيرٌ بِتَدْبِيرِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ.
وَفِي الحَدِيثِ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِي لَمَنْ لا يُصْلِحُهُ إِلا الفَقْرُ، وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لأَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دِينَهُ، وَإنَّ مِنْ عِبَادِي لَمَنْ لا يُصْلِحُهُ إِلا الغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لأَفْسَدْتُ عَلَيْهِ دِينَهُ».
يَقْدِرُ- يُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ لِحِكْمَةٍ.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}
{أَوْلادَكُمْ} {إِمْلاقٍ}
(31)- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَوْفَ أَنْ تَفْتَقِرُوا إِذَا أَنْفَقْتُمْ عَلَيْهِمْ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بَعْضُ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ، إِذْ كَانُوا يَئِدُونَ بَنَاتِهِمْ وَهُنَّ أَحْيَاءٌ. فَاللهُ تَعَالَى مُتَكَفِّلٌ بِرِزْقِهِمْ وَرِزْقِكُمْ مَعاً، وَقَتْلُهُمْ فِيهِ ذَنْبٌ عَظِيمٌ، وَخَطِيئَةٌ كَبِيرَةٌ.
خَشْيَةَ إِمْلاقٍ- خَوْفَ فَقْرٍ وَفَاقَةٍ.
خِطْئاً كَبِيراً- إِثْماً عَظِيماً.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)}
{فَاحِشَةً}
(32)- يَنْهَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَنْ مُقَارَفَةِ الزِّنَى، وَمُبَاشَرَةِ أَسْبَابِهِ وَدَوَاعِيهِ، فَهُوَ فِعْلَةٌ ظَاهِرَةُ القُبْحِ (فَاحِشَةً)، وَبِئْسَ طَرِيقاً وَمَسْلَكاً (سَاءَ سَبِيلاً)، لِمَا فِيهِ مِنِ اخْتِلاطِ الأَنْسَابِ، وَفَسَادِ العَلاقَةِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، لِضَيَاعِ الثِّقَةِ الوَاجِبِ تَوَفُّرُهَا لاطْمِئْنَانِ الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ.
وَفِي الحَدِيثِ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ نُطْفَةٍ يَضَعَهَا رَجُلٌ فِي رَحْمٍ لا يَحِلُّ لَهُ». أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيا عَنِ الهَيْثَمْ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ مَرْفُوعاً.