فصل: تفسير الآية رقم (214):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (214):

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}
{آمَنُواْ}
(214)- يُخَاطِبَ اللهُ تَعَالَى الذِينَ هَدَاهُمْ إِلى السِّلْمِ، وَإِلَى الخُرُوجِ مِنْ ظُلْمَةِ الاخْتِلافِ، إِلى نُورِ الوِفَاقِ، بِاتِّبَاعِهِمْ هُدَى الكِتَابِ زَمَنَ التَّنْزيلِ، الذِينَ يَظُنُّونَ مِنْهُمْ أَنَّ انْتِسَابَهُمْ إِلى الإِسْلامِ فِيهِ الكِفَايَةُ لِدُخُولِ الجَنَّةِ دُونَ أَنْ يَتَحَمَّلُوا الشَّدَائِدَ وَالأَذَى فِي سَبيلِ الحَقِّ، وَهِدَايَةِ الخَلْقِ، جَهْلاً مِنْهُمْ بِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الهُدَى مُنْذُ أَنْ خَلَقَهُمْ. فَيَقُولُ لَهُمْ: هَلْ تَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ تُبْتَلَوا وَتُخْتَبَرُوا كَمَا فُعِلَ بِالذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الأُمَمِ الذِينَ ابْتُلُوا بِالفَقْرِ (البَأَسَاءُ)، وَبِالأَسْقَامِ وَالأَمْرَاضِ (الضَّرَّاءُ)، وَخُوِّفُوا وَهُدَّدُوا مِنَ الأَعْدَاءِ (زُلْزِلُوا)، وَامتُحِنُوا امْتِحَاناً عَظِيماً، وَاشْتَدَّتِ الأُمُورُ بِهِمْ حَتَّى تَسَاءَلَ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ قَائِلِينَ: مَتَى يَأْتِي نَصْرُ اللهِ.
وَحِينَما تَثْبُتُ القُلُوبُ عَلَى مِثْلِ هذِهِ المِحَنِ المُزَلْزِلَةِ، حِينَئِذٍ تَتِمُّ كَلِمَةُ اللهِ، وَيَجِيءُ نَصْرُهُ الذِي يَدَّخِرُهُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ عِبَادِهِ الذِينَ يَسْتَيْقِنُونَ أَنْ لا نَصْرَ إِلا نَصْرُ اللهِ.
مَثَلُ الذِينَ خَلَوا- حَال الذِينَ مَضَوا مِنَ المُؤْمِنينَ.
البَأْسَاءُ- البُؤْسُ وَالفَقْرُ.
الضَّرَّاءُ- المَرَضُ وَالأَلَمُ.
زُلْزِلُوا- أُزْعِجُوا إِزْعَاجاً شَدِيداً.

.تفسير الآية رقم (215):

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}
{يَسْأَلُونَكَ} {فَلِلْوَالِدَيْنِ} {واليتامى} {والمساكين}
(215)- يَسْأَلُكَ المُؤْمِنُونَ: كَيْفَ يُنْفِقُونَ؟ وَبِأَيِّ شَيءٍ يَتَصَدَّقُونَ؟ وَعَلَى مَنْ يَتَصَدَّقُونَ؟ فَأَجِبْهُمْ يَا مُحَمَّدُ: أَنْ يُنْفِقُوا مَا تَيَسَّرَ لَهُمْ عَلَى الوَالِدينِ وَالأَقْرِبِينَ وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ؛ وَأَيُّ فِعْلِ مَعْرُوفٍ، وَأَيَّةُ نَفَقَةٍ تُنْفِقُونَها فِي وُجُوهِ البِرِّ وَالطَّاعَةِ فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بِها، وَسَيَجْزِي عَلَيها فَاعِلِيها أَوْفَرَ الجَزَاءِ، وَاللهُ لا يَظْلِمُ أَحَداً مِثْقَالَ ذَرَّةٍ. وَالإِنْفَاقُ إِنَّما يَكُونُ مِنَ المَالِ الطَّيِّبِ الحَلالِ.

.تفسير الآية رقم (216):

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}
(216)- كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالإِنْفَاقِ عَلَى اليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ لِحِمَايَةِ المُجْتَمَعِ مِنْ دَاخِلِهِ، كَذلِكَ فَرَضَ اللهُ الجِهَادَ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَمُحَارَبَةِ أَعْدَاءِ الدِّينِ، لِيَكُفُّوا عَنْ الجَمَاعَةِ المُسْلِمَةِ شَرَّ أَعْدَائِها. وَالجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَة إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ الأُمَّةِ سَقَطَ عَنِ البَاقِينَ، وَالجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ غَزا أَوْ قَعَدَ، فَالقَاعِدُ عَلَيهِ أَنْ يُعينَ إِذا اسْتَعَانَ بِهِ النَّاسُ، وَأَنْ يُغيثَ إِذَا اسْتَغَاثُوا بِهِ، وَأَنْ يَنْفِرَ إِذا اسُتُنْفِرَ.
وَيَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى: أَنَّ الجِهَادَ فِيهِ كُرْهٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَى الأَنْفُسِ، مِنْ تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ، إِلَى مَخَاطِرِ الحُرُوبِ وَمَا فِيهَا مِنَ جَرْحٍ وَقَتْلٍ وَأَسْرٍ، وَتَرْكٍ لِلْعِيَالِ، وَتَرْكٍ لِلتِّجَارَةِ وَالصَّنْعَةِ وَالعَمَلِ.. إلخ، وَلكِنْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ الخَيْرُ لأَنَّهُ قَدْ يَعْقُبُهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ بِالأَعْدَاءِ، وَالاستِيلاءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَبِلادِهِمْ. وَقَدْ يُحِبُّ المَرْءُ شَيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَهُ، وَمِنْهُ القُعُودُ عَنِ الجِهَادِ، فَقَدْ يَعْقُبُهُ استِيلاءُ الأَعْدَاءِ عَلَى البِلادِ وَالحُكْمِ، وَاللهُ يَعْلَمُ عَوَاقِبَ الأُمُورِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْلَمُها العِبَادُ.
كُرْهٌ لَكُمْ- مَكْرُوهٌ لَكُم طَبْعاً.

.تفسير الآية رقم (217):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}
{يَسْأَلُونَكَ} {يُقَاتِلُونَكُمْ} {اسْتَطَاعُواْ} {فأولائك} {أَعْمَالُهُمْ} {وأولائك} {أَصْحَابُ} {خَالِدُونَ}
(217)- بَعَثَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ عَلَى سَرِيَّةٍ وَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ، فَلَقِيَتِ السَّرِيَّةُ ابْنَ الحَضْرَمِيِّ فَقَتَلَتْهُ، وَلَمْ يَعْرِفْ رِجَالُ السَّرِيَّةِ إِنْ كَانَ ذلِكَ اليَوْمُ مِنْ رَجَبٍ أَوْ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ: قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ، فَأَنْزَلَ اللهُ هذِهِ الآيَةَ. وَفِيهَا يَقُولُ سُبْحَانَهُ لِلْمُشْرِكِينَ: إِنَّ القِتَالَ فِي الشَّهرِ الحَرَامِ أَمْرٌ كَبِيرُ فِي نَفْسِهِ، وَجُرْمٌ عَظِيمٌ، وَلكِنَّهُ إِذا ارتُكِبَ لإِزَالَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، كَانَ لَهُ مَا يُبَرِّرُهُ، وَإِنَّ مَا فَعَلَهُ المُشْرِكُونَ مِنَ الكُفْرِ بِاللهِ، وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَمُحَاوَلَةِ فتْنَةِ المُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ بِالتَّعْذِيبِ وَالتَّهْدِيدِ، وَإِخراجِ المُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ. كُلُّ ذلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ مِنَ القِتَالِ فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ.
وَقَدْ كَانَ المُشْرِكُونَ يَفْتِنُونَ المُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ بِالتَّعْذِيبِ وَالإِخَافَةِ ليَرُدُّوهُمْ إِلى الكُفْرِ، وَهذا أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ مِنَ القَتْلِ، وَهُمْ مَا زَالُوا مُقِيمِينَ عَلَى الكُفْرِ، وَعَلَى مُحَاوَلَةِ فِتْنَةِ المُسْلِمِينَ لِيَرُدُّوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا، وَعَلَى مُحَاوَلَةِ مَنْعِ الإِسْلامِ مِنَ الانْتِشَارِ وَالقَضَاءَ عَلَيهِ، إِنْ أَمْكَنَهُم ذلِكَ، لاسْتِحْكَامِ عَدَاوَتِهِمْ للمُسْلِمِينَ. وَيُهَدِّدُ اللهُ مِنْ يَضْعُفُ مِنَ المُسْلِمِينَ أَمَامَ هَجَمَاتِهِمْ، وَمُحَاوَلاتِهِمْ وَإِغْراءَاتِهِمْ فَيَرْتَدُّ عَنْ دِينِهِ، ثُمَّ يَمُوتُ وَهُوَ كَافِرٌ، بِالعَذَابِ الأَلِيمِ الأَبَدِيِّ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَبِحُبُوطِ عَمَلِهِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ.
قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ- مُسْتَكْبَرٌ عَظِيمُ الوِزْرِ.
الفِتْنَةُ- الشِّرْكُ وَالظُّلْمُ وَالكُفْرُ بِاللهِ.
حَبِطَتْ- هَلَكَتْ وَبَطُلَتْ.

.تفسير الآية رقم (218):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}
{آمَنُواْ} {وَجَاهَدُواْ} {أولائك} {رَحْمَتَ}
(218)- يَعِدُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ الذِينَ دَفَعَهُمْ إِيمَانُهُمُ الصَّادِقُ إِلى الهِجْرَةِ، وَإِلى الجِهَادِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، لِنَصْرِ دِينِ اللهِ، وَرَدِّ أَذَى الكُفَّارِ، وَإِلى الصَّبْرِ عَلَى مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ أَذَى المُشْرِكِينَ فِي سَبيلِ عَقِيدَتِهِمْ وَإِيمَانِهِم، بِإِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ: النَّصْرِ أَوِ الشَّهَادَةِ، وَهؤُلاءِ المُؤْمِنُونَ الصَّابِرُونَ هُمُ الذينَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ رَبِّهِمْ، وَاللهُ تَعَالَى لا يُخَيِّبُ رَجَاءَهُمْ، وَهُوَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ للتَّائِبِينَ المُسْتَغْفِرِينَ، عَظِيمُ الرَّحْمَةِ بِالمُؤْمِنِينَ.

.تفسير الآية رقم (219):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
{يَسْأَلُونَكَ} {وَمَنَافِعُ} {وَيَسْأَلُونَكَ} {الآيات}
(219)- جَاءَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَكَانَ النَّاسُ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ. وَالخَمْرُ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ هِيَ كُلُّ مَا أسْكَرَ.
وَكَانَ العَرَبُ يَعْرِفُونَ لَعِبَ المَيْسِرِ (أي القِمَارِ) وَيُمَارِسُونَهُ، وَكَانوا يَجْعَلُونَهُ وَسيلةً لِمُسَاعَدَةِ الفُقَرَاء وَكَانَتِ العَرَبُ تَلْعَبُ المَيْسِرَ بِقِدَاحٍ (وَالقِدْحُ هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ الخَشَبِ كَالقَلَمِ أوِ السَّهْمِ) وَالقِداحُ عَشَرَةٌ كُتِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا اسْمٌ، فَمِنْ هَذِهِ القِدَاحِ مَا يُرْبَحُ رِبْحاً عَظِيماً، وَمِنْهَا مَا يَرْبَحُ رِبْحاً مُتَوَسِّطاً، وَمِنْهَا مَا لا يَرْبَحُ وَهَي ثَلاثَةُ قِدَاحٍ (المَنِيحُ وَالسَّفِيحُ وَالوَغْدُ). فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ رَابِحٌ أَخَذَ نَصِيباً مِنَ الجَزُورِ (وَهُوَ البَعِيرُ المَذْبُوحُ) يُقَابِلُ الأسْهُمَ المُخَصَّصَةَ لِقِدْحِهِ.
وَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ غَيْرُ رَابحٍ غَرِمَ ثَمَنَ الجَزُورِ، وَلا يَأْخُذُ شَيئاً. وَكَانَ المُقَامِرُونَ لا يَأْخُذَونَ شَيئاً مِنَ الرِّبْحِ لأنُفُسِهِمْ، وَإِنَّمَا يُوَزِّعُونَهُ عَلَى الفُقَراءِ. وَكَانَ العَرَبُ يَعِيبُونَ عَلَى مَنْ لا يُمَارِسُ القِمَارَ، وَيُسَمُّونَهُ الوَغْدَ. وَتَطَوَّرَ لَعِبُ المَيْسرِ فَشَمَلَ صُوراً أُخْرَى، وَأَصْبَحَتْ لَهُ غَايَاتٌ أُخْرَى غَيْرُ الإِنْفَاقِ عَلَى الفُقَرَاءِ، فَأَصْبَحَ المُقَامِرُ يَسَعَى وَرَاءَ نَفْعِ نَفْسِهِ. وَقَدْ سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حُكْمِ تَنَاوُلِ الخَمْرِ وَبَيْعِها، وَعَنْ حُكْمِ لَعِبِ المَيْسِرِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هذِهِ الآيَةَ.
أَمّا إثمُ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ فَهُوَ فِي الدِّين، أمَّا المَنَافِعُ فَهِيَ دُنْيَوِيَّةٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ المَنَافِعَ لا تُوَازِي المَضَارَّ الوَاضِحَةَ لِتَعَلُّقِهَا بِالعَقْلِ وَالدِّينِ (فَإثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا).
وَسَأَلَ المُسْلِمُونَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم مَاذَا يُنْفِقُونَ؟ فَأَجَابَهُمُ اللهُ تَعَالَى قَائِلاً: (العَفْوَ) أَيْ مَا يَسْهُلُ عَلَى الإِنْسَانِ إِنْفَاقُهُ مِمَّا يَفِيضُ عَنْ حَاجَةِ الإِنَسانِ، وَحَاجَةِ عِيَالِهِ وَذَوِي قُرْبَاهُ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنىً، وَاليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وَابَدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». وَكَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ الآيَاتِ فِي أَحْكَامِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَشُؤُونِهِما مَعاً، فَتَجْتَمِعَ مَصَالِحُ الجَسَدِ وَالرُّوحِ، وَتَكُونُوا أمَّةً وَسَطاً لا تَتَهَالَكُ عَلَى الدُّنيا وَتَنْسَى الآخِرَةَ، وَلا تَنْسَى الدُّنيا لأنَّ الدُّنيا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ.
المَيْسِرُ- القِمَارُ.
العَفْوَ- مَا فَضُلَ عَنِ الحَاجَةِ.

.تفسير الآية رقم (220):

{فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
{الآخرة} {وَيَسْأَلُونَكَ} {اليتامى} {فَإِخْوَانُكُمْ}
(220)- وَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهُ: {وَلا تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلا بالتي هِيَ أَحْسَنُ} وقوله: {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}، انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ فَجَعَلَ يَفضُلُ لَهُ الشَّيءُ مِنْ طَعَامِهِ فَيَحْبِسُهُ لَهُ حَتَّى يَأكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ. فَاْشتَدَّ ذلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَذَكَرُوهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ هذِهِ الآيَةَ. وَمَعْنَاهَا: إِنَّ عَزْلَ مَالِهِمْ خَيْرٌ، وَمُخَالَطَتَهُمْ خَيْرٌ، لأَنَّهُمْ إِخْوَانٌ فِي الدِّينِ، وَاللهُ يَعْلَمُ نَوَايَا النَّاسِ، مِنْ يَقْصُدُ الإِفْسَادَ مِنْهُمْ، وَمَنْ يَقْصُدُ الإِصْلاحَ. وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ، وَلأَحْرَجَهُمْ، وَلَكِنَّهُ وَاسِعٌ فَوسَّعَ عَلَيهِمْ، وَخَفَّفَ عَنْهُمْ، وَأَبَاحَ لَهُمْ مُخَالَطَةَ اليَتَامَى بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَمُعَامَلَتَهُمْ مُعَامَلَةَ الإِخْوَةِ، وَعَفَا عَمَّا جَرَى العُرْفُ بِهِ مِنَ المُسَامَحَةِ فِيهِ، إِذْ أنَّ ذلِكَ لا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الخُلَطَاءُ، وَوَكَّلَ ذلِكَ إلى ضَمَائِرِهِمْ. وَاللهُ مُرَاقِبٌ لأعْمَالِ النَّاسِ لا يَخْفَى عَليهِ مِنْهُمْ خَافِيةٌ، فَالمُهِمُّ فِي الأمرِ أنْ تَكُونَ نِيَّةُ الإِنْسَانِ مُنْصَرِفَةً إِلَى الخَيْرِ، وَإِلَى الحِفَاظِ عَلَى مَصْلَحَةِ اليَتِيمِ، وَمُرَاقَبةِ اللهِ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ.

.تفسير الآية رقم (221):

{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
{المشركات} {أولئك} {يدعوا} {آيَاتِهِ}
(221)- يُحَرِّمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُؤْمِنينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا المُشْرِكَاتِ الْلَوَاتي لا كِتَابَ لَهُنَّ، طَمَعاً فِي مَالِهِنَّ وَجَمَالِهِنَّ وَحَسَبِهِنَّ، مَا دًمْنَ عَلَى شِرْكِهِنَّ، لأنَّ المُشْرِكَةَ لا دِينَ لَهَا يُحَرِّمُ عَلَيهَا الخِيَانَةَ، وَيَأْمُرُهَا بِالخَيْرِ، وَيَنْهَاهَا عَنِ الشَّرِّ، وَقَدْ تُفسِدُ عَقِيدَةَ أَوْلادِها. وَقيلَ: إنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رَواحَة، الأنْصَارِيِّ، فَقَدْ كَانَتْ عِنْدَهُ أمَةٌ سَوْدَاءُ فَغَضِبَ عَلَيهَا يَوْماً فَلَطَمَهَا، ثًمَّ جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَذِرُ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لأُعْتِقَنَّها وَلأَتَزَوَّجَنَّها. فَعَابَ عَلَيهِ أنَاسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ ذلِكَ. وَقَالُوا: نَكَحَ أَمَتَهُ. وَكَانُوا يُفَضِلُونَ نِكَاحَ المُشْرِكَاتِ، وَإنكَاحَ المُشْرِكِينَ بَنَاتِهِمْ طَمَعاً فِي أَحْسَابِهِمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هذِهِ الآيَةَ.
وَكَذَلِكَ مَنَعَ اللهُ المُسْلِمينَ مِنْ أَنْ يُزوِّجُوا بَنَاتِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ مَا دَامُوا مُقِيمِينَ عَلَى شِرْكِهِمْ.
أَمّا زَوَاجُ الكِتَابِيِّ بِمُسْلِمَةٍ فَحَرَامٌ بِنَصِّ السُّنَّةِ، وإجماعِ المُسْلِمِينَ عَلَى ذلِكَ، إِذْ يُخْشَى أنْ يُزيغَها عَنْ دِينِها بِمَا لَهُ عَلَيهَا مِنْ سُلْطانٍ. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ مُعَاشَرَةَ المُشْرِكِينَ تَدْعُو إلى حُبِّ الدُّنْيَا وَالافْتِتَانِ بِها، وَإلى التَّقْصِيرِ في أدَاءِ الوَاجِبَاتِ الدِّينِيةِ، وَعَاقِبةُ ذلِكَ وَخَيمَةٌ. وَاللهُ يَدْعُو إِلَى المَغْفِرَةِ بِمَا أمَرَ بِهِ فِي شَرْعِهِ، وَبِمَا نَهَى عَنْهُ. وَهُوَ يُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَ صَلاحَهُمْ وَرَشَادَهُمْ.