فصل: تفسير الآية رقم (50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (50):

{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)}
{أولئك} {الظالمون}
(50)- وَلا يَخْرُجُ سَبَبُ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الاحْتِكَامِ إِلى كِتَابِ اللهِ، وَإِلَى رَسُولِ الله مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاحِداً مِنْ ثَلاثَةٍ.
- إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضُ الكُفْرِ والنِّفَاقِ.
- وَإِمَّ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ أَنَّهُم ارْتَابُوا أَوْ شَكُّوا فِي نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ السلامُ.
- وإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ أَنَّهُمْ خَافُوا أَنْ يَجُورَ عَلَيهم اللهُ وَرَسُولَهُ فِي الحُكْمِ.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى: وَلَكِنَّ الحَقِيقَةِ هِي أَنَّهُمْ لَمْ يَعْدِلُوا عَنْ الاحْتِكَامِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ إِلا لأَنَّهُمْ مَرْضَى القُلُوبِ بِالْكُفْرِ والنِّفَاقِ، وَلأَنَّهُمْ ظَالِمُونَ لأَنْفُسِهِمْ بِمُخالَفَتِهِمْ أَمْرَ رَبِّهِم الذي يَقْضِي عَلَى المُؤْمِنِينَ بالرِّضَا بِحُكْمِ اللهِ، وَحُكْمِ رَسُولِهِ فِيمَا أَحَبُّوا، وَفِيمَا كَرِهُوا، والتَّسْلِيمِ لِقَضَائِهِ {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ.} أَنْ يَحِيفَ- أَنْ يَجُورَ.

.تفسير الآية رقم (51):

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)}
{أولئك}
(51)- أَمَّا المُؤْمِنُونَ المُخْلِصُونَ فَإِنَّهُمْ إِذَا دُعُوا إِلى اللهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: سَمْعاً وَطَاعَةً للهِ وَلِرَسُولِهِ، وَهَؤُلاءِ الذينَ يَقُولُونَ هَذَا القَوْلَ، هُمُ المُفْلِحُونَ، لأَنَّهُمْ يَنَالُونَ مَا يَطْلبُونَ، وَيَسْلَمُونَ مِمَّا يَرْهَبُونَ.

.تفسير الآية رقم (52):

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)}
{فأولئك} {الفآئزون}
(52)- وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَمَرَا بِهِ، وَيَنْتَهِ عَمَّا نَهَيَا عَنْهُ، وَمَنْ يَخْشَ اللهَ فِيمَا صَدَرَ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيَتَقَّهِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ والأَعْمَالِ، فَهَؤُلاءِ هُمُ الفَائِزُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ، وَالآمِنُونَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ.

.تفسير الآية رقم (53):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53)}
{أَيْمَانِهِمْ} {لَئِنْ}
(53)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، الذينَ كَانُوا يَحْلِفُونَ للرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّهُ إِذَا أََمَرَهُمْ بالخُرُوجِ مَعَهُ إِلَى الغَزَاةِ لَيَخْرُجُنَّ مَعَهُ مُطِيِعينَ مُمْتْثِلِينَ. وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ الكَرِيمِ قُلْ لَهُمْ: لا تُقْسِمُوا، وَلا تَحْلِفُوا فَطَاعَتُكُمْ مَعْرُوفَةٌ، فَهِيَ قَوْلٌ لا فِعْلٌ، وَكُلَّمَا حَلَفْتُمْ كَذَبْتُم، وَاللهُ خَبِيرٌ بِكُمْ، وَبِمَنْ يُطِيعُ، وَبِمَنْ يَعْصِي، فالحَلْفُ وإِظْهَارُ الطَّاعَةِ إِذَا رَاجَا عَلَى المَخْلُوقِ، فَلا يَرُوجَانِ عَلَى الخَالِقِ، لأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي الضَّمَائِرِ، وَإِنْ أَظْهَرَ العِبَادُ خِلافَ مَا يُضْمِرُونَ.
جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ- مُجْتَهِدِينَ فِي الحَلْفِ بأَغْلَظِ الأَيْمَانِ.
طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ- طَاعَتُكُمْ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ باللِّسَانِ.

.تفسير الآية رقم (54):

{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)}
{البلاغ}
(54)- قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: أطِيعُوا الله، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ طَاعَةً صَادِقَةً، واتَّبِعُوا كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ رَسُوِلِهِ، فَفِي اتِّبَاعِهِمَا الهِدَايَةُ والرَّسَادُ، أَمَّا إِذَا تَوَلَّيْتُمْ وأَعْرَضْتُم وَتَرَكْتُم مَا جَاءَكُم بِهِ رَسُولُ اللهِ، فَعَلَى الرُّسُولِ إِبْلاغُ الرِّسَالَةِ، وأَدَاءُ الأَمَانَةِ (عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ)، فَهِيَ مَا حَمَّلَهُ اللهُ، أَمَّا أَنْتُمْ فَقَدْ حُمِّلْتُمْ قَبُولَ ذَلِكَ، والإِيْمَانَ بِهِ وتَعْظِيمَهُ، والقِيَامَ بِمُقْتَضَاهُ، وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَبْلُغُوا الهِدَايَةَ لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى صِرَاطِ اللهِ المُسْتَقِيمِ، والرَّسُولُ مُكَلَّفٌ بِدَعْوَتِكُمْ وَإِبْلاغِكُمْ.
مَا حُمِّلَ- مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّبْلِيغِ.
مَا حُمِّلْتُمْ- مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ والانْقِيَادِ.

.تفسير الآية رقم (55):

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}
{آمَنُواْ} {الصالحات} {فأولئك} {الفاسقون}
(55)- هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ سَيَجْعَلُ مِنْ أُمَّتِهِ خُلَفَاءَ فِي الأَرْضِ، وَأَئِمَّةً لِلنَّاسِ، وَأَنَّهُ سَيُبَدِّلُهُمْ بَعْدَ خَوْفِهِمْ مِنَ النَّاسَ أَمْناً وَحُكْماً فِيهِمْ. وَقَدْ أَمْضَى المُسْلِمُونَ عَشْرَ سِنِينَ فِي مَكَّةَ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الإِسْلامِ سِرّاً، وَهُمْ خَائِفُونَ لا يُؤْمَرونَ بِالقِتَالِ، حَتَّى أُمِرُوا بالهِجْرَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَأُمِرُوا بِالقِتَالِ، فَكَانُوا خَائِفِينَ يُمْسُونَ بالسِّلاحِ، وَيُصْبِحُونَ بالسَّلاحِ، فَصَبُروا عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ. ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبَدَ الدَّهْرِ نَحْنُ خَائِفُونَ هَكَذَا؟ مَا يَأتِي عَلَيْنَا يَوْمٌ نَأَمَنُ فِيهِ، وَنَضَعُ السِّلاحَ؟ فَقَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: لَنْ تَصْبِروا إِلا يَسِيراً حَتَّى يَجْلِسَ الرَّجُلُ مِنْكُم فِي المَلأ العَظِيمِ مُحْتَبياً لَيْسَتْ فِيهِ حَدِيدَةٌ.
وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ.
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ يَقُولُ تَعَالَى إِنَّهُ سَيَسْتَخْلِفُ المُؤْمِنِينَ فِي الأَرْضِ، كَمَا اسْتَخَلَفَ المُؤْمِنِينَ مِنْ قَبْلِهِم، وَسَيَكُونُ لَهُم الأَمْرُ. وَحَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَمَنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ، وَجَحَدَ نِعَمَهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ وَكَفَى بِذَلِكَ ذَنْباً عَظِيماً.

.تفسير الآية رقم (56):

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)}
{الصلاة} {الزكاة}
(56)- يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَه المُؤْمِنِينَ بِإِقَامَةِ الصَّلاةِ، وَإِتْمَامِهَا بِخُشُوعٍ وَحُضَورِ قَلْبٍ، وَبِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَبِإِيتاءِ الزَّكَاةِ (وَهِيَ الإِحْسَانُ إِلى الضُعَفَاءِ والفُقَرَاءِ) كَمَا يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يُطِيعُوا فِي ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ، بِهِ، وَأَنْ يَتْرُكُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ لَعَلَّ الله يَرْحَمُهُمْ بِذَلِكَ.

.تفسير الآية رقم (57):

{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)}
{مَأْوَاهُمُ}
(57)- وَلا تَظُنَّ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ الذينَ كَفَرُوا، وَخَالفُوكَ، وَكَذَّبُوكَ، أَنَّهُمْ سَيُعْجِزُونَ اللهَ عَنِ الوُصُولِ إِلَيْهِمْ فِي الأَرْضِ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِمْ، وَسَيُعَذِّبُهُم عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ العَذَابِ، وَسَيَجْعَلُ جَهَنَّمَ مَأْوَاهُمْ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ، وَسَاءَتِ النَّارُ مُسْتَقَرّاً وَمَصِيراً.
مُعْجِزِينَ- فَائِتِينَ مِنْ عَذَابِنَا بِالهَرَبِ.

.تفسير الآية رقم (58):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)}
{ياأيها} {ءَامَنُواْ} {لِيَسْتَأْذِنكُمُ} {أيمانكم} {ثَلاثَ} {مَرَّاتٍ} {صلاة} {صلاة} {عَوْرَاتٍ} {طوافون} {الايات} (58)- هَذِهِ الآيَةُ تَشْمَلُ آدَابَ الاسْتِئْذَانِ بَيْنَ الأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم والمُؤْمِنِينَ، بِأَنْ يَسْتَأْذِنَهُمْ خَدَمُهُمْ (الذين مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) وَأَطْفَالُهُم الذينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُم فِي ثَلاثَةِ أَحْوَالٍ.
- قَبْلَ صَلاةِ الفَجْرِ إِذْ يَكُونُ النَّاسُ نِيَاماً فِي فُرشِهِمْ.
- وَوَقْتَ القَيْلُولَةِ بَعْدَ الظَّهِيرَةِ، لأَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَضَعُ ثِيَابَهُ وَيَكُونَ فِي تِلْكَ الحَالِ مَعْ أَهْلِهِ.
- وَوَقْتَ النَّوْمِ (بَعْدَ صَلاةِ العِشَاءِ).
فَيُؤْمَرُ الخَدَمُ والأطْفَالُ بِأَلا يَهْجُمُوا عَلَى أَهْلِ البَيْتِ فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ. وَقَالَ تَعَالَى إِنَّ هَذِهِ الأَوْقَاتِ هِيَ عَوْرَاتٌ للنَّاسِ. أَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهٍ الأَوْقَاتِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمْ إِذَا دَخَلثوا لأَنَّهُمْ فِي خِدْمَةِ البَيْتِ يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى إِنَّهُ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ آياتِهِ وَأَحْكَامَهُ، وَهُوَ عَلِيمٌ بِمَا فِيهِ المَصْلَحَةُ، حَكِيمٌ فِيمَا يَشْرَعُ.
جُنَاحٌ- حَرَجٌ فِي الدُّخُولِ بِلا اسْتِئْذَانٍ.

.تفسير الآية رقم (59):

{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)}
{الأطفال} {فَلْيَسْتَأْذِنُواْ} {استأذن} {آيَاتِهِ}
(59)- فَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ الذينَ كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ فِي العَوْرَاتِ الثَلاثِ مَبْلَغَ الرِّجَالِ (الحُلُمَ)، وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الأَحْوَالِ الثَّلاثَةِ كَمَا يَسْتَأْذِنُ مَنْ سَبَقُوهُم فِي البُلُوغِ، مِنْ وَلَدِ الرَّجُلِ وأَقَارِبِهِ، وَكَمَا بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ مَا ذَكَرَ غَايَةَ البيانِ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ لَكُمْ مَا فِيهِ سَعَادَتُكُم فِي دُنْيَاكُم وَآخِرَتِكُم، وَاللهُ عَلِيمٌ بِأَحْوَالِ خَلْقِهِ، حَكِيِمٌ فِي شَرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَقَدَرِهِ.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)}
{القواعد} {اللاتي} {مُتَبَرِّجَاتِ}
(60)- والنِّسَاءُ الطَاعِنَاتُ فِي السِنِّ اللاتِي يئِسْنَ مِنَ الوَلَدِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُنَّ تَطَلُّعٌ إِلَى التَّزَوُّجِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ مَا عَلَى غَيْرِهنَّ مِنَ النِّسَاءِ فِي الحَجِرِ والتَّسَتُّرِ، وَلا حَرَجَ عَلَيْهِنَّ فِي أَنْ يَخْلَعْنَ ثِيَابَهُنَّ الخَارِجِيَّةَ عَلَى أَنْ لا تَنْكَشِفَ عَوْرَاتُهُنَّ، وَلا يَنْكِشِفْنَ عَنْ زِينَةٍ، وَخَيْرٌ لَهُنَّ أَنْ يَبْقَيْنَ كَاسِياتٍ بِثِيَابِهِنَّ الخَارِجِيَّةِ الفَضْفَاضَةِ، وَسَمَّى تَعَالَى مِنْهُنَّ ذَلِكَ اسْتِعَفَافاً، أَيْ يَفْعَلْنَهُ طَلَباً لِلعِفَّةِ، وإِيثَاراً لَهَا لِمَا بَيْنَ التَّبُّرجِ والفِتْنَةِ مِنْ صِلَةٍ، وَبَيْنَ التَّحَجُّبِ والتَّسَتُّرِ وَالعِفَّةِ مِنْ صِلَةٍ، وَخَيْرُ سَبِيلٍ إِلى العِفَّةِ تَقْلِيلُ فُرَصِ الغَوَايَةِ، والحَيْلُولَةِ بَيْنَ اللِّسَانُ، وَيَطِّلِعُ بَيْنَ أَسْبَابِ الإٍثَارَةِ وَبَيْنَ النُّفُوسِ. واللهُ تَعَالَى يَسْمَعُ مَا يَقُولُهُ اللِّسَانُ، وَيَطِّلِ'ُ عَلَى مَا يُوَسْوِسُ فِي الجَنَانِ ويُجَازِي عَلَى ذَلِكَ. وَالأَمْرُ كُلُّهُ أَمْرُ نِيَّةٍ وَحَسَاسِيَّةٍ فِي الضَّمِيرِ.
القَوَاعِدَ مِنَ النِّسَاءِ- العَجَائِزُ اللَّوَاتي قَعَدْنَ عَنِ الحَيْضِ.
مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينةٍ- مُظْهِرَاتٍ لِلزِّينَةِ الخَفِيَّةِ.

.تفسير الآية رقم (61):

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)}
{آبَآئِكُمْ} {أُمَّهَاتِكُمْ} {إِخْوَانِكُمْ} {أَخَوَاتِكُمْ} {أَعْمَامِكُمْ} {عَمَّاتِكُمْ} {أَخْوَالِكُمْ} {خَالاتِكُمْ} {مُبَارَكَةً} {الآيات}
(61)- اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ حَوْلَ مَوْضَوعِ الحَرَجِ الذي رُفِعَ فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ عَنْ الأَعْمَى والأَعْرَجِ والمَرِيضِ:
- فَقِيلَ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الجِهَادِ، وَإِنَّهُ لا حَرَجَ عَلَى هَؤُلاءِ فِي تَرْكِهِ لِضَعْفِهِمْ وَعَجْزِهِمْ.
- وَقِيلَ أيضاً: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنَ الأَكْلِ مَعَ الأَعْمَى لأَنَّهُ لا يَرَى الطَّعَامَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، فَرُبَّمَا سَبَقَه غَيْرُهُ إِلى ذَلِكَ، كَمَا كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مَعَ الأَعْرَجِ لأَنَّهُ لا يَتَمَكَّنُ مِنَ الجُلُوسِ فَيَفْتَاتُ عَلَيْهِ جَلِيسُهُ. كَمَا قِيلَ إِنَّ الأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بالمَرِيضِ لأَنَّه لا يَسْتَوفِي مِنَ الطَّعَامِ كَغَيْرِهِ، فَكَرِهُوا أَنْ يُؤَاكِلُوهُمْ لِئلا يَظْلِمُوهُمْ.
- وَقِيلَ أَيْضَاً: إِنَّ النَّاسَ كانُوا قَبْلَ مَبْعَثِ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّجُونَ مِنَ الأَكْلِ مَعَ هَؤُلاءِ تَقَذُراً وَتَعَزُّزاً، لِئلا يَتَفَضَّلُوا عَلَيْهِمِ.
- وَقِيلَ أَيْضَاً إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَدْخُلُ بَيتَ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ فَتُتحِفُهُ المرأةُ بِشَيءٍ مِنَ الطَّعَامِ فَلا يَأْكُلُ لأَنَّ رَبَّ البَيْتِ غَيْرُ حَاضِرٍ.
وَلَمْ يَذْكُرِ اللهُ تَعَالَى الأَبْنَاءَ لأَنَّ بَيْتَ الابْنِ بِمَنْزِلَةِ بَيْتِ الأَبِ نَفْسِهِ وَمَالُ الابْنِ فِي مَنْزِلَةِ مَالِ الأَبِ.
- وَقِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ هَذِهِ البيوتٍ دُونَ استئذَانٍ، وَيَسْتَصْحِبُونَ العُمْيِ وَالعُرْجَ والمَرْضَى مِنَ الفُقَرَاءِ لِيُطْعِمُوهُمْ، وَبَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ الآيَةُ: {وَلا تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} تَحَرَّجَ النَّاسُ أَنْ يَطْعَمُوا وَتحَرَّجَ العُمْيُ والمَرْضَى أَنْ يَصْحَبُوهُم دُونَ دَعْوَةٍ مِنْ أَصْحَابِ البُيوتِ أو إِذْنٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ لِيَرْفَعَ الحَرَجَ عَنِ الأَعْمَى والأَعْرَجِ والقَرِيبِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ بِيتِ قَرِيبهِ، وَأَنْ يَصْحَبَ هَؤُلاءِ المُحَتَاجِينَ تَأْسِيساً عَلَى أَنَّ صَاحِبَ البيتِ لا يَكْرَهُ هَذَا، وَلا يَتَضَرَّرُ بِهِ.
وَكَانَ مِنْ عَادَةِ بَعْضِ العَرَبِ فِي الجَاهِلِيَّةِ لا يَأْكُلَ الطَّعَامَ عَلَى انْفِرَادِهِ فَكَانَ إِذَا لَمْ يَجدْ مَنْ يُؤْاكِلُهُ عَافَ الطَّعَامَ، فَرَفَعَ الله هَذَ الحَرَجَ المُتَكَلَّفَ وَرَدَّ الأَمْرَ إِلى بَسَاطَتِهِ، دُونَ تَعْقِيدٍ. وَقَالَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلْوا أفْرَاداً أو جَمَاعَاتٍ (جَمِيعاً أو أشْتَاتاً).
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى آدَابَ دُخُولِ البُيُوتِ التي يُؤْكَلُ فِيهَا، فَيُسَلِّمُ الإِنْسَانُ عَلَى قَرِيبه أو صَدِيقِهِ، وَهُوَ كَأَنَّمَا يَسَلِّمُ عَلَى نَفْسِهِ {فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ}، والتَّحِيَّةُ التي يُلْقِيهَا عَلَيْهِمْ هِيَ تَحِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وكَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ للنَّاسِ آيَاتِهِ وحِكَمَهُ لَعَلَّهُمْ يُدْرِكُونَ المَنْهَجَ الإِلَهيَّ، وَلَعَلَّهُم يَعْقِلُونَ مَا فِي هَذِهِ الآيَاتِ والحُجَجِ.