فصل: تفسير الآية رقم (49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (49):

{قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)}
{لَصَادِقُونَ}
(49)- فقالَ أولئِكَ المُفْسِدُونَ بعضُهُمْ لبعضٍ: تَعَالَوا نَتَحالَفْ، وَنَتَقَاسَمْ فِيمَا بَينَنَا عَلى أَنْ نَقتُلَ صَالِحاً لَيلاً غِيْلَةً. فَبَعدَ أَنْ قَتَلوا النَّاقَةَ أنذرَهُمْ صَالحٌ بأنهمْ سَيهْلِكُون بعدَ ثلاثةِ أيامٍ، فقالَ بعضُهُم لبعضٍ: هَلُمَّ فلْنَقْتلْ صَالِحاً وأهلَهُ، ثُمَّ لنقُولنَّ إنَّنا لا نَعلمُ شيئاً عَنْ مَصْرَعِهِمْ. فإِذا كانَ صادِقاً فِيمَا يقولُ عَجَّلْنَا بهِ قَبْلَنَا، وإن كانَ كاذباً ألحَقْنَاه بِناقَتِه، وكانَ ذلكَ مكْراً مِنهمْ. فأتَوْهُ ليلاً لِيُبَيِّتُوه فِي أهْلِهِ، فأهْلَكَهُمُ اللهُ تَعالى بالحِجَارَةِ، ولمَّ أَبْطَؤُوا على أَصْحَابِهِمْ أتَى هؤُلاءِ إِلى مَنْزِلِ صَالِحٍ فَوَجَدُوهُمْ قَدْ رُضِخُوا بالحِجَارةِ، فَقَالَ أهلُهُمْ لصَالحٍ أنْتَ قَتَلْتَهُمْ.
تَقَاسَمُوا- حَلَفُوا بالله.
لَنُبَيِّتَنَّهُ- لَنَقْتُلنَّهُ، غِيْلَةً.
مَهْلِكَ أهْلِهِ- هَلاكَهُمْ.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)}
(50)- وَيَقُولُ اللهُ تَعالى إِنَّهُمْ دَبَّرُوا أمْراً لإِهْلاكِ نَبِيِّ اللهِ صَالحٍ، فَدَبَّرَ اللهُ تَدْبِيراً خَفِيّاً مُحْكَماً أبْطَلَ مَكْرَهُمْ وَتَدْبِيرَهُمْ، وأهْلَكَهُمْ قَبْلَ أن يَصِلُوا إلى صَالِحٍ وأَهلِهِ بأَذىً، وهُم لا يَشْعُرون بأنَّ عينَ اللهِ سَاهِرةٌ تَرْعَى نَبِيَّهُ صَالحاً والمؤمنينَ، وتعرفُ ما يُدَبِّرُهُ هؤلاءِ المُفْسِدُون.
مَكَرَ- دَبَّرَ تَدْبِيراً خَفِيّاً.

.تفسير الآية رقم (51):

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)}
{عَاقِبَةُ} {دَمَّرْنَاهُمْ}
(51)- وَكَانَتْ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنْ دَمَّرَ اللهُ المُجرِمِينَ وَأَهْلَكَهُمْ مَعَ قَوْمِهِمْ أَجْمعِينَ، فَلَمْ يُبقِ مِنَ الكُفَّارِ أَحَداً في دِيارِهِمْ.
دَمَّرنَاهُمْ- أَهْلَكْنَاهُمْ.

.تفسير الآية رقم (52):

{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)}
{لآيَةً}
(52)- وَهذِهِ بُيُوتُهم أَصبَحَتْ خَاوِيةً خَاليةً لا يَسْكُنَها أَحَدٌ، وذلِكَ عِقَابٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُم بِسَبِبِ ظُلْمِهِمْ وَكُفْرِهِمْ. وفِيمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَذابٍ وَهَلاكٍ لَعِبَرَةٌ وَعِظةٌ لِمَنْ يَنَظُرُ وَيَتَفكَّرُ في قُدرَةِ اللهِ وَتَدبِيرِهِ فَيَتَّعِظُ.
خَاوِيَةٌ- خَالِيَةٌ خَرِبَةٌ- أَوْ سَاقِطَةٌ مُتَهَدِّمَةٌ.

.تفسير الآية رقم (53):

{وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)}
{آمَنُواْ}
(53)- أَمَّا الذينَ آمنوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ صَالِحٌ، واتَّقَوا رَبَّهُمْ وخَافُوهُ، فَقَدْ أَنْجَاهُم اللهُ تَعَالَى مَعَ صَالِحٍ وَأهلِهِ.

.تفسير الآية رقم (54):

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)}
{الفاحشة}
(54)- واذكُرْ يَا مُحَمَّدُ لِقَومِكَ حَديثَ لُوطٍ مَعَ قَومِهِ إِذْ أَنذَرَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ نِقَمَ اللهِ أَنْ تَحلَّ بِهِمْ إِذَا استمرُّوا عَلَى فِعْلِهِم الفَاحِشَةَ التي لَمْ يَسبِقْهُمْ إليها أَحَدٌ مِنَ البَشَرِ، فَقَدْ كَانُوا يَأتُونَ الرِّجَالَ شَهوةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ، ويأتوُنَ الفَاحِشَةَ في نَادِيهِمْ في حُضُورِ الآخَرِينَ، وأَمَامَ أَعيُنِهِمْ (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ).
وقيلَ بَلِ: المَعْنَى هُوَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ الفَاحِشَةَ ويعلَمُونَ أَنَّها فَاحِشَةٌ، واقتِرافُ القَبيحِ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَا يَفعَلُهُ هُوَ قَبيحٌ، هُوَ أقْبَحُ وأَشْنَعُ.
وأنتُمْ تُبْصِرُون- لا تبَالُونَ بِإِظْهَارِهَا مَجَانَةً.

.تفسير الآية رقم (55):

{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)}
{أَإِنَّكُمْ}
(55)- فإِنَّكُمْ تَأْتُونَ الذُّكُورَ، وَتَذَرُونَ النِّسَاءَ، وهذا فَسَادٌ ومُنْكَرٌ، فَأَنتُمْ مُعتَدُونَ جَاهِلُونَ، لا تُمَيِّزُونَ بَيْنَ الخَبيثِ والطَّيِّبِ، مُتَجَاوِزَونَ حُدُودَ مَا شَرَعَ الله لَكُمْ.

.تفسير الآية رقم (56):

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)}
{آلَ}
(56)- فَلَمْ يَجِدْ هؤلاءِ المُفْسِدُونَ مَا يَردُّونَ بهِ عَلَى دَعوةِ لُوطٍ لَهُمْ، واستِنْكَارِه، لأَعمالِهِم وفَسَادِهِم، إِلا أَنْ قَالُوا: إِنَّ لُوطاً وأهلَهُ أُناسٌ يَتَطَهَّرُون، وَيَتَوَرَّعُونَ عَنْ مُجَارَاتِكم في فِعْلِ المُنْكَرِ، فَأَخْرِجُوهُمْ من قَريَتِكُم، لأَنَّهُمْ لا يَصْلُحُونَ لمُجَاوَرتِكُمْ.
يَتَطَهَّرُونَ- يَزعُمُونَ التَّنزُّهَ عَمَّا نَفْعَلُ.

.تفسير الآية رقم (57):

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)}
{فَأَنجَيْنَاهُ} {قَدَّرْنَاهَا} {الغابرين}
(57)- وَعَزَمُوا عَلَى إخرَاجِ لُوطٍ وَأَهْلِهِ مِنْ قَريَتِهِمْ، فَعَاجَلَهُمُ اللهِ بالعُقُوبةِ، فَدَمَّر عَلَيهِمْ، ولِلكَافِرينَ أمثَالُهَا، وَأَنَجى اللهُ لُوطاً وأَهلَهُ والمُؤمنينَ مَعَهُ، إِلاّ امرأَتَهُ فَقَدْ قَضَى اللهُ بهَلاكِهَا، لأَنَّها كَانَتْ رَاضِيَةً بأَفعَالِ قَومِهَا القَبِيحَةِ فَكَانَتْ تَدُلُّ قَومَها عَلَى أَضْيَافِ زَوْجِهَا لُوطٍ ليَأتُوا إِليهِمْ لِفعلِ المُنكَرِ مَعَهُمْ.
مِنَ الغَابِرينَ- بِجَعلِهَا مِنَ البَاقِينَ فِي العَذَابِ أَوِ الهَالِكِينَ.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}
(58)- فَأَمطَر اللهُ على قَريةِ قَوْمِ لُوطٍ (وهيَ سَدُومُ عَلَى قَولٍ) حِجَارَةً، وَخَسَفَ بِهِم الأَرضَ فَدَمَّرَهُمْ تدمِيراً، ولمْ يَنْجُ أَحَدٌ مِنْهمْ مِنَ العُقُوبةِ، بعدَ أنْ أَمَر الله تعالَى لُوطاً وأَهلَهُ ومَنْ آمَنَ مَعَهُ، بالخُرُوجِ مِنْهَا والاتِّجَاهِ إِلى حَيثُ أَمرهُمُ اللهُ، فبِئْسَ ذلِكَ المَطَرُ مَطَرُ الذِينَ أَنذَرَهُمُ اللهُ بالعِقَابِ الأَلِيمِ.
مَطَراً- حِجَارَةً مُهِلكَةً، تَنزِلُ عَلَيهِمْ مِنَ السَّمَاءِ كَأَنَّها المَطَرُ.

.تفسير الآية رقم (59):

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
(59)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأنْ يَحْمَدَ رَبَّهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلائِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وهيَ نِعَمٌ لا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى، وَعَلَى مَا اتَّصَفَ بِهِ تَعَالى مِنَ الصِّفَاتِ الحَميدَةِ، والأَسْمَاءِ الحُسنَى، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى عِبَادِ اللهِ الذِينَ اصْطَفَاهُمْ رَبُّهُم، واخْتَارَهُمْ لِحَمِلِ رَسَالاتِهِ (وَهُمْ الرُّسُلُ الكِرَامُ والأَنبِياءُ عَلَيهِمِ السَّلامُ، ومَنِ اصْطَفَاهُمُ الله لنُصْرةِ الرُّسُلِ).
ويُنكِرُ اللهُ تَعَالَى المُشرِكِينَ عِبَادَتَهُم آلهةً مَعَ اللهِ. ثُمَّ يَسأَلُهُم، مُستَنْكِراً، مَنْ هُو خيرٌ وأَفْضَلُ: أَهوَ اللهُ الحَقُّ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ، وَمُدَبِّرُ الكَوْنِ، وَمَنْ فِيهِ، وَرازِقُ المَخلُوقَاتِ، أَم الأَصنَامُ التي لا تَمْلِكُ لنَفسِها وَلا لِغَيرِهَا نَفْعاً ولا ضَرّاً وَلا مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً؟

.تفسير الآية رقم (60):

{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)}
{أَمْ مَنْ} {السماوات} {حَدَآئِقَ} {أإله}
(60)- واسْأَلْهُمْ هَلْ عِبَادَةُ مَا تَعبُدُونَ يَا أَيُّها المُشرِكُونَ مِنْ أَوثَانٍ وأَصنَامٍ، لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ، خيرٌ أَمْ عِبَادَةُ اللهِ الذي خَلَقَ السَّمَاواتِ في ارتِفَاعِهَا وَعَظَنَتِها، وَمَا جَعَلَ فِيها مِنَ الكَواكِبِ والنُّجُومِ والأَفْلاكِ الدَّائِرَةِ، وَخَلَقَ الأَرضَ وَمَا فِيها مِنْ بِحَارٍ وَجِبالٍ وأَنهارٍ وأَشْجَارٍ ومخلُوقَاتٍ.. وأَنزَلَ لَكُمُ المَطَرَ مِنَ السَّماءِ فرَوَّى بهِ الأَرض فَأَنْبَتَتِ الزُّرُوعَ والأَشْجَارَ والثِّمَارَ، وَلَمْ يَكُن الإِنْسَانُ قَادِراً عَلَى أَنْ يُنْبِتَ مِنْهَا شَيئاً؟
إِنَّكَ إِنْ سَأَلتَهُمْ هَذَا السُّؤَالَ فَسَيقُولُونَ إِنَّ الذِي فَعَلَ ذَلِكَ هُو اللهُ، وسَيقُولُونَ إِنَّهُ ليسَ هُنَاكَ أَحَدٌ مَعَ اللهِ قَامَ بِعَمَلِ شَيءٍ مِنَ الخَلْقِ والتَّدبِيرِ، وَإِنَّهُ المُتَفَرِّدُ بِكُلِّ ذَلِكَ. فَقُلْ لَهُمْ: كَيفَ تَعبُدُونَ مَعَهُ غيرَهُ إذاً، وَهُوَ المُستَقِلُّ المُتَفَرِّدُ بِالخَلْقِ والتَّدبِيرِ، وَهؤُلاءِ الذينَ تَعْبُدُونَهُمْ لا يَقْدِرُونَ عَلَى شيءٍ مِنْ ذَلك كُلِّهِ؟
حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ- بَسَاتِينَ ذَاتَ حُسْنٍ وَرَوْنَقٍ.
قَومٌ يَعدِلُونَ- يَنْحَرِفُونَ عَنِ الحَقِّ إِلى البَاطِلِ.

.تفسير الآية رقم (61):

{أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)}
{أَمْ مَنْ} {خِلالَهَآ} {أَنْهَاراً} {رَوَاسِيَ} {أإله}
(61)- واسأَلْهُمْ: هَلْ عِبَادَةُ مَا تَعبُدُونَ مِنَ الأَوثانِ والأَصْنَامِ، التي لا تَضُرُّ وَلا تَنفَعُ خَيرٌ أمْ عِبَادَةُ اللهِ الذي جَعَلَ الأَرضَ مُسْتَقَرّاً للبَشَرِ وَالمَخْلُوقَاتِ، وَجَعَلَ فِيهاه أنهاراً يَنْتَفِعُونَ بِها في شُربهِمْ وَسَقْيِ أنعَامِهِم وريِّ زُرُوعِهِمْ؟ وَجَعَلَ فِيها جبَالاً رَاسِيَاتٍ تُرسِي الأَرْضَ وَتُثَبِّتُها لِكيلا تَمِيدَ وَتَضْطَرِبَ بِمَنْ عَلَيها، وَجَعَلَ بَينَ المِيَاهِ العَذَبَةِ والمَلِحَةِ حَاجِزاً يَمنَعُها مِنَ الاختِلاطِ لِكَيلا يَفْسُدَ المَاءُ العَذْبُ، فَيمتَنِعَ عَلى الإِنسانِ والحَيَوانِ والنَّبَاتِ الانتِفَاعُ بهِ، وَجَعَلَ البِحَارَ مَلِحَةً لأَنها سَاكِنَةٌ، وَلولا مُلُوحَتُها لَفَسَدَتْ.
إِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ إِنَّ الذِي فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ هُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحْدَهُ، ولا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ. فَقُلْ لَهُمْ كَيفَ تعبُدُونَ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى لا تَسْتَطِيعُ فِعْلَ شيءٍ مِنْ ذَلك كُلِّه؟ ولكِنَّ أَكثَرَهُمْ جَاهِلُونَ عَظَمَةَ اللهِ، وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ (لا يَعْلَمُون).
الأرضَ قَرَاراً- مُسْتَقرّاً بالدَّحْوِ والتَّسْوِيَةِ.
رَوَاسِي- جِبَالاً ثَوَابِتَ لكَيلا تَضْطَرِبَ بِمَنْ عَلَيهَا.
حَاجِزاً- فَاصِلاً يَمْنَعُ اختِلاطَهُما.

.تفسير الآية رقم (62):

{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)}
{أَمْ مَنْ} {أإله}
(62)- واسأَلهُم هَلِ الذِينَ تُشرِكُونَهُم في العِبَادَةِ مَعَ اللهِ خَيرٌ، وَهُمْ لا يَضُرُّونَ وَلا يَنفعُونَ، أَمْ مَنْ يُجيبُ دَعوَةَ المُضْطَرِّ عِنْدَ الشَّدَّةِ إِذا دَعَاهُ لِيَكشِفَ عَنْهُ مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ، وَمَنْ يَجْعَلُ أُمَما في الأَرْضِ قَرْناً بَعْدَ قَرنٍ، وَجيلاً بَعْدَ جِيل، وَلو شَاءَ لخَلَقَهُمْ أَجمَعِين، ولَمْ يَجْعَلْ بعضَهُم مِنْ ذُرِّيَّةِ بعضٍ، ولو فَعَلَ ذَلِك لضَاقَتِ الأرضُ بالبَشَرِ، ولضَاقَتْ عَليهِم مَعَايِشُهُمْ وَأَرزَاقُهُمْ، ولكِنّ حِكمَتَهُ اقتَضَتْ أن يَخْلُقَهُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأ، يَجْعَلَهُمْ أُمماً يَخْلُفُ بَعْضُهُم بَعْضاً، حَتَّى يَنْقَضِيَ الأَجَلُ وَيَعُودَ النَّاسُ إِلى اللهِ تَعَالى يَومَ القِيامَةِ، وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ غيرُ اللهِ تَعَالى؟ فَهَلْ هُنَاكَ إِلهٌ مَعَ اللهِ، وَهَلْ تَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلهاً غَيرَهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ اللهُ؟ فَمَا أقَلَّ تَذَكُّرَكُمْ أنْعُمَ اللهِ عَلَيكُم التِي يُرشِدُكُم بِها إِلى الحَقِّ، وَيَهدِيكُمْ بِها إلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؟

.تفسير الآية رقم (63):

{أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)}
{أَمْ مَنْ} {ظُلُمَاتِ} {الرياح} {أإله} {تَعَالَى}
(63)- وَمَنْ تُشرِكُونَهم فِي العِبَادَةِ مَعَ الله خَيرٌ أَمِ اللهُ الذي يُرشِدُكُم في ظُلُمَاتِ البَرِّ والبَحْرِ إِذا أُظلَمَتْ عَلَيكُمُ السُّبُلُ، فَضَلَلْتُمُ الطَّريقُ، بِمَا خَلَقَ اللهُ مِنَ الدَّلائِلِ السَّماوِيَّةِ، والعَلامَاتِ الأَرضِيَّةِ؟ وَمَنْ يُرسِلُ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ بالسَّحَابِ المُثْقَلِ بِالمَطَرِ الذي يُغِيثُ بهِ العِبَادَ المُجدِبينَ القَانِطِينَ؟ فَهَلْ هُنَاكَ إِلهٌ آخَرُ غيرُ اللهِ يَستَطِيعُ فِعلَ ذَلِكَ؟
إِنَّ اله هُوَ وَحْدَهُ القَادِرُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَلا يَقْدِرُ عَلَيهِ غَيرُهُ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَهُ آلهَةً لا تَضُرُّ وَلا تَنفَعُ وَلا تَقْدِرُ عَلى شيءٍ؟ فَتَعَالَى اللهُ وَتَنَزَّهَ عَنْ شِرْكِ المُشرِكِينَ وَكَذِبِهِمْ.
رَحْمَتِهِ- المَطَرِ الذي تَحْيَا بِهِ الأَرضُ.