فصل: تفسير الآية رقم (23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (23):

{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)}
(23)- فَلَمَّا وَصَلَ مُوسَى إِلى مَدْيَنَ وَرَدَ مَاءَهَا، وَكَانَ لَهَا بِئْرٌ يَرِدُهَا رُعَاةُ المَاشِيَةِ، فَوَجَدَ جَمَاعَةً منَ النَّاسِ يَسْقُونَ أَنْعَامَهُمْ وَوَجَدَ امْرأَتَينِ تَكَفْكِفَانِ غَنَمَهُمَا أَنْ تَرِدَ مَعَ أُولِئكَ الرّعَاةِ أَيْ تَذُوَدَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ الوُرُودِ لئلاّ يُؤْذِيَهُمَا أَحدٌ، فَرَقَّ لَهُمَا قَلْبَ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ، وَسَأَلهُمَا لِمَاذا لا تَرِدَانِ مَعَ النَّاس؟ فَقَالَتَا: إِنَّهُمَا لا تَسْتَطِيعَانِ مُزَاحَمَةَ الرُّعَاةِ، لِذَلِكَ فَإِنَّهُمَا تَنْتَظِرانِ حَتَّى يَخِفَّ الزِّحَامُ عَلَى البِئْرِ، وَيَذْهبَ الرُّعَاةُ بَمَواشِيهِمْ (يُصْدِرَ الرِّعَاءُ)، وَحِينئذٍ تَسْتَطِيعَانِ سَقْيَ أَغْنَامِهِمَا، وَهُمَا لَيْسَ لَهُمَا قَرِيبٌ ذَكَرٌ يَسْتَطِيعُ القِيَامَ بِمهمَّةِ السَّقْيِ، وَأَبُوهُمَا شَيخٌ كَبيرٌ لا يَحْتَمِلُ مِثْلَ هذهِ المَشَقَّةِ، لِذَلِكَ تَقُومَانِ هُمَا بِهَا.
تَذُودَانِ- تَمْنَعَانِ أَغْنَامَهُمَا عَنْ وُرُودِ المَاءِ.
مَا خَطْبُكُمَا- مَا شَأْنُكُمَا وَمَا مَطْلُوبُكُمَا.
يُصْدِرَ الررِّعَاءُ- يَنءصِرِفَ الرُّعاةُ بِمَوَاشِيهِمْ عَنِ المَاءِ.

.تفسير الآية رقم (24):

{فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}
(24)- فَتَولَّى مُوسَى السَّقْيَ لَهُمَا، ثُمَّ جَلَسَ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ هُنَاكَ يَسْتَرِيحُ، وَقَالَ: رَبِّ إِني لَمُحْتَاجٌ إِلى شَيءٍ تُنْزِلُهُ إِلَيَّ مِنْ خَزَائِن جُودِكَ وَكَرَمِكَ.
(وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ مُوسى افْتَقَرَ إِلى شِقِّ تَمْرَةٍ، وَلَصِقَ بَطْنُهُ بِظَهْرِهِ مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ، فَجَاءَهُ الفَرَجُ مِنَ اللهِ تَعَالى).

.تفسير الآية رقم (25):

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)}
{إِحْدَاهُمَا} {الظالمين}
(25)- وَلَمَّا رَجَعَتِ المَرأَتانِ إِلى أَبِيهِمَا بِالغَنَمِ سَرِيعاً عَلَى غَيرِ عَادَتِهِما، سَأَلَهُما عَنْ خَبرِهِما، فَقَصَّتَا عَليهِ مَا فَعَلَهُ مُوسَى عَليه السَّلامُ، فَبَعَثَ إِحدَاهُما لِتَدْعُوَه إِليه. فَجَاءَتْهُ تَمْشِي عَلى اسْتِحياءٍ (أَيْ وهَي مُسْتَحْيِيَةٌ مُتَسَتِّرةٌ) فَقَالَتْ لَهُ مُتَأَدِّبَةً في حَدِيثَها، لِكَيلا يَظُنَّ فِيها السُّوءَ: إِن أَبَاهَا يَدْعُوُ لِيُكَافِئَهُ عَلَى مُسَاعَدَتِهِ لابنَتَيهِ في سَقْي الغَنَمِ، فَسَارَ أَمَامَها، وَهِيَ تَسِيرُ خَلْفَهُ، حَتَّى أَتيا إِلى أَبيها.
وَلَمَّا قَصَّ عَليهِ مُوسَى قِصَّةَ هَرَبِهِ مِنْ فِرْعَونَ، قَالَ الرَّجُلُ (وَقيلَ إِنَّهُ شُعَيْبٌ عَليهِ السَّلامُ): لا تَخَفْ فَقَدْ نَجَوتَ مِنْ فِرْعَونَ وَقَومِهِ الظَّالِمينَ، لأنَّ فِرعَونَ لا سُلْطَانَ لَهُ في هذِهِ الأَرضِ.

.تفسير الآية رقم (26):

{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)}
{إِحْدَاهُمَا} {ياأبت} {استأجره} {استأجرت}
(26)- فَقَالَتْ إِحدَى ابنَتَيِ الرَّجُلِ لأَبِيها: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ لِرَعيِ الغَنَمِ، فَهُوَ خَيرُ مَنْ يُسْتَأْجَرُ لِمِثْلِ هذِهِ المهمَّةِ فَهوَ قَويٌّ أَمينٌ.
(وقِيلَ إِنَّ أَبَاهَا سَأَلَها: وَكَيفَ عَرَفْتَ أَنَّهُ قَوِيٌّ أَمِينٌ؟ فَقَالَتْ أَمّا إِنَّهُ قَوِيٌّ فَقَدْ رَفَعَ صَخْرَةً تُغَطِّي فُوَّهَةَ البِئْرِ وَحْدَهُ، وَهِيَ لا يُطِيقُ رَفْعَهَا عَشَرَةُ رِجَالٍ. وأَمَّ إِنَّهُ أَمِينٌ فَقَدْ طَلَبَ أنْ يَتَقَدَّمَني فإِذا اختلَفَتَ الطَّريقُ حَذَفْتُ لَهُ بِحَصَاةٍ يَعْلَمُ بِها كَيفَ الطَّريقُ وذلِكَ لِكَيلا يَسِيرَ وَرَاءَهَا، وَيْنْظُرَ إِلى جِسْمِهَا).

.تفسير الآية رقم (27):

{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)}
{هَاتَيْنِ} {ثَمَانِيَ} {الصَّالِحِينَ}
(27)- فَقَالَ الرَّجُلُ لِمُوسَى: إِنَّهُ يُريدُ أَنْ يُزَوِّجَهُ إِحْدَى انَتَيهِ عَلى أَنْ يَكُونَ مَهْرُها أَنْ يَعْمَلَ مُوسَى لَديهِ، فِي رَعْي الغَنَمِ، مُدَّةَ ثَمانِي سَنَواتٍ، فَإِنْ تَبرَّعَ مُوسَى سَنَتِينِ أُخْرَيَيْنِ فَذَلِكَ إِحسَانٌ مِنْهُ، وإِلا ففِي الثَّمَاني كِفَايَةٌ. ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنَّهُ لا يُريدُ أَنْ يَشُقَّ عَليهِ بِفَرْضِ أَطْولِ الأَجَلَينِ، وَلا أَن يُؤذِيَهُ، وَلا أَنْ يُمَارِيَهُ، وإِنَّهُ سَيَجِدُهُ مِنَ الصَّالِحِين الذينَ يَتَقَيَّدُونَ بِشُرُوطِهِمْ وَعُهُودِهِمْ إِنْ شَاءَ اللهُ.
تَأْجُرَنِي- تَكُونَ لِي أَجِيراً فِي رَعْيِ الأَغْنَامِ.
حِجَجٍ- سِنينَ.

.تفسير الآية رقم (28):

{قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}
{عُدْوَانَ}
(28)- فَقَالَ مُوسَى لِصِهْرِهِ: الأَمرُ كَمَا قُلْتَ مِنْ أَنَّكَ اسْتَأْجَرْتَني عَلَى ثَمَاني سِنينَ، فَإِنْ أَتْمَمْتُ عَشْراً مِنَ العَمَلِ فَذَلِكَ تَطَوُّعٌ مِني، وَأَنا مَتى عَمِلْتُ أَقَلَّ الأَجَلَينِ بَرِئَتْ ذِمَّتِي مِنَ العَهْدِ، وَحَقَّقْتُ الشَّرْطَ، وَلا حَرَجَ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ (فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ)، ثُمَّ تَوَكَّلا عَلَى اللهِ، تَأْكِيداً للعَفْدِ.
وَيَقُولُ ابْنُ عَبَاسٍ: إِنَّ مُوسَى قَضَى عَشْرَ سِنينَ عِنْدَ الرَّجُلِ لأَنَّ رَسُولَ اللهِ إِذَا قَالَ فَعَلَ.

.تفسير الآية رقم (29):

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)}
{آنَسَ} {آنَسْتُ} {آتِيكُمْ}
(29)- فَلَمَّا أَوْفَى مُوسَى الأَجَلَ المُتَّفَقَ عَلَيهِ، سَارَ بأَهْلِهِ مِنْ مَدْيَنَ باتَّجَاهِ مِصْرَ، لِزِيَارَةِ أَهلِهِ خِفْيَةً مِنْ فِرْعَوْنَ، فَسَلَكَ بِهِم فِي لَيلَةٍ مَطِيرَةٍ حَالِكَةِ الظَّلامِ، شَدِيدَةِ البَرْدِ، فَنَزَلَ مَنْزِلاً، فَجَعَلَ كُلَّمَا أَوْرَى زَنْدَهُ، لا يَظْهَرُ منْهُ شَرَرٌ، فَتَعَجَّبَ. فَبَينَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ رَاى نَاراً تُضِيءُ عَنْ بُعدٍ مِنْ جَانِبِ جَبَل الطُّورِ، فَقَالَ لأَهِلِهِ: ابقُوا حَيْثُ أَنْتُمْ (امْكُثُوا) حَتَّى أَذْهَبَ إِلى النَّارِ لَعَلِّي أَسلُ مَنْ عَلَيها مِنَ النَّاسِ عَنِ الطَّرِيقِ، أَوْ آتِيكُمْ بِقَبَسٍ مِنَ النَّارِ (جَذْوَةٍ أو قِطْعَةٍ) أَوقِدُ لَكُمْ بِهِ نَاراً تَسْتَدْفِئُونَ بِهَا.
آنَسَ- أَبْصَرَ بِوُضُوحٍ.
جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ- عُودٍ فيهِ نَارٌ، بِلا لَهَبٍ.
تَصْطَلُونَ- تَسْتَدْفِئُونَ بِهَا مِنَ البَرْدِ.

.تفسير الآية رقم (30):

{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)}
{أَتَاهَا} {شَاطِئِ} {الوادي} {المباركة} {ياموسى} {العالمين}
(30)- فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى النَّارَ التِي أَبْصَرَهَا عَنْ بُعْدٍ نُودِي مِنْ جَانِبِ الوَادي، (مِمَّا يَلِي الجَبَلَ عَنْ يَمِينِهِ، مِنْ نَاحِيَةِ الغَرْبِ، كَمَا جَاءَ في آيةِ أُخرى)- فَلَمَّا اقتَرَبَ مُوسَى وَجَدَ النَّارَ تَشْتَعِلُ في شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ في لِحْفِ جبلٍ، مِمَّا يَلِي الوَادِي، فَوقَفَ مُوسَى بَاهِتاً مُتَحَيِّراً في أَمرِها، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: إِنَّ الذِي يُكَلِّمًكَ هُوَ اللهُ رَبُّكَ وَرَبُّ العَالَمِينَ، الفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)}
{رَآهَا} {ياموسى} {الآمنين}
(31)- ثُمَّ أَمرَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى قَائِلاً: أَلْقِ عَصَاكَ التِي هِيَ فِي يَدِكَ اليُمْنَى، فَأَلْقَاهَا فإِذا هِيَ تَهْتَزُّ بِحَرَكَةٍ سَرِيعَةٍ كَأَنَّها جَانٌّ مِنَ الحَيَّاتِ، فَخَافَ مُوسَى، وَوَلَّى مُدْبِراً، وَلَمْ يَلْتَفِتْ (وَلَمْ يُعَقِّبْ)، فَقَالَ لَهُ اللهُ تَعَالى: ارجِعُ إلى المَكَانِ الذِي كُنْتَ تَقِفُ فِيه أولاً، ولا تَخَفْ فَلَنْ يُصِيبَكَ أذىً مِنها فهيَ عَصَاكَ، أردْنا أَنْ نُرِيَكَ فِيها آيةً كُبرَى، لِتَكُونَ عَوْناً لَكَ حِينَما تَذهَبُ إِلى فِرعَونَ، وَتَدعُوهُ إِلى عِبَادَةِ اللهِ.
فَرَجَعَ مُوسَى وَوَقَفَ حَيْثُ كَانَ يَقِفُ.
تَهْتَزُّ- تَتَحرَّكُ بِشِدَّةٍ واضْطِرابٍ.
كَأَنَّها جَانٌّ- حَيَّةٌ خَفيفَةٌ في سُرْعَتِهَا وَحَرَكَتِها.
لَم يُعَقَّبْ- لَمْ يَرْجِعْ عَلى عَقِبَيهِ أوْ لَمْ يَلْتَفِتْ.

.تفسير الآية رقم (32):

{اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)}
{فَذَانِكَ} {بُرْهَانَانِ} {مَلَئِهِ} {فَاسِقِينَ}
(32)- وَقَالَ اللهُ تَعَالى لِمُوسَى: أَدْخِلْ يَدَكَ في فَتْحَةِ ثَوبِكَ عِنْدَ الصَّدرِ (جَيْبِكَ) فَإِنَّها سَتَخْرُجُ بَيْضَاءَ تَتَلأْلأُ مِنْ غَيرِ سُوءٍ وَلا مَرَضٍ، فَفَعَلَ فَخَرَجَتْ بَيْضَاءَ، ثُمَّ عَادَ فَأَدْخَلَهَا، فَعَادَتْ إِلى خِلْقَتِهَا الأُولى. ثُمَّ أَمَرَخُ اللهُ تَعَالَى بِأَنْ يَضُمَّ إِليهِ جَنَاحَهُ (عَضُدَهُ- أَو يَدَهُ) إِذا شَعَرَ بِخَوْفٍ فَيزُولَ الخَوفُ عنْهُ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِمُوسَى إِنَّهُ جَعَلَ العَصَا حَيَّةً تَسْعَى، وَجَعَلَ يَدَهُ بَيْضَاءَ مِنْ غَيرِ سُوءٍ إِذا أَدْخَلَها فِي جَيبهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ آيةً وبُرهَاناً لَهُ مِنْ رَبِّه، عَلى قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى، وَعَلى صِحَّةِ نُبُوَّةِ مَنْ جَرَتْ هَاتَانِ الخَارقَتَانِ عَلَى يَديهِ.
ثُمَّ أَمَرهُ اللهُ تَعَالى بِأَنْ يَتَوجَّهَ بِهَاتَينِ الآيَتَيْنِ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَومِهِ لِيَدْعُوَهُمْ إِلى عِبادَةِ اللهِ تَعَالى، وإِلى الإِيمانِ بهِ، لأَنَّهُمْ قَومٌ ظَالِمُونَ، فَاسِقُونَ، خَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ.

.تفسير الآية رقم (33):

{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)}
(33)- فَقَالَ مُوسَى لِرَبِّهِ: إِنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ، وَهُوَ يَخَافُ إِنْ ذَهَبَ إِليهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ بِذَلِكَ الرَّجُلِ.

.تفسير الآية رقم (34):

{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)}
{هَارُونُ}
(34)- وَكانَ في لِسَانِ مُوسَى لُثغَةٌ يَجِدُ مَعَها صُعُوبةً في التَّعبيرِ، فَقَالَ لِرَبِّهِ إِنَّ أَخَاهُ هارُونَ أفْصَحُ مِنْهُ لِسَاناً، ورَجا رَبَّهُ أَنْ يُرسِلَهُ مَعَهُ لِيتَولّى التَّعبيرَ عنهُ، نَظَراً لفَصَاحَتِهِ، وَلِيُصَدِّقَهُ ويُؤَيِّدَهُ إِذا كَذَّبهُ فِرعَونُ وَقَوْمُهُ.
رِدْءاً- عَوْناً ومُؤَيِّداً.

.تفسير الآية رقم (35):

{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)}
{سُلْطَاناً} {بِآيَاتِنَآ} {الغالبون}
(35)- فَأَجَابَهُ اللهُ تَعَالى إِنَّهُ سَيُقَوِّي أَمْرَهُ وَيُعِزُّ جَانِبَهَ بأَخِيهِ هَارُونَ، فَيَجْعَلُه نَبيّاً كَما سَأَلَ، وَسَيَجْعَلُ لَهُما قُوةً وحُجَّةً قَاهِرَةً (سُلْطَاناً) فلا يَسْتطيعُ فِرعَونُ وَمَلَؤُهُ الاعتِدَاءَ عَلَيهمَا حِينما يُبَلِّغَانِهِمْ آيَاتِ رَبِّهِمْ. وَطَمْأَنَهُ تَعَالى إِلى أَنَّهُ وأَخَاهُ وَمَنْ آمَنَ لَهُمَا سَتكُونَ الغَلَبَةُ لَهُمْ عَلَى فِرْعَونَ وَقَوْمِهِ.
سَنَشُدُّ عَضُدَكَ- سَنُقَوِّيكَ ونُعِينُكَ.
سُلْطَاناً- حُجَّةً أَوْ تَسَلُّطاً وَغَلَبَةً.

.تفسير الآية رقم (36):

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36)}
{بِآيَاتِنَا} {بَيِّنَاتٍ} {آبَآئِنَا}
(36)- فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى وَهَارُونَ إِلى فِرْعَونَ وَمَلَئِهِ، وَعَرَضَا عَلَيهِمْ ما آتاهُما اللهُ مِنَ المُعْجِزَاتِ البَاهِرَاتِ، والدَّلالاتِ القَاهِرَاتِ على صِدْقِهِما، لَمْ يَجِدْ فِرْعَونُ وَمَنْ مَعَهُ مَت يَدْحَضُونَ بِهِ بَراهينَ اللهِ وَحُجَجَهُ، فَعَدَلُوا إِلى العِنادِ والمُبَاهَتَةِ استِكْبَاراً مِنْهُم عَنِ اتِّبَاعِ الحَقِّ، فَقَالُوا: مَا هذا الذِي جَاءَ بِهِ هذا إلا سِحْرٌ مُفَتَعَلٌ وَمَصْنُوعٌ (مُفْتَرىً)؛ وَقَالُوا إِنهُم لَمْ يَسْمَعُوا فيما تَنَاقَلُوه عَنْ آبائِهِمِ الأَوَّلِينَ أَنَّ أَحَداً عَبَدَ اللهَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يُشْرِكْ بهِ شَيئاً.
مُفْتَرىً- يَنْسُبُهُ إِلى اللهِ كَذِباً.