فصل: تفسير الآية رقم (69):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (69):

{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)}
{طَّآئِفَةٌ} {الكتاب}
(69)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ حَسَدِ اليَهُودِ لِلْمُؤْمِنينَ، وَرَغْبَتِهِمْ في إضْلالِهِمْ، وَصَرْفِهِمْ عَنِ الإِيمَانِ، فَقَالَ: إنَّ طَائِفَةً مِنْ أَحْبَارِ اليَهُودِ وَرُؤَسَائِهِمْ أحَبُّوا أنْ يُوقِعُوكُمْ فِي الضَّلالَةِ بإِلْقَاءِ الشُّبُهَاتِ التِي تُشَكِّكُكُمْ في دِينِكُمْ، وَتَرُدُّكُمْ إلى مَا كُنْتُمْ عَلَيهِ مِنَ الكُفْرِ، وَلكِنَّهُمْ فِي الحَقِيقَةِ يُضِلُّونَ أنْفُسَهُمْ، وَيُفْسِدُونَ فِطْرَتَهُمْ بِاخْتِيارِهِمْ، لأنَّهُمْ يَشْغَلُونَ أنْفُسَهُمْ فِب البَحْثِ عَنْ وَسِيلةٍ لإِضْلالِكُمْ فَيَصْرِفُونَ أنْفُسَهُمْ عَنِ النَّظَرِ في طُرُقِ الهِدَايَةِ، وَلا يَشْعُرُونَ أنَّ مَكْرَهُمْ مُحِيقٌ بِهِمْ، وَانَّ عَاقِبَةَ سَعْيِهِمْ لا تَضُرُّ المُؤْمِنينَ.
وَدَّتْ- تَمَنَّتْ.
الطَّائِفَةُ- الجَمَاعَةُ.

.تفسير الآية رقم (70):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}
{ياأهل الكتاب} {بِآيَاتِ}
(70)- يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى اليَهُودِ كُفْرَهُمْ بِآيَاتِ اللهِ، وَبَرَاهِينِهِ، الوَاضِحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَهُمء يَعْلَمُونَ أنَّهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَكُتُبُهُمْ تَشْهَدُ بِصِحَّتِهَا، وَقَدْ جَاءَتْ فِيها البِشَارَةُ بِهِ، وَبَيَّنَتْ أوْصَافَهُ، وَهِيَ لا تَنْطَبِقُ إلا عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (71):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}
{ياأهل الكتاب} {بالباطل}
(71)- يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى اليَهُودِ كُفْرَهُمْ، وَخَلْطَهُمُ الحَقَّ الذِي جَاءَ بِهِ الأنْبِياءُ، وَنَزَلَتْ بِهِ الكُتُبُ، بِالشُّبُهَاتِ الوَاهِيَةِ، والتَّأوِيلاتِ البَاطِلَةِ، وَعَدَمَ إذاعَتِهِم الحَقَّ صَرِيحاً وَاضِحاً بَعِيداً عَنِ التَّخْلِيطِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنَّ عِقَابَ اللهِ عَظِيمٌ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الأعْمَالِ.
تَلْبِسُونَ- تَخْلِطُونَ وَتُمَوِّهُونَ أوْ تَسْتُرُونَ.

.تفسير الآية رقم (72):

{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)}
{طَّآئِفَةٌ} {الكتاب} {آمِنُواْ} {آخِرَهُ} {آمِنُواْ}
(72)- اقْتَرَحَتْ طَائِفَةٌ مِنَ اليَهُودِ: هُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّيْفِ، وَعَدِسُّ بْنُ زَيْدٍ، وَالحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ عَلَى إخْوَانِهِم اليَهُودِ أنْ يَكِيدُوا لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ أمْرَهُمْ، وَذَلِكَ بِأنْ يُؤْمِنَ فَرِيقٌ مِنَ اليَهُودِ بالإِسْلامِ أوَّلَ النَّهَارِ (وَجْهَ النَّهَارِ)، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَرْتَدُّونَ عَنْهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ، لِيَظُنَّ الجَهَلَةُ مِنَ المُسْلِمِينَ أنَّهُمْ إنَّما رَدَّهُمْ إلى دِينِهِمْ اطّلاعُهُمْ عَلَى نَقِيصَةٍ وَعَيْبٍ فِي دِينِ الإسْلامِ، فَيَرْتَدُّونَ هُمْ أيْضاً.
وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَؤلاءِ، وَأطْلَعَهُ عَلَى سِرِّهِمْ وَمَكْرِهِمْ، حَتَّى لا تُؤثِّرَ هَذِهِ الحِيَلُ فِي قُلُوبِ ضُعَفَاءِ الإِيمَانِ.
(وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: صَلَّتِ اليَهُودُ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم صَلاةً الصُّبْحِ، وَكَفَرُوا آخِرَ النَّهَارِ مَكْراً مِنْهُمْ لِيُرُوا النَّاسَ أنَّهُ قَدْ بَدَتْ لَهُمْ الضَّلالَةُ مِنْهُ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا اتَّبَعُوهُ).
وَجْهَ النَّهَارِ- أوَّلَهُ.

.تفسير الآية رقم (73):

{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)}
{وَاسِعٌ}
(73)- وَتَقُول هَذِهِ الطَّائِفَةُ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ: لا تَطْمَئِنُّوا وَلا تُظْهِروا أسْرَارَ دِينكُمْ، وَمَا عِنْدَكُمْ إلا لِمُتَّبِعِي دِينِكُمْ، وَلا تُظْهِرُوا شَيْئاً مِمَّا عِنْدَكُمْ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَتَعَلَّمُوا، وَيُسَاوُوكُمْ بِهِ، وَيَحْتَجُّوا بِهِ عَلَيْكُمْ.
وَقَالُوا: لا تَعْتَرِفُوا أمَامَ العَرَبِ، أوْ غَيْرِهِمْ أنَّكُمْ تَعْتَقِدُونَ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ مِنْ غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ.
وَرَدَّ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيهِمْ بِقَوْلِهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: إنَّ الرِّسَالَةَ فَضْلٌ مِنَ اللهِ، وَهوَ تَعَالَى العَلِيمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ فَيُعْطِيهِ، وَإنَّ اللهَ هُوَ الذِي يَهْدِي القُلُوبَ إلى الإيمَانِ الكَامِلِ، بِمَا يُنْزِلُ عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ مِنَ الآيَاتِ، وَالدَّلائِلِ، وَالحُجَجِ الوَاضِحَاتِ. وَإذا كُنْتُمْ يَا أيُّها اليَهُودُ تَكْتُمُونَ صِفَة مُحَمَّدٍ المُبَيَّنَةَ فِي كُتُبِكُمْ، وَوَصَلَتْكُمْ مِنْ أَنْبِيَائِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ أعْلَمَ بِهَا رَسُولَهُ. وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ الفَضْلَ وَالأمُورَ كُلَّها بِيدِ اللهِ، وَهُوَ المُعْطِي وَالمَانِعُ، يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بالإيمَانِ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَاللهُ وَاسِعُ العِلْمِ وَالفَضْلِ.
آمَنَ لَهُ- صَدَّقَهُ وَسَلَّمَ بِمَا يَقُولُ.
الفَضْلَ- هُنَا النُّبُوَّةَ. وَفي الأصْلِ الزِّيَادَةُ.
وَاسِعٌ- مَغْفِرَتُهُ وَاسِعَةٌ.

.تفسير الآية رقم (74):

{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}
(74)- وَاللهُ تَعَالَى يَخْتَصُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بَرَحْمَتِهِ، وَيَبْعَثُهُ نَبِيّاً لإبْلاغِ رِسَالاتِهِ، وَقَدِ اخْتَصَّ بِهَا مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم، وَالله هُوَ صَاحِبُ الفَضْلِ العَظِيمِ، لا يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَلا يُحْجَزُ عَلَيهِ في عَطَاءٍ.

.تفسير الآية رقم (75):

{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
{الكتاب} {قَآئِماً} {الأميين}
(75)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ خِيَانَةِ اليهُودِ، وَيُحَذِّرُ المُؤْمِنِينَ مِنَ الاغْتِرَارِ بِهِمْ، فَمِنْهُمْ جَمَاعَةٌ أُمَنَاءُ يُؤَدُّونَ مَا ائْتُمِنُوا عَلَيْهِ، حَتًّى وَلَو كَانَ قِنْطَاراً مِنَ المَالِ. وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ فِي الأَمَانَةِ، فَلا يُؤَدُّونَ مَا ائْتُمِنُوا عَلَيْهِ، إلا بِالمُلازَمَةِ وَالإِلْحَاحِ، لاسْتِخْلاصِ الحَقِّ مِنْهُمْ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ دِينَاراً وَاحِداً. وَالذِي حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ لا حَرَجَ عَلَيهِمْ فِي أَكْلِ أَمْوَالِ العَرَبِ (الأُمِّيِّينَ)، وَاعْتِقَادُهُمْ بِأَنَّ اللهَ أَحَلَّ لَهُمْ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسَ مِمَنْ هُمْ عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ بِأيَّةِ طَرِيقَةٍ كَانَتْ، بِالحِقِّ أوْ بِالبَاطِلِ. وَقَوْلُهُمْ هَذا كَذِبٌ، واعْتِقَادُهُمْ بَاطِلٌ، لأنَّ اللهَ حَرَّمَ أَكْلَ الأَمْوَالِ إلا بِحَقِهَا، وَإِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ كَذِبَ قَوْلِهِمْ هَذا، كَمَا يَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ حَرَّمَ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسَ بِالبَاطِلِ.
(وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ أنَّ جَمَاعَةً مِنَ المُسْلِمِينَ بَاعُوا إلَى اليَهُودِ بَعْضَ السِّلَعِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَا أَسْلَمُوا وَتَقَاضَوْهُمُ الثَّمَنَ قَالُوا: لَيْسَ لَكُمْ عَلَينَا أَمَانَةً، وَلا قَضَاءَ لَكُمْ عِنْدَنَا، لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ دِينَكُمْ الذِي كُنْتُمْ عَلَيهِ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَجَدُوا ذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ).
تَأمَنْهُ- تَأتَمِنْهُ مِنَ الأمَانَةِ.
الأمِّيُّونَ- العَرَبُ لأَنَّهُمْ لا يَقْرَؤُونَ وَلا يَكْتُبُونَ.
السَّبِيلُ- المُؤَاخَذَةُ أو الإِثْمُ أوِ الجُرْمُ.
عَلَيهِ قَائِماً- مُلازِماً لَهُ تُطَالِبُهُ وَتُقَاضِيهِ.

.تفسير الآية رقم (76):

{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}
(76)- وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيهمْ قَائِلاً: بَلَى عَلَيكُمْ فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ، وَعَلَيكُمُ الوَفَاءُ بِعُقُودِكُم المُؤَجَّلَةِ، وَأدَاءِ الأَمَانَاتِ لأَصْحَابِهَا، فَعَلَى أَهْلِ الكِتَابِ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِهِمْ، وَأنْ يَتَّقُوا مَحَارِمَ اللهِ، وَيَتَّبِعُوا طَاعَتَهُ وَشَرْعَهُ، لأنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ.

.تفسير الآية رقم (77):

{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}
{وَأَيْمَانِهِمْ} {أولئك} {خَلاقَ} {القيامة}
(77)- أخَذَ اللهُ المِيثَاقَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أنْ يُؤْمِنُوا بِكُلِّ نَبيّ يُرْسِلُهُ، وَأنْ يُؤَيِّدُوهُ، وَألا يَكْتُمُوا شَيْئاً مِمَّا شَرَعَ اللهُ، وَألْزَمَهُمْ شَرْعُهُمْ بِالصِّدْقِ وَالوَفَاءِ بِمَا يَتَعَاهَدُونَ عَلَيهِن وَبِمَا يَتَعَاقَدُونَ، وَبِأنْ يُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إلى أهْلِهَا، وَأنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، فَخَالَفُوا عَنْ أمْرِ اللهِ، وَكَفَرُوا بِعِيسَى وَبِمُحَمَّدٍ، وَبِغَيْرِهِمَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلامُ. وَقَتَلُوا النَّبِيِّنَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَكَتَمُوا مَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَاتِ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ، وَمِنَ التَّبْشِيرِ بِهِمَا، خَوْفاً عَلَى نُفُودِهِمْ مِنْ أنْ يَزُولَ، وَعَلَى مَوَارِدِهِمْ مِنْ أنْ تَقِلًّ، إذا بَيَّنُوا لِلنَّاسِ شَرْعَ اللهِ، لِذَلِكَ فَإِنَّهمْ قَدْ خَالَفُوا عَهْدض اللهِ وَمِيثَاقَهُ وَكَأنَّهُمْ اشْتَرَوا بِهِذا العَهْدِ قَلِيلاً مِنْ حَطَامِ الدُّنيا الفَانِيَةِ، فَهؤُلاءِ لا نَصِيبَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ولا حَظَّ، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمِ، وَإنَّما يَتَلَقَاهُمْ وَهُوَ عَلَيهِمْ غَضْبَانُ، وَيَأمُرُ بِإِلْقَائِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ لِيَنَالُوا العَذَابَ الألِيمَ الذِي يَسْتَحِقُونَهُ.
(وَهَذِهِ الآيَةُ تَنْطَبِقُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَحْلِفُ يَمِيناً كَاذِباً لِيَأكُلَ بِهَا مَالَ النًّاسِ بِالبَاطِلِ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسم مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَليهِ غَضْبَانُ، وَقَرَأ رَسُولُ اللهِ هَذِهِ الآيَةِ).
يَشْتَرُونَ- يَسْتَبْدِلُونَ.
لا يُزَكِّيهِمْ- لا يُثْنِي عَلَيْهِمء وَلا يَمْدَحُهُمْ.
العَهْدُ- عَهْدُ اللهِ إلَى النَّاسِ بِأنْ يَلْتَزِمُوا الصِّدْقَ وَالوفَاءَ بِمَا يَتَعَاهَدُونَ عَلَيهِ.
الأَيْمَانُ- يُقْصَدُ بِهَا هُنَا الأَيْمَانُ الكَاذِبَةُ.
الخَلاقُ- النَّصِيبُ وَالحَظُّ.

.تفسير الآية رقم (78):

{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}
{يَلْوُونَ} {بالكتاب}
(78)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أنَّ فَرِيقاً مِنَ اليَهُودِ (مِثْلَ كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ وَأضْرَابِهِمَا) يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيَتَأوَّلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَهُمْ يَنْسُبُونَهُ إلى اللهِ، وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى اللهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ إنهم لَكَاذِبُونَ.
ليُّ اللِّسَانِ بِالكِتَابِ- فَتْلُهُ لِلْكَلامِ، أوْ تَحْرِيفُهُ بِصَرْفِهِ عَنْ مَعْنَاهُ إلى مَعْنىً آخَرَ.

.تفسير الآية رقم (79):

{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)}
{الكتاب} {رَبَّانِيِّينَ}
(79)- مَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ آتَأهُ اللهُ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ أنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ اعْبُدُونِي مِنْ دُونِ اللهِ، وَلَكِنَّ الرَّسُولَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: اعْبُدُوا اللهَ، وَكُونُوا أهْلَ عِبَادَةٍ للهِ وَتَقْوىً (رَبَّانِيِّينَ)، وَكُونُوا فُقَهَاءً تَفْهَمُونَ شَرَائِعَ دِينِهِ، وَتَحْفَظُونَها، وَتَدْرُسُونَ كُتُبَهُ وَتَعْمَلُونَ بِهَا.
الرَّبَّانِيُّ- المَنْسُوبُ إلى الرَّبِّ، لأنَّهُ عَالِمٌ بِهِ، قَائِمٌ بِطَاعَتِهِ.
تَدْرُسُونَ- تَقْرَؤُونَ الكِتَابَ.
الحُكْمَ- الحِكْمَةَ أوِ الفَهْمَ وَالعِلْمَ.

.تفسير الآية رقم (80):

{وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}
{الملائكة} {والنبيين}
(80)- وَلا يَأمُرُكُمُ النَّبِيُّ أنْ تَعْبُدُوا أحَداً غَيْرَ اللهِ، لا نَبِيّاً مُرْسَلاً وَلا مَلَكاً مُقَرَّباً، لأنَّ عِبَادَةَ غَيرِ اللهِ كُفْرٌ. وَمَنْ دَعَا إلى عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ فَقَدْ دَعَا إِلى الكُفْرِ. وَالأنْبِيَاءُ إِنَّمَا يَأْمُرُونَ بِالإِيْمَانِ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَبإِخْلاصِ العِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مِنَ المَعْقُولِ أنْ يَدْعُوَ النَّبِيُّ النَّاسَ إلى الكُفْرِ، بَعْدَ أنْ أَسْلَمُوا وُجُوَهَهُمْ للهِ مُؤْمِنينَ مُطِيعِينَ.