فصل: تفسير الآية رقم (7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (7):

{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)}
{الوالدان}
(7)- كَانَ المُشْرِكُونَ يَجْعَلُونَ المَالَ لِلْرِجَالِ الكِبَارِ، وَلا يُوَرِثُونَ النِّسَاءَ وَلا الأَطْفَالَ، بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ لا يَتَحَمَّلُونَ أَعْبَاءَ الحُرُوبِ. فَأَبْطَلَ اللهُ تَعَالَى هَذَا التَّعَامُلَ الجَائِرَ، وَجَعَلَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ سَوَاءً فِي المِيرَاثِ. وَجَعَلَ اللهُ المِيْرَاثَ حَقّاً مُعَيَّناً مَقْطُوعاً لَيْسَ لأَحدٍ أنْ يُنْقِصَ مِنْهُ شَيْئاً، وَلا أنْ يُحَابِي.
(هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ حِينَمَا جَاءَتْ امْرَأةٌ إلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ لِي ابْنَتَانِ قَدْ مَاتَ أَبُوهُما، وَلَيْسَ لَهُمَا شَيءٌ، وَحَازَ عَمُّهُمَا المَالَ كُلَّهُ).
نَصِيبٌ- حُصَّةٌ.
المَفْرُوضُ- المُقَدَّرُ وَالمُعَيَّنُ.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)}
{أُوْلُواْ} {واليتامى} {والمساكين}
(8)- (قِيلَ إنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الفَرَائِضِ {يُوصِيكُمُ الله} وَكَانَ حُكْمُ هَذِهِ الآيَةِ مَعْمُولاً بِهِ قَبْلَ أنْ تَنْزِلَ آيَةُ الفَرَائِضِ فَلَمَّا نَزَلَتْ أُعْطِيَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ).
إنَّ هَؤُلاءِ الفُقَرَاءِ مِنَ الأَقَارِبِ الذِينَ لا يَرِثُونَ، وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ إذَا حَضَرُوا قِسْمَةَ مَالٍ وَافِرٍ، فَإِنَّ نُفُوسَهُمْ تَتُوقُ إلَى شَيءٍ مِنْهُ، فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِأَنْ يُعْطَوْا شَيْئاً مِنَ المَالِ يَكُونُ بِرّاً بِهِمْ، وَجَبْراً لِقُلُوبِهِمُ الكَسِيرَةِ، وَمَنْعاً مِنْ أنْ يَسْرِيَ الحَسَدُ إلَى نُفُوسِهِمْ. وَيَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَقُولُوا لِهَؤُلاءِ قَوْلاً طَيِّباً، تَطِيبُ بِهِ نُفُوسُهُمْ عِنْدَمَا يُعْطَوْنَ، حَتَّى لا يَثْقلَ عَلَى أَبِيِّ النَّفْسِ مِنْهُمْ مَا يَأْخُذُهُ، وَيَرَضَى الطَّامِعُ فِي أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ بِمَا أَخَذَ.
القَوْلُ المَعْرُوفِ- القَوْلُ الذِي يَطِيبُ بِهِ الخَاطِرُ.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)}
{ضِعَافاً}
(9)- نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ فِي الرَّجُلِ تَحْضُرُهُ الوَفَاةُ فَيَسْمَعَهُ رَجُلٌ يُوصِي بِوَصِيَّةٍ تُضِرُّ بِوَرَثَتِهِ، فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى الشَّخْصَ الذِي يَسْمَعُهُ أنْ يَتَّقِيَ اللهُ، وَأنْ يَوَفِّقَهُ وَيُرْشِدَهُ إلَى الصَّوَابِ، فَيَنْظُرَ لِوَرَثَتِهِ كَمَا يُحِبُّ هُوَ أنْ يُصْنَعَ بِوَرَثَتِهِ إذَا خَشِيَ الضَّيْعَةَ عَلَيهِمْ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ إنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ».
وَقِيل إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ أَمْرٌ لِلأوْلِيَاءِ وَالأَوْصِياءِ بِأَنْ يُعَامِلُوا مَنْ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنَ اليَتَامَى مُعَامَلَةً طَيِّبَةً، كَمَا يُحِبُّون أنَ يُعَامِلَ غَيْرُهُمْ أَوْلادَهُمْ لَوْ أَنَّهُمْ مَاتُوا وَتَرَكُوا ذَرِّيَّةً ضُعَفَاءَ يَحْتَاجُونَ إلَى مَنْ يَكُونُ وَلِيّاً أَوْ وَصِيّاً عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يَخْشَوْنَ الضَّيْعَةَ عَلَيْهِمْ.
لِيَخْشَ- لِيَخَفْ.
قَوْلاً سَدِيداً- قَوْلاً صَوَاباً مُنْصِفاً.

.تفسير الآية رقم (10):

{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)}
{أَمْوَالَ} {اليتامى}
(10)- يُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى الذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى بِدُونِ سَبَبٍ مَشْرُوعٍ، وَعَلَى سَبِيلِ الهَضْمِ وَالظُّلْمِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ مَا يَكُون سَبَباً فِي إِيصَالِهِمْ إلَى نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَوْ إنَّهُمْ إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً تَتَأجَّجُ. وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ: الشِّرْكَ بِاللهِ، وَالسِّحْرَ، وَقَتْلَ النَّفْسِ التِي حَرَّمَ اللهُ إلا بِالحَقِّ، وَأَكْلَ الرِّبا، وَأَكْلَ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفَ المُحْصَنَاتِ الغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ».
ظُلْماً- بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ.
سَيَصْلَوْنَ- سَيُذُوقُونَ العَذَابَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَمِنْهُ صَلَى اللَّحْمَ، إذَا شَوَاهُ عَلَى النَّارِ.
السَّعِيرُ- النَّارُ المُسْتَعِرَةُ أيِ المُشْتَعِلَةُ المُتَأَجِّجَةُ.

.تفسير الآية رقم (11):

{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)}
{ا أَوْلادِكُمْ} {وَاحِدَةً} {وَاحِدٍ} {يُوصِي} {آبَآؤُكُمْ}
(11)- يَأمُرُكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالْعَدْلِ فِي مُعَامَلَةِ أَبْنَائِكُمْ فَإِنَّ أَهْلَ الجَاهِلِيةِ كَانُوا يَجْعَلُونَ المِيْرَاثَ كُلَّهُ لِلْذُّكورِ دُونَ الإِنَاثِ، فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ فِي المِيْرَاثِ، وَجَعَلَ لِلْذَكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَينِ نَظَراً لاحْتِياجِ الرَّجُلِ إلَى مَؤُونَةِ النَّفَقَةِ، وَالكُلْفَةِ وَمُعَانَاةِ التِّجَارَةِ وَالتَّكَسُّبِ. فَإِنْ كَانَ الأوْلادُ إِنَاثاً اثْنَتَينِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، فَلَهُنَّ ثُلُثَا المِيْرَاثِ، قِيَاساً عَلَى حُكْمِ الأُخْتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا تَأْخُذَانِ ثُلُثَيِ التَّرِكَةِ، وَالبِنْتَانِ أَوْلى بِذَلِكَ مِنَ الأخْتَينِ، لِذَلِكَ اتَّفَقَ الفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُ لِلأَبَوَينِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ. وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ كَانَ لَهَا نِصْفُ المِيرَاثِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ، كَانَ لِلأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلأَبِ الثُّلُثَانِ. وَتَرِكَةُ المَيِّتِ لا تُقمُ بَيْنَ الوَرَثَةِ إلا بَعْدَ أنْ يَخْرُجَ مِنْهَا الدَّيْنَ وَالوَصِيَّةُ التِي أَوْصَى بِهَا المَيِّتُ عَلَى أنْ تَكُونَ فِي الحُدُودِ التِي عَيَّنَهَا الشَّرْعُ، فَهُما مُقَدَّمَانِ عَلَى المِيْرَاثِ. وَإذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَوَّفَى وَلَدٌ وَلَهُ أَبَوَانِ وَإِخْوَةٌ- أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ- تَنْزِلُ حِصَّةُ الأُمّ إلَى السُّدُسِ، وَلا يَسْتَفِيدُ الأَوْلادُ شَيْئاً مِنَ المِيرَاثِ بِهَذَا الحَجْبِ، وَيُحوزُ الأَبُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ المِيرَاثِ البَاقِيَةَ كُلَّها، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ إنَّ الأَبَ يَلِي نَفَقَةَ أَوْلادِهِ، أمَّا الأُمُّ فَلا تَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَتُهُمْ.
وَيَقُولُ تَعَالَى إِنَّهُ إِنَّمَا فَرَضَ لِلآبَاءِ وَالأَبْنَاءِ نَصِيباً مِنَ المِيرَاثِ، وَجَعَلَ لَهُمْ جَمِيعاً حَقّاً فِي المِيرَاثِ لأنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَأْتِيهِ النَّفْعُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الآخِرَةِ مِنْ أَبَويهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأتِيهِ مِنْ أَبْنَائِهِ، وَقَدْ يَكُونُ العَكْسُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَالذِي يَعْلَمُ ذَلِكَ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ.
الحَظُّ- النَّصِيبُ وَالحِصَّةُ.
يُوصِيكُمُ- يَعْهَدُ إِلَيْكُمْ بِأنْ تَفْعَلُوا.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}
{أَزْوَاجُكُمْ} {كَلالَةً} {وَاحِدٍ}
(12)- يُبَيّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ حُكْمَ المِيرَاثِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَبَيْنَ الإِخْوَةِ: فَلِلزَّوْجِ نِصْفُ مَالِ زَوْجَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، وَالنِّصُفُ الآخَرُ يَرِثُهُ عَصَبَتُهَا أَوْ ذَوُو أَرْحَامِهَا. أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ، فِإنَّ الزَّوْجَ يَرِثُ الرُّبْعَ. وَلِلزَّوْجَةِ رُبْعُ المِيرَاثِ إنْ لَم يَكُنْ لِزَوْجِهَا وَلَدٌ، فِإنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَرِثَتِ الزَّوْجَةُ الثُّمُنَ، بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِخْرَاجِ الوَصِيَّةِ. وَإذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أُصُولٌ (آبَاءٌ) أَوْ فُرُوعٌ (أَبْنَاءٌ أَوْ أَحْفَادٌ) وَوَرِثَهُ إِخْوَتِهِ وَحَوَاشِيهِ (وَالكَلالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الإِكْلِيلِ وَهُوَ مَا يُحِيطُ بِالرَّأْسِ مِنْ جَوَانِبِهِ) فَيُخْرَجُ الدَّيْنُ أَوْلاً، ثُمَّ تُخْرَجُ الوَصِيَّةُ، ثُمَّ تُوَزَّعُ التَّرِكَةُ مِيرَاثاً عَلَى المُسْتَحِقِّينَ. وَالأخُ المَذْكُورُ فِي هَذِهِ الآيَةِ هُوَ الأَخُ لأمٍّ، وَكَذَلِكَ الأُخْتُ. وَالإِخْوَةُ لأمٍّ يَخْتَلِفُونَ عَنْ بَقِيَّةِ الوَرَثَةِ مِنْ وُجُوهٍ:
(أ)- فَهُمْ يَرِثُونَ مَعْ مَنْ أدْلوا بِهِ وَهُوَ الأُمُّ.
(ب)- ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ سَواءٌ فِي المِيْرَاثِ.
(ج)- لا يَرِثُونَ إلا إذَا كَانَ المَيِّتْ يُورَثُ كَلالَةً، فَلا يَرِثُونَ مَعَ الأَصْلِ وَالفَرْعِ.
(د)- لا يُزَادُونَ عَنِ الثُّلُثِ وَإنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ} يَعْنِي أنْ تَكُونَ الوَصِيَّةُ التِي يُوصِي بِهَا المِيِّتُ يُقْصَدُ بِهَا العَدْلُ، وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الإِضْرَارِ وَالجُورِ وَالحَيْفِ، كَأنْ يُرِيدَ حِرْمَانَ بَعْضِ الوَرَثَةِ، أَوْ إِنْقَاصِ حِصَّتِهِمْ أوْ زِيَادَتِهَا عَمَّا فَرَضَ اللهُ لَهُمْ مِنَ الفَرِيضَةِ، فَمَنْ سَعَى فِي ذَلِكَ كَانَ كَمَنْ يُضَادُّ اللهَ فِي حُكْمِهِ وَشَرْعِهِ.
وَرَوَى ابْنُ عَبْاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: «الإِضْرَارُ فِي الوَصِيَّةِ مِنَ الكَبَائِرِ» وَاللهُ تَعَالَى عَليمٌ بِمَا يَنْفَعُكُمْ، وَهُوَ عَلِيمٌ بِنِيَّاتِ المُوَصِّينَ مِنْكُمْ، حَلِيمٌ لا يُعَجِّلُ بِالعُقُوبَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ أَحْكَامِهِ عَسَى أنْ تَتُوبُوا إِلَيهِ.
غَيْرَ مُضَارٍّ- لا يُقْصَدُ بِهِ إلى الإِضْرَارِ.
كَلالَةً- مَيِّتٌ لا وَلَدَ لَهُ وَلا وَالِدَ وَحَوْلَهُ وَرَثَةٌ مِنْ حَوَاشِيهِ.

.تفسير الآية رقم (13):

{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)}
{جَنَّاتٍ} {الأنهار} {خَالِدِينَ}
(13)- وَهَذِهِ الأَنْصِبَةُ التِي حَدَّدَهَا اللهُ تَعَالَى لِلْوَرَثَةِ بِحَسَبِ قُرْبِهِمْ مِنَ المَيِّتِ هِيَ حُدُودُ اللهِ، فَلا تَعْتَدُوا فِيها، وَلا تَتَجَاوَزُوهَا. وَمَنْ يُطِعْ أَمْرَ اللهِ، وَأَمْرَ رَسُولِهِ، فَيمَا فَرَضَهُ اللهُ لِلْوَرَثَةِ، فَلَمْ يُنْقِصْ لِبَعْضِهِمْ، وَلَمْ يَزِدْ بَعْضَهُمْ بِحِيلةٍ.. أَدْخَلَهُ اللهُ جَنَّةً تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ خَالِداً فِيها، وَهَذا هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ.
حُدُودُ اللهِ- حُدُودُ مَا شَرَعَهُ اللهُ لِعِبَادِهِ.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)}
{خَالِداً}
(14)- وَمَنْ يَعْصِ اللهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، وَيَتَعَدَّ حُدُودَ شَرْعِ اللهِ، وَيُصِرَّ عَلَى العِصْيَانِ، دُونَ اسْتِشْعَارِ خَوْفٍ أَوْ نَدَمٍ، يُدْخِلْهُ اللهُ نَاراً، وَيَبْقى خَالِداً فِيها أبَداً، وَلَهُ فِيها عَذَابٌ مُذِلٌّ مُهِينٌ.

.تفسير الآية رقم (15):

{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)}
{واللاتي} {الفاحشة} {نِّسَآئِكُمْ} {يَتَوَفَّاهُنَّ}
(15)- كَانَ الحُكْمُ فِي ابْتِدَاءِ الإِسْلامِ أنَّ المَرْأَةَ إذَا زَنَتْ، وَثَبَتَ زِنَاهَا بِالبَيِّنَةِ العَادِلَةِ، وَهِيَ شَهَادَةُ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ مِنَ الرِّجَالِ العُدُولِ، حُبِسَتْ فِي بَيْتٍ فَلا تُمَكَّنُ مِنَ الخُرُوجِ حَتَّى تَمُوتَ. وَبَقِيَ الحُكْمُ كَذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى آيَةَ النُّورِ فَنَسَخَهَا بِالجَلْدِ لِلْبِكْرِ، وَبِالرَّجْمِ لِلثَّيِّبِ، وَفْقاً لِمَا جَاءَ فِي السُنَّةِ، فَكَانَتْ هِيَ السَّبِيلُ التِي يَجْعَلُهَا اللهُ لِلْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ يَجْعَل اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً}.
الفَاحِشَةَ- هِيَ الزِّنَى فِي هَذِهِ الآيَةِ وَهِيَ لُغَةً الفِعْلُ القَبِيحُ.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)}
{واللذان} {يَأْتِيَانِهَا} {فَآذُوهُمَا}
(16)- نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الرَّجُلَينِ إذَا فَعَلا اللّوَاطَةَ، وَكَانَ الحُكْمُ أنَّهُ إذَا ثَبَتَ الفِعْلُ عَلَى الرَّجُلينِ آذَاهُما المُسْلِمُونَ بِالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالتَّعْيِيرِ، وَهَذا العِقَابُ يُنْزَلُ بِهِما إذا لَمْ يَتُوبا وَيُصْلِحَا، فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحا عَمَلَهُمَا وَغَيَّرا أَحْوَالَهما، بِالإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ مِنْ أدْرَانِ المَعَاصِي التِي فَرَطَتْ مِنْهُما، فَيَأمُرُ اللهُ تَعَالَى بِالكَفِّ عَن إِيْذَائِهِمَا بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ، لأنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَى العَبْدِ التَّائِبِ، وَهُوَ وَاسِعُ الرَّحْمَةِ.
وَبَقِيَ الحُكْمُ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَ بِآيَةِ الجَلْدِ مِنْ سُورَةِ النُّور، وَبِالسُّنَّةِ فِي رَجْمِ المُحْصَنِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَعْمَلْ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولِ بِهِ» وَمِنَ المُفَسِّرينَ مَنْ قَالَ إنَّ المَقْصُودَ هُنا الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ اللّذَانِ يَرْتَكِبَانِ جَرِيمَةَ الزِّنى. فَإذَا ثَبَتَ الفِعْلَ عَلَيْهِما، كَانَ عَلَى المُسْلِمينَ أنْ يُؤْذُوهُمَا بِالتَّوبِيخِ وَالتَّأنِيبِ، وَالأوَّلُ أَظْهَرُ.