فصل: تفسير الآية رقم (26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (26):

{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)}
(26)- إنَّ اللهَ يُرِيدُ أنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، أيُّها المُؤْمِنُونَ، مَا أَحَلَّ لَكُمْ، وَمَا حَرَّمَ عَلَيْكُم، وَأَنْ يَهْدِيكُمْ إلى سُنَنِ مَنْ كَانُوا قَبْلَكُمْ، وَطَرَائِقِهِمُ الحَمِيدَةُ، وَإلى اتِّبَاعِ شَرَائِعِهِ التِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا، وَيُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكُم مِمَّا ارْتَكَبْتُمْ مِنَ الإِثْمِ وَالمَحَارِمِ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، حَكِيمٌ فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ.
السُّنَنَ- وَاحِدَتُها سُنَّةٌ وَهِيَ الشَّرِيعَةُ وَالنَّهْجُ.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)}
{الشهوات}
(27)- وَاللهُ يُرِيدُ بِمَا شَرَعَهُ لَكُمْ مِنَ الأَحْكَامِ أنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ مَا فِيهِ مَصَالِحُكُمْ وَمَنَافِعِكُمْ، وَأَنْ تَهْتَدُوا وَتَعْمَلُوا صَالِحاً، وَتَتَّبِعُوا شَرْعَهُ لِيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَيُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِئَاتِكُمْ، وَيُرِيدُ أَتْبَاعُ الشَّيْطَانِ الضَّالُونَ أنْ تَمِيلُوا عَنِ الحَقِّ إلى البَاطِلِ مَيْلاً عَظِيماً.

.تفسير الآية رقم (28):

{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)}
{الإنسان}
(28)- وَيُريدُ اللهُ تَعَالَى أنْ يُخَفِّفَ عنَكْمُ التَّكَالِيفَ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَشَرْعِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، لأنَّ الإِنْسَانَ ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ وَعَزْمِهِ وَهِمَّتِهِ، لِذَلِكَ أَبَاحَ لَكُمُ الزَّوَاجَ مِنَ الإِمَاءِ بِشُرُوطٍ حَدَّدَهَا.

.تفسير الآية رقم (29):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)}
{يَا أَيُّهَا} {آمَنُواْ} {أَمْوَالَكُمْ} {بالباطل} {تِجَارَةً}
(29)- يَنْهَى اللهُ تَعَالَى النَّاسَ عَنْ أنْ يَأكُلَ بَعْضَهُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالبَاطِلِ، أيْ أنْ يَأخُذَهُ بِطَرِيقٍ غَيْرِ شَرْعيِّ: كَالقِمَارِ وَالرِّبَا وَالحِيَلِ وَغَيْرِها.. وَإنْ ظَهَرَتْ فِي قَالِبِ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، مِمّا يَعْلَمُ اللهُ أنَّ مَتَعَاطِيهَا إنَّمَا يُرِيدُ الحِيلَةَ لأكْلِ الرِّبا. فَاللهُ تَعَالَى يُحَرِّمُ عَلى النَّاسَ تَعَاطِي الأَسْبَابِ المُحَرَّمَةِ فِي اكْتِسَابِ الأَمْوَالِ، وَاسْتَثْنَى مِنَ التَّحْرِيمِ المُتَاجَرَةَ المَشْرُوعَةِ التِي تَتِمُّ عَنْ تَرَاضٍ بَينَ البَائِعِ وَالمُشْتَرِي، فَسَمَحَ اللهُ لِلمُؤْمِنِينَ بِتَعَاطِيهَا، وَالتَّسَبُّبِ فِي كَسْبِ الأَمْوَالِ بِهَا. وَيَنْهَى اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَنْ قَتْلِ أَنْفُسِهِمْ بِارْتِكَابِ المُحَرَّمَاتِ، وَأكْلِ الأَمْوَالِ بِالبَاطِلِ، فَإنَّ اللهَ كَانَ رَحِيماً بِهِمْ فِيمَا أمَرَهُمْ بِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْهُ، لأنَّ فِيهِ صَلاحَهُمْ.
وَهذِهِ الآيَةُ تَشْمَلُ أَيْضاً مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ قَتْلاً حَقِيقاً وَأَعْدَمَها الحَيَاةَ بِحَديدٍ أَوْ بِسُمٍّ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَهُ. وَجَعَلَ اللهُ جِنَايَةَ الإِنسَانِ عَلى غَيْرِهِ جِنَايَةً عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى البَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ.
أكَلُ المَالِ بِالبَاطِلِ- أخْذُهُ بِطَرِيقٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
{عُدْوَاناً}
(30)- وَمَنْ تَعَاطَى مَا نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مُعْتَدِياً فِيهِ عَلَى الحَقِّ، وَظَالِماً فِي تَعَاطِيهِ، وَعَارِفاً بَتَحْرِيمِهِ، وَمُتَجَاسِراً عَلَى انْتِهَاكِهِ، فَإنَّ اللهَ سَوْفَ يُعَذِّبُهُ فِي نَارِ جَهَّنَم، وَذَلِكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ عَليهِ.
عُدواناً- مُعْتَدِياً بِهِ عَلَى مَا شَرَعَهُ اللهُ.
نُصْلِيهِ نَاراً- نُدْخلُهُ فِيهَا وَنُعَذِّبُهُ.

.تفسير الآية رقم (31):

{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}
{كَبَآئِرَ}
(31)- إذَا اجْتَنَبْتُمْ مُقَارَفَةَ كَبَائِرِ الآثَامِ وَالذُّنُوبِ التِي نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهَا، كَفَّرَ عَنْكُمْ صَغَائِرَ الذُّنُوبِ، وَأَدْخَلَكُمْ فِي جَنَّتِهِ، وَرَحِمَكُمْ مَا دُمْتُمْ بَاذِلِينَ جُهْدَكُمْ فِي الاسْتِقَامَةِ.
وَاخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ فِي عَدَدَ الكَبَائِرَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا سَبْعٌ: (الشِّرْكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ التِي حَرَّمَ اللهُ إلا بِالحَقِّ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّها أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (الكَبَائِرُ إلى سَبْعِينَ أَقْرَبُ، إذْ لا صَغِيرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ، وَلا كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ). وَيُرِيدُ بِذَلِكَ أنَّ الذَنْبَ يُرْتَكَبُ لِعَارِضٍ مِنْ ثَوْرَةِ شَهْوَةٍ، أوْ غَضَبٍ، وَصَاحِبُهُ يَخَافُ اللهَ، وَلا يَسْتَّحِلُّ مَحَارِمَهُ فَهُوَ مِنَ السَّيِّئَاتِ يُكَفِّرُهَا اللهُ. وَكُلُّ ذَنْبٍ يُرْتَكَبُ مَعَ التَّهَاوُنِ بِالأَمْرِ، وَعَدَمِ المُبَالاةِ يُعَدُّ كَبِيراً مَهَمَا صَغُرَ ضَرَرُهُ، إذا كَانَ فِيهِ إِصْرَارٌ وَاسْتِهْتَارٌ.
الاجْتِنَابُ- التَّرْكُ وَالابْتِعَادُ.
السَّيِّئَاتُ- صَغَائِرُ الذُّنُوبِ.
مُدْخَلاً كَرِيماً- مُدْخَلاً حَسَناً شَرِيفاً (الجَنَّةَ).

.تفسير الآية رقم (32):

{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}
{واسألوا}
(32)- قَالَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ أُمُّ سَلَمَةٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا): يَا رَسُولَ اللهِ يَغْزُو الرِّجَالُ وَلا نَغْزُو، وَلَنَا نِصْف المِيرَاثِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لا يَتَمَنَّى الرَجُلُ فََيَقُولُ: لَيْتَ لِي مَالَ فُلانٍ، وَلُوْ أنَّ لِي مَالَ فُلانٍ. فَإِنَّ اللهَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَسَأَلُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ. وَلِكُلٍّ مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جَزَاءَ عَمَلِهِ بِحَسبِهِ إنْ خَيْراً فَخْيراً، وَإنْ شَراً فَشَراً، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الدُّنْيَا فَيُعْطِيهِ مِنْهَا، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ الفَقْرَ فَيُفْقِرَهُ، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ الآخِرَةَ فَيُهَيِّئُ لَهُ أَعْمَالَها، وَلِذَلِكَ فَضَّلَ بَعض النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ بِحَسَبِ مَرَاتِبِ اسْتِعْدَادِهِمْ، وَتَفَاوُّتِ اجْتِهَادِهِمْ فِي الحَيَاةِ.
التَّمَنِّي- هُوَ تَشَهِّي الأَمْرِ المَرْغُوبِ فِيهِ.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}
{مَوَالِيَ} {الوالدان} {أَيْمَانُكُمْ} {فَآتُوهُمْ}
(33)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ لِكُلٍّ مِنَ الرِّجَالِ الذِينَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، وَمِنَ النِّسَاءِ اللَّواتِي لَهُنَّ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ، مَوَالِيَ (وَرَثَةٌ)، لَهُمْ حَقُّ الوِلايَةِ عَلَى مَا يَتْرُكُونَ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَهَؤُلاءِ المَوَالِيَ هُمْ جَمِيعُ الوَرَثَةِ مِنَ الأُصُولِ وَالفُرُوعِ وَالحُوَاشِيَ وَالأَزْوَاجِ، وَالذِينَ عَقَدَ المُتَوَفَّى مَعَهُمْ عَقْداً مِنْ مُقْتَضَاهُ أنْ يَرِثُوهُ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ قَرَابَةٍ، فَأعْطُوا هَؤُلاءِ المَوَالِيَ نَصِيْبَهُمُ المُقَدَّرُ لُهُمْ، وَلا تُنْقِصُوهُمْ مِنْهُ شَيئاً فَإنَّ اللهَ رَقِيبٌ شَاهِدٌ عَلَى تَصَرُّفَاتِكُمْ، فَلا يَطْمَعُ مَنْ كَانَ المَالُ بِيَدِهِ أنْ يَأْكُلَ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِ الوَرَثَةِ شَيئاً، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَراً أوْ أُنْثَى، صَغِيراً أوْ كَبِيراً.
(وَيُقَالُ إنَّ المُهَاجِرِينَ فِي المَدِينَةِ آخَى الرَّسُوُل صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الأَنْصَارِ، فَكَانَ المُتآخِيَانِ يَتَوارَثَانِ بِسَبَبِ هذِهِ المُؤَاخَاةِ دُونَ سَائِرِ الوَرَثَةِ، ثُمَّ نُسِخَ هَذا التَّعَامُلِ بِهَذِهِ الآيَةِ).
(وَقَدْ عَرَفَ المُجْتَمَعُ الإِسْلامِيُّ أَنْوَاعاً مِنَ العُقُودِ أَقَرَّتْهَا الشَّرِيعَةُ الإِسْلامِيَّةُ، وَجَعَلَتْ فِيها الإِرْثَ يَذْهَبُ أَحْيَاناً لِغَيْرِ الأَقْرِبَاءِ، مِنَها عَقْدُ وَلاءِ العِتْقِ فَكَانَ المُتَوَفَّى يَرِثُهُ مَوْلاهُ إذَا مَاتَ دُونَ عِصْبَتِهِ. وَعَقْدُ المُوَالاةِ هُوَ عَقْدٌ يُبِيحُ لِغَيْرِ العَرَبِّي أنْ يَرْتَبِطَ بِعَقْدٍ مَعَ عَرَبيّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مِنْ عَصَبَتِهِ فَيَرِثُهُ إذَا مَاتَ. وَعَقْدُ المُؤَاخَاةِ الذِي عَقَدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَينَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَقَدْ أُبْطِلَتْ هَذِهِ العُقُودُ دُونَ أثَرٍ رَجْعِيٍّ).
جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ- وَرَثَةً عَصَبَةً يَرِثُونَ مِمّا يَتْرُكُ.
الذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ- حَالَفْتُمُوهُمْ وَعَاهَدْتُمُوهُمْ عَلَى التَّوارُثِ.

.تفسير الآية رقم (34):

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}
{قَوَّامُونَ} {أَمْوَالِهِمْ} {فالصالحات} {قَانِتَاتٌ} {حَافِظَاتٌ} {واللاتي}
(34)- مِنْ شَأْنِ الرَّجُلِ أنْ يَقُومَ عَلَى المَرْأَةِ بِالحِمَايَةِ وَالرِّعَايَةِ، وَلِذَلِكَ فَرَضَ اللهُ تَعَالَى الجِهَادَ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَالجِهَادُ مِن أخَصِّ شُؤُونِ الحِمَايَةِ. وَقَدْ فَضَّلَ اللهُ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ فِي الخِلْقَةِ، وَأعْطَاهُمْ مَا لَمْ يُعْطَ النِّسَاءُ مِنَ الحَوْلِ وَالقُوَّةِ، كَمَا فَضّلَهُمْ بِالقُدْرَةِ عَلَى الإِنْفَاقِ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ أَمْوالِهِمْ، فَإِنَّ فِي المُهُورِ تَعْوِيضاً لِلْنِّسَاءِ، وَمُكَافَأَةً لَهُنَّ عَلَى الدُّخُولِ تَحْتَ رِئَاسَةِ الرَّجُلِ، وَقَبُولِ القِيَامَةِ عَلَيْهِنَّ. وَالقِيَامَةُ تَعْنِي الإِرْشَادَ وَالمُرَاقَبَةَ فِي تَنْفِيذِ مَا تُرْشِدُ إلَيْهِ النِّسَاءُ، وَمُلاحَظَةَ أَعْمَالِهِنَّ، وَمِنْ ذَلِكَ حِفْظُ المَنْزِلِ، وَعَدَمِ مُفَارَقَتِهِ إلا بِإِذْنٍ، وَالانْصِرَافَ إلى وَظِيفَتِهِنَّ الفِطْرِيَّةِ مِنْ حَمْلٍ وَرَضَاعٍ وَتَرْبِيَّةٍ. وَالنِّسَاءُ الصَّالِحَاتُ مُطِيعَاتٌ لأَزْوَاجِهِنَّ، حَافِظَاتٌ لِمَا يَجْرِي بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ فِي خِلْوَاتِهِمْ، لا يُطْلِعْنَ عَلَيهِ أَحَداً، وَيَحْفَظْنَّ أَنْفُسَهُنَّ مِنْ أَيْدِي العَابِثِينَ، وَعَلَيْهِنَّ أنْ يَحْفَظَنَّ أَمْوَالَ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الضَيَاعِ، وَهَذا الصِنْفُ مِنَ النِّسَاءِ لَيْسَ لِلْرِّجَالِ عَلَيِهِنَّ سُلْطَانُ التَّأديب. أمَّا اللَّوَاتِي تَخْشَوْنَ مِنْهُنَّ أنْ لا يَقُمْنَ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى الوَجْهِ الذِي تَرْضَونَ، فَعَلَى الرِّجَالِ مُعَامَلَتُهُنَّ، مُبْتَدِئِينَ بِالوَعْظِ وَالإِرْشَادِ، وَالتَّذْكِيرِ بِوَاجِبَاتِهِنَّ، فَقَدْ يَكْفِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ، فَجَرِّبُوا الهَجْرَ فِي المَضْجَعِ، وَالإِعْرَاضِ عَنْهُنَّ، فَقَدْ يُفِيدُهُنَّ ذَلِكَ فَيَفِئْنَ إلى الصَّوَابِ. وَإذَا لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَجَرِّبُوا الضَّرْبَ غَيْرَ المُبَرِّحِ وَغَيْرَ المُؤْذِي، وَهَذا لا يَلْجَأُ إلَيْهِ إلا إذَا يَئِسَ الرَّجُلُ مِنْ رُجُوعِ المَرْأَةِ عَنْ نُشُوزِهَا إلا بِهِ.
وَإذَا أَطَاعَتِ المَرْأَةُ زَوْجَهَا فِيمَا يُرِيدُهُ مِنْهَا، مِمَّا أَبَاحَهُ اللهُ لَهُ مِنْها، فَلا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْها، وَلَيْسَ لَهُ ضَرْبَهَا، وَلا هُجْرَانَها، وَلا إِسَاءَةُ مُعَامَلَتِهَا.
وَيُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى الرِّجَالَ إذا بَغَوْا عَلَى النِّسَاءِ بَغْيِرِ سَبَبٍ، وَيُعْلِمُهُمْ بِأنَّهُ وَليُّهُنَّ، وَأنَّهُ سَيَنْتَقِمُ مِمَّنْ يَبْغِي عَلَيْهِنَّ.
قَوَّامُونَ- قِيَامَ الوُلاةِ المُصْلِحِينَ عَلَى الرَّعِيَّةِ.
قَانِتَاتٌ- مُطِيعَاتٌ لأَزْوَاجِهِنَّ.
حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ- صَائِنَاتٌ لِلْعِرْضِ وَالمَالِ فِي الغَيْبَةِ.
بِمَا حَفِظَ اللهُ- لَهُنَّ مِنْ حُقُوقِهِنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ.
النُّشُوزُ- عَدَمِ المُطَاوَعَةِ.

.تفسير الآية رقم (35):

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
{إِصْلاحاً}
(35)- إذَا وَقَعَ الشِقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجِينِ، أَسْكَنَ القَاضِي الزَّوْجَةَ إلَى جَنْبِ ثِقَةٍ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهَا، وَيَمْنَعُ مِنْهُمَا الظالِمَ مِنْ ظُلْمِهِ، فَإنْ تََفَاقَمَتِ الخُصُومَةُ بَيْنَهُما، وَصَارَتْ تُهَدِّدُ بِالانْفِصَالِ، بَعَثَ القَاضِي ثِقَةً مِنْ أَهْلِ الزَّوْجَةِ وَثِقَةً مِنْ أَهْلِ الزَّوْجِ، لِيَجْتَمِعَا وَيَنْظُرا فِي أَمْرِهِمَا، وَيَفْعَلا مَا فِيهِ المَصْلَحَةُ مِمَّا يَرَيَانِهِ مِنَ التَّفْرِيقِ أوْ التَّوْفِيقِ، وَالشَّارِعُ أَمْيَلُ إلَى التَّوْفِيقِ، لِذَلِكَ قَالَ إنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما، فَهَذِهِ الأَحْكَامُ إنَّمَا شَرَعَهَا اللهُ العَلِيمُ بِأَحْوالِ العِبَادِ وَأَخْلاقِهِمْ، وَالخَبِيرُ بِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبِأَسْبَابِهِ.